فصل: تفسير الآيات (9- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (9- 10):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بإِيمَانِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يجعل لهم نوراً يمشون به، قاله مجاهد.
الثاني: يجعل عملهم هادياً لهم إلى الجنة، وهذا معنى قول ابن جريج.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَتَلَقَّى الْمُؤْمِنَ عَمَلُهُ فِي أَحْسَنِ صُوَرَةٍ فَيُؤْنِسُهُ وَيَهْدَيهِ، وَيَتَلَقَّى الْكَافِرَ عَمَلُهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ فَيُوحِشُهُ وَيُضِلُّهُ».
الثالث: أن الله يهديهم إلى طريق الجنة.
الرابع: أنه وصفهم بالهداية على طريق المدح لهم.
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} فيه وجهان:
أحدهما: من تحت منازلهم قاله أبو مالك.
الثاني: تجري بين أيديهم وهم يرونها من علو لقوله تعالى: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51] يعني بين يدي.
وحكى أبو عبيدة عن مسروق أن أنهار الجنة تجري في غير أخدود.
قوله عز وجل: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} فيه وجهان:
أحدهما: أن أهل الجنة إذا اشتهوا الشيء أو أرادوا أن يدعوا بالشيء قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم، ذلك الشيء، قاله الربيع وسفيان.
الثاني: أنهم إذا أرادوا الرغبة إلى الله في دعاء يدعونه كان دعاؤهم له: سبحانك اللهم: قاله قتادة.
{وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه وملكهم فيها سالم. والتحية الملك، ومنه قول زهير بن جنان الكلبي:
ولكلُّ ما نال الفتى ** قد نِلتُه إلا التحية

الثاني: أن تحية بعضهم لبعض فيها سلام. أي: سلمت وأمنت مما بلي به أهل النار، قاله ابن جرير الطبري.
{وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن آخر دعائهم: الحمد لله رب العالمين، كما كان أول دعائهم: سبحانك اللهم، ويشبه أن يكون هذا قول قتادة.
الثاني: أنهم إذا أجابهم فيما دعوه وآتاهم ما اشتهوا حين طلبوه بالتسبيح قالوا بعده: شكراً لله والحمد لله رب العالمين.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قوله عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة، قاله ابن إسحاق.
الثاني: معناه أن الرجل إذا غضب على نفسه أو ماله أو ولده فيدعو بالشر فيقول: لا بارك الله فيه وأهلكه الله، فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب منه الخير لقضي إليهم أجلهم أي لهلكوا.
فيكون تأويلاً على الوجه الأول خاصاً في الكافر، وعلى الوجه الثاني عاماً في المسلم والكافر.
{فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} قال قتادة: يعني مشركي أهل مكة.
{فِي طُغْيَانِهِمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في شركهم، قاله ابن عباس.
الثاني: في ضلالهم، قاله الربيع بن أنس.
الثالث: في ظلمهم، قاله عليّ بن عيسى.
{يَعْمَهُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يترددون، قاله ابن عباس وأبو مالك وأبو العالية.
الثاني: يتمادون، قاله السدي.
الثالث: يلعبون، قاله الأعمش.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قوله عز وجل: {وَإِذَا مَسَّ الإنسَانَ الضُّرُّ دََعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قآئِماً} فيه وجهان:
أحدهما: أنه إذا مسه الضر دعا ربه في هذه الأحوال.
الثاني: دعا ربه فيكون محمولاً على الدعاء في جميع أحواله.

.تفسير الآيات (13- 17):

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}
قوله عز وجل: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ ءَآيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} يعني آيات القرآن التي هي تبيان كل شيء.
{قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقآءَنَا} يعني مشركي أهل مكة.
{ائتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَآ أَوْ بَدِّلْهُ} والفرق بين تبديله والإتيان بغيره أن تبديله لا يجوز أن يكون معه، والإتيان بغيره قد يجوز أن يكون معه.
وفي قولهم ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم سألوه الوعد وعيداً، والوعيد وعداً، والحلال حراماً، والحرام حلالاً، قاله ابن جرير الطبري.
الثاني: أنهم سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنه سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور، قاله الزجاج.
{قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءي نَفْسِي} أي ليس لي أن أتلقاه بالتبديل والتغيير كما ليس لي أَن أتلقاه بالرد والتكذيب.
{إِنْ أَتَّبعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} فيما أتلوه عليكم من وعد ووعيد وتحليل وتحريم أو أمر أو نهي.
{إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} في تبديله وتغييره.
{عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني يوم القيامة.
قوله عز وجل: {قُل لَّوْ شَآءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} يعني القرآن.
{وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ولا أعلمكم به، قاله ابن عباس.
الثاني: ولا أنذركم به، قاله شهر بن حوشب.
الثالث: ولا أشعركم به، قاله قتادة.
{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد ما تقدم من عمره قبل الوحي إليه لأن عمر الإنسان مدة حياته طالت أو قصرت.
الثاني: أنه أربعون سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد الأربعين وهو المطلق من عمر الإنسان، قاله قتادة.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أني لم أدَّع ذلك بعد أن لبثت فيكم عمراً حتى أُوحِي إليّ، ولو كنت افتريته لقدمته.

