فصل: (أَحْكَامُ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***


‏[‏أَحْكَامُ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ‏]‏

وَأَمَّا أَحْكَامُ الْإِدْغَامِ فَإِنَّ لَهُ شَرْطًا وَسَبَبًا وَمَانِعًا‏.‏ فَشَرْطُهُ فِي الْمُدْغَمِ أَنْ يَلْتَقِيَ الْحَرْفَانِ خَطًّا لَا لَفْظًا، لِيَدْخُلَ نَحْوُ ‏{‏إِنَّهُ هُوَ‏}‏ وَيَخْرُجَ نَحْوُ ‏{‏أَنَا نَذِيرٌ‏}‏ وَفِي الْمُدْغَمِ فِيهِ كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَرْفٍ إِنْ كَانَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَدْخُلَ نَحْوُ ‏{‏خَلَقَكُمْ‏}‏ وَيَخْرُجَ نَحْوُ ‏{‏يَرْزُقُكُمْ‏}‏ وَسَبَبُهُ التَّمَاثُلُ وَالتَّجَانُسُ وَالتَّقَارُبُ، قِيلَ‏:‏ وَالتَّشَارُكُ وَالتَّلَاصُقُ وَالتَّكَافُؤُ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالتَّمَاثُلِ وَالتَّقَارُبِ‏.‏ فَالتَّمَاثُلُ أَنْ يَتَّفِقَا مَخْرَجًا وَصِفَةً كَالْبَاءِ فِي الْبَاءِ، وَالتَّاءِ فِي التَّاءِ، وَسَائِرِ الْمُتَمَاثِلِينَ، وَالتَّجَانُسُ أَنْ يَتَّفِقَا مَخْرَجًا وَيَخْتَلِفَا صِفَةً كَالذَّالِ فِي الثَّاءِ، وَالثَّاءِ فِي الظَّاءِ، وَالتَّاءِ فِي الدَّالِ، وَالتَّقَارُبُ أَنْ يَتَقَارَبَا مَخْرَجًا، أَوْ صِفَةً، أَوْ مَخْرَجًا وَصِفَةً كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

وَمَوَانِعُهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ‏:‏ كَوْنُ الْأَوَّلِ تَاءَ ضَمِيرٍ، أَوْ مُشَدَّدًا، أَوْ مُنَوَّنًا‏.‏ أَمَّا تَاءُ الضَّمِيرِ فَسَوَاءٌ كَانَ مُتَكَلِّمًا أَوْ مُخَاطَبًا نَحْوُ ‏{‏كُنْتُ تُرَابًا‏}‏، ‏{‏أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ‏}‏، ‏{‏خَلَقْتَ طِينًا‏}‏، ‏{‏جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا‏}‏، وَأَمَّا الْمُشَدَّدُ فَنَحْوُ ‏{‏رَبِّ بِمَا‏}‏، ‏{‏مَسَّ سَقَرَ‏}‏، ‏{‏فَتَمَّ مِيقَاتُ‏}‏، ‏{‏الْحَقُّ كَمَنْ‏}‏، ‏{‏أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا‏}‏، ‏{‏وَهَمَّ بِهَا‏}‏ وَلَيْسَ‏}‏ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ‏}‏ مِنْ بَابِ الْإِدْغَامِ؛ فَلِذَلِكَ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَأَمَّا الْمُنَوَّنُ فَنَحْوُ ‏{‏غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏، ‏{‏سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏، ‏{‏سَارِبٌ بِالنَّهَارِ‏}‏، ‏{‏نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا‏}‏، ‏{‏فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ‏}‏، ‏{‏شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ‏}‏، ‏{‏رَجُلٌ رَشِيدٌ‏}‏، ‏{‏لَذِكْرٌ لَكَ‏}‏، ‏{‏كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏}‏، ‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏}‏‏.‏ وَقَدْ وَهِمَ فِيهِ الْجَعْبَرِيُّ، وَتَقَدَّمَهُ إِلَى ذَلِكَ الْهُذَلِيُّ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ‏:‏ الْجَزْمُ، قِيلَ‏:‏ وَقِلَّةُ الْحُرُوفِ وَتَوَالِي الْإِعْلَالِ وَمَصِيرُهُ إِلَى حَرْفِ مَدٍّ، وَاخْتُصَّ بَعْضُ الْمُتَقَارِبَيْنِ بِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ، أَوْ بِسُكُونِ مَا قَبْلَهُ، أَوْ بِهِمَا كِلَيْهِمَا، أَوْ بِفَقْدِ الْمُجَاوِرِ، أَوْ عَدَمِ التَّكَرُّرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا تَكَافَأَ فِي الْمَنْزِلَةِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَقَارِبَةِ فَإِدْغَامُهُ جَائِزٌ، وَمَا زَادَ صَوْتُهُ فَإِدْغَامُهُ مُمْتَنِعٌ؛ لِلْإِخْلَالِ الَّذِي يَلْحَقُهُ، وَإِدْغَامُ الْأَنْقَصِ صَوْتًا فِي الْأَزْيَدِ جَائِزٌ مُخْتَارٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ حَالِ الضَّعْفِ إِلَى حَالِ الْقُوَّةِ‏.‏

فَأَمَّا الْجَزْمُ فَوَرَدَ فِي الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ‏}‏، ‏{‏يَخْلُ لَكُمْ‏}‏، ‏{‏وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا‏}‏، وَفِي الْمُتَجَانِسَيْنِ ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ‏}‏ أُلْحِقَ بِهِ ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏}‏ لِقُوَّةِ الْكَسْرَةِ، وَفِي الْمُتَقَارِبَيْنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً‏}‏ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الِاعْتِدَادِ بِهِ مَانِعًا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِهِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شَنَبُوذَ وَأَبِي بَكْرٍ الدَّاجُونِيِّ، وَالْمَشْهُورُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي الْمُتَقَارِبَيْنِ وَإِجْرَاءُ الْوَجْهَيْنِ فِي غَيْرِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مَفْتُوحًا بَعْدَ سَاكِنٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي ‏{‏يُؤْتَ سَعَةً‏}‏ ضَعِيفًا، وَفِي غَيْرِهِ قَوِيًّا، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ مُفَصَّلًا‏.‏

فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ وَالسَّبَبُ وَارْتَفَعَ الْمَانِعُ جَازَ الْإِدْغَامُ، فَإِنْ كَانَا مِثْلَيْنِ أُسْكِنَ الْأَوَّلُ وَأُدْغِمَ، وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مِثْلَيْنِ قُلِبَ كَالثَّانِي وَأُسْكِنَ، ثُمَّ أُدْغِمَ وَارْتَفَعَ اللِّسَانُ عَنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا فَصْلٍ بِحَرَكَةٍ، وَلَا رَوْمٍ وَلَيْسَ بِإِدْخَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَرْفَيْنِ مَلْفُوظٌ بِهِمَا كَمَا وَصَفْنَا طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ، وَلَمْ يُدْغَمْ مِنَ الْمِثْلَيْنِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنَاسِكَكُمْ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ وَ‏{‏مَا سَلَكَكُمْ‏}‏ فِي الْمُدَّثِّرِ، وَأُظْهِرَ مَا عَدَاهُمَا نَحْوُ‏:‏ ‏{‏جِبَاهُهُمْ‏}‏، ‏{‏وَوُجُوهُهُمْ‏}‏ وَ‏{‏أَتُحَاجُّونَنَا‏}‏، وَ‏{‏بِشِرْكِكُمْ‏}‏ وَشِبْهُهُ، إِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَلْيُعْلَمُ أَنَّ مِنَ الْحُرُوفِ الْأَلِفَ وَالْهَمْزَةَ لَا يُدْغَمَانِ، وَلَا يُدْغَمُ فِيهِمَا، وَمِنْهَا خَمْسَةُ أَحْرُفٍ لَمْ تَلْقَ مِثْلَهَا، وَلَا جِنْسَهَا، وَلَا مُقَارِبَهَا، فَيُدْغَمُ فِيهَا، وَهِيَ‏:‏ الْخَاءُ، وَالزَّايُ، وَالصَّادُ، وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ، وَمِنْهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ لَقِيَتْ مِثْلَهَا وَلَمْ تَلْقَ جِنْسَهَا، وَلَا مُقَارِبَهَا وَهِيَ‏:‏ الْعَيْنُ، وَالْغَيْنُ، وَالْفَاءُ، وَالْهَاءُ، وَالْوَاوُ، وَالْيَاءُ- وَمِنْهَا خَمْسَةٌ لَقِيَتْ مُجَانِسَهَا، أَوْ مُقَارِبَهَا وَلَمْ تَلْقَ مِثْلَهَا وَهِيَ‏:‏ الْجِيمُ، وَالشِّينُ، وَالدَّالُ، وَالذَّالُ، وَالضَّادُ، وَبَقِيَ مِنَ الْحُرُوفِ أَحَدَ عَشَرَ حَرْفًا لَقِيَتْ مِثْلَهَا، أَوْ مُقَارِبَهَا، أَوْ مُجَانَسَهَا وَهِيَ‏:‏ الْبَاءُ، وَالتَّاءُ، وَالثَّاءُ، وَالْحَاءُ، وَالرَّاءُ، وَالسِّينُ، وَالْقَافُ، وَالْكَافُ، وَاللَّامُ، وَالْمِيمُ، وَالنُّونُ، فَجُمْلَةُ اللَّاقِي مِثْلَهُ مُتَحَرِّكًا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَجُمْلَةُ اللَّاقِي مُجَانِسَهُ أَوْ مُقَارِبَهُ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا‏.‏ تَفْصِيلُ السَّبْعَةَ عَشَرَ اللَّاقِيَةَ مِثْلَهَا‏.‏

فَالْبَاءُ، نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏}‏، ‏{‏الْكِتَابَ بِالْحَقِّ‏}‏، وَجُمْلَةُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ حَرْفًا عِنْدَ مَنْ يُبَسْمِلُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ بَسْمَلَ إِذَا لَمْ يَصِلْ آخِرَ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَهِيَ عِنْدَهُ إِذَا وَصَلَ تِسْعَةً وَخَمْسُونَ حَرْفًا لِزِيَادَةِ آخِرِ الرَّعْدِ وَإِبْرَاهِيمَ‏.‏

وَالتَّاءُ، نَحْوُ‏:‏ الْمَوْتُ تَحْسَبُونَهُمَا، وَنَحْوُ‏:‏ الشَّوْكَةِ تَكُونُ، مِمَّا يَنْقَلِبُ فِي الْوَقْفِ هَاءً، وَجُمْلَةُ الْجَمِيعِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا‏.‏

وَالثَّاءُ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ‏:‏ ‏{‏حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ، وَ‏{‏ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ‏}‏ فِي الْمَائِدَةِ‏.‏

وَالْحَاءُ، فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ ‏{‏النِّكَاحِ حَتَّى‏}‏، وَ‏{‏لَا أَبْرَحُ حَتَّى‏}‏ فِي الْكَهْفِ‏.‏

وَالرَّاءُ نَحْوُ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ‏}‏، ‏{‏الْأَبْرَارِ رَبَّنَا‏}‏ وَجُمْلَتُهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا‏.‏

وَالسِّينُ ‏{‏النَّاسَ سُكَارَى‏}‏، ‏{‏لِلنَّاسِ سَوَاءً‏}‏ كِلَاهُمَا فِي الْحَجِّ ‏{‏الشَّمْسَ سِرَاجًا‏}‏ فِي نُوحٍ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ لَا غَيْرَ‏.‏

وَالْعَيْنُ ‏{‏يَشْفَعُ عِنْدَهُ‏}‏ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا‏.‏

وَالْغَيْنُ، ‏{‏وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ‏}‏ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ لَا غَيْرَ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ لِحَذْفِ لَامِهِ بِالْجَزْمِ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ، عَنْ أَبِي طَاهِرٍ، وَمُحَمَّدٍ الْكَاتِبِ، وَابْنِ أَبِي مُرَّةَ النَّقَّاشِ كُلُّهُمْ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِدْغَامِ وَجْهًا وَاحِدًا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَبُو الْعِزِّ، وَابْنُ الْفَحَّامِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ‏.‏ وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ بِالْإِظْهَارِ ابْنُ شَيْطَا وَأَبُو الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏ وَرَوَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَبُو بَكْرٍ الشَّذَائِيُّ، وَنَصَّ عَلَيْهِمَا أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَابْنُ سَوَّارٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيِّ، وَسِبْطُ الْخَيَّاطِ وَغَيْرُهُمْ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ فِيهِ فِيمَا هُوَ مِثْلُهُ مِمَّا يَأْتِي مِنَ الْمَجْزُومِ‏.‏

وَالْفَاءُ نَحْوُ ‏{‏وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ‏}‏، وَجُمْلَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا‏.‏

وَالْقَافُ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ، ‏{‏الرِّزْقِ قُلْ‏}‏، ‏{‏أَفَاقَ قَالَ‏}‏، ‏{‏يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ‏}‏، ‏{‏الْغَرَقُ قَالَ‏}‏، ‏{‏طَرَائِقَ قِدَدًا‏}‏‏.‏

