فصل: تفسير الآيات (83- 86):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (83- 86):

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
قوله عز وجل: {قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً} فيه وجهان:
أحدهما: بل سهلت.
الثاني: بل زينت لكم أنفسكم أمراً في قولكم إن ابني سرق وهو لا يسرق، وإنما ذاك لأمر يريده الله تعالى.
{فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً} يعني يوسف وأخيه المأخوذ في السرقة وأخيه المتخلف معه فهم ثلاثة.
{إنه هو العليم الحكيم} يعني العليم بأمركم، الحكيم في قضائه بما ذكرتم.
قوله عز وجل: {وتولَّى عنهم وقال يا أسفَى على يوسف} فيه وجهان:
أحدهما: معناه واجزعاه قاله مجاهد، ومنه قول كثير:
فيا أسفا للقلب كيف انصرافُه ** وللنفس لما سليت فتسلّتِ

الثاني: معناه يا جزعاه، قاله ابن عباس. قال حسان بن ثابت يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت ** عليه وما تحت السلام المنضد

وفي هذا القول وجهان:
أحدهما: أنه أراد به الشكوى إلى الله تعالى ولم يرد به الشكوى منه رغباً إلى الله تعالى في كشف بلائه.
الثاني: أنه أراد به الدعاء، وفيه قولان:
أحدهما: مضمر وتقديره يا رب ارحم أسفي على يوسف.
{وابيضت عَيْنَاه من الحزن} فيه قولان:
أحدهما: أنه ضعف بصره لبياض حصل فيه من كثرة بكائه.
الثاني: أنه ذهب بصره، قاله مجاهد.
{فهو كظيم} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الكمد، قاله الضحاك.
الثاني: أنه الذي لا يتكلم، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه المقهور، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
فإن أك كاظماً لمصاب شاسٍ ** فإني اليوم منطلق لساني

والرابع: أنه المخفي لحزنه، قاله مجاهد وقتادة، مأخوذ من كظم الغيظ وهو إخفاؤه، قال الشاعر:
فحضضت قومي واحتسبت قتالهم ** والقوم من خوفِ المنايا كظم

قوله عز وجل: {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف} قال ابن عباس والحسن وقتادة معناه لا تزال تذكر يوسف، قال أوس بن حجر:
فما فتئت خيل تثوبُ وتدّعي ** ويلحق منها لاحق وتقطّعُ

أي فما زالت. وقال مجاهد: تفتأ بمعنى تفتر.
{حتى تكون حرضاً} فيه ثلاثة تأويلات.
أحدها: يعني هرماً، قاله الحسن.
والثاني: دنفاً من المرض، وهو ما دون الموت، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثالث: أنه الفاسد العقل، قاله محمد بن إسحاق. وأصل الحرض فساد الجسم والعقل من مرض أو عشق، قال العرجي.
إني امرؤلجّ بي حُبٌّ فأحرضني ** حتى بَليتُ وحتى شفّني السقم

{أو تكون من الهالكين} يعني ميتاً من الميتين، قاله الجميع.
فإن قيل: فكيف صبر يوسف عن أبيه بعد أن صار ملكاً متمكناً بمصر، وأبوه بحرّان من أرض الجزيرة؟ وهلاّ عجّل استدعاءه ولم يتعلل بشيء بعد شيء؟
قيل يحتمل أربعة أوجه:
أحدها: أن يكون فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ابتلاء له لمصلحة علمها فيه لأنه نبيّ مأمور.
الثاني: أنه بلي بالسجن، فأحب بعد فراقه أن يبلو نفسه بالصبر.
الثالث: أن في مفاجأة السرور خطراً وأحب أن يروض نفسه بالتدريج.
الرابع: لئلا يتصور الملك الأكبر فاقة أهله بتعجيل استدعائهم حين ملك.
قوله عز وجل: {قال إنما أشكو بَثِّي وحزني إلى الله} في بثي وجهان:
أحدهما: همّي، قاله ابن عباس.
الثاني: حاجتي، حكاه ابن جرير. والبث تفريق الهم بإظهار ما في النفس. وإنما شكا ما في نفسه فجعله بثاً وهو مبثوث.
{وأعلم من الله ما لا تعلمون} فيه تأويلان:
أحدهما: أعلم أن رؤيا يوسف صادقة، وأني ساجد له، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه أحست نفسه حين أخبروه فدعا الملك وقال: لعله يوسف، وقال لا يكون في الأرض صدّيق إلا نبي، قاله السدّي.
وسبب قول يعقوب {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ما حكي أن رجلاً دخل عليه فقال: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه: يا يعقوب تشكوني؟ فقال: خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. وكان بعد ذلك يقول {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.

