فصل: تفسير الآيات (97- 99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (97- 99):

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)}
قوله عز وجل: {الأعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً} فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون الكفر والنفاق فيهم أكثر منه في غيرهم لقلة تلاوتهم القرآن وسماعهم السنن.
الثاني: أن الكفر والنفاق فيهم أشد وأغلظ منه في غيرهم لأنهم أجفى طباعاً وأغلظ قلوباً.
{وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ} ومعنى أجدر أي أقرب، مأخوذ من الجدار الذي يكون بين مسكني المتجاورين.
وفي المراد بحدود الله ما أنزل الله وجهان:
أحدهما: فروض العبادات المشروعة.
الثاني: الوعد والوعيد في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم والتخلف عن الجهاد.
قوله عز وجل: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً} فيه وجهان:
أحدهما: ما يدفع من الصدقات.
الثاني: ما ينفق في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مغرماً، والمغرم التزام ما لا يلزم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان: 65] أي لازماً، قال الشاعر:
فَمَا لَكَ مَسْلُوبَ العَزَاءِ كَأَنَّمَا ** تَرَى هَجْرَ لَيْلَى مَغْرَماً أَنْتَ غارِمُهُ

{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَآئِرَ} جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين:
أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان.
والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} رد لما أضمروا وجزاء لما مكروا.
قوله عز وجل: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} قال مجاهد: هم بنو مقرن من مزينة.
{وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنها تقربة من طاعة الله ورضاه.
الثاني: أن ثوابها مذخور لهم عند الله تعالى فصارت قربات عند الله {وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} فيها وجهان:
أحدهما: أنه استغفاره لهم، قاله ابن عباس.
الثاني: دعاؤه لهم، قاله قتادة.
{أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون راجعاً إلى إيمانهم ونفقتهم أنها قربة لهم.
الثاني: إلى صلوات الرسول أنها قربة لهم.

.تفسير الآية رقم (100):

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
قوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصَارِ} فيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب.
الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، قاله الشعبي وابن سيرين.
الثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء.
الرابع: أنهم السابقون بالموت والشهادة من المهاجرين والأنصار سبقوا إلى ثواب الله تعالى وحسن جزائه.
ويحتمل خامساً: أن يكون السابقون الأولون من المهاجرين هم الذين آمنوا بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، والسابقون الأولون من الأنصار هم الذين آمنوا برسول الله ورسوله قبل هجرته إليهم.
{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: من الإيمان.
الثاني: من الأفعال الحسنة.
{رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: رضي الله عنهم بالإيمان، ورضوا عنه بالثواب، قاله ابن بحر.
الثاني: رضي الله عنهم في العبادة. ورضوا عنه بالجزاء، حكاه علي بن عيسى.
الثالث: رضي الله عنهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضوا عنه بالقبول.

.تفسير الآية رقم (101):

{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)}
قوله عز وجل: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأعْرابِ مُنَافِقُونَ} يعني حوله المدينة: قال ابن عباس: مزينة وجهينة وأسلم وغِفار وأشجع كان فيهم بعد إٍسلامهم منافقون كما كان من الأنصار لدخول جميعهم تحت القدرة فتميزوا بالنفاق وإن عمتهم الطاعة.
{وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أقاموا عليه ولم يتوبوا منه، قاله عبد الرحمن بن زيد.
الثاني: مردوا عليه أي عتوا فيه، ومنه قوله عز وجل: {وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} [النساء: 117].
الثالث: تجردوا فيه فظاهروا، مأخوذ منه تجرد خد الأمرد لظهوره وهو محتمل.
{لاَ تَعْلَمُهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: لا تعلمهم حتى نعلمك بهم.
الثاني: لا تعلم أنت عاقبة أمورهم وإنما نختص نحن بعلمها، وهذا يمنع أن يحكم على أحد بجنة أو نار.
{سَنُعَذِّبُهُمْ مَّرَّتَيْنِ} فيه أربعة أوجه:
أحدهما: أن أحد العذابين الفضيحة في الدنيا والجزع من المسلمين، والآخر عذاب القبر، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أحدهما عذاب الدنيا والآخر عذاب الآخرة، قاله قتادة.
والثالث: أن أحدهما الأسر والآخر القتل، قاله ابن قتيبة.
والرابع: أن أحدهما الزكاة التي تؤخذ منهم والآخر الجهاد الذي يؤمرون به لأنهم بالنفاق يرون ذلك عذاباً. قال الحسن.
{ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه عذاب النار في الآخرة.
الثاني: أنه إقامة الحدود في الدنيا.
الثالث: إنه أخذ الزكاة منهم.