وَالْكَافُ نَحْوُ ‏{‏رَبَّكَ كَثِيرًا‏}‏، ‏{‏إِنَّكَ كُنْتَ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي ‏{‏يَكُ كَاذِبًا‏}‏ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ‏{‏يَبْتَغِ غَيْرَ‏}‏ وَأَظْهَرَ ‏{‏يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ‏}‏ لِكَوْنِ النُّونِ قَبْلَهَا مُخْفَاةً عِنْدَهَا فَلَوْ أَخْفَاهَا عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ كَمَا سَيَأْتِي لَوَالَى بَيْنَ إِخْفَائَيْنِ‏.‏ وَلَوْ أَدْغَمَهُمَا لَوَالَى بَيْنَ إِعْلَالَيْنِ، وَانْفَرَدَ الْخُزَاعِيُّ عَنِ الشَّذَائِيِّ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنِ الدُّورِيِّ بِإِدْغَامِهِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ الدُّورِيِّ سِوَاهُ، وَلَا نَعْلَمُهُ وَرَدَ عَنِ السُّوسِيِّ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ، عَنْ مَدْيَنَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَالْأَخْذُ وَالْعَمَلُ بِخِلَافِهِ‏.‏

وَاللَّامُ نَحْوُ ‏{‏لَا قِبَلَ لَهُمْ‏}‏، ‏{‏جَعَلَ لَكَ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ حَرْفًا، وَاخْتُلِفَ مِنْهَا عَنْهُ فِي ‏{‏يَخْلُ لَكُمْ‏}‏، وَ‏{‏آلَ لُوطٍ‏}‏ أَمَّا يَحِلُّ فَهُوَ مِنَ الْمَجْزُومِ وَتَقَدَّمَ، وَأَمَّا ‏{‏آلَ لُوطٍ‏}‏ فَأَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ، مِنْهَا فِي الْحِجْرِ مَوْضِعَانِ وَوَاحِدٌ فِي النَّمْلِ، وَآخَرُ فِي الْقَمَرِ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ أَبُو طَاهِرِ بْنُ سَوَّارٍ عَنِ النَّهْرَوَانِيِّ وَأَبُو الْفَتْحِ بْنُ شَيْطَا عَنِ الْحَمَّامِيِّ وَابْنِ الْعَلَّافِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الدُّورِيِّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ حَبَشٍ عَنِ السُّوسِيِّ وَبِذَلِكَ قَرَأَ الدَّانِيُّ‏.‏ وَكَذَا رَوَاهُ شُجَاعٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَمَدْيَنَ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ شَرِيكٍ الْآدَمِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، وَالْحَسَنُ بْنُ بَشَّارٍ الْعَلَّافُ عَنِ الدُّورِيِّ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ جُبَيْرٍ، كُلُّهُمْ عَنِ الْيَزِيدِيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ وَافِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كِلَاهُمَا، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَرَوَاهُ، عَنْ عِصْمَةَ وَمُعَاذٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو نَصًّا، وَاخْتَلَفَ الْمُظْهِرُونَ فِي مَانِعِ إِدْغَامِهِ؛ فَرَوَى ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ عِصْمَةَ بْنِ عُرْوَةَ الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو‏:‏ لَا أُدْغِمُهَا لِقِلَّةِ حُرُوفِهَا، وَرَدَّ الدَّانِيُّ هَذَا الْمَانِعَ بِإِدْغَامِ ‏{‏لَكَ كَيْدًا‏}‏ إِجْمَاعًا، إِذْ هُوَ أَقَلُّ حُرُوفًا مِنْ آلَ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى وَزْنِ قَالَ لَفْظًا، وَإِنْ كَانَ رَسْمُهَا بِحَرْفَيْنِ اخْتِصَارًا‏.‏ قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَإِذَا صَحَّ الْإِظْهَارُ فِيهِ بِالنَّصِّ وَلَا أَعْلَمُهُ مِنْ طَرِيقِ الْيَزِيدِيِّ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ اعْتِلَالِ عَيْنِهِ بِالْبَدَلِ إِذَا كَانَتْ هَاءً عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْأَصْلُ أَهْلُ، وَوَاوًا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ وَالْأَصْلُ أَوْلُ، فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً لِقُرْبِ مَخْرَجِهَا، وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا فَصَارَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْمُعْتَلِّ الَّذِي يُؤَثِّرُ الْإِظْهَارُ فِيهِ لِلتَّغْيِيرِ الَّذِي لَحِقَهُ لَا لِقِلَّةِ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَعَلَّ أَبَا عَمْرٍو أَرَادَ بِقَوْلِهِ‏:‏ لِقِلَّةِ حُرُوفِهَا، أَيْ‏:‏ لِقِلَّةِ دَوْرِهَا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ قِلَّةَ الدَّوْرِ وَكَثْرَتَهُ مُعْتَبَرٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُتَقَارِبَيْنِ‏.‏

عَلَى أَنَّ أَبَا عَمْرٍو مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَلَعَلَّهُ أَيْضًا رَاعَى كَثْرَةَ الِاعْتِلَالِ وَقِلَّةَ الْحُرُوفِ مَعَ اتِّبَاعِ الرِّوَايَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالْمِيمُ نَحْوُ الرَّحِيمِ مَلِكِ، ‏{‏آدَمُ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ مِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا‏.‏

وَالنُّونُ نَحْوُ ‏{‏وَنَحْنُ نُسَبِّحُ‏}‏، ‏{‏وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ سَبْعُونَ حَرْفًا‏.‏

وَالْوَاوُ نَحْوُ ‏{‏هُوَ وَالَّذِينَ‏}‏، ‏{‏هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ‏}‏ مِمَّا قَبْلَ الْوَاوِ فِيهِ مَضْمُومٌ، وَجَمْلَتُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَنَحْوُ ‏{‏وَهُوَ وَلِيُّهُمْ‏}‏ وَ‏{‏الْعَفْوَ وَأْمُرْ‏}‏ مِمَّا قَبْلَهَا سَاكِنٌ وَجُمْلَتُهُ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ تَتِمَّةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا‏.‏

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيمَا قَبْلَ الْوَاوِ مَضْمُومٌ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ ابْنُ فَرَحٍ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ إِلَّا الْعَطَّارَ وَابْنَ شَيْطَا عَنِ الْحَمَّامِي، عَنْ زَيْدٍ عَنْهُ‏.‏ وَكَذَا أَبُو الزَّعْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَيْطَا عَنِ ابْنِ الْعَلَّافِ، عَنْ أَبِي طَاهِرٍ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَابْنِ جَرِيرٍ عَنِ السُّوسِيِّ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ بَشَّارٍ عَنِ الدُّورِيِّ، وَابْنِ رُومِيٍّ وَابْنِ جُبَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ وَطَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ شَنَبُوذَ وَالْجِلَّةِ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ‏.‏

وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ الْبَغْدَادِيِّينَ سِوَى مَنْ ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَانِعِ الْإِدْغَامِ، فَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجِلِ أَنَّ الْوَاوَ تُسَكَّنُ لِلْإِدْغَامِ فَتَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏آمَنُوا وَعَمِلُوا‏}‏ مِمَّا لَا يُدْغَمُ إِجْمَاعًا مِنْ أَجْلِ الْمَدِّ، وَرَدَّ الْمُحَقِّقُونَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ إِدْغَامِ نَحْوِ ‏{‏نُودِيَ يَا مُوسَى‏}‏ وَ‏{‏أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ‏}‏ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ مَعَ أَنَّ تَسْكِينَهَا لِلْإِدْغَامِ عَارِضٌ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لِقِلَّةِ حُرُوفِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ الْمَانِعَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَا ضَعِيفَيْنِ، فَإِنَّ الضَّعِيفَ إِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ضَعِيفٍ أَكْسَبَهُ قُوَّةً، وَقَدْ قِيلَ‏:‏ وَضَعِيفَانِ يَغْلِبَانِ قَوِيًّا‏.‏ عَلَى أَنَّ الدَّانِيَّ قَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ ‏:‏ وَبِالْوَجْهَيْنِ قَرَأْتُ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الْإِدْغَامَ لِاطِّرَادِهِ وَجَرْيِهِ عَلَى قِيَاسِ نَظَائِرِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَاءً أَوْ غَيْرَهَا فَلَا خَوْفَ فِي إِدْغَامِ الْوَاوِ فِي مِثْلِهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ ‏{‏وَهُوَ وَلِيُّهُمْ‏}‏ وَ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ‏}‏‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَى مَا قَبْلَ الْوَاوِ فِيهِ سَاكِنٌ وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ الْهَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْلِ مَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي ‏{‏فَهُوَ وَلِيُّهُمُ‏}‏ فِي الْأَنْعَامِ ‏{‏فَهُوَ وَلِيُّهُمُ‏}‏ فِي النَّحْلِ ‏{‏وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ‏}‏ فِي الشُّورَى‏.‏ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذَا الْخِلَافِ لِضَعْفِ حُجَّتِهِ وَانْفِرَادِ رِوَايَتِهِ عَنِ الْجَادَّةِ، فَإِنَّ الَّذِي ذُكِرَ فِي هُوَ الْمَضْمُومُ الْهَاءِ مَفْقُودٌ هُنَا، وَإِنْ قِيلَ بِتَوَالِي الْإِعْلَالِ فَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ‏:‏ ‏{‏فَهِيَ يَوْمَئِذٍ‏}‏ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِدْغَامِهِ فَلَا فَرْقَ‏.‏ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ‏:‏ قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ‏:‏ إِدْغَامُهُنَّ قِيَاسُ مَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْوَاوِ مِنْهُنَّ سَاكِنٌ كَمَا هُوَ فِي ‏{‏خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ‏}‏ وَ‏{‏مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ‏}‏ قَالَ‏:‏ وَأَقْرَأَنَا ابْنُ حَبَشٍ عَنْهُ بِالْإِظْهَارِ، وَوَقَعَ فِي تَجْرِيدِ ابْنِ الْفَحَّامِ أَنَّ شَيْخَهُ عَبْدَ الْبَاقِي رَوَى فِيهِنَّ الْإِظْهَارَ وَصَوَابُهُ أَنَّ عَبْدَ الْبَاقِي يَرْوِي إِدْغَامَهُنَّ، وَأَنَّ شَيْخَهُ الْفَارِسِيَّ يَرْوِي إِظْهَارَهُنَّ فَسَبَقَ الْقَلَمُ سَهْوًا، وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ فِي الْخَطِّ، وَقَدْ يَكُونُ فِي اللَّفْظِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْحِفْظِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ‏{‏وَهُوَ وَلِيُّهُمْ‏}‏ وَبَيْنَ ‏{‏الْعَفْوَ وَأْمُرْ‏}‏ وَبَيْنَ ‏{‏فَهِيَ يَوْمَئِذٍ‏}‏؛ إِذْ لَا يَصِحُّ نَصٌّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَصْحَابِهِ بِخِلَافِهِ، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ سَعْدَانَ عَنِ الْيَزِيدِيِّ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالْهَاءُ نَحْوُ ‏{‏فِيهِ هُدًى‏}‏، ‏{‏جَاوَزَهُ هُوَ‏}‏، ‏{‏لِعِبَادَتِهِ هَلْ‏}‏ وَتُحْذَفُ الصِّلَةُ وَتُدْغَمُ لِلِالْتِقَاءِ خَطًّا؛ وَلِأَنَّ الصِّلَةَ عِبَارَةٌ عَنْ إِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْهَاءِ تَقْوِيَةً لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا اسْتِقْلَالٌ، وَلِهَذَا تُحْذَفُ لِلسَّاكِنِ؛ فَلِذَلِكَ لَمَّ يُعْتَدَّ بِهَا‏.‏ وَقَدْ حَكَى الدَّانِيُّ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ تَرْكَ الْإِدْغَامِ فِي هَذَا الضَّرْبِ وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّ شَرْطَ الْإِدْغَامِ أَنْ تَسْقُطَ لَهُ الْحَرَكَةُ مِنَ الْحَرْفِ الْأَوَّلِ لَا غَيْرَ، وَإِدْغَامُ‏:‏ ‏{‏جَاوَزَهُ هُوَ‏}‏ وَنَظَائِرُهُ يُوجِبُ سُقُوطَ الْوَاوِ الَّتِي بَيْنَ الْهَائَيْنِ وَإِسْقَاطَ حَرَكَةِ الْهَاءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ الْإِدْغَامِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَ ذَلِكَ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ إِدْغَامِهِ أَيْضًا أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَالصَّوَابُ إِدْغَامُهُ‏.‏ فَقَدَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِيُّ إِدْغَامَهُ نَصًّا عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَهَهُ هَوَاهُ‏}‏ وَرَوَاهُ الْعَبَّاسُ، وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ أَيْضًا، عَنْ أَبِي عَمْرٍو إِدْغَامَ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَصٌّ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَجُمْلَةُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ حَرْفًا، انْفَرَدَ الْكَارَزِينِيُّ بِإِظْهَارِ ‏{‏جَاوَزَهُ هُوَ‏}‏ دُونَ سَائِرِ الْبَابِ‏.‏ ذَكَرَ أَنَّهُ قَرَأَهُ عَلَى أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ بِالْإِظْهَارِ‏.‏ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ سِبْطُ الْخَيَّاطِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ إِدْغَامِ الْبَابِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالْيَاءُ ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ ‏{‏يَأْتِيَ يَوْمٌ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالرُّومِ، وَالشُّورَى ‏{‏وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ‏}‏، ‏{‏وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ‏}‏ وَ‏{‏نُودِيَ يَا مُوسَى‏}‏، ‏{‏فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ‏}‏، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّانِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ‏}‏ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ، وَنَصَّ لَهُ عَلَى إِظْهَارِهِ وَجْهًا وَاحِدًا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي إِبْدَالِهَا يَاءً سَاكِنَةً وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ، وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ إِظْهَارُهَا لِلْبَزِّيِّ أَيْضًا وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ، بَلْ جَعَلُوهُ مِنَ الْإِدْغَامِ الصَّغِيرِ، وَأَوْجَبُوا إِدْغَامَهُ فِي مَذْهَبِ مَنْ سَكَّنَ الْيَاءَ مُبْدَلَةً وَصَوَّبَهُ أَبُو شَامَةَ فَقَالَ‏:‏ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ لَا مَدْخَلَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِنَفْيٍ، أَوْ إِثْبَاتٍ، فَإِنَّ الْيَاءَ سَاكِنَةٌ وَبَابَ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ مُخْتَصٌّ بِإِدْغَامِ الْمُتَحَرِّكِ، وَإِنَّمَا مَوْضِعُ ذِكْرِ هَذِهِ قَوْلُهُ‏:‏ وَمَا أَوَّلُ الْمِثْلَيْنِ فِيهِ مُسَكَّنٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِدْغَامِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَجِبُ إِدْغَامُهُ لِسُكُونِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَهُ حَرْفُ مَدٍّ فَالْتِقَاءُ السَّاكِنَيْنِ عَلَى حَدِّهِمَا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكُلٌّ مِنْ وِجْهَتَيِ الْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ مَأْخُوذٌ بِهِ وَبِهِمَا قَرَأْتُ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ قِرَاءَتِهِمْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ فَوَجْهُ الْإِظْهَارِ تَوَالِي الْإِعْلَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ اللَّايْ كَمَا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ لِتَطَرُّفِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَرَأَ نَافِعٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ وَرْشٍ وَابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةِ قُنْبُلٍ وَغَيْرِهِ وَيَعْقُوبُ، ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ لِثِقَلِهَا وَحَشْوِهَا، فَأُبْدِلَتْ يَاءً سَاكِنَةً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِعْلَالَانِ، فَلَمْ تَكُنْ لِتُعَلَّ ثَالِثًا بِالْإِدْغَامِ‏.‏ الثَّانِي أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْيَاءِ الْهَمْزَةُ فَإِبْدَالُهَا وَتَسْكِينُهَا عَارِضٌ وَلَمْ يُعْتَدَّ بِالْعَارِضِ فِيهَا فَعُومِلَتِ الْهَمْزَةُ وَهِيَ مُبْدَلَةٌ مُعَامَلَتُهَا وَهِيَ مُحَقَّقَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا فِي النِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ وَالتَّقْدِيرُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تُدْغَمْ وَوَجْهُ الْإِدْغَامِ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنَّ سَبَبَ الْإِدْغَامِ قَوِيٌّ بِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، وَسَبْقِ أَحَدِهِمَا بِالسُّكُونِ فَحَسَنٌ الِاعْتِدَادُ بِالْعَارِضِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَصْلٌ مُطَّرِدٌ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُنْخَرِمٍ، أَلَا تَرَى إِلَى إِدْغَامِ ‏{‏رُؤْيَايَ‏}‏ فِي مَذْهَبِ أَبِي جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ وَكَيْفَ عُومِلَتِ الْهَمْزَةُ الْمُبْدَلَةُ وَاوًا مُعَامَلَةَ الْأَصْلِيَّةِ، وَفُعِلَ بِهَا كَمَا فُعِلَ فِي ‏{‏مَقْضِيًّا‏}‏ وَ‏{‏وَلِيًّا‏}‏ فَأُبْدِلَتْ يَاءً مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ بَعْدَهَا وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الثَّانِي أَنَّ اللَّايْ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ لُغَةٌ ثَابِتَةٌ فِي اللَّائِي، قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ‏:‏ هِيَ لُغَةُ قُرَيْشٍ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْإِدْغَامُ عَلَى حَدِّهِ بِلَا نَظَرٍ، وَيَكُونُ مِنَ الْإِدْغَامِ الصَّغِيرِ‏.‏ وَإِنَّمَا أُظْهِرَتْ فِي قِرَاءَةِ الْكُوفِيِّينَ وَابْنِ عَامِرٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا وَقَعَتْ حَرْفَ مَدٍّ فَامْتَنَعَ إِدْغَامُهَا لِذَلِكَ، فَجُمْلَةُ الْحُرُوفِ الْمُدْغَمَةِ فِي مِثْلِهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مُجَاهِدٍ بِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرْفَيْنِ اللَّذَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ سَبْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

