فصل: تفسير الآية رقم (62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (62):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} يعني: صدقوا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم.
{وَالَّذِينَ هَادُوا} هم اليهود، وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل:
أحدها: نُسِبُوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب، فقلبت العربُ الذال دالاً، لأن الأعجمية إذا عُرِّبت، غيرت من لفظها.
والثاني: أنه مأخوذ من قولهم: هَادَ القومُ يَهُودُون هَوْدَةً وهِيَادةً، إذا تابوا، قال زهير:
سِوَى مَرْبَعٍ لَمْ تَأْتِ فِيهِ مَخَافَةً ** وَلاَ رَهَقاً مِنْ عَابِدٍ مُتَهَوِّدِ

يعني من عابد تائب، فسموا يهوداً لتوبتهم من عبادة العجل.
والثالث: أنهم سُمُّوا يهوداً، من أجل قولهم: إِنَّا هُدْنا إليك، وهذا قول ابن جُرَيج.
و{والنصارى}، جمع وواحده (نصرانيٌّ)، وقيل: (نصران) بإسقاط الياء، وهذا قول سيبويه، وقال الخليل بن أحمد: واحده نصْرِي، والأول هو المستعمل.
وفي تسميتهم بذلك، ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم سُمُّوا بذلك، لقريةٍ تُسَمَّى (ناصرة)، كان ينزلها عيسى عليه السلام، فَنُسِبَ إليها، فقيل: عيسى الناصري، ثم نسب أصحابه إليه فقيل: النصارى، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثاني: أنهم سُمُّوا بذلك، لنصرة بعضهم لبعضٍ، قال الشاعر:
لمَّا رأيتُ نَبَطاً أَنْصَارَا ** شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإْزَارَا

***كُنْتُ لَهُمْ مِنَ النَّصَارَى جَارَا ** والثالث: أنهم سُمُّوا بذلك، لقوله: {مَنْ أَنْصَارِي إلى اللهِ}.
{والصابئين}، جمع، واحده: صابئ، واخْتُلِفَ في همزِهِ، فهمزه الجمهور إلا نافعاً.
واخْتُلِف في المأخوذ منه هذا الاسم، على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مأخوذ من الطُّلُوعِ والظُّهُورٍ، من قولهم: صبأ نابُ البعير، إذا طلع، وهذا قول الخليل.
والثاني: أن الصابِئ: الخارج من شيء إلى شيءٍ، فسُمِّي الصابئون بهذا الاسم، لخروجهم من اليهودية والنصرانية، وهذا قول ابن زيدٍ.
والثالث: أنه مأخوذ من قولهم: صبا يصبو، إذا مال إلى الشيء وأحبه، وهذا قول نافع؛ ولذلك لم يهمز.
وَاخْتُلِفِ فيهم: فقال مجاهد، والحسن، وابن أبي نجيحٍ: الصابئون بين اليهود والمجوس، وقال قتادة: الصابئون قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القِبْلة، ويقرأون الزبور ويصلون الخميس. وقال السدي: هم طائفة من أهل الكتاب، وقال الخليل: هم قوم شبيه دينهم بدين النصارى، إلا أن قبلتهم نَحْوَ مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح.
وفي قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} قولان:
أحدهما: أنها نزلت في سلمان الفارسيِّ وأصحابه النصارى الذين كان قد تنصَّر على أيديهم، قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا قد أخبروه بأنه سيبعث، وأنهم مؤمنون به إن أدركوه، وهذا قول السدي.
والثاني: أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، وهو قول ابن عباس.
فإن قيل: فَلِمَ قال: {وَعَمِلَ صَالِحاً} على التوحيد، ثم قال: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} على الجمع؟ قيل: لأن اللفظ (مَنْ) لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فمرةً يجمع على اللفظ، ومرةً يجمع على المعنى، قال الشاعر:
أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إِنْ عَرَضْتُمَا ** وَقُولاَ: لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا

.تفسير الآيات (63- 64):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64)}
قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} وفي الطور ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه اسم الجبل، الذي كلم الله عليه موسى، وأنزلت عليه التوراة دون غيره، وهذه رواية ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني: أن الطور ما أَنْبَتَ من الجبال خاصة، دون ما لم ينبت، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أن الطور اسم لكل جبل، وهو قول مجاهد، وقتادة، إلا أن مجاهداً قال: هو اسم كل جبل بالسريانية، وقال قتادة: بل هو اسم عربي، قال العجاج:
داني جناحيه من الطور فمر ** تقضّي البازي إذا البازيُّ كر

قال مجاهد: رُفِعَ الجبل فوقهم كالظُّلة، فقيل: لتؤمِنُنَّ أو ليقعن عليكم، فآمنوا.
وفي قوله تعالى: {خُذُواْ مَا ءَآتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن القوة الجِدّ والاجتهاد، وهو قول ابن عباس، وقتادة والسدي.
والثاني: يعني بطاعة الله تعالى، وهو قول أبي العالية، والربيع بن أنس.
والثالث: أنه العمل بما فيه، وهو قول مجاهد.

.تفسير الآيات (65- 66):

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ في السَّبْتِ} وفي اعتدائهم في السبت قولان:
أحدهما: أنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنهم حبسوها في يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، والسبت هو اليوم المعروف. وفي تسميته بذلك أربعة أقاويل:
أحدها: أن السبت هو اسم للقطعة من الدهر فسمي ذلك اليوم به، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنه سُمِّي بذلك لأنه سَبَت خَلْق كل شيء، أي قطع وفرغ منه، وهذا قول أبي عبيدة.
والثالث: أنه سُمِّي بذلك، لأن اليهود يَسْبِتُون فيه، أي يقطعون فيه الأعمال.
والرابع: أن أصل السبت، الهدوء والسكون في راحة ودعة، ولذلك قيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتَا}. فَسُمِّي به اليوم لاستراحة اليهود فيه.
وفي قوله عز وجل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} قولان:
أحدهما: مُسِخُوا قردةً، فصاروا لأجل اعتدائهم في السبت في صورة القردة المخلوقين من قبل، في الأيام الستة.
قال ابن عباس: لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب.
والثاني: وهو قول مجاهد: أنهم لم يمسخوا قردة، وإنما هو مَثلَ ضربه الله لهم، كما قال تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً} [الجمعة: 5].
وفي قوله تعالى: {خاسئين} تأويلان:
أحدهما: أن الخاسئ المُبْعَد المطرود، ومنه قولهم خسأت الكلب، إذا باعدته وطردته.
والثاني: أن معناه أذلاء صاغرون، وهذا قول مجاهد. ورُوي عن ابن عباس: خاسئاً أي ذليلاً.
قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} وفي المجعول نكالاً، ستة أقاويل:
أحدها: أنها العقوبة.
والثاني: أنها الحيتان.
والثالث: أنها القرية التي اعتدى أهلها.
والرابع: أنهم الأمة الذين اعتدوا، وهم أهل أيلة.
والخامس: أنهم الممسوخون قردة.
والسادس: أنهم القردة الممسوخ على صورهم.
وفي قوله تعالى: {نَكَالاً} ثلاثة تأويلات:
أحدها: عقوبة، وهو قول ابن عباس.
والثاني: عبرة ينكل بها من رآها.
والثالث: أن النكال الاشتهار بالفضيحة.
وفي قوله تعالى: {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} خمسة تأويلات:
أحدها: ما بين يديها وما خلفها من القرى، وهذه رواية عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: ما بين يديها يعني من بعدهم من الأمم، وما خلفها، الذين كانوا معهم باقين، وهذه رواية الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: ما بين يديها، يعني من دونها، وما خلفها، يعني لمن يأتي بعدهم من الأمم، وهذا قول السدي.
والرابع: لما بين يديها من ذنوب القوم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، وهذا قول قتادة.
والخامس: ما بين يديها ما مضى من خطاياهم، وما خلفها: خطاياهم التي أُهْلِكُوا بها، وهذا قول مجاهد.