.تفسير الآية رقم (102):

{وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}
قوله عز وجل: {وَءَاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم سبعة من الأنصار منهم أو لبابة بن عبد المنذر، وأوس بن ثعلبة، ووديعة بن حزام، كانوا من جملة العشرة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك، فربطوا أنفسهم لما ندموا على تأخرهم إلى سواري المسجد ليطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عفا عنهم، فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بهم وكانوا على طريقة فسأل عنهم فأخبر بحالهم فقال: «لاَ أَعذُرُهُمْ وَلاَ أُطْلِقُهم حَتَّى يَكونَ اللَّهَ تَعالَى هُوَ الَّذِيَ يَعْذُرُهم وَيُطْلِقُهُمْ» فنزلت هذه الآية فيهم فأطلقهم، وهذا قول ابن عباس.
الثاني: أنه أبو لبابة وحده قال لبني قريظة حين أرادوا النزول على حكم النبي صلى الله عليه وسلم إنه ذابحكم إن نزلتم على حكمه، قاله مجاهد.
{خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحَاً وَءَاخَرَ سَيِّئاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الصالح: الجهاد، والسيء، التأخر عنه، قاله السدي.
الثاني: أن السيئ: الذنب والصالح: التوبة، قاله بعض التابعين.
الثالث: ما قاله الحسن: ذنباً وسوطاً لا ذهباً فروطاً، ولا ساقطاً سقوطاً.

.تفسير الآيات (103- 105):

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}
قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} قال ابن عباس: لما نزل في أبي لبابة وأصحابه {وَءَاخَرُونَ اعْترَفُواْ بِذُنُوبِهِم} الآية. ثم تاب عليهم قالوا يا رسول الله خذ منا صدقة أموالنا لتطهرنا وتزكينا، قال: لا أفعل حتى أؤمر، فأنزل الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وفيها وجهان:
أحدهما: أنها الصدقة التي بذلوها من أموالهم تطوعاً، قاله ابن زيد.
والثاني: أنها الزكاة التي أوجبها الله تعالى في أموالهم فرضاً، قاله عكرمة. ولذلك قال: {مِنْ أَمْوَالِهِمْ} لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها.
{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم.
{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: استغفر لهم: قاله ابن عباس.
الثاني: ادع لهم، قاله السدي.
{إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: قربة لهم، قاله ابن عباس في رواية الضحاك.
الثاني: رحمة لهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس أيضاً.
الثالث: وقار لهم، قاله قتادة.
الرابع: تثبت لهم، قاله ابن قتيبة.
الخامس: أمن لهم، ومنه قول الشاعر:
يَا جَارَةَ الحَيِّ كُنتِ لي سَكَناً ** إذْ ليْسَ بعضُ الجِيرَانِ بِالسَّكَنِ

وفي الصلاة عليهم والدعاء لهم عند أخذ الصدقة منهم ستة أوجه:
أحدها: يجب على الآخذ الدعاء للمعطي اعتباراً بظاهر الأمر.
الثاني: لا يجب ولكن يستحب لأن جزاءها على الله تعالى لا على الآخذ.
والثالث: إن كانت تطوعاً وجب على الآخذ الدعاء، وإن كانت فرضاً استحب ولم يجب.
والرابع: إن كان آخذها الوالي استحب له الدعاء ولم يجب عليه، وإن كان آخذها الفقير وجب عليه الدعاء له، لأن الحق في دفعها إلى الوالي معيّن، وإلى الفقير غير معيّن.
والخامس: إن كان آخذها الوالي وجب، وإن كان الفقير استحب ولم يجب. لأنه دفعها إلى الوالي إظهار طاعة فقوبل عليها بالشكر وليس كذلك الفقير.
والسادس: إن سأل الدافع الدعاء وجب، وإن لم يسأل استحب ولم يجب.
روى عبد الله بن أبي أوفى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول الله صلِّ عليّ، فقال: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».

.تفسير الآية رقم (106):

{وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)}
قوله عز وجل: {وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} وهم الثلاثة الباقون من العشرة المتأخرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك ولم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.
{مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم.
{إِمَّا يُعَذِبُهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: يميتهم على حالهم، قاله السدي.
الثاني: يأمر بعذابهم إذا لم يعلم صحة توبتهم.
{وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يعلم صدق توبتهم فيطهر ما فيهم.
الثاني: أن يعفو عنهم ويصفح عن ذنوبهم.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم.