فصل: (الْهَمْزُ الْمُتَطَرِّفُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***


بَابُ السَّكْتِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَ الْهَمْزِ وَغَيْرِهِ

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى السَّكْتِ أَوَّلَ الْكِتَابِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْوَقْفِ، وَالْكَلَامُ هُنَا عَلَى مَا يُسْكَتُ عَلَيْهِ‏.‏ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّكْتُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّكْتُ عَلَى كُلِّ سَاكِنٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْلَمَ أَقْسَامُ السَّاكِنِ لِيُعْرَفَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السَّكْتُ مِمَّا لَا يَجُوزُ، فَالسَّاكِنُ الَّذِي يَجُوزُ السَّكْتُ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ فَيُسْكَتُ عَلَيْهِ لِبَيَانِ الْهَمْزَةِ وَتَحْقِيقِهِ، أَوْ لَا يَكُونُ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ، وَإِنَّمَا يُسْكَتُ عَلَيْهِ لِمَعْنًى غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

‏[‏بَيَانُ مَا يُسْكَتُ عَلَيْهِ‏]‏

فَالسَّاكِنُ الَّذِي يُسْكَتُ عَلَيْهِ لِبَيَانِ الْهَمْزِ خَوْفًا مِنْ خَفَائِهِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا فَيَكُونُ آخِرَ كَلِمَةٍ وَالْهَمْزُ أَوَّلَ كَلِمَةٍ أُخْرَى، أَوْ يَكُونَ مُتَّصِلًا فَيَكُونُ هُوَ وَالْهَمْزُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَرْفَ مَدٍّ، أَوْ غَيْرَ حَرْفِ مَدٍّ فَمِثَالُ الْمُنْفَصِلِ بِغَيْرِ حَرْفِ الْمَدِّ‏:‏ مَنْ آمَنَ، خَلَوْا إِلَى، ابْنَيْ آدَمَ، جَدِيدٍ أَفْتَرَى، عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ، فَحَدِّثْ أَلَمْ نَشْرَحْ، حَامِيَةٌ ألْهَاكُمُ وَمِنْ ذَلِكَ نَحْوُ الَارْضِ، وَالَاخِرَةَ، وَالِايْمَانَ، وَالُاولَى وَمَا كَانَ بِلَامِ الْمَعْرِفَةِ وَإِنِ اتَّصَلَ خَطًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَمِثَالُهُ بِحَرْفِ الْمَدِّ بِمَا أُنْزِلَ، قَالُوا آمَنَّا، فِي آذَانِهِمْ وَنَحْوُ يَا أَيُّهَا، يَا أُولِي، وَهَؤُلَاءِ مِمَّا كَانَ مَعَ حَرْفِ النِّدَاءِ وَالتَّنْبِيهِ وَإِنِ اتَّصَلَ فِي الرَّسْمِ أَيْضًا وَمِثَالُ الْمُتَّصِلِ بِغَيْرِ حَرْفِ مَدٍّ الْقُرْآنُ، وَالظَّمْآنُ، وَشَيْءٌ، وَشَيْئًا، وَمَسْئُولًا، وَبَيْنَ الْمَرْءِ، وَالْخَبْءَ، وَدِفْءٌ وَمِثَالُهُ بِحَرْفِ الْمَدِّ أُولَئِكَ، وَإِسْرَائِيلَ، وَالسَّمَاءَ بَنَّاءً، وَجَاءُوا، وَيُضِيءُ، وَقُرُوءٍ، وَهَنِيئًا، وَمَرِيئًا، وَمِنْ سُوءٍ فَوَرَدَ السَّكْتُ عَلَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ، وَجَاءَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ عَنْ حَمْزَةَ، وَابْنِ ذَكْوَانَ، وَحَفْصٍ، وَرُوَيْسٍ، وَإِدْرِيسَ‏.‏ فَأَمَّا حَمْزَةُ فَهُوَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ بِهِ عِنَايَةً، وَاخْتَلَفَتِ الطُّرُقُ فِيهِ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا‏.‏ فَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ السَّكْتَ عَنْهُ، وَمِنْ رِوَايَتَيْ خَلَفٍ وَخَلَّادٍ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ حَيْثُ أَتَتْ وَشَيْءٌ كَيْفَ وَقَعَتْ، أَيْ‏:‏ مَرْفُوعًا أَوْ مَجْرُورًا أَوْ مَنْصُوبًا‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ صَاحِبِ الْكَافِي، وَأَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ مِنْ طَرِيقِ الدَّانِيِّ، وَمَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ بَلِّيمَةَ، وَأَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي التَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَبِهِ ذَكَرَ الدَّانِيُّ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَيْهِ فِي التَّذْكِرَةِ، وَإِرْشَادِ أَبِي الطِّيبِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ، وَتَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ- هُوَ الْمَدُّ فِي شَيْءٍ مَعَ السَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ حَسْبُ لَا غَيْرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ ‏:‏ وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ قِرَاءَتِهِ فِي رِوَايَتَيْهِ بِالسَّكْتِ عَلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ خَاصَّةً لِكَثْرَةِ دَوْرِهَا، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ مُجَاهِدٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ حَمْزَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ خِلَافًا‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ غَلْبُونَ يُخَالِفُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّيْسِيرِ، فَإِنَّهُ نَصَّ فِيهِ- أَيِ السَّكْتِ- عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بِالسَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ، وَشَيْءٍ وَشَيْئًا حَيْثُ وَقَعَا لَا غَيْرَ، وَقَالَ فِي الْجَامِعِ ‏:‏ إِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ بِالسَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ خَاصَّةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَقَطَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ فَيُوَافِقُ التَّيْسِيرَ، أَوْ يَكُونَ مَعَ الْمَدِّ عَلَى شَيْءٍ فَيُوَافِقُ التَّذْكِرَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ رِوَايَةِ خَلَفٍ فَقَطْ، وَهُوَ طَرِيقُ أَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ، إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَيْضًا مَدَّ شَيْءٍ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏ وَرَوَى آخَرُونَ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ رِوَايَتَيْهِ مَعَ السَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَشَيْءٍ السَّكْتَ عَلَى السَّاكِنِ الْمُنْفَصِلِ مُطْلَقًا غَيْرَ حَرْفِ الْمَدِّ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَلَفٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الطَّرَسُوسِيِّ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْفَحَّامِ فِي تَجْرِيدِهِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْفَارِسِيِّ فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَأَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْكَامِلِ، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْعُنْوَانِ ذَكَرَ مَدَّ شَيْءٍ كَمَا قَدَّمْنَا‏.‏ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْهَبَ، عَنْ حَمْزَةَ مِنْ رِوَايَةِ خَلَفٍ حَسْبُ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَطَرِيقُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ صَاحِبِ الْكَافِي، وَهُوَ الَّذِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ وَالتَّيْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْفَتْحِ الْمَذْكُورِ فِي التَّجْرِيدِ، مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي الْخُرَاسَانِيِّ وَأَبِي أَحْمَدَ، إِلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي حَكَى الْمَدَّ فِي شَيْءٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَذَكَرَ عَنْ خَلَّادٍ السَّكْتَ فِيهِ وَفِي لَامِ التَّعْرِيفِ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَرَوَى آخَرُونَ عَنْ حَمْزَةَ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ السَّكْتَ مُطْلَقًا، أَيْ‏:‏ عَلَى الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ جَمْعًا مَا لَمْ يَكُنْ حَرْفَ مَدٍّ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ صَاحِبِ الْمُسْتَنِيرِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مِهْرَانَ صَاحِبِ الْغَايَةِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ سِبْطِ الْخَيَّاطِ، وَجُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَقَالَ أَبُو الْعَلَاءِ الْحَافِظُ‏:‏ إِنَّهُ اخْتِيَارُهُمْ، وَهُوَ مَذْكُورٌ أَيْضًا فِي الْكَامِلِ، وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ خَلْفٍ، عَنْ حَمْزَةَ‏.‏ وَرَوَى آخَرُونَ السَّكْتَ عَنْ حَمْزَةَ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ أَيْضًا، وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ بِذَلِكَ الْمُنْفَصِلَ وَسَوَّى بَيْنَ حَرْفِ الْمَدِّ وَغَيْرِهِ مَعَ السَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَشَيْءٍ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيِّ صَاحِبِ غَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي فِي رِوَايَةِ خَلَّادٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فِي الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الشَّذَائِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ عَلَى الشَّرِيفِ أَبِي الْفَضْلِ، عَنِ الْكَارَزِينِيِّ، عَنْهُ، وَهُوَ فِي الْكَامِلِ أَيْضًا‏.‏

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى تَرْكِ السَّكْتِ عَنْ خَلَّادٍ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ، وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَيْحٍ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَحَدُ طُرُقِ الْكَامِلِ، وَهِيَ طَرِيقُ أَبِي عَلِيٍّ الْعَطَّارِ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ الْوَزَّانِ، عَنْ خَلَّادٍ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْوَقْفِ لِحَمْزَةَ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى عَدَمِ السَّكْتِ مُطْلَقًا عَنْ حَمْزَةَ مِنْ رِوَايَتَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيِّ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَشَيْخِهِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ صَاحِبِ الْهَادِي، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ غَيْرَهُ فِي غَايَتِهِ سِوَاهُ‏.‏ فَهَذَا الَّذِي عَلِمْتُهُ وَرَدَ عَنْ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِكُلِّ ذَلِكَ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِ مَنْ ذَكَرْتُ، وَاخْتِيَارِي عَنْهُ السَّكْتَ فِي غَيْرِ حَرْفِ الْمَدِّ جَمْعًا بَيْنَ النَّصِّ وَالْأَدَاءِ وَالْقِيَاسِ، فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ خَلَفٍ وَخَلَّادٍ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْ حَمْزَةَ، قَالَ‏:‏ إِذَا مَدَدْتَ الْحَرْفَ فَالْمَدُّ يُجْزِي مِنَ السَّكْتِ قَبْلَ الْهَمْزَةِ، قَالَ‏:‏ وَكَانَ إِذَا مَدَّ، ثُمَّ أَتَى بِالْهَمْزِ بَعْدَ الْمَدِّ لَا يَقِفُ قَبْلَ الْهَمْزِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَمْزَةُ مِنْ أَنَّ الْمَدَّ يُجْزِي مِنَ السَّكْتِ مَعْنًى حَسَنٌ لَطِيفٌ دَالٌّ عَلَى وُفُورِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ بَصِيرَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادَةَ التَّمْكِينِ لِحَرْفِ الْمَدِّ مَعَ الْهَمْزَةِ إِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لَهَا؛ لِخَفَائِهَا وَبُعْدِ مَخْرَجِهَا، فَيَقْوَى بِهِ عَلَى النُّطْقِ بِهَا مُحَقَّقَةً، وَكَذَا السُّكُوتُ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا إِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لَهَا أَيْضًا‏.‏ فَإِذَا بَيَّنْتَ بِزِيَادَةِ التَّمْكِينِ لِحَرْفِ الْمَدِّ قَبْلَهَا لَمْ تَحْتَجْ أَنْ تُبَيِّنَ بِالسَّكْتِ عَلَيْهِ، وَكَفَى الْمَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَغْنَى عَنْهُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَاضِحٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ الْيَوْمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ ذَكْوَانَ فَرَوَى عَنْهُ السَّكْتَ وَعَدَمَهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ مِنْ جَمِيعِ طَرْقِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ وَكَلِمَتَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرْفَ مَدٍّ، فَقَالَ‏:‏ قَرَأْتُ لِابْنِ ذَكْوَانَ بِالْوَقْفِ وَبِالْإِدْرَاجِ عَلَى شَيْخِنَا الشَّرِيفِ، وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا فِي الْخِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِ ابْنِ عَامِرٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ السَّكْتَ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْعَلَوِيِّ، عَنِ النَّقَّاشِ، عَنِ الْأَخْفَشِ، إِلَّا أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا الْعَلَاءِ خَصَّهُ بِالْمُنْفَصِلِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ وَشَيْءٍ وَجَعَلَهُ دُونَ سَكْتِ حَمْزَةَ، فَخَالَفَ أَبَا الْعِزِّ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهَذَا الطَّرِيقِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْهُذَلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْجَنْبِيِّ عَنِ ابْنِ الْأَخْرَمِ عَنِ الْأَخْفَشِ، وَخَصَّهُ بِالْكَلِمَتَيْنِ وَالسَّكْتِ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ كُلِّهَا مَعَ التَّوَسُّطِ إِلَّا مِنَ الْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْمَدِّ الطَّوِيلِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَالْجُمْهُورُ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ مِنْ سَائِرِ الطُّرُقِ عَلَى عَدَمِ السَّكْتِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا حَفْصٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الْأُشْنَانِيِّ فِي السَّكْتِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الصَّبَاحِ عَنْهُ، فَرَوَى عَنْهُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ أَبِي هَاشِمٍ السَّكْتَ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ الْمَالِكِيُّ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الرَّوْضَةِ، عَنِ الْحَمَّامِيِّ عَنْهُ السَّكْتَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ غَيْرَ الْمَدِّ، وَلَمْ يُذْكَرْ خِلَافًا عَنِ الْأُشْنَانِيِّ فِي ذَلِكَ‏.‏ وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، عَنِ الْفَارِسِيِّ، عَنِ الْحَمَّامِيِّ، عَنْهُ السَّكْتَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ وَشَيْءٍ لَا غَيْرَ‏.‏ وَرَوَى عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ السَّامَرِّيِّ، عَنِ الْأُشْنَانِيِّ السَّكْتَ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى الْمَمْدُودِ يَعْنِي الْمُنْفَصِلَ، فَانْفَرَدَ بِالْمَمْدُودِ عَنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ طَرِيقِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَقَالَ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ‏:‏ وَقَرَأْتُ أَيْضًا عَلَى أَبِي الْفَتْحِ، عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْأُشْنَانِيِّ بِغَيْرِ سَكْتٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْهَاشِمِيِّ، عَنِ الْأُشْنَانِيِّ، قَالَ‏:‏ وَبِالسَّكْتِ آخُذُ فِي رِوَايَتَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا الطَّاهِرِ بْنَ أَبِي هَاشِمٍ رَوَاهُ عَنْهُ تِلَاوَةً، وَهُوَ مِنَ الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ وَالصِّدْقِ وَوُفُورِ الْمَعْرِفَةِ وَالْحِذْقِ بِمَوْضِعٍ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ، فَمَنْ خَالَفَهُ عَنِ الْأُشْنَانِيِّ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الدَّانِيُّ فِي أَبِي طَاهِرٍ، إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ لَمْ يَرْوُوا عَنْهُ السَّكْتَ تِلَاوَةً أَيْضًا كَالنَّهْرَوَانِيِّ، وَابْنِ الْعَلَّافِ، وَالْمَصَاحِفِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُمْ أَيْضًا مِنَ الْإِتْقَانِ وَالضَّبْطِ وَالْحِذْقِ وَالصِّدْقِ بِمَحِلٍّ لَا يُجْهَلُ، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا تِلَاوَةً عَنْهُ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ الْحَمَّامِيِّ، مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ الْحَمَّامِيِّ لَمْ يَرْوُوهُ عَنْهُ مِثْلُ أَبِي الْفَضْلِ الرَّازِيِّ، وَأَبِي الْفَتْحِ بْنِ شَيْطَا، وَأَبِي عَلِيٍّ غُلَامِ الْهَرَّاسِ، وَهُمْ مِنْ أَضْبَطِ أَصْحَابِهِ وَأَحْذَقِهِمْ‏.‏ فَظَهَرَ وَوَضَحَ أَنَّ الْإِدْرَاجَ- وَهُوَ عَدَمُ السَّكْتِ- عَنِ الْأُشْنَانِيِّ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَبِكُلٍّ مِنَ السَّكْتِ وَالْإِدْرَاجِ قَرَأْتُ مِنْ طَرِيقِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ، وَأَمَّا إِدْرِيسُ عَنْ خَلَفٍ فَاخْتُلِفَ عَنْهُ، فَرَوَى الشَّطِّيُّ وَابْنُ بُويَانَ السَّكْتَ عَنْهُ فِي الْمُنْفَصِلِ وَمَا كَانَ فِي حُكْمِهِ وَشَيْءٍ خُصُوصًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ السِّتِّ، وَغَايَةِ الِاخْتِصَارِ، وَالْكَامِلِ، وَانْفَرَدَ بِهِ عَنْ خَلَفٍ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ‏.‏ وَرَوَى عَنْهُ الْمُطَّوِّعِيُّ السَّكْتَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ وَكَلِمَتَيْنِ عُمُومًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُبْهِجِ، وَانْفَرَدَ الْهَمْدَانِيُّ عَنِ الشَّطِّيِّ فِيمَا لَمْ يَكُنِ السَّاكِنُ وَاوًا وَلَا يَاءً، يَعْنِي مِثْلَ خَلَوْا إِلَى، وَابْنَيْ آدَمَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اسْتَثْنَاهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّاكِنَيْنِ سِوَاهُ وَلَا عَمِلَ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَكُلُّهُمْ عَنْهُ بِغَيْرِ سَكْتٍ فِي الْمَمْدُودِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

أَمَّا رُوَيْسٌ فَانْفَرَدَ عَنْهُ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاضِي أَبِي الْعَلَاءِ الْقَاضِي، عَنِ النَّخَّاسِ، عَنِ التَّمَّارِ، عَنْهُ بِالسَّكْتِ اللَّطِيفِ دُونَ سَكْتِ حَمْزَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ كَلِمَةٍ وَكَلِمَتَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَمْدُودِ حَسْبَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ فِي الْإِرْشَادِ السَّكْتُ عَلَى الْمَمْدُودِ الْمُنْفَصِلِ، وَلَمَّا قَرَأْتُ عَلَى الْأُسْتَاذِ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ أَوْقَفْتُهُ عَلَى كَلَامِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ‏:‏ هَذَا شَيْءٌ لَمْ نَقْرَأْ بِهِ وَلَا يَجُوزُ‏.‏ ثُمَّ رَأَيْتُ نُصُوصَ الْوَاسِطِيِّينَ أَصْحَابِ أَبِي الْعِزِّ وَأَصْحَابِهِمْ عَلَى مَا نَصَّ فِي الْكِفَايَةِ، وَأَخْبَرَنِي بِهِ ابْنُ اللَّبَّانِ وَغَيْرُهُ تِلَاوَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِي يَسْكُتُ عَلَيْهِ لِغَيْرِ قَصْدِ تَحْقِيقِ الْهَمْزِ فَأَصْلٌ مُطَّرِدٌ وَأَرْبَعُ كَلِمَاتٍ، فَالْأَصْلُ الْمُطَّرِدُ حُرُوفُ الْهِجَاءِ الْوَارِدَةُ فِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ نَحْوُ الم، الر، كهيعص، طه، طسم، طس، ص، ن فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِالسَّكْتِ عَلَى كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ سَكْتِهِ إِظْهَارُ الْمُدْغَمِ مِنْهَا وَالْمَخْفِيِّ وَقَطْعِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ بَعْدَهَا لِيُبَيَّنَ بِهَذَا السَّكْتِ أَنَّ الْحُرُوفَ كُلَّهَا لَيْسَتْ لِلْمَعَانِي كَالْأَدَوَاتِ لِلْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ، بَلْ هِيَ مَفْصُولَةٌ، وَإِنِ اتَّصَلَ رَسْمًا وَلَيْسَتْ بِمُؤْتَلِفَةٍ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَأُورِدَتْ مُفْرَدَةً مِنْ غَيْرِ عَامِلٍ وَلَا عَطْفٍ، فَسُكِّنَتْ كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إِذَا وَرَدَتْ مِنْ غَيْرِ عَامِلٍ وَلَا عَطْفٍ، فَنَقُولُ‏:‏ وَاحِدْ اثْنَيْنْ ثَلَاثَةْ أَرْبَعَةْ‏.‏‏.‏‏.‏ هَكَذَا، وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ ابْنِ جَمَّازٍ بِوَصْلِ هَمْزَةِ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ تَتْمِيمٍ الم كَالْجَمَاعَةِ، وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ بِعَدَمِ ذِكْرِ السَّكْتِ لِأَبِي جَعْفَرٍ فِي الْحُرُوفِ كُلِّهَا، وَذَكَرَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ عَدَمَ السَّكْتِ فِي السِّينِ مِنْ طس تِلْكَ وَالصَّحِيحُ السَّكْتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى الْحُرُوفِ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ وِفَاقًا لِإِجْمَاعِ الثِّقَاةِ النَّاقِلِينَ ذَلِكَ عَنْهُ نَصًّا وَأَدَاءً، وَبِهِ قَرَأْتُ وَبِهِ آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا الْكَلِمَاتُ الْأَرْبَعُ فَهِيَ عِوَجًا أَوَّلَ الْكَهْفِ وَمَرْقَدِنَا فِي يس، وَمَنْ رَاقَ فِي الْقِيَامَةِ، وَبَلْ رَانَ فِي التَّطْفِيفِ، فَاخْتُلِفَ عَنْ حَفْصٍ فِي السَّكْتِ عَلَيْهَا وَالْإِدْرَاجِ، فَرَوَى جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقَيْ عُبَيْدٍ وَعَمْرٍو السَّكْتَ عَلَى الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ مِنَ التَّنْوِينِ فِي عِوَجًا ثُمَّ يَقُولُ قَيِّمًا وَكَذَلِكَ عَلَى الْأَلِفِ مِنْ مَرْقَدِنَا ثُمَّ يَقُولُ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَكَذَلِكَ عَلَى النُّونِ مِنْ مَنْ ثُمَّ يَقُولُ رَاقٍ وَكَذَلِكَ عَلَى اللَّامِ مِنْ بَلْ ثُمَّ يَقُولُ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَهَذَا الَّذِي فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالْهَادِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالتَّذْكِرَةِ وَغَيْرِهَا‏.‏ وَرَوَى الْإِدْرَاجَ فِي الْأَرْبَعَةِ كَالْبَاقِينَ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، فَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ حَفْصٍ وَغَيْرِهِ، وَرَوَى عَنْهُ كُلًّا مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ فِي تَجْرِيدِهِ، فَرَوَى السَّكْتَ فِي عِوَجًا وَمَرْقَدِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْهُ‏.‏ وَرَوَى الْإِدْرَاجَ كَالْجَمَاعَةِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ الصَّبَاحِ عَنْهُ‏.‏ وَرَوَى السَّكْتَ فِي مَنْ رَاقَ وَبَلْ رَانَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْفَارِسِيِّ، عَنْ عَمْرٍو، وَمِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي، عَنْ عُبَيْدٍ فَقَطْ، وَرَوَى الْإِدْرَاجَ كَالْجَمَاعَةِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى ابْنِ نَفِيسٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدٍ وَالْمَالِكِيِّ مِنْ طَرِيقَيْ عَمْرٍو وَعُبَيْدٍ جَمِيعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَاتَّفَقَ صَاحِبُ الْمُسْتَنِيرِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِرْشَادِ عَلَى الْإِدْرَاجِ فِي عِوَجًا وَمَرْقَدِنَا كَالْجَمَاعَةِ، وَعَلَى السَّكْتِ فِي الْقِيَامَةِ فَقَطْ، وَعَلَى الْإِظْهَارِ مِنْ غَيْرِ سَكْتٍ فِي التَّطْفِيفِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِظْهَارِ السَّكْتُ‏.‏ فَإِنَّ صَاحِبَ الْإِرْشَادِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كِفَايَتِهِ، وَصَاحِبُ الْمُبْهِجِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ، وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فِي غَايَتِهِ السَّكْتَ فِي عِوَجًا فَقَطْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ شَيْئًا‏.‏ بَلْ ذَكَرَ الْإِظْهَارَ فِي مَنْ رَاقٍ، وَبَلْ رَانَ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ فَثَبَتَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْخِلَافُ، عَنْ حَفْصٍ مِنْ طَرِيقَيْهِ، وَصَحَّ الْوَجْهَانِ مِنَ السَّكْتِ وَالْإِدْرَاجِ عَنْهُ، وَبِهِمَا عَنْهُ آخُذُ‏.‏

وَوَجْهُ السَّكْتِ فِي عِوَجًا قَصْدُ بَيَانِ أَنَّ قَيِّمًا بَعْدَهُ لَيْسَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْلَهُ فِي الْإِعْرَابِ‏.‏ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ أَنْزَلَهُ قَيِّمًا فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْهَاءِ فِي أَنْزَلَهُ وَفِي مَرْقَدِنَا بَيَانٌ أَنَّ كَلَامَ الْكُفَّارِ قَدِ انْقَضَى، وَأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَهُوَ إِمَّا مِنْ كَلَامِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مِنْ كَلَامِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي الْوَقْفِ وَالِابْتِدَاءِ وَفِي مَنْ رَاقٍ، وَبَلْ رَانَ قَصْدُ بَيَانِ اللَّفْظِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

تَنْبِيهَاتٌ‏:‏

الْأَوَّلُ إِنَّمَا يَتَأَتَّى السَّكْتُ حَالَ وَصْلِ السَّاكِنِ بِمَا بَعْدَهُ، أَمَّا إِذَا وَقَفَ عَلَى السَّاكِنِ فِيمَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ مِمَّا انْفَصَلَ خَطًّا، فَإِنَّ السَّكْتَ الْمَعْرُوفَ يَمْتَنِعُ وَيَصِيرُ الْوَقْفَ الْمَعْرُوفَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْكَلِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْهَمْزَةُ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا، فَإِنَّ لِحَمْزَةَ فِي ذَلِكَ مَذْهَبًا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي، وَأَمَّا غَيْرُ حَمْزَةَ، فَإِنْ كَانَ الْهَمْزَةُ مُتَوَسِّطًا كَـ الْقُرْآنُ، وَالظَّمْآنُ، وَشَيْئًا، وَالْأَرْضُ فَالسَّكْتُ أَيْضًا، إِذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ‏.‏ وَكَذَا إِنْ كَانَ مُبْتَدَأً وَوُصِلَ بِالسَّاكِنِ قَبْلَهُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مُتَطَرِّفًا وَقَفَ بِالرَّوْمِ، فَكَذَلِكَ فَإِنْ وَقَفَ بِالسُّكُونِ امْتَنَعَ السَّكْتُ مِنْ أَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَعَدَمِ الِاعْتِمَادِ فِي الْهَمْزِ عَلَى شَيْءٍ‏.‏

الثَّانِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ إِذَا قُرِئَ بِالسَّكْتِ لِابْنِ ذَكْوَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَدِّ الطَّوِيلِ وَمَعَ التَّوَسُّطِ لِوُرُودِ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ، فَإِنْ قُرِئَ بِهِ لِحَفْصٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الْمَدِّ‏.‏ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّ السَّكْتَ إِنَّمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ الْأُشْنَانِيِّ مِنْ عُبَيْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْمَدُّ، وَالْقَصْرُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ الْفِيلِ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ حَفْصٍ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْإِدْرَاجُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الثَّالِثُ إِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ، عَنْ حَمْزَةَ السَّكْتُ، أَوِ التَّحْقِيقُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ السَّكْتِ إِذَا وَقَفَ، فَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ وَالْهَمْزُ فِي الْكَلِمَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ كَمَا سَيَأْتِي يَنْسَخُ السَّكْتَ وَالتَّحْقِيقَ، وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ فِي كَلِمَةٍ وَالْهَمْزُ فِي أَوَّلِ كَلِمَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الَّذِي مَذْهَبُهُ تَخْفِيفُ الْمُنْفَصِلِ كَمَا سَيَأْتِي يَنْسَخُ تَخْفِيفَهُ سَكْتُهُ وَعَدَمُهُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّخْفِيفُ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ فِي نَحْوِ الْأَرْضُ، وَالْإِنْسَانُ سِوَى وَجْهَيْنِ، وَهُمَا‏:‏ النَّقْلُ وَالسَّكْتُ؛ لِأَنَّ السَّاكِتِينَ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَصْلًا مِنْهُمْ مَنْ يَنْقُلُ وَقَفًا كَأَبِي الْفَتْحِ عَنْ خَلَفٍ، وَالْجُمْهُورِ عَنْ حَمْزَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْقُلُ مِنْ أَجْلِ تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ، فَيُقِرُّهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا لَوْ وَصَلَ كَابْنَيْ غَلْبُونَ، وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَمَكِّيٍّ، وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْكُتْ عَلَيْهِ كَالْمَهْدَوِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ، عَنْ حَمْزَةَ، وَكَأَبِي الْفَتْحِ، عَنْ خَلَّادٍ فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى النَّقْلِ وَقْفًا لَيْسَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَيَجِيءُ فِي نَحْوِ قَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ آمَنَ، وَقُلْ أُوحِيَ الثَّلَاثَةُ الْأَوْجُهِ- أَعْنِي السَّكْتَ وَعَدَمَهُ وَالنَّقْلَ؛ وَلِذَلِكَ تَجِيءُ الثَّلَاثَةُ فِي نَحْوِ قَالُوا آمَنَّا، وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَمَا أَنْزَلَ وَأَمَّا يَا أَيُّهَا، وَهَؤُلَاءِ فَلَا يَجِيءُ فِيهِ سِوَى وَجْهَيِ التَّحْقِيقِ وَالتَّخْفِيفِ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ سَكْتٌ؛ لِأَنَّ رُوَاةَ السَّكْتِ فِيهِ مُجْمِعُونَ عَلَى تَحْقِيقِهِ وَقْفًا‏.‏ فَامْتَنَعَ السَّكْتُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

الرَّابِعُ لَا يَجُوزُ مَدُّ شَيْءٍ لِحَمْزَةَ حَيْثُ قُرِئَ بِهِ إِلَّا مَعَ السَّكْتِ إِمَّا عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ فَقَطْ، أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَدِّ الْمُنْفَصِلِ، وَظَاهِرُ التَّبْصِرَةِ الْمَدُّ عَلَى شَيْءٍ لِخَلَّادٍ مَعَ عَدَمِ السَّكْتِ الْمُطْلَقِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَذَكَرَ أَبُو الطِّيبِ مَدَّ شَيْءٍ فِي رِوَايَتَيْهِ، وَبِهِ آخُذُ‏.‏ انْتَهَى، وَلَمْ يَتَقَدَّمِ السَّكْتُ إِلَّا لِخَلَفٍ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَذْهَبُ أَبِي الطِّيبِ الْمَدَّ عَنْ خَلَّادٍ فِي شَيْءٍ مَعَ عَدَمِ السَّكْتِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَإِنَّ أَبَا الطِّيبِ الْمَذْكُورَ هُوَ ابْنُ غَلْبُونَ صَاحِبُ كِتَابِ الْإِرْشَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ مَدَّ شَيْءٍ لِحَمْزَةَ مَعَ السَّكْتِ عَلَى لَامِ التَّعْرِيفِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَدَّ شَيْءٍ قَائِمٌ مَقَامَ السَّكْتِ فِيهِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ وَجْهِ السَّكْتِ، وَكَذَا قَرَأْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

بَابُ الْوَقْفِ عَلَى الْهَمْزِ

وَهُوَ بَابٌ مُشْكَلٌ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ تَحْقِيقِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَأَحْكَامِ رَسْمِ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَتَمْيِيزِ الرِّوَايَةِ، وَإِتْقَانِ الدِّرَايَةِ‏.‏

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو شَامَةَ‏:‏ هَذَا الْبَابُ مِنْ أَصْعَبِ الْأَبْوَابِ نَظْمًا وَنَثْرًا فِي تَمْهِيدِ قَوَاعِدِهِ، وَفَهْمِ مَقَاصِدِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلِكَثْرَةِ تَشَعُّبِهِ أَفْرَدَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مِهْرَانَ الْمُقْرِئُ- رَحِمَهُ اللَّهُ- تَصْنِيفًا حَسَنًا جَامِعًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَوَجَدَ أَكْثَرَهُمْ لَا يَقُومُونَ بِهِ حَسَبَ الْوَاجِبِ فِيهِ إِلَّا الْحَرْفَ بَعْدَ الْحَرْفِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَأَفْرَدَهُ أَيْضًا بِالتَّأْلِيفِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ، وَأَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ بَصْخَانَ، وَالْجَعْبَرِيِّ، وَابْنِ جُبَارَةَ، وَغَيْرِهِمْ، وَوَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ فِيهِ أَوْهَامٌ سَنَقِفُ عَلَيْهَا، وَلَمَّا كَانَ الْهَمْزُ أَثْقَلَ الْحُرُوفِ نُطْقًا وَأَبْعَدُهَا مَخْرَجًا تَنَوَّعَ الْعَرَبُ فِي تَخْفِيفِهِ بِأَنْوَاعِ التَّخْفِيفِ كَالنَّقْلِ، وَالْبَدَلِ، وَبَيْنَ بَيْنَ، وَالْإِدْغَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ أَكْثَرَهُمْ لَهُ تَخْفِيفًا؛ وَلِذَلِكَ أَكْثَرُ مَا يَرِدُ تَخْفِيفُهُ مِنْ طُرُقِهِمْ كَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ فُلَيْحٍ، وَكَنَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْشٍ وَغَيْرِهِ، وَكَأَبِي جَعْفَرٍ مِنْ أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ وَلَا سِيَّمَا رِوَايَةُ الْعُمَرِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكَدْ يُحَقِّقُ هَمْزَةً وَصْلًا، وَكَابْنِ مُحَيْصِنٍ قَارِئِ أَهْلِ مَكَّةَ مَعَ ابْنِ كَثِيرٍ وَبَعْدِهِ، وَكَأَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّ مَادَّةَ قِرَاءَتِهِ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَكَذَلِكَ عَاصِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْشَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ حَيْثُ إِنَّ رِوَايَتَهُ تَرْجِعُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ مَا هَمَزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا الْخُلَفَاءُ، وَإِنَّمَا الْهَمْزُ بِدْعَةٌ ابْتَدَعُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ‏.‏ فَقَالَ أَبُو شَامَةَ الْحَافِظُ‏:‏ هُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ؛ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ هَذَا هُوَ الزَّيْدِيُّ، وَهُوَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ‏:‏ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ‏.‏ وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ كَانَتْ لُغَتُهُ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِالْهَمْزِ إِلَّا فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْقَصْدُ أَنَّ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ وَلَا غَرِيبٍ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَّا وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ، إِمَّا عُمُومًا وَإِمَّا خُصُوصًا، كَمَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقَدْ أَفْرَدَ لَهُ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ أَنْوَاعًا تَخُصُّهُ، وَقَسَّمُوا تَخْفِيفَهُ إِلَى وَاجِبٍ وَجَائِزٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ أَوْ غَالِبُهُ وَرَدَتْ بِهِ الْقِرَاءَةُ، وَصَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، إِذْ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَصِحَّ فِي الْقِرَاءَةِ مَا لَا يَسُوغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ قَدْ يَسُوغُ فِي الْعَرَبِيَّةِ مَا لَا يَصِحُّ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنِ الْأَوَّلِ، وَمِمَّا صَحَّ فِي الْقِرَاءَةِ وَشَاعَ فِي الْعَرَبِيَّةِ الْوَقْفُ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزِ وَإِنْ كَانَ يُحَقَّقُ فِي الْوَصْلِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَحَلُّ اسْتِرَاحَةِ الْقَارِئِ وَالْمُتَكَلِّمِ؛ وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ فِيهِ الْحَرَكَاتُ وَالتَّنْوِينُ، وَأُبْدِلَ فِيهِ تَنْوِينُ الْمَنْصُوبَاتِ، وَجَازَ فِيهِ الرَّوْمُ وَالْإِشْمَامُ وَالنَّقْلُ وَالتَّضْعِيفُ، فَكَانَ تَخْفِيفُ الْهَمْزِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَحَقَّ وَأَحْرَى‏.‏ قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هَذَا مَذْهَبٌ مَشْهُورٌ وَلُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يُحْذَفُ الْهَمْزُ فِي السَّكْتِ- يَعْنِي الْوَقْفَ- كَمَا يُحْذَفُ الْإِعْرَابُ فَرْقًا بَيْنَ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ مَذْهَبٌ حَسَنٌ‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لُغَةُ أَكْثَرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَزَالَةِ وَالْفَصَاحَةِ تَرْكُ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ فِي الدَّرْجِ وَالْمُتَحَرِّكَةِ عِنْدَ السَّكْتِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَتَخْفِيفُ الْهَمْزِ فِي الْوَقْفِ مَشْهُورٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، أَفْرَدُوا لَهُ بَابًا وَأَحْكَامًا، وَاخْتَصَّ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِمَذَاهِبَ عُرِفَتْ بِهِمْ وَنُسِبَتْ إِلَيْهِمْ كَمَا نُشِيرُ إِلَيْهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-‏.‏

وَقَدِ اخْتَصَّ حَمْزَةُ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ قِرَاءَتَهُ اشْتَمَلَتْ عَلَى شِدَّةِ التَّحْقِيقِ وَالتَّرْتِيلِ وَالْمَدِّ وَالسَّكْتِ، فَنَاسَبَ التَّسْهِيلُ فِي الْوَقْفِ؛ وَلِذَلِكَ رَوَيْنَا عَنْهُ الْوَقْفَ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزِ إِذَا قَرَأَ بِالْحَدْرِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عِنْدَهُ وَثُبُوتِ النَّقْلِ بِهِ لَدَيْهِ‏.‏ فَقَدْ قَالَ فِيهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ‏:‏ مَا قَرَأَ حَمْزَةُ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا بِأَثَرٍ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَقَدْ وَافَقَ حَمْزَةَ عَلَى تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي الْوَقْفِ حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الْأَعْمَشُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ، وَسَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ الطَّوِيلُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَعَلَى تَسْهِيلِ الْمُتَطَرِّفِ مِنْهُ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ فِي أَحَدِ وَجْهَيْهِ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، عَنْ قَالُونَ فِي الْمَنْصُوبِ الْمُنَوَّنِ، وَسَأُبَيِّنُ أَقْسَامَ الْهَمْزِ فِي ذَلِكَ، وَأُوَضِّحُهُ، وَأُقَرِّبُهُ، وَأَكْشِفُهُ، وَأُهَذِّبُهُ، وَأُحَرِّرُهُ، وَأُرَتِّبُهُ، لِيَكُونَ عُمْدَةً لِلْمُبْتَدِئِينَ، وَتَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ‏.‏

فَأَقُولُ الْهَمْزُ يَنْقَسِمُ إِلَى سَاكِنٍ وَمُتَحَرِّكٍ‏.‏

‏[‏الْهَمْزُ السَّاكِنُ‏]‏

فَالسَّاكِنُ يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَطَرِّفٍ، وَهُوَ مَا يَنْقَطِعُ الصَّوْتُ عَلَيْهِ، وَإِلَى مُتَوَسِّطٍ، وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، أَمَّا السَّاكِنُ الْمُتَطَرِّفُ فَيَنْقَسِمُ إِلَى لَازِمٍ لَا يَتَغَيَّرُ فِي حَالَيْهِ، وَعَارِضٍ يُسَكَّنُ وَقْفًا، وَيَتَحَرَّكُ بِالْأَصَالَةِ وَصْلًا، فَالسَّاكِنُ اللَّازِمُ يَأْتِي قَبْلَهُ مَفْتُوحٌ مِثْلَ اقْرَأْ وَمَكْسُورٌ مِثْلَ نَبِّئْ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَهُ مَضْمُومٌ، وَمِثَالُهُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ لَمْ يَسُؤْ وَالسَّاكِنُ الْعَارِضُ يَأْتِي قَبْلَهُ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ، فَمِثَالُهُ وَقَبْلَهُ الضَّمُّ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ، إِنِ امْرُؤٌ وَمِثَالُهُ وَقَبْلَهُ الْكَسْرُ مِنْ شَاطِئِ، وَيُبْدِئُ، وَقُرِئَ وَمِثَالُهُ وَقَبْلَهُ الْفَتْحُ بَدَأَ، وَقَالَ الْمَلَأُ‏.‏ وَعَنِ النَّبَأِ وَأَمَّا السَّاكِنُ الْمُتَوَسِّطُ فَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ مُتَوَسِّطٌ بِنَفْسِهِ وَمُتَوَسِّطٌ بِغَيْرِهِ‏.‏ فَالْمُتَوَسِّطُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ قَبْلَهُ ضَمٌّ نَحْوُ الْمُؤْتَفِكَةَ، وَيُؤْمِنُ وَكَسْرٌ نَحْوُ بِئْرٍ، وَنَبِّئْنَا وَمَفَتْوحٌ نَحْوُ كَأْسٍ، وَتَأْكُلُ وَالْمُتَوَسِّطُ بِغَيْرِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ مُتَوَسِّطٌ بِحَرْفٍ، وَمُتَوَسِّطٌ بِكَلِمَةٍ‏.‏ فَالْمُتَوَسِّطُ بِحَرْفٍ يَكُونُ قَبْلَهُ فَتْحٌ نَحْوُ فَأْوُوا، وَآتُوا وَلَمْ يَقَعْ قَبْلَهُ ضَمٌّ وَلَا كَسْرٌ، وَالْمُتَوَسِّطُ بِكَلِمَةٍ يَكُونُ قَبْلَهُ ضَمٌّ نَحْوُ قَالُوا ايتِنَا، وَالْمَلِكُ ايتُونِي وَكَسْرٌ نَحْوُ الَّذِي اؤْتُمِنَ، وَالْأَرْضِ ايتِنَا وَفَتْحٌ نَحْوُ الْهُدَى ايتِنَا، وَقَالَ ايتُونِي فَهَذِهِ أَنْوَاعُ الْهَمْزِ السَّاكِنِ، وَتَخْفِيفُهُ أَنْ يُبْدَلَ بِحَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ، إِنْ كَانَ قَبْلَهُ ضَمٌّ أُبْدِلَ وَاوًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ كَسْرٌ أُبْدِلَ يَاءً، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَتْحٌ أُبْدِلُ أَلِفًا، وَكَذَلِكَ يَقِفُ حَمْزَةُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا شَذَّ فِيهِ ابْنُ سُفْيَانَ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْمَغَارِبَةِ كَالْمَهْدَوِيِّ، وَابْنِ شُرَيْحٍ، وَابْنِ الْبَاذِشِ مِنْ تَحْقِيقِ الْمُتَوَسِّطِ بِكَلِمَةٍ لِانْفِصَالِهِ وَإِجْرَاءِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ بِحَرْفٍ لِاتِّصَالِهِ، كَأَنَّهُمْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى الْمُبْتَدَأِ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُمْ وَخُرُوجٌ عَنِ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْهَمَزَاتِ وَإِنْ كُنَّ أَوَائِلَ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّهُنَّ غَيْرُ مُبْتَدَآتٍ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُهُنَّ سَوَاكِنَ إِلَّا مُتَّصِلَاتٍ بِمَا قَبْلَهُنَّ؛ فَلِهَذَا حُكِمَ لَهُنَّ بِكَوْنِهِنَّ مُتَوَسِّطَاتٍ‏.‏ أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي فَأْوُوا، وَأْمُرْ، وَقَالَ ايتُونِي كَالدَّالِّ فِي فَادْعُ وَالسِّينِ فِي فَاسْتَقِمْ وَالرَّاءِ فِي قَالَ ارْجِعْ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُقَالُ‏:‏ إِنَّ الدَّالَ وَالسِّينَ وَالرَّاءَ فِي ذَلِكَ مُبْتَدَآتٌ وَلَا جَارِيَاتٌ مَجْرَى الْمُبْتَدَآتِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْهَمَزَاتُ، وَإِنْ وَقَعْنَ فَاءً مِنَ الْفِعْلِ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ فَاءٍ تَكُونُ مُبْتَدَأَةً، أَوْ جَارِيَةً مَجْرَى الْمُبْتَدَأِ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ مَذْهَبُهُ تَخْفِيفَ الْهَمْزِ السَّاكِنِ الْمُتَوَسِّطِ غَيْرَ حَمْزَةَ كَأَبِي عَمْرٍو، وَأَبِي جَعْفَرٍ، وَوَرْشٍ فَإِنَّهُمْ خَفَّفُوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ غَيْرِ خُلْفٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، بَلْ أَجْرَوْهُ مَجْرَى يُؤْتَى وَيُؤْمِنُ وَيَأْلَمُونَ، فَأَبْدَلُوهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالْعَجَبُ أَنَّ ابْنَ الْبَاذِشِ نَسَبَ تَحْقِيقَ هَذَا الْقِسْمِ لِأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ وَأَبِيهِ وَابْنِ سَهْلٍ، وَالَّذِي رَأَيْتُهُ نَصًّا فِي التَّذْكِرَةِ، هُوَ الْإِبْدَالُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي تَغْيِيرِ حَرَكَةِ الْهَاءِ مَعَ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ يَاءً قَبْلَهَا فِي قَوْلِهِ‏:‏ أَنْبِئْهُمْ فِي الْبَقَرَةِ وَنَبِّئْهُمْ فِي الْحِجْرِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرْوِي كَسْرَهَا لِأَجْلِ الْيَاءِ كَمَا كُسِرَ لِأَجْلِهَا فِي نَحْوِ فِيهِمْ، وَيُؤْتِيهِمْ فَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي الطِّيبِ ابْنِ غَلْبُونَ، وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ‏.‏ وَكَانَ آخَرُونَ يَقْرَؤُنَهَا عَلَى ضَمَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْيَاءَ عَارِضَةٌ، أَوْ لَا تُوجَدُ إِلَّا فِي التَّخْفِيفِ فَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنُ مِهْرَانَ، وَمَكِّيٌّ، وَالْمَهْدَوِيِّ، وَابْنُ سُفْيَانَ، وَالْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ‏:‏ كِلَا الْوَجْهَيْنِ حَسَنٌ‏.‏ وَقَالَ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ ‏:‏ وَهُمَا صَحِيحَانِ‏.‏ وَقَالَ فِي الْكَافِي ‏:‏ الضَّمُّ أَحْسَنُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالضَّمُّ هُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَقَدْ رَوَاهُ مَنْصُوصًا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ صَاحِبُ سُلَيْمٍ، وَإِذَا كَانَ حَمْزَةُ ضَمَّ هَاءَ عَلَيْهِمْ، وَإِلَيْهِمْ، وَلَدَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَاءَ قَبْلَهَا مُبْدَلَةٌ مَنْ أَلِفٍ، فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الضَّمَّ‏:‏ فَضَمُّ هَذِهِ الْهَاءَ أَوْلَى وَآصَلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

‏[‏الْهَمْزُ الْمُتَحَرِّكُ‏]‏

وَأَمَّا الْهَمْزُ الْمُتَحَرِّكُ فَيَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ مُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ سَاكِنٌ، وَمُتَحَرِّكٌ قَبْلَهُ مُتَحَرِّكٌ‏.‏ وَكُلٌّ مِنْهَا يَنْقَسِمُ إِلَى مُتَطَرِّفٌ وَمُتَوَسِّطٌ‏.‏

‏[‏الْهَمْزُ الْمُتَطَرِّفُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ‏]‏

فَالْمُتَطَرِّفُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ لَا يَخْلُو ذَلِكَ السَّاكِنُ قَبْلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَلِفًا، أَوْ يَاءً، أَوْ وَاوًا، أَوْ زَائِدَتَيْنِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَلِفًا، فَإِنَّهُ يَأْتِي بَعْدَهُ كُلٌّ مِنَ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ نَحْوُ جَاءَ، وَعَنْ أَشْيَاءَ، وَالسُّفَهَاءُ، وَمِنْهُ الْمَاءُ، وَمِنَ السَّمَاءِ، وَمِنَ الْمَاءِ، وَعَلَى سَوَاءٍ، وَعَلَى اسْتِحْيَاءٍ، وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ وَكَيْفِيَّةُ تَسْهِيلِ هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يُسَكَّنَ أَيْضًا لِلْوَقْفِ، ثُمَّ يُبْدَلَ أَلِفًا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهَمْزَ لَمَّا سُكِّنَ لِلْوَقْفِ لَمْ تَعُدِ الْأَلِفُ حَاجِزًا، فَقُلِبَتِ الْهَمْزَةُ مِنْ ذَلِكَ أَلِفًا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَهَلْ تَبْقَى تِلْكَ الْأَلِفُ، أَوْ تُحْذَفُ لِلسَّاكِنِ‏؟‏ سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا بَيَانُ حُكْمِ الْوَقْفِ بِالرَّوْمِ، وَاتِّبَاعِ الرَّسْمِ، وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ الْبَابِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الْهَمْزِ يَاءً، أَوْ وَاوًا زَائِدَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْيَاءِ إِلَّا فِي النَّسِيءُ وَبَرِيءٌ وَوَزْنُهُمَا فَعِيلٌ، وَلَمْ يَأْتِ فِي الْوَاوِ إِلَّا فِي قُرُوءٍ وَوَزْنُهُ فُعُولٌ وَتَسْهِيلُهُ أَنْ يُبْدَلَ الْهَمْزُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَرْفِ الزَّائِدِ وَيُدْغَمَ الْحَرْفُ فِيهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ السَّاكِنُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْحُرُوفِ فَتَسْهِيلُهُ أَنْ تُنْقَلَ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ إِلَى ذَلِكَ السَّاكِنِ وَيُحَرِّكُهَا بِهَا، ثُمَّ تُحْذَفُ هِيَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّقْلِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السَّاكِنُ صَحِيحًا، أَوْ يَاءً، أَوْ وَاوًا أَصْلِيَّيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَا حَرْفَيْ مَدٍّ أَوْ حَرْفَيْ لِينٍ بِأَيِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَتِ الْهَمْزَةُ، فَالسَّاكِنُ الصَّحِيحُ وَرَدَ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ الْهَمْزَةُ فِيهَا مَضْمُومَةٌ وَهِيَ دِفْءٌ، وَمِلْءُ، وَيَنْظُرُ الْمَرْءُ، وَلِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ وَمِنْهَا مَوْضِعَانِ الْهَمْزَةُ فِيهِمَا مَكْسُورَةٌ، وَهُمَا بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَمَوْضِعٌ وَاحِدٌ الْهَمْزَةُ فِيهِ مَفْتُوحَةٌ وَهُوَ يُخْرِجُ الْخَبْءَ وَمِثَالُ الْيَاءِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ حَرْفُ الْمَدِّ الْمُسِيءُ، وَجِيءَ، وَسِيءَ، وَيُضِيءُ وَمِثَالُهَا وَهِيَ حَرْفُ لِينٍ شَيْءٌ لَا غَيْرَ نَحْوُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَإِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ وَمِثَالُ الْوَاوِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ حَرْفُ مَدٍّ لَتَنُوءُ، وَأَنْ تَبُوءَ، وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ، وَلِيَسُوءُوا أَوَّلَ سُبْحَانَ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَمَنْ مَعَهُ، وَمِثَالُهَا حَرْفُ لِينٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ، لِلَّذِينِ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ‏.‏

‏[‏الْهَمْزُ الْمُتَطَرِّفُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ‏]‏

وَالْمُتَطَرِّفُ الْمُتَحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ هُوَ السَّاكِنُ الْعَارِضُ الْمُتَطَرِّفُ‏.‏ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ تَسْهِيلِهِ سَاكِنًا، وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَسْهِيلِهِ بِالرَّوْمِ وَاتِّبَاعِ الرَّسْمِ آخِرَ الْبَابِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

‏[‏الْهَمْزُ الْمُتَوَسِّطُ الْمُتَحَرِّكُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ‏]‏

وَأَمَّا الْهَمْزُ الْمُتَوَسِّطُ الْمُتَحَرِّكُ السَّاكِنُ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ مُتَوَسِّطٌ بِنَفْسِهِ، وَمُتَوَسِّطٌ بِغَيْرِهِ‏.‏ فَالْمُتَوَسِّطُ بِنَفْسِهِ لَا يَخْلُو ذَلِكَ السَّاكِنُ قَبْلَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَلِفًا أَوْ يَاءً زَائِدَةً، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ وَاوٌ زَائِدَةٌ‏.‏ فَإِنْ كَانَ أَلِفًا فَتَسْهِيلُهُ بَيْنَ بَيْنَ، أَيْ‏:‏ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَحَرَكَتِهِ بِأَيِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَ نَحْوُ‏:‏ شُرَكَاوُنَا، وَجَاوُا، وَأَوْلِيَاوُهُ، وَأُولَيِكَ، وَخَايِفِينَ، وَالْمَلَايِكَةُ، وَجَانَا، وَدُعَاءً وَنِدَاءً وَإِنْ كَانَ يَاءً زَائِدَةً أُبْدِلَ وَأُدْغِمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَطَرِّفِ، وَذَلِكَ نَحْوُ خَطِيَّةً، وَخَطِيَّاتِكُمْ، وَهَنِيًّا، وَمَرِيًّا، وَبَرِيُّونَ وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَيْضًا إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ يَاءً أَوْ وَاوًا أَصْلِيَّيْنِ، حَرْفَ مَدٍّ، أَوْ حَرْفَ لِينٍ، فَتَسْهِيلُهُ بِالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَطَرِّفِ سَوَاءً‏.‏ فَمِثَالُ السَّاكِنِ الصَّحِيحِ مَعَ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ‏:‏ مَسْئُولًا، وَمَذْؤُمًا وَمَعَ الْمَكْسُورَةِ الْأَفْئِدَةِ لَا غَيْرَ، وَمَعَ الْمَفْتُوحَةِ الْقُرْآنُ، وَالظَّمْآنُ، وَشَطْأَهُ، وَتَجْأرُونَ، وَهُزُؤًا، وَكُفُؤًا عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَمَنْ مَعَهُ، وَكَذَلِكَ النَّشْأَةَ، وَجُزْءٌ وَمِثَالُ الْيَاءِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ حَرْفُ مَدٍّ سِيئَتْ لَا غَيْرَ، وَمِثَالُهَا حَرْفُ لِينٍ كَهَيْئَةِ، وَاسْتَيْئَسَ، وَأَخَوَاتِهِ، وَشَيْئًا حَيْثُ وَقَعَ وَيَيْئَسِ الَّذِينَ وَمِثَالُ الْوَاوِ وَهِيَ حَرْفُ مَدٍّ السُّوأَى لَا غَيْرَ، وَمِثَالُهَا وَهِيَ حَرْفُ لِينٍ سَوْءَةَ أَخِيهِ، وَسَوْآتِكُمْ، وَسَوْآتِهِمَا، وَمَوْئِلًا، وَالْمَوْءُودَةُ لَا غَيْرَ، وَالْمُتَوَسِّطُ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ السَّاكِنِ مَا قَبْلَهُ لَا يَخْلُو ذَلِكَ السَّاكِنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِهِ رَسْمًا، أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهُ، فَالْمُتَّصِلُ يَكُونُ أَلِفًا وَغَيْرَ أَلِفٍ‏.‏ فَالْأَلِفُ تَكُونُ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ يَاءُ النِّدَاءِ، وَهَاءُ التَّنْبِيهِ، نَحْوُ‏:‏ يَا آدَمُ، يَا أُولِي، يَا أَيُّهَا كَيْفَ وَقَعَ وَهَا أَنْتُمْ، وَهَؤُلَاءِ وَغَيْرَ الْأَلِفِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ لَامُ التَّعْرِيفِ حَيْثُ وَقَعَ نَحْوُ الَارْضِ، وَالَاخِرَةَ، وَالُاولَى، وَالُاخْرَى، وَالِانْسَانَ، وَالِاحْسَانِ فَإِنَّهَا تُسَهَّلُ مَعَ الْأَلِفِ بَيْنَ بَيْنَ، وَمَعَ لَامِ التَّعْرِيفِ بِالنَّقْلِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ قَاطِبَةً، وَأَكْثَرُ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَيْهِ الدَّانِيُّ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَاخْتِيَارِي، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى شَيْخِهِ الْفَارِسِيِّ، وَرَوَاهُ مَنْصُوصًا عَنْ حَمْزَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمُتَوَسِّطِ بِزَائِدٍ، وَهُوَ مَا انْفَصَلَ حُكْمًا وَاتَّصَلَ رَسْمًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي أَقْسَامِهِ‏.‏ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى الْوَقْفِ بِالتَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْمُبْتَدَأِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَأَبِيهِ أَبِي الطِّيبِ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ، وَاخْتِيَارُ صَالِحِ بْنِ إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَوَرَدَ مَنْصُوصًا أَيْضًا عَنْ حَمْزَةَ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي‏.‏ وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ فِي مِثْلِ هَا أَنْتُمْ، وَيَا أَيُّهَا التَّحْقِيقَ لِتَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ، وَفِي غَيْرِهِ التَّخْفِيفَ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ انْفِصَالِهِ، وَقَالَ فِي الْكَافِي ‏:‏ التَّسْهِيلُ أَحْسَنُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَا أَنْتُمْ، وَيَا أَيُّهَا‏.‏

قُلْتُ‏:‏ كَأَنَّهُمَا لَحَظَا انْفِصَالَ الْمَدِّ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَّصِلٌ رَسْمًا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُتَوَسِّطِ بِزَائِدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَالْمُنْفَصِلُ رَسْمًا مِنَ الْهَمْزِ الْمُتَحَرِّكِ السَّاكِنِ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَخْلُو أَيْضًا ذَلِكَ السَّاكِنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، أَوْ حَرْفَ عِلَّةٍ، فَالصَّحِيحُ نَحْوُ مَنْ آمَنَ، قَدْ أَفْلَحَ، قُلْ إِنِّي، عَذَابٌ أَلِيمٌ، يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأَدَاءِ فِي تَسْهِيلِ هَذَا النَّوْعِ وَتَحْقِيقِهِ، فَرَوَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ حَمْزَةَ تَسْهِيلَهُ بِالنَّقْلِ، وَأَلْحَقُوهُ بِمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةٍ، وَرَوَاهُ مَنْصُوصًا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ رِجَالِهِ الْكُوفِيِّينَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيِّ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ فِي إِرْشَادِهِ، وَأَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ شُرَيْحٍ فِي كَافِيهِ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى صَاحِبِ الرَّوْضَةِ، وَهَؤُلَاءِ خَصُّوا بِالتَّسْهِيلِ مِنَ الْمُنْفَصِلِ هَذَا النَّوْعَ وَحْدَهُ، وَإِلَّا فَمَنْ عَمَّمَ تَسْهِيلَ جَمْعِ الْمُنْفَصِلِ مُتَحَرِّكًا وَسَاكِنًا كَمَا سَيَأْتِي فِي مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّينَ، فَإِنَّهُ يُسَهِّلُ هَذَا الْقِسْمَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَرَوَى الْآخَرُونَ تَحْقِيقَهُ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً، وَجَاءَ أَيْضًا مَنْصُوصًا عَنْ حَمْزَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَاصِلٍ، عَنْ خَلَفٍ، وَعَنِ ابْنِ سَعْدَانَ، كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْ حَمْزَةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ قَاطِبَةً، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُجَوِّزْ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ غَيْرَهُ، وَمَذْهَبُ شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَأَبِي الْحَسَنِ طَاهِرِ بْنِ غَلْبُونَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ مَكِّيٍّ، وَسَائِرِ مَنْ حَقَّقَ الْمُتَّصِلَ خَطًا مِنَ الْمُنْفَصِلِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى‏.‏

وَقَدْ غَلِطَ مَنْ نَسَبَ تَسْهِيلَهُ إِلَى أَبِي الْفَتْحِ مِمَّنْ شَرَحَ قَصِيدَةَ الشَّاطِبِيِّ وَظَنَّ أَنَّ تَسْهِيلَهُ مِنْ زِيَادَاتِ الشَّاطِبِيِّ عَلَى التَّيْسِيرِ لَا عَلَى طُرُقِ التَّيْسِيرِ‏.‏ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ هَذَا مِمَّا زَادَ الشَّاطِبِيُّ عَلَى التَّيْسِيرِ، وَعَلَى طُرُقِ الدَّانِيِّ، فَإِنَّ الدَّانِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي سَائِرِ مُؤَلَّفَاتِهِ فِي هَذَا النَّوْعِ سِوَى التَّحْقِيقِ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى سَائِرِ الْهَمَزَاتِ الْمُبْتَدَآتِ، وَقَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ ‏:‏ وَمَا رَوَاهُ خَلَفٌ وَابْنُ سَعْدَانَ نَصًّا، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْ حَمْزَةَ، وَتَابَعَهُمَا عَلَيْهِ سَائِرُ الرُّوَاةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ تَحْقِيقِ الْهَمَزَاتِ الْمُبْتَدَآتِ مَعَ السَّوَاكِنِ وَغَيْرِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا فَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالْوَجْهَانِ مِنَ النَّقْلِ وَالتَّحْقِيقِ صَحِيحَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا، وَبِهِمَا قَرَأْتُ، وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَإِنْ كَانَ السَّاكِنُ حَرْفَ عِلَّةٍ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَرْفَ لِينٍ أَوْ حَرْفَ مَدٍّ، فَإِنْ كَانَ حَرْفَ لِينٍ نَحْوُ خَلَوْا إِلَى، وَابْنَيْ آدَمَ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالنَّوْعِ قَبْلَهُ، وَهُوَ السَّاكِنُ الصَّحِيحُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابَيِ النَّقْلِ وَالسَّكْتِ‏.‏