.تفسير الآية رقم (67):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنًَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وكان السبب في أمر موسى لقومه بذلك، ما ذكره المفسرون: أن رجلاً من بني إسرائيل كان غنياً، ولم يكن له ولد، وكان له قريب يرثه، فاستبطأ موته، فقتله سراً وألقاه في موضع الأسباط، وادعى قتله على أحدهم، فاحتكموا إلى موسى، فقال: من عنده من ذلك علم؟ فقالوا: أنت نبي الله، وأنت أعلم منا، فقال: إن الله عز وجل يأمركم أن تذبحوا بقرة، فلما سمعوا ذلك وليس في ظاهره جواب عما سألوا عنه {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} والهزء: اللعب والسخرية. قال الراجز:
قَدْ هَزِئَتْ مَنِّيَ أُمُّ طَيْسَلَة ** قَالَتْ أَرَاهُ مُعْدِماً لاَ شَيْءَ لَه

{قَالَ أعُوذُ بِاللهِ أنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ} لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء، جهل، فاستعاذ منه موسى، لأنها صفة تنتفي مع الأنبياء، وإنما أمر والله أعلم بذبح البقرة دون غيرها، لأنها من جنس ما عبدوه من العجل، ليهون عندهم ما كانوا يرونه من تعظيمه، وليعلم بإجابتهم زوال ما كان في نفوسهم من عبادته.
والقبرة اسم للأنثى، والثور للذكر، مثل ناقة وجمل، وامرأة ورجل، فيكون تأنيثه بغير لفظه. واسم البقرة مأخوذ من الشق من قولهم بقر بطنه إذا شقه، لأنها تشق الأرض في الحرث.

.تفسير الآيات (68- 71):

{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)}
قوله عز وجل: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} رَوَى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوِ اعْتَرَضُوا بقرة، فَذَبَحُوها، لأَجْزَأَتْ عَنْهُم، وَلكِنَّهُم، شَدًّدوا، فَشَدَّد الله عليهم».
{قَالَ إِنَّه يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} في الفارض تأويلان:
أحدهما: أنها الكبيرة الهَرِمَة، وهو قول الجمهور. قال الراجز:
شيب أصداغي فرأسي أبْيضُ ** محامل فيها رجال فرض

يعني بقوله: فُرّض، أي هرمى.
والثاني: أنّ الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة، فيتسع لذلك جوفها، لأن معنى الفارض في اللغة الواسع، وهذا قول بعض المتأخرين، واستشهد بقول الراجز:
يا رُبَّ ذي ضغن عليّ فارض ** له قروء كقروء الحائض

والبكر: الصغيرة التي لم تحمل، والبكر من إناث البهائم، وبني آدم، ما لم يفتحله الفحل، وهي مكسورة الباء، فأما البَكْر بفتح الباء، فهو الفتي من الإبل.
وقوله تعالى: {عَوانٌ بَيْنَ ذلكَ} والعوان النَّصَفُ التي قد ولدت بطناً أو بطنين، {بين ذلك} يعني بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه، قال الشاعر:
فرحن عليه بين بِكرٍ عزيزة ** وبين عَوانٍ كالغمامة ناصِفِ

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ} حُكِيَ عن الحسن البصري، أن المراد بقوله صفراء، أي سوداء شديدة السواد، كما تقول العرب: ناقة صفراء أي سوداء، ومنه قول الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي ** هُنّ صفر أولادها كالزبيب