‏[‏ذِكْرُ الْمُتَقَارِبَيْنِ‏]‏

وَهُمَا عَلَى ضَرْبَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مِنْ كَلِمَةٍ، وَالثَّانِي مِنْ كَلِمَتَيْنِ‏.‏

أَمَّا مَا هُوَ مِنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يُدْغَمْ إِلَّا الْقَافُ فِي الْكَافِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَ الْقَافِ، وَكَانَ بَعْدَ الْكَافِ مِيمُ جَمْعٍ نَحْوُ ‏{‏خَلَقَكُمْ‏}‏، ‏{‏رَزَقَكُمُ‏}‏، ‏{‏صَدَقَكُمُ‏}‏، ‏{‏وَاثَقَكُمْ‏}‏، ‏{‏سَبَقَكُمْ‏}‏ وَلَا مَاضِيَ غَيْرُهُنَّ، وَنَحْوُ ‏{‏يَخْلُقُكُمْ‏}‏، ‏{‏يَرْزُقُكُمْ‏}‏، ‏{‏فَنُغْرِقَكُمْ‏}‏ وَلَا مُضَارِعَ غَيْرُهُنَّ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، وَمَا تَكَرَّرَ مِنْهُ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَ الْقَافِ، أَوْ لَمْ يَأْتِ بَعْدَ الْكَافِ مِيمُ جَمْعٍ نَحْوُ ‏{‏مِيثَاقَكُمْ‏}‏، ‏{‏مَا خَلْقُكُمْ‏}‏، ‏{‏بِوَرِقِكُمْ‏}‏، ‏{‏صَدِيقِكُمْ‏}‏، ‏{‏خَلَقَكَ‏}‏، ‏{‏نَرْزُقُكَ‏}‏ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِظْهَارِهِ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا كَانَ بَعْدَهَا نُونُ جَمْعٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ وَاحِدَةٍ ‏{‏طَلَّقَكُنَّ‏}‏ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ‏.‏ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْإِظْهَارِ عَامَّةُ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ الدُّورِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ عَنِ السُّوسِيِّ وَرِوَايَةُ مَدْيَنَ، عَنْ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَلْزَمَ الْيَزِيدِيُّ أَبَا عَمْرٍو إِدْغَامَ ‏{‏طَلَّقَكُنَّ‏}‏ فَإِلْزَامُهُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُدْغِمْهُ، وَرَوَاهُ بِالْإِدْغَامِ ابْنُ فَرَحٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ النَّقَّاشُ وَالْجَلَّاءُ وَأَبُو طَاهِرِ بْنُ عُمَرَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْجَوْهَرِيِّ وَابْنِ شَيْطَا، ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ بَشَّارٍ عَنِ الدُّورِيِّ وَالْكَارَزِينِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنِ السُّوسِيِّ، وَالْخُزَاعِيِّ، عَنِ ابْنِ حَبَشٍ، عَنِ السُّوسِيِّ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ أَصْحَابِهِمْ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ، عَنْ شُجَاعٍ، قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَبِالْوَجْهَيْنِ قَرَأْتُهُ أَنَا وَأَخْتَارُ الْإِدْغَامِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي الْكَلِمَةِ ثِقَلَانِ‏:‏ ثِقَلُ الْجَمْعِ، وَثِقَلُ التَّأْنِيثِ‏.‏ فَوَجَبَ أَنْ يُخَفَّفَ بِالْإِدْغَامِ عَلَى أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ الْفَضْلِ قَدْ رَوَى الْإِدْغَامَ فِي ذَلِكَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو نَصًّا‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَعَلَى إِطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مَنْ عَلِمْنَاهُ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالْأَمْصَارِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا مَا هُوَ مِنْ كَلِمَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُدْغَمَ فِي مُجَانَسَةٍ أَوْ مُقَارَبَةٍ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ‏:‏ الْبَاءُ، وَالتَّاءُ، وَالثَّاءُ، وَالْجِيمُ، وَالْحَاءُ، وَالدَّالُ، وَالذَّالُ، وَالرَّاءُ، وَالسِّينُ، وَالشِّينُ، وَالضَّادُ، وَالْقَافُ، وَالْكَافُ، وَاللَّامُ، وَالْمِيمُ، وَالنُّونُ‏.‏ وَقَدْ جُمِعَتْ فِي كَلِمِ‏:‏ «رَضِّ سَنَشُدُّ حُجَّتَكَ بِذُلِّ قُثَمَ» فَكَانَ يُدْغِمُ هَذِهِ السِّتَّةَ عَشَرَ فِيمَا جَانَسَهَا، أَوْ قَارَبَهَا إِلَّا الْمِيمَ إِذَا تَقَدَّمَتِ الْيَاءَ، فَإِنَّهُ يَحْذِفُ حَرَكَتَهَا فَقَطْ، وَيُخْفِيهَا وَيُدْغِمُ مَا عَدَاهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ الثَّلَاثَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ مَانِعٌ اخْتُصَّ بِبَعْضِهَا، أَوْ مَانِعٌ اخْتُلِفَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي مُبَيَّنًا‏.‏

فَالْبَاءُ تُدْغَمُ فِي الْمِيمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ فَقَطْ، وَذَلِكَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ؛ مَوْضِعٌ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَمَوْضِعَانِ فِي الْمَائِدَةِ، وَمَوْضِعٌ فِي الْعَنْكَبُوتِ، وَمَوْضِعٌ فِي الْفَتْحِ‏.‏ وَإِنَّمَا اخْتُصَّتْ بِالْإِدْغَامِ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ مُوَافَقَةً لِمَا جَاوَرَهَا وَهُوَ ‏{‏يَرْحَمُ مَنْ‏}‏، ‏{‏وَيَغْفِرُ لِمَنْ‏}‏ أَمَّا قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا فَطُرِدَ الْإِدْغَامُ لِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ أُظْهِرَ مَا عَدَا ذَلِكَ نَحْوُ‏:‏ ‏{‏ضُرِبَ مَثَلٌ‏}‏، ‏{‏سَنَكْتُبُ مَا‏}‏‏.‏ لِفَقْدِ الْمُجَاوِرِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ الْيَزِيدِيُّ، إِنَّمَا أُدْغِمَ ‏{‏وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ مِنْ أَجْلِ كَسْرَةِ الذَّالِ وَرَدَّ الدَّانِيُّ هَذِهِ الْعِلَّةَ بِنَحْوِ ‏{‏وَكُذِّبَ مُوسَى‏}‏ وَ‏{‏يَضْرِبَ مَثَلًا‏}‏‏.‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّمَا أَرَادَ الْيَزِيدِيُّ إِذَا انْضَمَّتِ الْبَاءُ بَعْدَ كَسْرَةٍ، وَرَدَّهُ أَيْضًا الدَّانِيُّ بِإِدْغَامِهِ ‏{‏زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ‏}‏‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالْعِلَّةُ الْجَيِّدَةُ فِيهِ مَعَ صِحَّةِ النَّقْلِ وَوُجُودِ الْمُجَاوِرِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْآدَمِيَّ رَوَى عَنِ ابْنِ سَعْدَانَ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ أَدْغَمَ ‏{‏فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ‏}‏ فِي الْمَائِدَةِ، وَالْبَاءُ فِي ذَلِكَ مَفْتُوحَةٌ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ مُجَاوَرَةِ ‏{‏بَعْدَ ظُلْمِهِ‏}‏ الْمُدْغَمَةِ فِي مَذْهَبِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مَعَ إِدْغَامِهِ حَرْفَ الْمَائِدَةِ أَظْهَرَ ‏{‏وَمَنْ تَابَ مَعَكَ‏}‏ فِي هُودٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالتَّاءُ تُدْغَمُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ، وَهِيَ‏:‏ الثَّاءُ، وَالْجِيمُ، وَالذَّالُ، وَالزَّايُ، وَالسِّينُ، وَالصَّادُ، وَالضَّادُ، وَالطَّاءُ، وَالظَّاءُ‏.‏ فَالثَّاءُ نَحْوُ ‏{‏بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ‏:‏ فِي ‏{‏الزَّكَاةَ ثُمَّ‏}‏ وَ‏{‏التَّوْرَاةَ ثُمَّ‏}‏ لِمَانِعِ كَوْنِهِمَا مِنَ الْمَفْتُوحِ بَعْدَ سَاكِنٍ، فَرَوَى إِدْغَامَهُمَا لِلتَّقَارُبِ ابْنُ حَبَشٍ مِنْ طَرِيقِ الدُّورِيِّ وَالسُّوسِيِّ وَبِذَلِكَ، قَرَأَ الدَّانِيُّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ رُومِيٍّ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَرِوَايَةُ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنِ الدُّورِيِّ وَمَدْيَنَ وَالْآدَمِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا وَرِوَايَةُ الشَّذَائِيِّ عَنِ الشُّونِيزِيِّ وَأَبُو اللَّيْثِ، كِلَاهُمَا عَنْ شُجَاعٍ‏.‏ وَرَوَى أَصْحَابُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ الْإِظْهَارَ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ بَعْدَ السُّكُونِ‏.‏ وَهِيَ رِوَايَةُ أَوْلَادِ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَانْفَرَدَ ابْنُ شَنَبُوذَ بِإِدْغَامِ ‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ‏}‏ فِي الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مِنْ تَاءِ الْمُضْمَرِ، وَكَذَا رَوَى أَبُو زَيْدٍ، عَنْ شُجَاعٍ وَالْخُزَاعِيُّ، عَنِ الشَّذَائِيِّ، عَنْ شُجَاعٍ‏.‏ وَعَنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الدُّورِيِّ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِ أَبِي عَمْرٍو وَأُصُولِهِ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ هُوَ الْإِظْهَارُ حِفْظًا لِلْأُصُولِ وَرَعْيًا لِلنُّصُوصِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَفِي الْجِيمِ نَحْوُ‏:‏ ‏{‏الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَفِي الذَّالِ نَحْوُ‏:‏ ‏{‏السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ‏}‏، ‏{‏وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ، وَاخْتُلِفَ فِي ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏}‏ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِكَوْنِهِمَا مِنَ الْمَجْزُومِ، أَوْ مِمَّا حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْزُومِ، فَكَانَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ الْمُنَادِي وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ يَأْخُذُونَهُ بِالْإِظْهَارِ مِنْ أَجْلِ النَّقْصِ وَقِلَّةِ الْحُرُوفِ‏.‏ وَكَانَ ابْنُ شَنَبُوذَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ الدَّاجُونِيُّ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ يَأْخُذُونَهُ بِالْإِدْغَامِ لِلتَّقَارُبِ وَقُوَّةِ الْكَسْرِ، وَبِالْوَجْهَيْنِ قَرَأَ الدَّانِيُّ وَبِهِمَا أَخَذَ الشَّاطِبِيُّ وَأَكْثَرُ الْمُقْرِئِينَ، وَفِي الزَّايِ فِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ ‏{‏بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا‏}‏، ‏{‏فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا‏}‏، ‏{‏إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا‏}‏ وَفِي السِّينِ نَحْوُ ‏{‏الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ‏}‏، وَ‏{‏السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَفِي الشِّينِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ‏:‏ ‏{‏السَّاعَةِ شَيْءٌ‏}‏، ‏{‏بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ مَوْضِعَانِ وَاخْتُلِفَ فِي ‏{‏جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا‏}‏ فِي ‏{‏كهيعص‏}‏ فَرَوَاهُ بِالْإِظْهَارِ، وَرَوَاهُ بِالْإِدْغَامِ لِقُوَّةِ الْكَسْرَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ مَدْيَنَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَبِالْوَجْهَيْنِ قَرَأَ الدَّانِيُّ وَابْنُ الْفَحَّامِ الصَّقَلِّيُّ، وَبِهِمَا أَخَذَ الشَّاطِبِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَفِي الصَّادِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ‏:‏ ‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفًّا‏}‏، ‏{‏وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا‏}‏، ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ وَفِي الضَّادِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏، وَفِي الطَّاءِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ‏}‏، ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى‏}‏ وَ‏{‏الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ‏}‏، وَاخْتُلِفَ فِي ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ‏}‏، وَمِنْ أَجْلِ الْجَزْمِ، فَرَوَاهُ بِالْإِدْغَامِ مَنْ رَوَى إِدْغَامَ الْمَجْزُومِ مِنَ الْمِثْلَيْنِ، وَأَظْهَرَ مَنْ أَظْهَرَ سَائِرَ الْمَجْزُومَاتِ، إِلَّا أَنَّ الْإِدْغَامَ قَوِيٌ هُنَا مِنْ أَجْلِ التَّجَانُسِ وَقُوَّةِ الْكَسْرِ وَالطَّاءِ، وَرَوَاهُ الدَّانِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ بِالْوَجْهَيْنِ‏.‏

قَالَ الْخُزَاعِيُّ‏:‏ سَمِعْتُ الشَّذَائِيَّ يَقُولُ‏:‏ كَانَ ابْنُ مُجَاهِدٍ يَأْخُذُ بِالْإِدْغَامِ قَدِيمًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِظْهَارِ، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ سَوَّارٍ‏:‏ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْعَطَّارُ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْوَلِيُّ، ثَنَا ابْنُ فَرَحٍ، عَنِ الدُّورِيِّ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ‏}‏ مُدْغَمٌ فِيمَا قَرَأْتُ بِهِ عَلَيْهِ، وَانْفَرَدَ ابْنُ حَبَشٍ عَنِ السُّوسِيِّ بِإِظْهَارِ ‏{‏الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ‏}‏ مِنْ أَجْلِ خِفَّةِ الْفَتْحَةِ وَسُكُونِ مَا قَبْلُ، وَأَدْغَمَهُ سَائِرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ أَجْلِ التَّجَانُسِ وَقُوَّةِ الطَّاءِ‏.‏ وَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ‏:‏ ‏{‏بَيَّتَ طَائِفَةٌ‏}‏ فَإِنَّهُ يُدْغِمُ التَّاءَ فِي الطَّاءِ فِي الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ جَمِيعًا، وَأَجْمَعَ مَنْ رَوَى الْإِظْهَارَ عَنْهُ عَلَى إِدْغَامِهِ‏.‏ قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَلَمْ يُدْغِمْ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ إِذَا قُرِئَ بِالْإِظْهَارِ غَيْرُهُ‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ مِنَ السَّوَاكِنِ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ بَيَّاهُ وَتَبَيَّاهُ، إِذَا تَعَمَّدَهُ فَتَكُونُ التَّاءُ عَلَى هَذَا لِلتَّأْنِيثِ مِثْلُ وَدَّتْ طَائِفَةٌ وَأَنْشَدُوا‏:‏