فَمَنْ رَوَى نَقْلَ ذَلِكَ عَنْ حَمْزَةَ رَوَى هَذَا أَيْضًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَحَكَى ابْنُ سَوَّارٍ، وَأَبُو الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهَيْنِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ النَّقْلُ كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَالْآخَرُ أَنْ يُقْلَبَ حَرْفَ لِينٍ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا، وَيُدْغَمَ الْأَوَّلُ فِي الثَّانِي، قَالُوا‏:‏ فَيَصِيرُ حَرْفَ لِينٍ مُشَدَّدًا‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالصَّحِيحُ الثَّابِتُ رِوَايَةً فِي هَذَا النَّوْعِ هُوَ النَّقْلُ لَيْسَ إِلَّا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَقْرَأْ بِغَيْرِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شُيُوخِي، وَلَا آخُذُ بِسِوَاهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَإِذَا كَانَ حَرْفَ مَدٍّ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَلِفًا أَوْ غَيْرَهَا‏.‏ فَإِنْ كَانَ أَلِفًا نَحْوُ بِمَا أَنْزَلَ، لَنَا إِلَّا، وَاسْتَوَى إِلَى فَإِنَّ بَعْضَ مَنْ سَهَّلَ هَذَا الْهَمْزَ بَعْدَ السَّاكِنِ الصَّحِيحِ بِالنَّقْلِ سَهَّلَ الْهَمْزَةَ فِي هَذَا النَّوْعِ بَيْنَ بَيْنَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ هَاشِمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مِقْسَمٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مِهْرَانَ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ، وَالْمُطَّوِّعِيِّ، وَأَبِي الْفَتْحِ بْنِ شَيْطَا، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ، فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَبِهِ قَرَأْنَا مِنْ طَرِيقِهِمْ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي كِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ غَيْرَهُ، وَبِهِ قَرَأَ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ عَلَى شَيْخِهِ الشَّرِيفِ، عَنِ الْكَارَزِينِيِّ، عَنِ الْمُطَّوِّعِيِّ‏.‏ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ شَيْطَا‏:‏ وَالَّتِي تَقَعُ أَوَّلًا تُخَفَّفُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِاتِّصَالِهَا بِمَا قَبْلَهَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَسِّطَةِ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ، قَالَ‏:‏ وَبِهِ قَرَأْتُ‏.‏ قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ‏:‏ وَعَلَى هَذَا- يَعْنِي تَسْهِيلَ الْمُبْتَدَأَةِ حَالَةَ وَصْلِهَا بِالْكَلِمَةِ قَبْلَهَا- يَدُلُّ كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِقْسَمٍ وَيَقُولُ بِتَرْكِهَا كَيْفَ مَا وَجَدَ السَّبِيلَ إِلَيْهَا إِلَّا إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا، وَلَا يَجِدُ السَّبِيلَ إِلَى تَرْكِهَا‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ إِلَى التَّحْقِيقِ فِي هَذَا النَّوْعِ وَفِي كُلِّ مَا وَقَعَ الْهَمْزُ فِيهِ مُحَرَّكًا مُنْفَصِلًا، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ سَاكِنٌ أَوْ مُحَرَّكٌ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْمُؤَلِّفِينَ سِوَاهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ رِوَايَةً، وَبِهِ قَرَأَ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ عَلَى ابْنِ شَيْطَا، وَكَذَلِكَ قَرَأَ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ عَلَى شَيْخِهِ الشَّرِيفِ الْعَبَّاسِيِّ، عَنِ الْكَارَزِينِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّذَائِيِّ، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَمِيعِ مَنْ عَدَّهُ مِنْ أَصْحَابِ حَمْزَةَ- الْهَمْزَ فِي الْوَقْفِ إِذَا كَانَتِ الْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ‏.‏ وَكَذَا رَوَى الدَّانِيُّ، عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِهِ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ أَلِفٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَاءً أَوْ وَاوًا، فَإِنَّ مَنْ سَهَّلَ الْقِسْمَ قَبْلَهَا مَعَ الْأَلِفِ أَجْرَى التَّسْهِيلَ مَعَهَا بِالنَّقْلِ وَالْإِدْغَامِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ فِي ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ نَحْوُ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ، وَفِي أَنْفُسِكُمْ، وَأَدْعُو إِلَى ضَمِيرًا، أَوْ زَائِدًا نَحْوُ تَارِكُوا آلِهَتِنَا، ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ، قَالُوا آمَنَّا، نَفْسِي إِنْ وَبِمُقْتَضَى إِطْلَاقِهِمْ يَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي الزَّائِدِ لِلصِّلَةِ نَحْوُ بِهِ أَحَدًا، وَأَمْرُهُ إِلَى، وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي فِيهِ الْإِدْغَامَ فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَانْفَرَدَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ بِإِطْلَاقِ تَخْفِيفِ هَذَا الْقَسْمِ مَعَ قِسْمِ الْأَلِفِ قَبْلَهُ كَتَخْفِيفِهِ بَعْدَ الْحَرَكَةِ، كَأَنَّهُ يُلْغِي حُرُوفَ الْمَدِّ وَيُقَدِّرُ أَنَّ الْهَمْزَةَ وَقَعَتْ بَعْدَ مُتَحَرِّكٍ، فَتُخَفَّفُ بِحَسَبِ مَا قَبْلَهَا عَلَى الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عِنْدَ الْقُرَّاءِ وَلَا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالَّذِي قَرَأْتُ بِهِ فِي وَجْهِ التَّسْهِيلِ هُوَ مَا قَدَّمْتُ لَكَ، وَلَكِنِّي آخُذُ فِي الْيَاءِ وَالْوَاوِ بِالنَّقْلِ، إِلَّا فِيمَا كَانَ زَائِدًا صَرِيحًا لِمُجَرَّدِ الْمَدِّ وَالصِّلَةِ فَبِالْإِدْغَامِ، وَذَلِكَ كَانَ اخْتِيَارَ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّائِغِ الْمِصْرِيِّ، وَكَانَ إِمَامَ زَمَانِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْقِرَاءَاتِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

‏[‏الْمُتَوَسِّطُ الْمُتَحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ‏]‏

وَأَمَّا الْهَمْزُ الْمُتَوَسِّطُ الْمُتَحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ‏:‏ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَوَسِّطًا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ فَالْمُتَوَسِّطُ بِنَفْسِهِ لَا تَخْلُو هَمْزَتُهُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً، أَوْ مَكْسُورَةً، أَوْ مَضْمُومَةً، وَلَا تَخْلُو الْحَرَكَةُ قَبْلَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ ضَمًّا، أَوْ كَسْرًا، أَوْ فَتْحًا، فَتَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ تِسْعُ صُوَرٍ‏:‏

الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ مُؤَجَّلًا، وَيُؤَخَّرُ، وَفُؤَادُ، وَسُؤَالِ، وَلُؤْلُؤًا‏.‏

الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ مِئَةٌ، وَنَاشِئَةَ، وَنُنْشِئَكُمْ، وَسَيِّئَاتِ، وَلَيُبَطِّئَنَّ، وَشَيْئًا، وَخَاطِئَةٍ‏.‏

الثَّالِثَةُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ شَنَآنُ، وَسَأَلَهُمْ، وَمَآرِبُ، وَمَآبٍ، وَرَأَيْتَ، وَتَبُوءَ، وَنَأَى، وَمَلْجَأً، وَخَطَأً‏.‏

الرَّابِعَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ كَمَا سُئِلَ، وَسُئِلُوا‏.‏

الْخَامِسَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ إِلَى بَارِئِكُمْ، وَخَاسِئِينَ، وَمُتَّكِئِينَ‏.‏

السَّادِسَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ يَئِسَ، وَتَطْمَئِنَّ، وَجَبْرَئِلَ‏.‏

السَّابِعَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ بِرُءُوسِكُمْ، وَكَأَنَّهُ رُءُوسُ‏.‏

الثَّامِنَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ لِيُطْفِئُوا، وَأَنْبِئُونِي، وَمُسْتَهْزِءُونَ، وَسَيِّئُهُ‏.‏

التَّاسِعَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ رَءُوفٌ، وَيَدْرَءُونَ، وَيَكْلَؤُكُمْ، وَنَقْرَؤُهُ، وَتَؤُزُّهُمْ‏.‏

فَتُسَهَّلُ الْهَمْزَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى- وَهِيَ الْمَفْتُوحَةُ بَعْدَ ضَمٍّ- بِإِبْدَالِهَا وَاوًا، وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ- وَهِيَ الْمَفْتُوحَةُ بَعْدَ كَسْرٍ- بِإِبْدَالِهَا يَاءً، وَتَسْهِيلِهَا فِي الصُّوَرِ السَّبْعِ الْبَاقِيَةِ بَيْنَ بَيْنَ، أَيْ‏:‏ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَمَا مِنْهُ حَرَكَتُهَا عَلَى أَصْلِ التَّسْهِيلِ، وَحَكَى أَبُو الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ فِي الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَ فَتْحٍ إِبْدَالَهَا أَلِفًا، وَعَزَاهُ إِلَى الْمَالِكِيِّ، وَالْعَلَوِيِّ، وَابْنِ نَفِيسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا مَكِّيٌّ وَابْنُ شُرَيْحٍ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْمُطَّرِدِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِسَمَاعٍ، وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَسْهِيلَ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَ كَسْرٍ وَالْمَكْسُورَةِ بَعْدَ ضَمٍّ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَحَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا، وَالْمُتَوَسِّطُ بِغَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَهُوَ الْمُتَحَرِّكُ الْمُتَحَرِّكُ مَا قَبْلَهُ، لَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، أَوْ رَسْمًا‏.‏ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا رَسْمًا بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي دَخَلَ عَلَيْهِ كَحُرُوفِ الْعَطْفِ، وَحُرُوفِ الْجَرِّ، وَلَامِ الِابْتِدَاءِ، وَهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عِنْدَهُمْ بِالْمُتَوَسِّطِ بِزَائِدٍ، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ تَأْتِي فِيهِ مَفْتُوحَةً وَمَكْسُورَةً وَمَضْمُومَةً، وَيَأْتِي قَبْلَ كُلِّ هَذِهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ كَسْرٌ وَفَتْحٌ، فَيَصِيرُ سِتَّ صُوَرٍ‏:‏

الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ بِأَنَّهُ، بِأَنَّهُمْ، بِأَنَّكُمْ، بِأَيِّ، فَبِأَيِّ، وَلِأَبَوَيْهِ، لِأَهَبَ، فَلِأَنْفُسِكُمْ، لِآدَمَ‏.‏

الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ فَأَذَّنَ، أَفَأَمِنَ، أَفَأَمِنْتُمْ، كَأَنَّهُ، كَأَنَّهُنَّ، كَأَيِّ، كَأَمْثَالِ، فَسَأَكْتُبُهَا، أَأَنْذَرْتَهُمْ، سَأَصْرِفُ‏.‏

الثَّالِثَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ لَبِإِمَامٍ، بِإِيمَانٍ، بِإِحْسَانٍ، لِإِيلَافِ‏.‏

الرَّابِعَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ فَإِنَّهُمْ، فَإِنَّهُ، فَإِمَّا، وَإِمَّا، أَئِذَا، أَئِنَّا‏.‏

الْخَامِسَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ‏.‏

السَّادِسَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ وَأُوِحِيَ، وَأُوتِينَا، وَأُتِيَتْ، أَؤُلْقِيَ، فَأُوَارِيَ فَتَسْهِيلُ هَذَا الْقِسْمِ كَالْقِسْمِ قَبْلَهُ يُبْدَلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْمَفْتُوحَةُ بَعْدَ الْكَسْرِ يَاءً وَيُسَهَّلُ بَيْنَ بَيْنَ فِي الصُّوَرِ الْخَمْسِ الْبَاقِيَةِ، إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَنْ حَمْزَةَ فِي تَسْهِيلِهِ كَالِاخْتِلَافِ فِي تَسْهِيلِ الْمُتَوَسِّطِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ بَعْدَ السَّاكِنِ مِمَّا اتَّصَلَ رَسْمًا نَحْوُ يَا أَيُّهَا، وَالْأَرْضِ فَسَهَّلَهُ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَحَقَّقَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَسِّطُ بِغَيْرِهِ مُنْفَصِلًا رَسْمًا، فَإِنَّهُ يَأْتِي مَفْتُوحًا، وَمَكْسُورًا، وَمَضْمُومًا، وَبِحَسَبِ اتِّصَالِهِمَا قَبْلَهُ يَأْتِي بَعْدَ ضَمٍّ وَكَسْرٍ وَفَتْحٍ، فَيَصِيرُ مِنْهُ كَالْمُتَوَسِّطِ بِنَفْسِهِ تِسْعُ صُوَرٍ‏:‏

الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ مِنْهُ آيَاتٌ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا، السُّفَهَاءُ أَلَا‏.‏

الثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ، فِيهِ آيَاتٌ، أَعُوذُ بِاللَّهِ، هَؤُلَاءِ أَهْدَى‏.‏

الثَّالِثَةُ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ، إِنَّ أَبَانَا، قَالَ أَبُوهُمْ، جَاءَ أَجَلُهُمْ‏.‏

الرَّابِعَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ، النَّبِيُّ إِنَّا، مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا، نَشَاءُ إِلَى‏.‏

الْخَامِسَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ، يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ، مِنَ النُّورِ إِلَى، هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ‏.‏

السَّادِسَةُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ غَيْرَ إِخْرَاجٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ إِنِّي، إِنَّهُ، تَفِيءَ إِلَى‏.‏

السَّابِعَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ ضَمٍّ نَحْوُ الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ، كُلُّ أُولَئِكَ، وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ، أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ‏.‏

الثَّامِنَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ كَسْرٍ نَحْوُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ، فِي الْأَرْضِ أُمَمًا، فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ، عَلَيْهِ أُمَّةً‏.‏

التَّاسِعَةُ مَضْمُومَةٌ بَعْدَ فَتْحٍ نَحْوُ كَانَ أُمَّةً، هُنَّ أُمُّ، مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، جَاءَ أُمَّةً فَسَهَّلَ أَيْضًا هَذَا الْقِسْمَ مَنْ سَهَّلَ الْهَمْزَ الْمُتَوَسِّطَ الْمُنْفَصِلَ الْوَاقِعَ بَعْدَ حُرُوفِ الْمَدِّ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَتَسْهِيلُهُ كَتَسْهِيلِ الْمُتَوَسِّطِ بِنَفْسِهِ مِنَ الْمُتَحَرِّكِ‏:‏ يُبْدِلُ الْمَفْتُوحَةُ مِنْهُ بَعْدَ الضَّمِّ وَاوًا وَبَعْدَ الْكَسْرِ يَاءً، وَيُسَهِّلُ بَيْنَ بَيْنَ فِي السُّوَرِ السَّبْعِ الْبَاقِيَةِ سَوَاءً فَهَذَا جَمِيعُ أَقْسَامِ الْهَمْزِ سَاكِنَةً وَمُتَحَرِّكَةً وَمُتَوَسِّطَةً وَمُتَطَرِّفَةً، وَأَنْوَاعُ تَسْهِيلِهِ الْقِيَاسِيِّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ النَّحْوِيِّينَ وَالْقُرَّاءِ، وَقَدِ انْفَرَدَ بَعْضُ النُّحَاةِ بِنَوْعٍ مِنَ التَّخْفِيفِ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ بَعْضُ الْقُرَّاءِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِنَوْعٍ مِنَ التَّخْفِيفِ وَافَقَهُمْ عَلَيْهِ بَعْضُ النُّحَاةِ، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ، وَشَذَّ بَعْضٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِشَيْءٍ مِنَ التَّخْفِيفِ لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ مُبَيِّنًا لِلصَّوَابِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ‏.‏

‏[‏إِجْرَاءُ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْأَصْلِيَّتَيْنِ مَجْرَى الزَّائِدَتَيْنِ‏]‏

فَمِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ إِجْرَاءُ الْيَاءِ وَالْوَاوِ الْأَصْلِيَّتَيْنِ مَجْرَى الزَّائِدَتَيْنِ فَأَبْدَلُوا الْهَمْزَةَ بَعْدَهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، وَأَدْغَمُوهُمَا فِي الْمُبْدَلِ مِنْ قِسْمَيِ الْمُتَطَرِّفِ وَالْمُتَوَسِّطِ الْمُتَّصِلِ‏.‏

حَكَى سَمَاعَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرَبِ يُونُسُ وَالْكِسَائِيُّ، وَحَكَاهُ أَيْضًا سِيبَوَيْهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقِسْهُ، فَخَصَّهُ بِالسَّمَاعِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُطَّرِدًا، وَوَافَقَ عَلَى الْإِبْدَالِ وَالْإِدْغَامِ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَجَاءَ أَيْضًا مَنْصُوصًا عَنْ حَمْزَةَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ، وَذَكَرَهُ فِي التَّيْسِيرِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ فِي الْكَافِي، وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَخَصَّهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ ‏{‏بِشَيْءٍ،‏}‏ وَ‏{‏هَيْئَةِ‏}‏، وَ‏{‏مَوْئِلًا‏}‏ فَقَطْ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُطَّرِدًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ وَالنُّحَاةِ سِوَى النَّقْلِ كَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَأَبِيهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيِّ وَأَبِي الطَّاهِرِ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ، وَالْجُمْهُورِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الْمُطَّرِدُ إِجْمَاعًا، وَانْفَرَدَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ فَخَصَّ جَوَازَ الْإِدْغَامِ مِنْ ذَلِكَ بِحَرْفِ اللِّينِ وَلَمْ يُجِزْهُ بِحَرْفِ الْمَدِّ، وَكَأَنَّهُ لَاحَظَ كَوْنَهُ حَرْفَ مَدٍّ لَا يَجُوزُ إِدْغَامُهُ وَهَذَا لَا يُخَلِّصُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ حَرْفُ الْمَدِّ زَائِدًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ إِدْغَامُهُ قَوْلًا وَاحِدًا نَحْوُ هَنِيئًا،‏}‏ وَ‏{‏قُرُوءٍ‏}‏ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِدْغَامَ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ، فَإِنَّا لَمَّا لَفَظْنَا بِيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ تَخْفِيفًا لِلْهَمْزِ قَدَّرْنَا إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ، وَإِدْغَامَ حَرْفِ الْمَدِّ فِي الْهَمْزِ، وَنَظِيرُ هَذَا إِدْغَامُ أَبِي عَمْرٍو ‏{‏نُودِيَ يَا مُوسَى‏}‏، ‏{‏هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ فَإِنَّ النُّطْقَ فِيهِ بِيَاءٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَتَيْنِ وَكَوْنُنَا سَكَّنَّا الْيَاءَ وَالْوَاوَ حَتَّى صَارَا حَرْفَيْ مَدٍّ، ثُمَّ أَدْغَمْنَاهُمَا فِيمَا بَعْدَهُمَا- تَقْدِيرِيٌّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَذَكَرَ بَعْضُ النُّحَاةِ الْإِبْدَالَ وَالْإِدْغَامَ فِي الْمُنْفَصِلِ نَحْوُ ‏{‏فِي أَنْفُسِكُمْ‏}‏، ‏{‏وَقَالُوا آمَنَّا‏}‏ وَحَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو فِي الْفَرْخِ، عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، وَوَافَقَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مِنَ الْقُرَّاءِ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ شَيْطَا، وَأَجَازَ نُحَاةُ الْكُوفِيِّينَ أَنْ تَقَعَ هَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ بَعْدَ كُلِّ سَاكِنٍ كَمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمُتَحَرِّكِ، ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ فِي الِارْتِشَافِ، وَقَالَ هَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْعَرَبِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَانْفَرَدَ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالْمُوَافَقَةِ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا وَقَعَ الْهَمْزُ فِيهِ بَعْدَ حَرْفِ مَدٍّ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَوَسِّطًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَأَجْرَى الْوَاوَ وَالْيَاءَ مَجْرَى الْأَلِفِ، وَسَوَّى بَيْنَ الْأَلِفِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاكِهِنَّ فِي الْمَدِّ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَذَلِكَ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا عَدَلُوا إِلَى بَيْنَ بَيْنَ بَعْدَ الْأَلِفِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا النَّقْلُ وَلَا الْإِدْغَامُ بِخِلَافِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ عَلَى أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا عَمْرٍو الدَّانِيَّ حَكَى ذَلِكَ فِي ‏{‏مَوْئِلًا‏}‏، وَ‏{‏الْمَوْءُودَةُ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي ‏{‏مَوْئِلًا‏}‏ مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِ الرَّسْمِ عِنْدَ مَنْ يَأْخُذُ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَجَازَ بَعْضُ النُّحَاةِ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ النَّقْلِ بَعْدَ الْيَاءِ وَالْوَاوِ إِذَا كَانَا حَرْفَيْ مَدٍّ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ، فَيَقُولُونَ فِي نَحْوِ ‏{‏تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ‏}‏، وَ‏{‏أَدْعُو إِلَى‏}‏، ‏{‏تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ،‏}‏ وَ‏{‏أَدْعُو إِلَى‏}‏ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا التَّخْفِيفِ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَأَجَازَ النُّحَاةُ النَّقْلَ بَعْدَ السَّاكِنِ الصَّحِيحِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مِيمِ جَمْعٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَمْ يُوَافِقْهُ الْقُرَّاءُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَجَازُوا فِي غَيْرِ مِيمِ الْجَمْعِ نَحْوُ ‏{‏قَدْ أَفْلَحَ‏}‏، ‏{‏وَقُلْ إِنِّي‏}‏ لَا فِي نَحْوِ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ،‏}‏، ‏{‏ذَلِكُمْ إِصْرِي‏}‏ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ لَا خِلَافَ فِي تَحْقِيقِ مِثْلِ هَذَا فِي الْوَقْفِ عِنْدَنَا‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَرَأْنَاهُ بِهِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزِ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِيمَ الْجَمْعِ أَصْلُهَا الضَّمُّ، فَلَوْ حُرِّكَتْ بِالنَّقْلِ لَتَغَيَّرَتْ، عَنْ حَرَكَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ فِيمَا مَثَّلْنَا بِهِ؛ وَلِذَلِكَ آثَرَ مِنْ مَذْهَبِهِ النَّقْلَ صِلَتُهَا عِنْدَ الْهَمْزِ لِتَعُودَ إِلَى أَصْلِهَا وَلَا تُحَرَّكَ بِغَيْرِ حَرَكَتِهَا عَلَى مَا فَعَلَ وَرْشٌ وَغَيْرُهُ، عَلَى أَنَّ ابْنَ مِهْرَانَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ فِي وَقْفِ حَمْزَةَ فِيهَا مَذَاهِبَ‏.‏

أَحَدُهَا نَقْلُ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَيْهَا مُطْلَقًا، فَتُضَمُّ فِي نَحْوِ ‏{‏وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ‏}‏ وَتُفْتَحُ فِي نَحْوِ ‏{‏أَنْتُمْ أَعْلَمُ‏}‏ وَتُكْسَرُ فِي نَحْوِ ‏{‏إِيمَانِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ‏}‏‏.‏

الثَّانِي أَنَّهَا تُضَمُّ مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَتِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً أَوْ مَكْسُورَةً حَذَرًا مِنْ تَحَرُّكِ الْمِيمِ بِغَيْرِ حَرَكَتِهَا الْأَصْلِيَّةِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فِي نَحْوِ ‏{‏عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا‏}‏، ‏{‏زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏}‏؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالْيَاءَ حِينَئِذٍ لَا يَقَعَانِ بَعْدَ ضَمَّةٍ‏.‏

الثَّالِثُ يُنْقَلُ فِي الضَّمِّ وَالْكَسْرِ دُونَ الْفَتْحِ لِئَلَّا تَشْتَبِهَ بِالتَّثْنِيَةِ، وَأَجَازَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي السَّاكِنِ الصَّحِيحِ قَبْلَ الْهَمْزِ الْمُتَطَرِّفِ إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ بِمِثْلِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ السَّاكِنِ حَالَةَ الْوَقْفِ، وَذَلِكَ نَحْوُ ‏{‏يُخْرِجُ الْخَبْءَ‏}‏، وَ‏{‏يَنْظُرُ الْمَرْءُ،‏}‏ وَ‏{‏دِفْءٌ،‏}‏ وَ‏{‏جُزْءٌ‏}‏ فَيَقُولُونَ‏:‏ هَذَا الْخِبَاءُ، وَرَأَيْتُ الْخِبَاءَ، وَمَرَرْتُ بِالْخِبَاءِ، وَهَذَا الدَّفِيءُ، وَرَأَيْتُ الدَّفِيءَ، وَمَرَرْتُ بِالدَّفِيءِ، وَهَذَا الْجُزُوءُ، وَرَأَيْتُ الْجُزُوءَ، وَمَرَرْتُ بِالْجُزُوءِ- عَلَى سَبِيلِ الِاتْبَاعِ، وَهَذَا مَسْمُوعٌ مُطَّرِدٌ، ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَّا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، فَإِنَّهُ حَكَى وَجْهًا آخَرَ فِي ‏{‏الْخَبْءَ‏}‏ تُبْدَلُ الْهَمْزَةُ أَلِفًا بَعْدَ النَّقْلِ، فَخَصَّهُ بِالْمَفْتُوحَةِ، وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ فِي نَحْوِ هَذَا أَيْضًا النَّقْلَ إِلَى الْحَرْفِ فَقَطْ، فَيَقُولُ‏:‏ هَذَا الْخَبْؤُ وَالدِّفْؤُ وَالْجُزْؤُ، وَرَأَيْتُ الْخَبْأَ وَالدَّفْأَ وَالْجُزْأَ، وَمَرَرْتُ بِالْخَبِيءِ وَالدَّفِيءِ وَالْجَزِيءِ‏.‏ ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي تَسْهِيلِهِ مُطَّرِدًا، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَأَجَازَ النُّحَاةُ فِي كَمْأَةٍ- كُمَاةٍ بِالنَّقْلِ فَقَطْ وَالْإِبْدَالِ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ شَاذٌّ مُطَّرِدٌ، وَحَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وَقَالَ هُوَ قَلِيلٌ، وَقَاسَ عَلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ، فَيُجِيزُونَ ‏{‏يَسْأَلُونَ‏}‏ وَ‏{‏يَجْأَرُونَ‏}‏ وَ‏{‏النَّشْأَةَ‏}‏ وَحَرَكَةُ السَّاكِنِ بِالْفَتْحِ فِي ذَلِكَ هِيَ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ أَلِفًا‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ أَبْدَلُوا الْهَمْزَةَ أَلِفًا، فَلَزِمَ انْفِتَاحُ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَّا أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، فَذَكَرَهُ وَجْهًا آخَرَ، وَقَدْ ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي ‏{‏النَّشْأَةِ‏}‏ فَقَطْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا كُتِبَتْ بِالْأَلِفِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ وَبَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إِبْدَالَ الْهَمْزَةِ عَلَى حَسَبِ إِبْدَالِهَا فِي الْفِعْلِ‏.‏ وَرَوَى الْفَرَّاءُ وَأَبُو زَيْدٍ ذَلِكَ عَنِ الْعَرَبِ‏.‏ فَمَنْ أَبْدَلَ مِنْهُمُ الْهَمْزَةَ فِي الْفِعْلِ قَالَ‏:‏ اسْتَهْزَيْتُ مِثْلَ‏:‏ اسْتَقْصَيْتُ، وَاتَّكَيْتُ، مِثْلَ اكْتَرَيْتُ وَأَطْفَيْتُ مِثْلَ أَوْصَيْتُ وَتَقُولُ مِنْ ذَلِكَ‏:‏ هَؤُلَاءِ مُسْتَهْزُونَ مِثْلَ مُسْتَقْضُونَ، وَيَسْتَهْزُونَ مِثْلَ يَسْتَقْضُونَ، وَالْمُتَّكُونَ مِثْلَ مُكْتَرُونَ، وَيُطْفُونَ مِثْلَ يُوصُونَ، وَيَطَوْنَ مِثْلَ يَرَوْنَ‏.‏ فَيَبْنُونَ الْكَلِمَةَ عَلَى فِعْلِهَا، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ ضَمُّ مَا قَبْلَ الْوَاوِ لِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَضْمُومًا، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الضَّمَّةُ ضَمَّةَ نَقْلٍ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ نَقْلُ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى الْمُتَحَرِّكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ‏.‏ قَالَ الزُّجَاجُ‏:‏ أَمَّا يَسْتَهْزُونَ فَعَلَى لُغَةِ مَنْ يُبْدِلُ مِنَ الْهَمْزَةِ يَاءً فِي الْأَصْلِ، فَيَقُولُونَ فِي اسْتَهْزَأَ‏:‏ اسْتَهْزَيْتُ فَيَجِبُ عَلَى اسْتَهْزَيْتُ يَسْتَهْزُونَ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مُسْتَهْزِينَ، وَخَاسِيِينَ، وَخَاطِيِينَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ صَحِيحٌ مُطَّرِدٌ، وَبِهِ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ قِرَاءَتَهُ وَقِرَاءَةَ نَافِعٍ‏:‏ الصَّابُونَ، وَالصَّابِينَ‏.‏ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ، عَنْ حَمْزَةَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَجَاءَ مَنْصُوصًا عَنْهُ، فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَزَّازُ، عَنْ خَلَّادٍ، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْ حَمْزَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ مُسْتَهْزُونَ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَيَضُمُّ الزَّايَ‏.‏ وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ شُجَاعٍ قَالَ‏:‏ كَانَ حَمْزَةُ يَقِفُ مُسْتَهْزُونَ بِرَفْعِ الزَّايِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَكَذَلِكَ مُتَّكُونَ وَالْخَاطُونَ وَمَالُونَ وَلِيُطُفُوا بِغَيْرِ هَمْزٍ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ كُلِّهَا، وَبِرَفْعِ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَالزَّايِ وَالطَّاءِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ،‏:‏ أَخْبَرَنَا إِدْرِيسُ، ثَنَا خَلَفٌ، ثَنَا الْكِسَائِيُّ قَالَ‏:‏ وَمَنْ وَقَفَ بِغَيْرِ هَمْزٍ قَالَ‏:‏ مُسْتَهْزُونَ بِرَفْعِ الزَّايِ بِغَيْرِ مَدٍّ، وَكَذَلِكَ لِيُطُفُوا بِرَفْعِ الطَّاءِ، وَكَذَلِكَ لِيُوَاطُوا بِرَفْعِ الطَّاءِ، وَكَذَلِكَ‏:‏ يَسْتَنْبُونَكَ بِرَفْعِ الْبَاءِ‏.‏ فَمَالُونَ بِرَفْعِ اللَّامِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِهَذَا الْوَجْهِ مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْقِيَاسِ وَالْأَدَاءِ، وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ السَّخَاوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ فِي تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ وَإِخْمَالِهِ، وَجَعْلِهِ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُخْمَلَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا بِقَوْلِ الشَّاطِبِيِّ‏:‏

وَمُسْتَهْزُونَ الْحَذْفُ فِيهِ وَنَحْوُهُ *** وَضَمٌّ وَكَسْرٌ قَبْلَ قِيلٍ وَأَخْمِلَا

فَحَمَلَ أَلِفَ أَخْمِلَا عَلَى التَّثْنِيَةِ، أَيْ أَنَّ ضَمَّ مَا قَبْلَ الْوَاوِ وَكَسْرِهِ حَالَةَ الْحَذْفِ أَخْمِلَا يَعْنِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَاسِيُّ، وَهُوَ وَهْمٌ بَيِّنٌ وَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ قِيلًا وَأَخْمِلًا، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَلِفَ مِنْ أَخْمِلَا لِلْإِطْلَاقِ، وَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ مَنْ أَصَحِّ الْوُجُوهِ الْمَأْخُوذِ بِهَا لِحَمْزَةَ فِي الْوَقْفِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْبَيَانِ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا الْخَامِلُ الْوَجْهُ الْآخَرُ، وَهُوَ حَذْفُ الْهَمْزَةِ وَإِبْقَاءُ مَا قَبْلَ الْوَاوِ مَكْسُورًا عَلَى حَالِهِ عَلَى مُرَادِ الْهَمْزِ كَمَا أَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، وَحَكَاهُ خَلَفٌ عَنِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَهَذَا لَا عَمَلَ عَلَيْهِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ فَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّاطِبِيُّ بِالْإِخْمَالِ لَا يَصِحُّ رِوَايَةً وَلَا قِيَاسًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَذَهَبَ بَعْضُ النُّحَاةِ إِلَى إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَ كَسْرِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَ ضَمٍّ حَرْفًا خَالِصًا فَتُبْدَلُ فِي نَحْوِ سَنُقْرِيكَ وَيَسْتَهْزُونَ يَاءً، وَفِي نَحْوِ ‏{‏سُئِلَ‏}‏ وَ‏{‏اللُّؤْلُؤُ‏}‏ وَاوًا، وَنُسِبَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْعَدَةَ الْأَخْفَشِ النَّحْوِيِّ الْبَصْرِيِّ أَكْبَرِ أَصْحَابِ سِيبَوَيْهِ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ‏:‏ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ النَّحْوِيِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ غَيْرَهُ‏.‏ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ وَجُمْهُورُ النُّحَاةِ عَلَى ذَلِكَ عَنْهُ، وَالَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الْهَمْزَةُ لَامَ الْفِعْلِ نَحْوُ سَنُقْرِيكَ، وَاللُّولُو، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَيْنَ الْفِعْلِ نَحْوُ سُئِلَ أَوْ مِنْ مُنْفَصِلٍ نَحْوُ ‏{‏يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ‏}‏، ‏{‏وَيَشَاءُ إِلَى‏}‏ فَإِنَّهُ يُسَهِّلُهَا بَيْنَ بَيْنَ كَمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وَالَّذِي يَحْكِيهِ عَنْهُ الْقُرَّاءُ وَالنُّحَاةُ إِطْلَاقُ الْإِبْدَالِ فِي النَّوْعَيْنِ، وَأَجَازَهُ كَذَلِكَ عَنْ حَمْزَةَ فِي الْوَقْفِ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ، وَوَافَقَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْدَالِ فِي الْمَضْمُومَةِ بَعْدَ كَسْرٍ فَقَطْ مُطْلَقًا، أَيْ‏:‏ فِي الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ فَاءُ الْفِعْلِ وَلَامُهُ‏.‏ وَحَكَى أَبُو الْعِزِّ ذَلِكَ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً عَنْ أَهْلِ وَاسِطٍ وَبَغْدَادَ وَهِيَ تَسْهِيلٌ بَيْنَ بَيْنَ، وَعَنْ أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْبَصْرَةِ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ النَّحْوِيُّ عَنِ الْأَخْفَشِ الْإِبْدَالَ فِي النَّوْعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَعَنْهُ فِي الْمَكْسُورَةِ الْمَضْمُومِ مَا قَبْلَهَا مِنْ كَلِمَةٍ أُخْرَى التَّسْهِيلُ بَيْنَ بَيْنَ، فَنَصَّ لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي الْمُنْفَصِلِ، وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ إِلَى إِلْغَاءِ مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ فِي النَّوْعَيْنِ فِي الْوَقْفِ لِحَمْزَةَ، وَأَخَذُوا بِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ التَّسْهِيلُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَحَرَكَتِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي طَاهِرٍ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ، وَشَيْخِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الطَّرَسُوسِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيِّ وَأَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْفَحَّامِ صَاحِبِ التَّجْرِيدِ، وَأَبِي الطَّيِّبِ بْنِ غَلْبُونَ وَابْنِهِ أَبِي الْحَسَنِ طَاهِرٍ وَلَمْ يَرْضَ مَذْهَبَ الْأَخْفَشِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ وَقْفِ حَمْزَةَ، وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى التَّفْصِيلِ، فَأَخَذُوا بِمَذْهَبِ الْأَخْفَشِ فِيمَا وَافَقَ الرَّسْمَ نَحْوُ سَنُقْرِيكَ وَاللُّولُو وَبِمَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ نَحْوُ سِيلَ وَيَسْتَهْزُونَ وَنَحْوُهُ لِمُوَافَقَةِ الرَّسْمِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مِنَ التَّخْفِيفِ الرَّسْمِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ وَغَيْرِهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ النُّحَاةِ إِلَى جَوَازِ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الْمُتَطَرِّفَةِ فِي الْوَقْفِ مِنْ جِنْسِ حَرَكَتِهَا فِي الْوَصْلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ مُتَحَرِّكٍ، أَوْ بَعْدَ سَاكِنٍ، وَحَكَوْا ذَلِكَ سَمَاعًا عَنْ غَيْرِ الْحِجَازِيِّينَ مِنَ الْعَرَبِ كَتَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَهُذَيْلٍ وَغَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْمَلَا وَنَبَا وَيَدْرُو وَتَفَتَوُا وَالْعُلَمَوُا وَيَشَا وَالْخَبْ فَيَقُولُونَ فِي جَا الْمَلَا، وَمَرَرْتُ بِالْمَلِي، وَرَأَيْتُ الْمَلَا، وَهَذَا نَبُو، وَجِئْتُ بِنَبِي، وَسَمِعْتُ نَبَا، وَهَؤُلَاءِ الْعُلَمَا، وَمَرَرْتُ بِالْعُلَمَاي، وَرَأَيْتُ الْعُلَمَا، وَهَذَا الْخَبُو، وَمَرَرْتُ بِالْخَبِي، وَرَأَيْتُ الْخَبَا، وَزَيْدٌ يَدْرَوُ، وَيَفَتَوُ، وَيَشَاوُ، وَلَنْ يَدْرَا، وَلَنْ يَفْتَا، وَلَنْ يَشَا‏.‏ فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ وَاوًا فِي الرَّفْعِ وَيَاءً فِي الْجَرِّ، أَمَّا فِي النَّصْبِ فَيَتَّفِقُ هَذَا التَّخْفِيفُ مَعَ التَّخْفِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لَفْظًا، وَيَخْتَلِفَانِ تَقْدِيرًا، وَكَذَلِكَ يَتَّفِقُ هَذَا التَّخْفِيفُ مَعَ الْمُتَقَدِّمَ حَالَةَ الرَّفْعِ إِذَا انْضَمَّ مَا قَبْلَ الْهَمْزِ، وَحَالَةَ الْجَرِّ إِذَا انْكَسَرَ نَحْوُ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّولُو، وَمِنْ شَاطِيِ وَيَخْتَلِفَانِ تَقْدِيرًا، فَعَلَى التَّخْفِيفِ الْأَوَّلِ تُخَفَّفُ بِحَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا، وَعَلَى هَذَا التَّخْفِيفِ بِحَرَكَةِ نَفْسِهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْإِشَارَةِ بِالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ، فَفِي تَخْفِيفِهَا بِحَرَكَةِ نَفْسِهَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ، وَفِي تَخْفِيفِهَا بِحَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا تَمْتَنِعُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِالْأَلِفِ الَّتِي قَبْلَ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهَا حَاجِزٌ غَيْرُ حَصِينٍ، فَتُقَدَّرُ الْهَمْزَةُ مَعَهَا كَأَنَّهَا بَعْدَ مُتَحَرِّكٍ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهَا، وَوَافَقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى هَذَا التَّخْفِيفِ فِيمَا وَافَقَ رَسْمَ الْمُصْحَفِ‏.‏ فَمَا رُسِمَ مِنْهُ بِالْوَاوِ وُقِفَ عَلَيْهِ بِهَا، أَوْ بِالْيَاءِ فَكَذَلِكَ، أَوْ بِالْأَلِفِ فَكَذَلِكَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَاخْتِيَارُ الْحَافِظِ أَبِي عَمْرٍو كَمَا أَذْكُرُهُ‏.‏