.تفسير الآيات (18- 19):

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قوله عز وجل: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلمُ فِي السَّمَواتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} فيه وجهان: أحدهما: أتخبرونه بعبادة من لا يعلم ما في السموات ولا ما في الأرض.
الثاني: أتخبرونه بعبادة غيره وليس يعلم له شريكاً في السموات ولا في الأرض.
قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدً} في الناس ها هنا أربعة أقاويل:
أحدها: أنه آدم عليه السلام، قاله مجاهد والسدي.
الثاني: أنهم أهل السفينة، قاله الضحاك.
الثالث: أنهم من كان على عهد إبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي.
الرابع: أنه بنو آدم، قاله أُبي بن كعب.
وفي قوله تعالى: {إِِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} ثلاثة أوجه:
أحدها: على الإسلام حتى اختلفوا، قاله ابن عباس وأُبي بن كعب.
الثاني: على الكفر حتى بعث الله تعالى الرسل، وهذا قول قد روي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث: على دين واحد، قاله الضحاك.
{فاخْتَلَفُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: فاختلفوا في الدين فمؤمن وكافر، قاله أبي بن كعب. الثاني: هو اختلاف بني بن آدم حين قَتل قابيل أخاه هابيل، قاله مجاهد.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: ولولا كلمة سبقت من ربك في تأجيلهم إلى يوم القيامة لقضي بينهم من تعجيل العذاب في الدنيا، قاله السدي.
الثاني: ولولا كلمة سبقت من ربك في أن لا يعاجل العصاة إنعاماً منه يبتليهم به لقضى بينهم فيما فيه يختلفون بأن يضطرهم إلى معرفة المحق من المبطل، قاله عليّ بن عيسى.

.تفسير الآيات (20- 23):

{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قوله عز وجل: {وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّنْ بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: رخاء بعد شدة.
الثاني: عافية بعد سقم.
الثالث: خصباً بعد جدب، وهذا قول الضحاك.
الرابع: إسلاماً بعد كفر وهو المنافق، قاله الحسن.
{إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِي ءَايَاتِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أن المكر ها هنا الكفر والجحود، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه الاستهزاء والتكذيب، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون المكر ها هنا النفاق لأنه يظهر الإيمان ويبطن الكفر. {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً} يعني أسرع جزاء على المكر. وقيل إن سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا على أهل مكة بالجدب فقحطوا سبع سنين كسني يوسف إجابة لدعوته، أتاه أبو سفيان فقال يا محمد قد كنت دعوت بالجدب فأجدبنا فادع الله لنا بالخصب فإن أجابك وأخصبنا صدقناك وآمنا بك، فدعا لهم واستسقى فسقوا وأخصبوا، فنقضوا ما قالوه وأقاموا على كفرهم، وهو معنى قوله {إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِي ءَايَاتِنَا}.

.تفسير الآيات (24- 25):

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قوله عز وجل: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً} فيه وجهان:
أحدهما: ذاهباً.
الثاني: يابساً. {كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِألأَمْسِ} فيه أربعه تأويلات:
أحدها: كأن لم تعمر بالأمس، قاله الكلبي.
الثاني: كأنه لم تعش بالأمس، قاله قتادة، ومنه قول لبيد:
وغنيت سبتاً بعد مجرى داحس ** لو كان للنفس اللجوج خلود

الثالث: كأن لم تقم بالأمس، ومن قولهم غنى فلان بالمكان إذا أقام فيه، قاله عليّ بن عيسى.
الرابع: كأن لم تنعم بالأمس، قاله قتادة أيضاً.
قوله عز وجل: {وَاللَّهَ يَدُعُواْ إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} يعني الجنة. وفي تسميتها دار السلام وجهان:
أحدهما: لأن السلام هو الله، والجنة داره.
الثاني: لأنها دار السلامة من كل آفة، قاله الزجاج.
{وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} في هدايته وجهان:
أحدهما: بالتوفيق والمعونة.
الثاني: بإظهار الأدلة وإقامة البراهين.
وفي الصراط المستقيم أربعة تأويلات:
أحدها: أنه كتاب الله تعالى، روى علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى».
الثاني: أنه الإسلام، رواه النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر، قاله الحسن وأبو العالية. الرابع: أنه الحق، قاله مجاهد وقتادة.
روى جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله يوماً فقال: «رَأيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ جِبْرِيلَ عِندَ رَأْسِي وَمِيكآئِيلَ عِندَ رِجْلَيّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبهِ: أضْرِبْ لَهُ مَثَلاً، فَقَالَ: اسْمَعْ سَمْعَتْ أُذُنُكَ، وَاعْقِلْ، عَقَلَ قَلْبُكَ، إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ كَمَثَلِ مَلِكٍ أتَّخَذَ دَاراً ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيتاً ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً ثُمَّ بَعَثَ رَسُولاً يَدْعُو النَّاسَ إِلَى طَعَامِهِ فَمِنهُم مَّنْ أَجَابَ الرَّسُولَ وَمِنهُم مَّن تَرَكَهُ، فَاللَّهُ الْمَلِكُ، وَالدَّارُ الإسْلاَمُ، وَالْبَيْتُ الْجَنَّةُ، وََأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ الرَّسُولُ فَمَنْ أَجَابَكَ دَخَلَ فِي الإِسْلاَمِ، وَمَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلاَمِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَن دَخَلَ الْجَنَّةَ أَكَلَ مِمَّا فيهَا» ثم تلا قتادة ومجاهد. {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلاَمِ}.