بَاتَتْ تَبَيَّا حَوْضَهَا عُكُوفَا *** مِثْلَ الصُّفُوفِ لَاقَتِ الصُّفُوفَا

يَصِفُ إِبِلًا اعْتَمَدَتْ حَوْضَهَا لِتَشْرَبَ الْمَاءَ، وَالْعُكُوفُ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ، وَفِي الظَّاءِ فِي مَوْضِعَيْنِ ‏{‏الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي‏}‏ فِي النِّسَاءِ وَالنَّحْلِ، وَالثَّاءُ تُدْغَمُ فِي خَمْسَةِ أَحْرُفٍ، هِيَ‏:‏ التَّاءُ، وَالذَّالُ، وَالسِّينُ، وَالشِّينُ، وَالصَّادُ‏.‏ فَفِي التَّاءِ فِي مَوْضِعَيْنِ ‏{‏حَيْثُ تُؤْمَرُونَ‏}‏ وَ‏{‏الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ‏}‏ وَفِي الذَّالِ حَرْفٌ وَاحِدٌ الْحَرْثُ ذَلِكَ، وَفِي السِّينِ فِي أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ ‏{‏وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ‏}‏، ‏{‏حَيْثُ سَكَنْتُمْ‏}‏، ‏{‏الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ‏}‏، ‏{‏مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا‏}‏ وَفِي الشِّينِ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ‏:‏ ‏{‏حَيْثُ شِئْتُمَا‏}‏، ‏{‏حَيْثُ شِئْتُمْ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ وَالْأَعْرَافِ ‏{‏ثَلَاثُ شُعَبٍ‏}‏ وَفِي الضَّادِ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ ‏{‏حَدِيثُ ضَيْفِ‏}‏ وَالْجِيمُ تُدْغَمُ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ فِي الشِّينِ ‏{‏أَخْرَجَ شَطْأَهُ‏}‏ وَفِي التَّاءِ ‏{‏ذِي الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ‏}‏، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ‏{‏أَخْرَجَ شَطْأَهُ‏}‏ فَأَظْهَرُهُ ابْنُ حَبَشٍ عَنِ السُّوسِيِّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ الدُّورِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ الدُّورِيِّ وَمَدْيَنُ، عَنْ أَصْحَابِهِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ الْيَزِيدِيِّ،، وَابْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالْخُزَاعِيُّ، عَنْ شُجَاعٍ، وَأَدْغَمَهُ سَائِرُ أَصْحَابِ الْإِدْغَامِ، وَهُوَ الَّذِي قَرَأَ بِهِ الدَّانِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا غَيْرَهُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا سِبْطُ الْخَيَّاطِ وَرَوَاهُمَا جَمِيعًا الشَّذَائِيُّ وَقَالَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ مُجَاهِدٍ مُدْغَمًا وَمُظْهَرًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ كَانَ قَدِيمًا يَأْخُذُهُ مُدْغَمًا‏.‏ انْتَهَى، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ طَرَفِنَا فِي إِدْغَامِ ‏{‏الْمَعَارِجِ تَعْرُجُ‏}‏، وَإِظْهَارِ ‏{‏وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا‏}‏، وَ‏{‏مُخْرَجَ صِدْقٍ‏}‏ وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ نَعَمْ، قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَإِدْغَامُ الْجِيمِ فِي التَّاءِ قَبِيحٌ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْمَخْرَجِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِكَوْنِهِمَا مِنْ مَخْرَجِ السِّينِ، وَالشِّينُ لِتَفَشِّيهَا تَتَّصِلُ بِمَخْرَجِ التَّاءِ، فَأَجْرَى لَهَا حُكْمَهَا وَأُدْغِمَتْ فِي التَّاءِ لِذَلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَجَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا عَنِ الْيَزِيدِيِّ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا عَنْهُ‏:‏ كَانَ يُدْغِمُ الْجِيمَ فِي التَّاءِ، وَالتَّاءَ فِي الْجِيمِ‏.‏ وَالْحَاءُ تُدْغَمُ فِي الْعَيْنِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ‏}‏ فَقَطْ؛ لِطُولِ الْكَلِمَةِ وَتَكْرَارِ الْحَاءِ؛ وَلِذَلِكَ يَظْهَرُ فِيمَا عَدَاهُ نَحْوُ ‏{‏لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ‏}‏، وَ‏{‏الْمَسِيحُ عِيسَى‏}‏، وَ‏{‏الرِّيحَ عَاصِفَةً‏}‏، ‏{‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏}‏ لِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَقَدْ رَوَى إِدْغَامَ ‏{‏زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ‏}‏ مَنْصُوصًا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهُوَ مِمَّا وَرَدَ الْخِلَافُ، عَنْ أَصْحَابِ الْإِدْغَامِ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمِيعُ طُرُقِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الدُّورِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ عَنِ السُّوسِيِّ وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ، عَنْ أَصْحَابِ الْإِدْغَامِ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ‏.‏ وَرَوَى إِظْهَارَهُ جَمِيعُ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ جَمِيعِ طُرُقِ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنِ الدُّورِيِّ، وَمِنْ جَمِيعِ طُرُقِ السُّوسِيِّ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ مَأْخُوذٌ بِهِمَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مُجَاهِدٍ سَمِعْتُ أَبَا الزَّعْرَاءِ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ الدُّورِيَّ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ الْيَزِيدِيَّ يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُ الْحَاءَ فِي الْعَيْنِ نَحْوُ ‏{‏فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ‏}‏، وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو لَا يَرَى ذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ قِيَاسًا، بَلْ يَقْصُرُهُ عَلَى السَّمَاعِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْإِدْغَامِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو نَفْسِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُجَاعٍ وَعَبَّاسٍ، وَأَبِي زَيْدٍ، وَعَنِ الْيَزِيدِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ وَمَدْيَنَ الْآدَمِيِّ‏.‏ وَقَدْ رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ الدُّورِيِّ إِدْغَامَ ‏{‏فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ‏}‏، وَ‏{‏الْمَسِيحُ عِيسَى‏}‏، وَ‏{‏الرِّيحَ عَاصِفَةً‏}‏ وَرَوَاهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، عَنْ شُجَاعٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فِي‏:‏ لَا جَنَاحَ، وَالْمَسِيحَ، وَالْإِظْهَارُ هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَيُقَوِّيهِ وَيُعَضِّدُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِظْهَارِ الْحَاءِ السَّاكِنَةِ الَّتِي إِدْغَامُهَا آكَدُ مِنَ الْمُتَحَرِّكَةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إِدْغَامَ الْحَاءِ فِي الْعَيْنِ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، بَلْ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالدَّالُ تُدْغَمُ فِي عَشَرَةِ أَحْرُفٍ‏:‏ التَّاءُ، وَالثَّاءُ، وَالْجِيمُ، وَالذَّالُ، وَالزَّايُ، وَالسِّينُ، وَالشِّينُ، وَالصَّادُ، وَالضَّادُ، وَالظَّاءُ بِأَيِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَتِ الدَّالُ إِلَّا إِذَا فُتِحَتْ وَقَبْلَهَا سَاكِنٌ فَإِنَّهَا لَا تُدْغَمُ إِلَّا فِي التَّاءِ‏.‏ فَإِنَّهَا تُدْغَمُ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّجَانُسِ، فَفِي التَّاءِ خَمْسَةُ مَوَاضِعَ ‏{‏الْمَسَاجِدِ تِلْكَ‏}‏، ‏{‏مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ‏}‏، ‏{‏كَادَ يَزِيغُ‏}‏، ‏{‏بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏، ‏{‏تَكَادُ تَمَيَّزُ‏}‏ وَفِي الثَّاءِ مَوْضِعَانِ ‏{‏يُرِيدُ ثَوَابَ‏}‏، ‏{‏لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ‏}‏ وَفِي الْجِيمِ مَوْضِعَانِ‏:‏ ‏{‏دَاوُدُ جَالُوتَ‏}‏، ‏{‏دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً‏}‏، وَقَدْ رُوِيَ إِظْهَارُ هَذَا الْحَرْفِ عَنِ الدُّورِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، وَعَنِ السُّوسِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْخُزَاعِيِّ مِنْ أَجْلِ اجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِي الْإِخْفَاءِ وَالْإِدْغَامِ مِنْ كَوْنِ السَّاكِنِ قَبْلَهُ حَرْفًا صَحِيحًا كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ آخِرَ الْبَابِ‏.‏ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ‏.‏ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ ابْنُ شَنَبُوذَ وَابْنُ الْمُنَادِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَهُ نَخْتَارُ لِقُوَّةِ الْكَسْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَفِي الذَّالِ نَحْوُ‏:‏ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ، وَجُمْلَتُهُ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَفِي الزَّايِ مَوْضِعَانِ ‏{‏تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، وَ‏{‏يَكَادُ زَيْتُهَا‏}‏، وَفِي السِّينِ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ‏:‏ ‏{‏فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُمْ‏}‏، ‏{‏كَيْدُ سَاحِرٍ‏}‏، ‏{‏عَدَدَ سِنِينَ‏}‏، ‏{‏يَكَادُ سَنَا‏}‏ وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّانِيُّ ‏{‏كَيْدُ سَاحِرٍ‏}‏ بَلْ تَرَكَهُ سَهْوًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيُدْغَمُ الدَّالُ فِي السِّينِ بَعْدَ السَّاكِنِ فِي مَوْضِعَيْنِ‏:‏ ‏{‏وَشَهِدَ شَاهِدٌ‏}‏ فِي الْحَرْفَيْنِ مِنْ يُوسُفَ وَالْأَحْقَافِ، وَفِي الصَّادِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ‏:‏ ‏{‏نَفْقِدُ صُوَاعَ‏}‏، ‏{‏فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا‏}‏، وَ‏{‏وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ‏}‏، ‏{‏مَقْعَدِ صِدْقٍ‏}‏، وَفِي الضَّادِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ‏:‏ مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ فِي يُونُسَ وَحم السَّجْدَةِ وَمِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ فِي الرُّومِ، وَفِي الظَّاءِ ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ ‏{‏يُرِيدُ ظُلْمًا‏}‏ فِي آلِ عِمْرَانَ وَغَافِرٍ وَ‏{‏مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ‏}‏ فِي الْمَائِدَةِ، وَالذَّالُ تُدْغَمُ فِي السِّينِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي مَوْضِعَيِ الْكَهْفِ وَفِي الصَّادِ مَوْضِعٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَالرَّاءَ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَتْ فِي اللَّامِ بِأَيِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَتْ هِيَ نَحْوُ ‏{‏أَطْهَرُ لَكُمْ‏}‏، ‏{‏لِيَغْفِرَ لَكَ‏}‏ فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا وَتَحَرَّكَتْ هِيَ بِضَمَّةٍ أَوْ كَسْرَةٍ أُدْغِمَ مَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ‏:‏ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ، وَالنَّهَارِ لِآيَاتٍ، وَجُمْلَةُ الْمُدْغَمِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ حَرْفًا، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِظْهَارِهَا إِذَا فُتِحَتْ وَسُكِّنَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ ‏{‏وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا‏}‏، وَ‏{‏الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا‏}‏، وَ‏{‏الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ‏}‏، ‏{‏إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ‏}‏ إِلَّا مَا رُوِيَ، عَنْ شُجَاعٍ وَمَدْيَنَ مِنْ إِدْغَامِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا إِذَا سُكِّنَتْ فِي الْإِدْغَامِ الصَّغِيرِ، وَالسِّينُ تُدْغَمُ فِي الزَّايِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ‏}‏ لَا غَيْرَ، وَفِي الشِّينِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا‏}‏، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ‏.‏ فَرَوَى إِظْهَارَهُ ابْنُ حَبَشٍ، عَنْ أَصْحَابِهِ فِي رِوَايَتَيِ الدُّورِيِّ وَالسُّوسِيِّ وَابْنُ شَيْطَا، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ فِي رِوَايَةِ الدُّورِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ الدُّورِيِّ وَالْقَاسِمُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْهُ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَأَبِي اللَّيْثِ، عَنْ شُجَاعٍ، وَابْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبَّاسٍ، وَأَدْغَمَهَا سَائِرُ الْمُدْغِمِينَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ قَالَ‏:‏ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَعَنْ شُجَاعٍ‏.‏ وَكَانَ ابْنُ مُجَاهِدٍ يُخَيِّرُ فِيهَا يَقُولُ‏:‏ إِنْ شِئْتَ أَدْغَمْتَهَا، وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهَا‏.‏ وَقَالَ الشَّذَائِيُّ‏:‏ أَخَذَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ أَوَّلًا بِالْإِظْهَارِ وَآخِرًا بِالْإِدْغَامِ، وَأَطْلَقَ الشَّاطِبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِيهَا الْخِلَافَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِظْهَارِ ‏{‏لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا‏}‏ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ بَعْدَ السُّكُونِ، وَالشِّينُ تُدْغَمُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا‏}‏ لَا غَيْرَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ مَنْصُوصًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْيَزِيدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ شَيْطَا مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، عَنِ الدُّورِيِّ وَالنَّهْرَوَانِيِّ عَنِ ابْنِ فَرَحٍ عَنِ الدُّورِيِّ،، وَأَبِي الْحَسَنِ الثَّغْرِيِّ، عَنِ السُّوسِيِّ وَالدُّورِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ مَنْ طُرُقِ الْيَزِيدِيِّ وَشُجَاعٍ، وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ أَصْحَابِ الْإِدْغَامِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَبِهِ قَرَأَ الشَّذَائِيُّ، عَنْ سَائِرِ أَصْحَابِ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْلِ زِيَادَةِ الشِّينِ بِالتَّفَشِّي‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَلَا يُمْنَعُ الْإِدْغَامُ مِنْ أَجْلِ صَفِيرِ السِّينِ، فَحَصَلَ التَّكَافُؤُ، وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ، قَرَأْتُ بِهِمَا وَبِهِمَا آخُذُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَالضَّادُ تُدْغَمُ فِي الشِّينِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ‏:‏ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ، فِي النُّورِ حَسْبٌ، لَا غَيْرَ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَى إِدْغَامَهُ مَنْصُوصًا أَبُو شُعَيْبٍ السُّوسِيُّ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ‏.‏ قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ يَعْنِي مَنْصُوصًا، وَإِلَّا فَرَوَى إِدْغَامَهُ أَدَاءً ابْنُ شَيْطَا، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ الدُّورِيِّ وَابْنِ سَوَّارٍ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِ ابْنِ فَرَحٍ سِوَى الْحَمَّامِيِّ، وَرَوَاهُ أَيْضًا شُجَاعٌ وَالْآدَمِيُّ، عَنْ صَاحِبَيْهِ، وَبَكْرَانُ، عَنْ صَاحِبَيْهِ وَالزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَالْفَحَّامُ، عَنْ عَبَّاسٍ، وَرَوَى إِظْهَارَهُ سَائِرُ رُوَاةِ الْإِدْغَامِ، وَقَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَبِالْإِدْغَامِ قَرَأْتُ، وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يُمَكِّنُ مِنْ إِدْغَامِهَا إِلَّا حَاذِقًا قَالَ‏:‏ وَقِيَاسُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي النَّحْلِ‏:‏ ‏{‏وَالْأَرْضِ شَيْئًا‏}‏‏.‏ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَاءِ فِي إِظْهَارِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا الْجَمْعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ مَعَ الْإِعْلَامِ بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ بِالْقِيَاسِ دُونَ الْأَثَرِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْفَرْقِ‏:‏ إِنَّ الْإِدْغَامَ لَمَّا كَانَ الْقَارِئُ يَحْتَاجُ إِلَى التَّحَفُّظِ فِي التَّلَفُّظِ بِهَا مِنْ ظُهُورِ تَكْرَارِهَا، وَأَمَّا ‏{‏الْأَرْضَ شَقًّا‏}‏ فَلِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ بَعْدَ السُّكُونِ عَلَى أَنَّهُ قَدِ انْفَرَدَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ عَنِ ابْنِ حَبَشٍ عَنِ السُّوسِيِّ بِإِدْغَامِهِ، وَتَابَعَهُ الْآدَمِيُّ، عَنْ صَاحِبَيْهِ، فَخَالَفَا سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَالْقَافُ تُدْغَمُ فِي الْكَافِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا نَحْوُ يُنْفِقُ كَيْفَ وَجُمْلَتُهُ أَحَدَ عَشَرَ حَرْفًا‏.‏ فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا تُدْغَمُ نَحْوُ ‏{‏وَفَوْقَ كُلِّ ذِي‏}‏‏.‏ وَالْكَافُ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فِي الْقَافِ نَحْوُ ‏{‏وَنُقَدِّسُ لَكَ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَجَمْلَتُهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا، فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا لَمْ يُدْغَمْ نَحْوُ ‏{‏إِلَيْكَ قَالَ‏}‏، ‏{‏يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ‏}‏، ‏{‏وَتَرَكُوكَ قَائِمًا‏}‏‏.‏ وَاللَّامُ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فِي الرَّاءِ بِأَيِّ حَرَكَةٍ تَحَرَّكَتْ هِيَ، نَحْوُ ‏{‏رُسُلُ رَبِّكَ‏}‏، ‏{‏كَمَثَلِ رِيحٍ‏}‏، ‏{‏أَنْزَلَ رَبُّكُمْ‏}‏ وَجُمْلَتُهُ أَرْبَعَةٌ وَثَمَانُونَ حَرْفًا، كَجُمْلَةِ الرَّاءِ فِي اللَّامِ سَوَاءً‏.‏ فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا أَدْغَمَهَا- مَضْمُومَةً كَانَتْ أَوْمَكْسُورَةً- نَحْوُ ‏{‏يَقُولُ رَبَّنَا‏}‏، ‏{‏سَبِيلِ رَبِّكَ‏}‏ فَإِنِ انْفَتَحَتْ بَعْدَ السَّاكِنِ لَمْ تُدْغَمْ نَحْوُ ‏{‏فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ‏}‏ إِلَّا لَامَ قَالَ، فَإِنَّهَا تُدْغَمُ حَيْثُ وَقَعَتْ؛ لِكَثْرَةِ دَوْرِهَا نَحْوُ ‏{‏قَالَ رَبِّ‏}‏، ‏{‏قَالَ رَبُّكُمْ‏}‏، ‏{‏وَقَالَ رَجُلٌ‏}‏، ‏{‏قَالَ رَجُلَانِ‏}‏‏.‏ وَالْمِيمُ تُسَكَّنُ عِنْدَ الْبَاءِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا تَخْفِيفًا لِتَوَالِي الْحَرَكَاتِ، فَتُخْفَى إِذْ ذَاكَ بِغُنَّةٍ نَحْوُ‏:‏ ‏{‏يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ‏}‏، ‏{‏بأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ‏}‏، ‏{‏مَرْيَمَ بُهْتَانًا‏}‏ وَجُمْلَتُهُ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا‏.‏ فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ‏.‏ إِلَّا مَا رَوَاهُ الْقَصَبَانِيُّ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنَ الْإِخْفَاءِ بَعْدَ حَرْفِ الْمَدِّ أَوِ اللِّينِ نَحْوُ ‏{‏الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏، ‏{‏الْيَوْمَ بِجَالُوتَ‏}‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا‏.‏ وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ عَنْ هَذَا الْإِخْفَاءِ بِالْإِدْغَامِ، وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ، وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ لَا يَسَعُ هَذَا الْمَوْضِعَ بَسْطُهُ، فَنَذْكُرُهُ فِي غَيْرِهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ‏.‏

وَالنُّونُ تُدْغَمُ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا فِي الرَّاءِ وَاللَّامِ، فَفِي الرَّاءِ فِي خَمْسَةِ أَحْرُفٍ ‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ‏}‏، ‏{‏وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ‏}‏، ‏{‏خَزَائِنَ رَحْمَةِ‏}‏ فِي الْإِسْرَاءِ وَص ‏{‏خَزَائِنُ رَبِّكَ‏}‏ فِي الطُّورِ، فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا أُظْهِرَتْ بِغَيْرِ خُلْفٍ نَحْوُ‏:‏ ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِمْ‏}‏، ‏{‏يَخَافُونَ رَبَّهُمْ‏}‏ وَفِي اللَّامِ نَحْوُ ‏{‏لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ‏}‏، ‏{‏تَبَيَّنَ لَهُ‏}‏، ‏{‏زُيِّنَ لِلَّذِينَ‏}‏ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ حَرْفًا، فَإِنْ سُكِّنَ مَا قَبْلَهَا لَمْ تُدْغَمْ إِلَّا فِي كَلِمَةِ نَحْنُ حَيْثُ وَقَعَتْ وَجُمْلَتُهُ عَشَرَةُ مَوَاضِعَ، فِي الْبَقَرَةِ أَرْبَعَةٌ‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ حَرْفَانِ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ‏}‏، ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ‏}‏ وَفِي آلِ عِمْرَانَ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ وَفِي الْأَعْرَافِ ‏{‏فَمَا نَحْنُ لَكَ‏}‏ وَفِي يُونُسَ ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَكُمَا‏}‏ وَفِي هُودٍ ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَكَ‏}‏ وَفِي الْمُؤْمِنُونَ ‏{‏وَمَا نَحْنُ لَهُ‏}‏ وَفِي الْعَنْكَبُوتِ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ رَوَى ذَلِكَ مَنْصُوصًا أَصْحَابُ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ سِوَى ابْنِ جُبَيْرٍ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ بِالْإِدْغَامِ، فَقِيلَ لِثِقَلِ الضَّمَّةِ، وَيُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ فَإِنَّهُ مُظْهَرٌ، وَقَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ لِلُزُومِ حَرَكَتِهَا وَامْتِنَاعِهَا مِنَ الِانْتِقَالِ مِنَ الضَّمِّ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَيْسَ مَا عَدَاهَا ذَلِكَ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِتَكْرَارِ النُّونِ فِيهَا وَكَثْرَةُ دَوْرِهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا هَذِهِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، وَقَدِ انْفَرَدَ الْكَارَزِينِيُّ عَنِ السُّوسِيِّ، بِإِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِكَوْنِ مَا قَبْلَ النُّونِ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْخُزَاعِيُّ عَنِ ابْنِ حَبَشٍ، عَنْ شُجَاعٍ، وَعَنِ السُّوسِيِّ، وَرَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ الْيَزِيدِيِّ، كَمَا انْفَرَدَ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ، عَنْ شُجَاعٍ بِإِدْغَامِ مَا قَبْلَهُ سَاكِنٌ مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ ‏{‏مُسْلِمَيْنِ لَكَ‏}‏، وَ‏{‏مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ‏}‏ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ ذَلِكَ سِوَى ‏{‏أَرْضَعْنَ لَكُمْ‏}‏ فَأَظْهَرَهُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمَأْخُوذُ بِهِ مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ ابْنُ شَيْطَا‏:‏ فَجَمِيعُ بَابِ الْمُتَقَارِبَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ وَكَلِمَتَيْنِ وَخَمْسِمِائَةِ حَرْفٍ وَسِتَّةٍ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَتَكَامَلَ جَمِيعُ مَا فِي بَابِ الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ أَلْفَ حَرْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسٌ وَتِسْعُونَ حَرْفًا، وَقَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَقَدْ حَصَّلْنَا جَمِيعَ مَا أَدْغَمَهُ أَبُو عَمْرٍو مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ، فَوَجَدْنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مُجَاهِدٍ أَلْفَ حَرْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَثَلَاثَةً وَسَبْعِينَ حَرْفًا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَعَلَى مَا أُقْرِينَاهُ أَلْفُ حَرْفٍ وَثَلَاثُمِائَةِ حَرْفٍ وَخَمْسَةُ أَحْرُفٍ، قَالَ‏:‏ جَمِيعُ مَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَاءِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا‏.‏

قُلْتُ‏:‏ كَذَا قَالَ فِي التَّيْسِيرِ وَجَامِعِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ مُجَاهِدٍ أَلْفُ حَرْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسَبْعَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفًا؛ لِأَنَّ الَّذِي أَظْهَرُهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، لَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ‏.‏ وَهِيَ عِشْرُونَ مِنَ الْمِثْلَيْنِ ‏{‏يَبْتَغِ غَيْرَ‏}‏، وَ‏{‏يَخْلُ لَكُمْ‏}‏، وَ‏{‏يَكُ كَاذِبًا‏}‏، وَ‏{‏آلَ لُوطٍ‏}‏ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَمِنَ الْمُتَقَارِبَيْنَ ثَمَانِيَةٌ ‏{‏الزَّكَاةَ ثُمَّ‏}‏، ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ‏}‏، ‏{‏وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏}‏، وَ‏{‏الرَّأْسُ شَيْبًا‏}‏، وَ‏{‏جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا‏}‏، وَ‏{‏التَّوْرَاةَ ثُمَّ‏}‏، وَ‏{‏طَلَّقَكُنَّ‏}‏ وَأَنْ يُقَالُ‏:‏ وَجَمِيعُ مَا أَدْغَمَهُ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ إِذَا وَصَلَ السُّورَةَ بِالسُّورَةِ أَلْفُ حَرْفٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ لِدُخُولِ آخِرِ الْقَدْرِ بِـ ‏{‏لَمْ يَكُنْ‏}‏، وَعَلَى رِوَايَةِ مَنْ بَسْمَلَ إِذَا وَصَلَ آخِرَ السُّورَةِ بِالْبَسْمَلَةِ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةُ أَحْرُفٍ لِدُخُولِ آخِرِ الرَّعْدِ بِأَوَّلِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَآخِرِ إِبْرَاهِيمَ بِأَوَّلِ الْحِجْرِ، وَعَلَى رِوَايَةِ مَنْ فَصَلَ بِالسَّكْتِ وَلَمْ يُبَسْمِلْ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ، كَذَا حَقَّقَ وَحَرَّرَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى تَحْقِيقِ ذَلِكَ، فَلِيَعْتَبِرْ سُورَةً سُورَةً، وَلْيَجْمَعْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ‏}‏ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏فِي جَوَازِ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ فِي الْإِدْغَامِ‏]‏

اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْيَزِيدِيِّ عَنْهُ، وَعَنْ شُجَاعٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْغَمَ الْحَرْفَ الْأَوَّلَ فِي مِثْلِهِ، أَوْ مُقَارِبِهِ، وَسَوَاءٌ سُكِّنَ مَا قَبْلَ الْأَوَّلِ، أَوْ تَحَرَّكَ إِذَا كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَجْرُورًا- أَشَارَ إِلَى حَرَكَتِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ‏.‏ فَحَمَلَهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَلَى الرَّوْمِ، فَقَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو عَمْرٍو يُشِمُّ الْحَرْفَ الْأَوَّلَ الْمُدْغَمَ إِعْرَابُهُ فِي الرَّفْعِ وَالْخَفْضِ، وَلَا يُشِمُّ فِي النَّصْبِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَعْلِهِ إِيَّاهُ رَوْمًا، وَتَسْمِيَةُ الرَّوْمِ إِشْمَامًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَحَمَلَهُ أَبُو الْفَرَجِ الشَّنَبُوذِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْإِشْمَامُ فَقَالَ‏:‏ الْإِشَارَةُ إِلَى الرَّفْعِ فِي الْمُدْغَمِ مَرْئِيَّةٌ لَا مَسْمُوعَةٌ وَإِلَى الْخَفْضِ مُضْمَرَةٌ فِي النَّفْسِ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ وَلَا مَسْمُوعَةٍ‏.‏ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَعْلِهِ إِيَّاهُ إِشْمَامًا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ جَمِيعًا، فَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ‏:‏ وَالْإِشَارَةُ عِنْدَنَا تَكُونُ رَوْمًا وَإِشْمَامًا، وَالرَّوْمُ آكِدٌ فِي الْبَيَانِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَعُ السَّمْعَ، غَيْرَ أَنَّ الْإِدْغَامَ الصَّحِيحَ وَالتَّشْدِيدَ التَّامَّ يَمْتَنِعَانِ مَعَهُ، وَيَصِحَّانِ مَعَ الْإِشْمَامِ؛ لِأَنَّهُ إِعْمَالُ الْعُضْوِ وَتَهْيِئَتُهُ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ خَارِجٍ إِلَى اللَّفْظِ فَلَا يَقْرَعُ السَّمْعَ، وَيَمْتَنِعُ فِي الْمَخْفُوضِ لِبُعْدِ ذَلِكَ الْعُضْوِ مِنْ مَخْرَجِ الْخَفْضِ، فَإِنْ كَانَ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ مَنْصُوبًا لَمْ يُشِرْ إِلَى حَرَكَتِهِ لِخِفَّتِهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى مَعْنَى الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي اللَّفْظِ وَأَصْوَبُ فِي الْعِبَارَةِ وَتَشْهَدُ لَهُ الْقِرَاءَتَانِ الصَّحِيحَتَانِ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِمَا عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي تَأْمَنَّا فِي سُورَةِ يُوسُفَ، وَهُوَ مِنَ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ فَإِنَّهُمَا بِعَيْنِهِمَا هُمَا الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَفِي إِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو‏.‏

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّ الْحَرْفَ الْمُسَكَّنَ لِلْإِدْغَامِ يُشْبِهُ الْمُسَكَّنَ لِلْوَقْفِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ سُكُونَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَارِضٌ لَهُ؛ وَلِذَلِكَ أُجْرِيَ فِيهِ الْمَدُّ وَضِدُّهُ الْجَارِيَانِ فِي سُكُونِ الْوَقْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا‏.‏ نَعَمْ، يَمْتَنِعُ الْإِدْغَامُ الصَّحِيحُ مَعَ الرَّوْمِ دُونَ الْإِشْمَامِ، إِذْ هُوَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِخْفَاءِ وَالنُّطْقِ بِبَعْضِ الْحَرَكَةِ، فَيَكُونُ مَذْهَبًا آخَرَ غَيْرَ الْإِدْغَامِ، وَغَيْرَ الْإِظْهَارِ كَمَا هُوَ فِي ‏{‏تَأْمَنَّا‏}‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ فَإِذَا أُجْرِيَ الْحَرْفُ السَّاكِنُ لِلْإِدْغَامِ مَجْرَى الْمُسَكَّنِ لِلْوَقْفِ فِي الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَالْمَدِّ وَضِدِّهِ فَهَلَّا أُجْرِيَ فِيهِ تَرْكُ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَيَكُونُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِدْغَامِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْوَقْفِ‏؟‏