وقال الراجز:
وصفرٍ ليست بمصفرّة ** ولكنّ سوداءَ مثل الخُمُر

وقال سائر المفسرين: إنها صفراء اللون، من الصفرة المعروفة، وهو أصح، لأنه الظاهر، ولأنه قال: {فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} والفاقع من صفات الصفرة، وليس يوصف السواد بذلك، وإنما يقال: أسود حالكٌ، وأحمر قانٍ، وأبيضُ ناصعٌ، وأخضرُ ناضرٌ، وأصفرُ فاقعٌ.
ثم فيما أُرِيدَ بالصفرة قولان:
أحدهما: صفراء القرن والظلف، وهو قول سعيد بن جبير.
والثاني: صفراء اللون كله، وهذا قول مجاهد.
وفي قوله تعالى: {فاقع لونها} ثلاثة تأويلات:
أحدها: الشديدة الصفرة، وهذا قول ابن عباس، والحسن.
والثاني: الخالص الصفرة، وهذا قول قطرب.
والثالث: الصافي، وهذا قول أبي العالية، وقتادة.
{تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: تعجب الناظرين بصفرتها، فتعجب بالسرور، وهو ما يتأثر به القلب، والفرح ما فرحت به العين، ويحتمل قوله: {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} وجهين:
أحدهما: بحسن لونها فتكون.... لصفرتها.
والثاني: حسن سمتها، وصفت بذلك، ليكون ذلك زيادة شرط في صفتها، غير ما تقدم من ذكر صفرتها، فتصير البقرة على الوجه الأول، ذات وصف واحد، وعلى الوجه الثاني، ذات وصفين.
قوله تعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ} فسألوا سؤالاً ثالثاً، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان الثاني، فروى ابن جريج، عن قتادة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرُوا بِأَدْنَى بَقَرةٍ وَلَكِنَّهُم لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِم شَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِم، وَأيمُ اللهِ لَو أَنَّهُم لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُم آخرُ الأَبَدِ» يعني أنهم لو لم يقولوا: {وَإِنَّا إِن شَاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ} ما اهتدوا إليها أبداً.
قوله عز وجل: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرةٌ لاَّ ذَلُولٌ} يعني لم يذللها العمل.
{تُثِيرُ الأَرْضَ} والإثارة تفريق الشيء، أي ليست مما يثير الأرض للزرع، ولا يسقى عليها الزرع. وقيل يثير فعل مستأنف والمعنى إيجاب الحرث لها وأنها كانت تحرث ولا تسقى.
وليس هذا الوجه بشيء، بل نفي عنها جميع ذلك.
{مُسَلَّمَةٌ لاَ شِيَةَ فِيها} وفي ذلك أربعة تأويلات:
أحدها: مُسَلَّمَةٌ من العيوب، وهذا قول قتادة، وأبي العالية.
والثاني: مُسَلَّمَةٌ من العمل.
والثالث: مُسَلَّمَةٌ من غصب وسرقة، فتكون حلالاً.
والرابع: مُسَلَّمَةٌ من.....
وفي {شِيَةَ} ثلاثة أوجه:
أحدها: ليس فيها علامة خاصة، حكاه السدي.
والثاني: أنه ليس فيها لون، يخالف لونها من سواد أو بياض.
والثالث: أنه الوضَح وهو الجمع بين ألوان من سواد وبياض.
وأصله من وشي الثوب، وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، ومنه قيل للساعي بالرجل عند السلطان واشٍ، لأنه يحسّن كذبه عنده، حتى يقبله منه.
{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ} فيه تأويلان:
أحدهما: الآن بَيّنْت الحق، وهو قول قتادة.
والثاني: معناه أنه حين بيّنها لهم، قالوا هذه بقرة فلان، الآن جئت بالحق فيها، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد.
وفي قوله تعالى: {فَذَبَحُوها وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} تأويلان:
أحدهما: أنهم كادوا ألاّ يفعلوا لغلاء ثمنها، لأنهم اشتروها على ما حَكَى ابن عباس، ومحمد بن كعب: بملء مَسْكها ذهباً من مال المقتول. وقيل بوزنها عشر مرات.
والثاني: أنهم كادوا ألاّ يفعلوا خوفاً من الفضيحة على أنفسهم في معرفة القاتل، وهذا قول وهب، وقال عكرمة: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير. وقيل: كانت البقرة وحشية.