قُلْتُ‏:‏ وَمَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصْلُ الْمَقْرُوءُ بِهِ وَالْمَأْخُوذُ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ كُلِّ مَا نَعْلَمُهُ مِنَ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ التَّحْقِيقِ مِنْ أَئِمَّةِ الْأَدَاءِ بَيْنَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ جَرِيرٍ، عَنِ السُّوسِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْقَصَّاعِ، وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، عَنْ شُجَاعٍ وَغَيْرِهِ، وَبَيْنَ مَنْ ذَكَرَهُ مَعَ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ كَالْأُسْتَاذِ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْبَاذِشِ، وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَحَا نَحْوَهُ، وَبَيْنَ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى أَصْلِ الْإِدْغَامِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَى الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ وَلَا ذَكَرَهُمَا أَلْبَتَّةَ‏:‏ كَأَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ وَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ، وَكَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَبَيْنَ مَنْ ذَكَرَهُمَا نَصًّا، وَلَمْ يَمْتَنِعْ غَيْرُهُمَا كَمَا فَعَلَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُمْهُورِ، مَعَ أَنَّ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْنَا عَنْهُمْ أَدَاءً هُوَ الْأَخْذُ بَالْأَصْلِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ أَخَذْنَا عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ خِلَافًا فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُعَوِّلْ مِنْهُمْ عَلَى الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ إِلَّا حَاذِقٌ قَصَدَ الْبَيَانَ وَالتَّعْلِيمَ، وَعَلَى تَرْكِ الرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ سَائِرُ رُوَاةِ الْإِدْغَامِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ نَصٌّ عَنْهُمْ بِخِلَافِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْآخِذِينَ بِالْإِشَارَةِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْمِيمِ عِنْدَ مِثْلِهَا وَعِنْدَ الْبَاءِ، وَعَلَى اسْتِثْنَاءِ مِثْلِهَا وَعِنْدَ الْمِيمِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَتَعَذَّرُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ انْطِبَاقِ الشَّفَتَيْنِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ إِذَا قِيلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الْإِشْمَامُ، إِذَا تَعَذَّرَ الْإِشَارَةُ بِالشَّفَةِ وَالْبَاءُ وَالْمِيمُ مِنْ حُرُوفِ الشَّفَةِ، وَالْإِشَارَةُ غَيْرُ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ، فَيَتَعَذَّرُ فِعْلُهُمَا مَعًا فِي الْإِدْغَامِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ وَصْلٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْإِشْمَامَ فِيهِ ضَمُّ الشَّفَتَيْنِ بَعْدَ سُكُونِ الْحَرْفِ، وَلَا يَقَعَانِ مَعًا، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْفَاءِ فِي الْفَاءِ فَاسْتَثْنَاهَا أَيْضًا غَيْرُ وَاحِدٍ كَأَبِي طَاهِرِ بْنِ سَوَّارٍ فِي الْمُسْتَنِيرِ، وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ فِي الْكِفَايَةِ وَابْنِ الْفَحَّامِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهَا مِنْ مَخْرَجِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ، فَلَا فَرْقَ، وَمِثَالُ ذَلِكَ ‏{‏يَعْلَمُ مَا‏}‏، ‏{‏أَعْلَمُ بِمَا‏}‏، ‏{‏نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا‏}‏، ‏{‏يُعَذِّبُ مَنْ‏}‏، ‏{‏تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ‏}‏ وَانْفَرَدَ أَبُو الْكَرَمِ فِي الْمِصْبَاحِ فِي الْإِشَارَةِ بِمَذْهَبٍ آخَرَ، فَذَكَرَ‏:‏ إِنْ جَاوَرَتْ ضَمَّةً، أَوْ وَاوًا مَدِّيَّةً نَحْوُ ‏{‏يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ‏}‏، ‏{‏وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ‏}‏، ‏{‏فَاعْبُدُوهُ هَذَا‏}‏ مَا لَمْ يُشِرْ إِلَى بَيَانِ حَرَكَةِ الْإِدْغَامِ، وَإِنْ لَمْ تُجَاوِرْ نَحْوُ ‏{‏يَشْفَعُ عِنْدَهُ‏}‏، ‏{‏يُنْفِقُ كَيْفَ‏}‏، ‏{‏كَيْدُ سَاحِرٍ‏}‏، ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ‏}‏ إِشَارَةً إِلَى الْحَرَكَةِ بِالرَّوْمِ وَالْإِشْمَامِ، وَكَأَنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَقْفِ، وَحَكَى ابْنُ سَوَّارٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْعَطَّارِ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمِيمِ عِنْدَ الْمِيمِ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ يُخِلُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا قَرَأْتُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِدْغَامِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الرَّوْمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

تَنْبِيهَاتٌ‏:‏

الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مَا قَبْلَ الْحَرْفِ الْمُدْغَمِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحَرَّكًا، أَوْ سَاكِنًا، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّكًا فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَلًّا، أَوْ صَحِيحًا، فَإِنْ كَانَ مُعْتَلًّا، فَإِنَّ الْإِدْغَامَ مَعَهُ مُمْكِنٌ حَسَنٌ لِامْتِدَادِ الصَّوْتِ بِهِ، وَيَجُوزُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَهِيَ الْمَدُّ الْمُتَوَسِّطُ، وَالْقَصْرُ، كَجَوَازِهَا فِي الْوَقْفِ، إِذْ كَانَ حُكْمُ الْمُسَكَّنِ لِلْإِدْغَامِ كَالْمُسَكَّنِ لِلْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ الْهَمَذَانِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ نَصًّا بِخِلَافِهِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الرَّحِيمِ مَلِكِ، ‏{‏قَالَ لَهُمُ‏}‏، ‏{‏يَقُولُ رَبَّنَا‏}‏، وَكَذَا لَوِ انْفَتَحَ مَا قَبْلَ الْوَاوِ وَالْيَاءِ نَحْوُ ‏{‏قَوْمُ مُوسَى‏}‏، ‏{‏كَيْفَ فَعَلَ‏}‏ وَالْمَدُّ أَرْجَحُ مِنَ الْقَصْرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ، وَلَوْ قِيلَ بِاخْتِيَارِ الْمَدِّ فِي حَرْفِ الْمَدِّ وَالتَّوَسُّطِ فِي حَرْفِ اللِّينِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِمَا يَأْتِي فِي بَابِ الْمَدِّ إِنْ كَانَ السَّاكِنُ حَرْفًا صَحِيحًا فَإِنَّ الْإِدْغَامَ الصَّحِيحَ مَعَهُ يَعْسُرُ؛ لِكَوْنِهِ جَمِيعًا بَيْنَ سَاكِنَيْنَ أَوَّلُهُمَا لَيْسَ بِحَرْفِ عِلَّةٍ، فَكَانَ الْآخِذُونَ فِيهِ بِالْإِدْغَامِ الصَّحِيحِ قَلِيلِينَ، بَلْ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى الْإِخْفَاءِ، وَهُوَ الرَّوْمُ الْمُتَقَدِّمُ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاخْتِلَاسِ، وَحَمَلُوا مَا وَقَعَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْإِدْغَامِ عَلَى الْمَجَازِ، وَذَلِكَ نَحْوُ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ‏}‏، وَ‏{‏الرُّعْبَ بِمَا‏}‏، وَ‏{‏الْعِلْمِ مَا لَكَ‏}‏، وَ‏{‏الْمَهْدِ صَبِيًّا‏}‏، وَ‏{‏مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ‏}‏، وَ‏{‏الْعَفْوَ وَأْمُرْ‏}‏، وَ‏{‏زَادَتْهُ هَذِهِ‏}‏ قُلْتُ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ مَأْخُوذٌ بِهِ، وَالْإِدْغَامُ الصَّحِيحُ هُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ قُدَمَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ، وَالنُّصُوصُ مُجْتَمِعَةٌ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي تَتِمَّةُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ نِعِمَّا إِذِ السُّكُونُ فِيهَا كَالسُّكُونِ فِيهِنَّ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّوْعَ مِنْهُ بِالْإِظْهَارِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الرَّوْمَ فَقَدْ أَبْعَدَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الثَّانِي كُلُّ مَنْ أَدْغَمَ الرَّاءَ فِي مِثْلِهَا، أَوْ فِي اللَّامِ أَبْقَى إِمَالَةَ الْأَلِفِ قَبْلَهَا نَحْوُ ‏{‏وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا‏}‏، وَ‏{‏النَّهَارِ‏}‏ الْآيَاتِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْإِدْغَامَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ‏.‏ وَرَوَى ابْنُ حَبَشٍ عَنِ السُّوسِيِّ فَتْحَ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِدْغَامِ اعْتِدَادًا بِالْعَارِضِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِحَقِّهِ فِي بَابِ الْإِمَالَةِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقِ‏.‏

الثَّالِثُ أَجْمَعَ رُوَاةُ الْإِدْغَامِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، عَلَى إِدْغَامِ الْقَافِ فِي الْكَافِ إِدْغَامًا كَامِلًا يُذْهِبُ مَعَهُ صِفَةَ الِاسْتِعْلَاءِ وَلَفْظَهَا، لَيْسَ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا فِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَبِهِ وَرَدَ الْأَدَاءُ وَصَحَّ النَّقْلُ، وَبِهِ قَرَأْنَا وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا خَالَفَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَالَفَ مَنْ خَالَفَ فِي ‏{‏أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ‏}‏ مِمَّنْ لَمْ يَرَوْا إِدْغَامَ أَبِي عَمْرٍو، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى إِدْغَامِ النُّونِ فِي اللَّامِ وَالرَّاءِ إِدْغَامًا خَالِصًا كَامِلًا مِنْ غَيْرِ غُنَّةِ مَنْ رَوَى الْغُنَّةَ عَنْهُ فِي النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ وَمَنْ لَمْ يَرْوِهَا، كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُ مَنْ رَوَى الْغُنَّةَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ أَحْكَامِ النُّونِ السَّاكِنَةِ وَالتَّنْوِينِ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

فَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ قَدْ حَرَّرْنَاهُ مُسْتَوْفًى مُسْتَقْصًى بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ وَهَا نَحْنُ نُتْبِعُهُ بِأَحْرُفٍ تَتَعَلَّقُ بِالْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ‏.‏ مِنْهَا مَا وَافَقَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهَا أَبَا عَمْرٍو، وَمِنْهَا مَا انْفَرَدَ بِهَا عَنْهُ، نَذْكُرُهَا مُسْتَوْفَاةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏ فَوَافَقَهُ حَمْزَةُ عَلَى إِدْغَامِ التَّاءِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ‏:‏ ‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا‏}‏، ‏{‏وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا‏}‏ وَاخْتُلِفَ عَنْ خَلَّادٍ عَنْهُ فِي‏:‏ ‏{‏فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا‏}‏، ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ فَرَوَاهُمَا بِالْإِدْغَامِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنِ الْوَزَّانِ، عَنْ خَلَّادٍ وَأَبُو الْفَتْحِ فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَيْهِ، وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ، عَنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنِ الْوَزَّانِ، عَنْ خَلَّادٍ إِدْغَامَ ‏{‏فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا‏}‏ فَقَطْ‏.‏ وَرَوَى سَائِرُ الرُّوَاةِ، عَنْ خَلَّادٍ إِظْهَارَهُمَا، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الشَّاطِبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَانْفَرَدَ ابْنُ خَيْرُونٍ عَنْهُ بِإِدْغَامِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ وَوَافَقَهُ يَعْقُوبُ عَلَى إِدْغَامِ الْبَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ ‏{‏وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ‏}‏ فِي النِّسَاءِ، وَاخْتَصَّ دُونَهُ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ‏{‏تَتَمَارَى‏}‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى‏}‏ مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَوَافَقَهُ رُوَيْسٌ عَلَى إِدْغَامِ أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ بِلَا خِلَافٍ مِنْهَا الْكَافُ، فِي الْكَافِ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَهِيَ‏:‏ ‏{‏كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ‏}‏ فِي سُورَةِ طه، وَالرَّابِعُ الْبَاءُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنُونَ ‏{‏فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ‏}‏ وَاخْتَصَّ عَنْهُ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ فِي سُورَةِ سَبَأٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا‏}‏ وَزَادَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ إِدْغَامَ اثْنَيْ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ ‏{‏لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمْ‏}‏ جَمِيعُ مَا فِي النَّحْلِ وَهِيَ ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ، وَلَا ‏{‏قِبَلَ لَهُمْ بِهَا‏}‏ فِي النَّمْلِ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى وَهُمَا الْأَخِيرَانِ مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، فَأَدْغَمَهَا أَبُو الْقَاسِمِ النَّخَّاسُ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْهَرِيُّ كِلَاهُمَا عَنِ التَّمَّارِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمُسْتَنِيرِ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ وَالتَّذْكِرَةِ وَالدَّانِيُّ وَابْنُ الْفَحَّامِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْأَدَاءِ، عَنْ رُوَيْسٍ سِوَاهُ، وَكَذَا فِي الرَّوْضَةِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي جَعْلِ التَّخْيِيرِ عَنِ الْحَمَّامِيِّ، وَذَكَرَهَا الْهُذَلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَمَّامِيِّ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ، رَوَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ مِقْسَمٍ كِلَاهُمَا عَنِ التَّمَّارِ عَنْهُ بِالْإِظْهَارِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ أَيْضًا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ فِي الْبَقَرَةِ ‏{‏فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ‏}‏، ‏{‏وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ‏}‏، وَبَعْدَهَا ‏{‏نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ‏}‏، وَ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ‏}‏ وَفِي الْأَعْرَافِ ‏{‏مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ‏}‏ وَفِي الْكَهْفِ ‏{‏لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ‏}‏، وَفِي مَرْيَمَ ‏{‏فَتَمَثَّلَ لَهَا‏}‏، وَفِي طه‏:‏ ‏{‏وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي‏}‏، وَفِي النَّمْلِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْزَلَ لَكُمْ‏}‏، وَكَذَلِكَ فِي الزُّمَرِ، وَفِي الرُّومِ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ كَانُوا‏}‏، وَفِي الشُّورَى‏:‏ ‏{‏جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏}‏، وَفِي النَّجْمِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكُ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا‏}‏ وَهُمَا الْحَرْفَانِ الْأَوَّلَانِ، وَفِي الِانْفِطَارِ‏:‏ ‏{‏رَكَّبَكَ كَلَّا‏}‏ فَرَوَى أَبُو الْعِزِّ فِي كِفَايَتِهِ، عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْعَلَاءِ إِدْغَامَ ‏{‏الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ‏}‏، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُبْهِجِ، عَنْ رُوَيْسٍ‏.‏

رَوَى صَاحِبُ الْإِرْشَادِ عَنِ الْقَاضِي أَيْضًا إِدْغَامَ الْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ وَرَوَاهُ أَيْضًا فِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْكَارَزِينِيِّ، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّذْكِرَةِ وَالْمِصْبَاحِ وَالتَّلْخِيصِ، عَنْ رُوَيْسٍ‏.‏ وَرَوَى النَّخَّاسُ فِي الْإِرْشَادَيْنِ وَالْمِصْبَاحِ وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ إِدْغَامَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ وَاسْتَثْنَى ذَلِكَ الْكَارَزِينِيُّ فِي الْكِفَايَةِ عَنِ النَّخَّاسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَذَكَرَهُ فِي الْإِرْشَادِ لِلْقَاضِي، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرَّوْضَةِ، عَنْ رُوَيْسٍ فِي إِدْغَامِهَا خِلَافًا، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْحَمَّامِيُّ فِي الْكَامِلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُسْتَنِيرِ عَنْ رُوَيْسٍ سِوَاهُ‏.‏ وَرَوَى النَّخَّاسُ، عَنْ طَرِيقِ الْكَارَزِينِيِّ إِدْغَامَ ‏{‏جَهَنَّمَ مِهَادٌ‏}‏ وَذَكَرَهُ فِي الْكَامِلِ عَنِ الْحَمَّامِيِّ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمُسْتَنِيرِ، عَنْ رُوَيْسٍ‏.‏ وَرَوَى الْكَارَزِينِيُّ عَنِ النَّخَّاسِ إِدْغَامَ ‏{‏لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ‏}‏، وَكَذَا هُوَ فِي الْمُبْهِجِ وَالْكِفَايَةِ وَمُفْرَدَةِ ابْنِ الْفَحَّامِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّذْكِرَةِ سِوَاهُ‏.‏

وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ، وَابْنُ الْفَحَّامِ إِدْغَامَ ‏{‏فَتَمَثَّلَ لَهَا‏}‏، ‏{‏وَلِتُصْنَعَ عَلَى ‏{‏الْحَرْفَيْنِ كِلَيْهِمَا، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّذْكِرَةِ وَالْمُبْهِجِ‏.‏ وَرَوَى طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ وَابْنُ الْفَحَّامِ إِدْغَامَ ‏{‏أَنْزَلَ لَكُمْ‏}‏ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُبْهِجِ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْكَارَزِينِيِّ‏.‏ وَرَوَى الْأَهْوَازِيُّ، وَعَبْدُ الْبَارِي إِدْغَامَ ‏{‏كَذَلِكَ كَانُوا‏}‏، ‏{‏وَهُوَ الَّذِي‏}‏ فِي التَّذْكِرَةِ وَالْمُبْهِجِ، وَرَوَى صَاحِبُ الْمُبْهِجِ إِدْغَامَ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ‏}‏ فِي الشُّورَى، ‏{‏وَهُوَ الَّذِي‏}‏ فِي التَّذْكِرَةِ، وَرَوَاهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْكَارَزِينِيِّ، وَرَوَى إِدْغَامَ الْمَوْضِعَيْنِ ‏{‏إِنَّهُ هُوَ‏}‏ الْأَوَّلَيْنِ مِنَ النَّجْمِ أَبُو الْعَلَاءِ فِي غَايَتِهِ عَنِ النَّخَّاسِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادَيْنِ وَالْمُسْتَنِيرِ وَالرَّوْضَةِ، وَرَوَى الْأَهْوَازِيُّ إِدْغَامَ ‏{‏رَكَّبَكَ كَلَّا‏}‏، وَهُوَ الَّذِي فِي الْمُبْهِجِ‏.‏ وَرَوَى الْبَاقُونَ عَنْ رُوَيْسٍ إِظْهَارَ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْوَجْهَانِ عَنْهُ صَحِيحَانِ، وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْفَحَّامِ عَنِ الْكَارَزِينِيِّ إِدْغَامَ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ‏}‏ جَمِيعَ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا‏.‏ مِنْهَا الثَّمَانِيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي النَّحْلِ، وَحَرْفُ الشُّورَى، وَسَبْعَةَ عَشَرَ حَرْفًا سِوَى ذَلِكَ، وَهِيَ فِي الْبَقَرَةِ حَرْفُ‏:‏ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ‏}‏، وَفِي الْأَنْعَامِ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ‏}‏، وَفِي يُونُسَ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ‏}‏، وَفِي الْإِسْرَاءِ ‏{‏وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا‏}‏، وَفِي طه ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ‏}‏، وَفِي الْفُرْقَانِ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ‏}‏، وَفِي الْقَصَصِ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ‏}‏، وَفِي السَّجْدَةِ ‏{‏وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ‏}‏، وَفِي يس ‏{‏جَعَلَ لَكُمْ مِنْ‏}‏، وَفِي غَافِرٍ ثَلَاثَةٌ، وَفِي الزُّخْرُفِ ثَلَاثَةٌ، وَفِي الْمُلْكِ حَرْفَانِ، وَفِي نُوحٍ ‏{‏جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا‏}‏، وَرَوَى أَبُو عَلِيٍّ فِي رَوْضَتِهِ، وَابْنُ الْفَحَّامِ أَيْضًا التَّخْيِيرَ فِيهَا عَنِ الْحَمَّامِيِّ، أَيْ فِي غَيْرِ التِّسْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلًا، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ عَنْهُ فِي التِّسْعَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَذَا رَوَى الْأَهْوَازِيُّ، عَنْ رُوَيْسٍ إِدْغَامَ جَعَلَ لَكُمْ مُطْلَقًا يَعْنِي فِي السِّتَّةِ وَالْعِشْرِينَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْفَحَّامِ، وَانْفَرَدَ الْأَهْوَازِيُّ بِإِدْغَامِ الْبَاءِ فِي الْبَاءِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، عَنْ رُوَيْسٍ إِلَّا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ‏:‏ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَانْفَرَدَ عَبْدُ الْبَارِي فِي إِدْغَام ‏{‏فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ فِي الْبَقَرَةِ ‏{‏وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا‏}‏ فِي الْأَنْعَامِ، وَانْفَرَدَ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ عَنْهُ أَيْضًا بِإِدْغَامِ ‏{‏أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ‏}‏ فِي الْحَجِّ ‏{‏وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}‏ جَمِيعِ مَا فِي الْقُرْآنِ، وَجَاوَزَهُ هُوَ، وَانْفَرَدَ ابْنُ الْعَلَّافِ بِإِدْغَامِ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا فِي الْحَجِّ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِصْبَاحِ، عَنْ رُوَيْسٍ وَرَوْحٍ وَغَيْرِهِمَا وَجَمِيعِ رُوَاةِ يَعْقُوبَ إِدْغَامَ كُلِّ مَا أَدْغَمَهُ أَبُو عَمْرٍو مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، أَيْ‏:‏ مِنَ الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ، وَذَكَرَهُ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو حَيَّانَ فِي كِتَابِهِ الْمَطْلُوبِ فِي قِرَاءَةِ يَعْقُوبَ، وَبِهِ قَرَأْنَا عَلَى أَصْحَابِنَا عَنْهُ، وَرُبَّمَا أَخَذْنَا عَنْهُ بِهِ، وَحَكَاهُ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ لِلْإِدْغَامِ مَعَ تَحْقِيقِ الْهَمْزِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ هُوَ رِوَايَةُ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ رَوْحٍ وَرُوَيْسٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ‏.‏ تَنْبِيهٌ إِذَا ابْتُدِئَ لِيَعْقُوبَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَتَمَارَى‏}‏ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَلِرُوَيْسٍ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏تَتَفَكَّرُوا‏}‏ ابْتُدِئَ بِالتَّاءَيْنِ جَمِيعًا مُظْهَرَتَيْنِ لِمُوَافَقَةِ الرَّسْمِ وَالْأَصْلِ، فَإِنَّ الْإِدْغَامَ إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْوَصْلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ بِتَاءَاتِ الْبَزِّيِّ الْآتِيَةِ فِي الْبَقَرَةِ، فَإِنَّهَا مَرْسُومَةٌ بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَ الِابْتِدَاءُ كَذَلِكَ مُوَافَقَةً لِلرَّسْمِ، فَلَفْظُ الْجَمِيعِ فِي الْوَصْلِ وَاحِدٌ، وَالِابْتِدَاءُ مُخْتَلِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَبَقِيَ مِنْ هَذَا الْبَابِ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ ‏{‏بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏}‏ فِي النِّسَاءِ أَدْغَمَ التَّاءَ مِنْهُ فِي الطَّاءِ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ، وَلَيْسَ إِدْغَامُهُ لِأَبِي عَمْرٍو كَإِدْغَامِ بَاقِي الْبَابِ، بَلْ كُلُّ أَصْحَابِ أَبِي عَمْرٍو مُجْمِعُونَ عَلَى إِدْغَامِهِ مَنْ أَدْغَمَ مِنْهُمُ الْإِدْغَامَ الْكَبِيرَ، وَمَنْ أَظْهَرَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ وَلَمْ يُدْغِمْ أَبُو عَمْرٍو مِنَ الْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ إِذَا قَرَأَ بِالْإِظْهَارِ سِوَاهُ‏.‏ انْتَهَى، كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّاءِ مِنَ الْمُتَقَارِبَيْنِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَعْلَهُ عِنْدَهُ مِنَ السَّوَاكِنِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنَ الْكَبِيرِ‏.‏

الثَّانِي ‏{‏أَتَعِدَانِنِي‏}‏ فِي الْأَحْقَافِ أَدْغَمَ النُّونَ هِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ، وَحَكَاهَا أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، وَرَوَاهَا مَحْبُوبٌ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَسَلَّامٌ وَمَحْبُوبٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ، وَكُلُّهُمْ كَسَرَ النُّونَ الْأُولَى‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ ‏{‏أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ‏}‏ فِي النَّمْلِ أَدْغَمَ النُّونَ فِي النُّونِ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ، وَهِيَ بِنُونَيْنِ فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَابِهَا فِي الزَّوَائِدِ، وَلَا خِلَافَ عَمَّنْ أَدْغَمَهَا فِي مَدِّ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ لِلسَّاكِنَيْنِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ ‏{‏قَالَ مَا مَكَّنَنِي‏}‏ فِي الْكَهْفِ، فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِإِظْهَارِ النُّونَيْنِ، وَكَذَا فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِدْغَامِ وَهِيَ فِي مَصَاحِفِهِمْ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ ‏{‏مَالَكَ لَا تَأْمَنَّا‏}‏ فِي يُوسُفَ، أَجْمَعُوا عَلَى إِدْغَامِهِ مَحْضًا مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ، بَلْ يُلْفَظُ بِالنُّونِ مَفْتُوحَةً مُشَدَّدَةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِشَارَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا، فَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا رَوْمًا، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ إِخْفَاءً، وَلَا يَتِمُّ مَعَهَا الْإِدْغَامُ الصَّحِيحُ كَمَا قَدَّمْنَا فِي إِدْغَامِ أَبِي عَمْرٍو، وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا إِشْمَامًا، فَيُشِيرُ إِلَى ضَمِّ النُّونِ بَعْدَ الْإِدْغَامِ، فَيَصِحُّ مَعَهُ حِينَئِذٍ الْإِدْغَامُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الشَّاطِبِيُّ، وَقَالَ الدَّانِيُّ‏:‏ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْقُرَّاءِ النَّحْوِيِّينَ، قَالَ‏:‏ وَهُوَ الَّذِي أَخْتَارُهُ وَأَقُولُ بِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْيَزِيدِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ النَّحْوِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي الطَّيِّبِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ التَّائِبِ وَأَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَشْتَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْجِلَّةِ، وَبِهِ وَرَدَ النَّصُّ، عَنْ نَافِعٍ مِنْ طَرِيقِ وَرْشٍ، انْتَهَى‏.‏

وَبِالْقَوْلِ الثَّانِي قَطَعَ سَائِرُ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْأَدَاءِ مِنْ مُؤَلِّفِي الْكُتُبِ، وَحَكَاهُ أَيْضًا الشَّاطِبِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ اخْتِيَارِي؛ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ نَصًّا يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَلِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إِلَى حَقِيقَةِ الْإِدْغَامِ وَأَصْرَحُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسْمِ، وَبِهِ وَرَدَ نَصُّ الْأَصْبَهَانِيِّ وَانْفَرَدَ ابْنُ مِهْرَانَ، عَنْ قَالُونَ بِالْإِدْغَامِ الْمَحْضِ كَقِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْحُلْوَانِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ، عَنْ قَالُونَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