.تفسير الآيات (87- 88):

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)}
قوله عز وجل: {اذهبوا فتحسَّسُوا مِن يوسُفَ وأخيه} أي استعملوا وتعرّفوا، ومنه قول عديّ بن زيد:
فإنْ حَييتَ فلا أحسسك في بلدي ** وإن مرضت فلا تحسِسْك عُوّادِي

وأصله طلب الشيء بالحس.
{ولا تيأسوا من روح الله} فيه تأويلان:
أحدهما: من فرج الله، قاله محمد بن إسحاق.
والثاني: من رحمة الله، قاله قتادة. وهو مأخوذ من الريح التي بالنفع. وإنما قال يعقوب ذلك لأنه تنّبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة ولما حكي أن يعقوب سأل ملك الموت هل قبضت روح يوسف؟ فقال: لا.
قوله عز وجل: {فلمّا دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مَسّنا وأهلنا الضر} وهذا مِن ألطف ترفيق وأبلغ استعطاف. وفي قصدهم بذلك قولان:
أحدهما: بأن يرد أخاهم عليهم، قاله ابن جرير.
والثاني: توفية كيلهم والمحاباة لهم، قاله علي بن عيسى.
{وجئنا ببضاعةٍ مزجاةٍ} وأصل الإزجاء السَوْق بالدفع، وفيه قول الشاعر عدي بن الرقاع.
تزجي أغَنّ كأن إبرَة روقِهِ ** قلمٌ أصاب من الدواة مدادها

وفي بضاعتهم هذه خمسة أقاويل:
أحدها: أنها كانت دراهم، قاله ابن عباس.
الثاني: متاع الأعراب، صوف وسمن، قاله عبدالله بن الحارث.
الثالث: الحبة الخضراء وصنوبر، قاله أبو صالح.
الرابع: سويق المقل. قاله الضحاك.
الخامس: خلق الحبْل والغرارة، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وفي المزجاة ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها الرديئة، قاله ابن عباس.
والثاني: الكاسدة، قاله الضحاك.
الثالث: القليلة، قاله مجاهد. قال ابن إسحاق: وهي التي لا تبلغ قدر الحاجة ومنه قول الراعي:
ومرسل برسول غير متّهم ** وحاجة غير مزجاة من الحاج

وقال الكلبي: هي كلمة من لغة العجم، وقال الهيثمي: من لغة القبط.
{فأوف لنا الكيل} فيه قولان:
أحدهما: الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم، وهو قول ابن جريج.
الثاني: مثل كيلهم الأول لأن بضاعتهم الثانية أقل، قاله السدي.
{وتصدق علينا} فيه أربعة أقاويل:
أحدهما: معناه تفضل علينا بما بين الجياد والرديئة، قاله سعيد بن جبير والسدي والحسن، وذلك لأن الصدقة تحرم على جميع الأنبياء.
الثاني: تصدق علينا بالزيادة على حقنا، قاله سفيان بن عيينة. قال مجاهد: ولم تحرم الصدقة إلا على محمد صلى الله عليه وسلم وحده.
الثالث: تصدق علينا برد أخينا إلينا، قاله ابن جريج، وكره للرجل أن يقول في دعائه: اللهم تصدّق عَليّ، لأن الصدقة لمن يبتغي الثواب.
الرابع: معناه تجوّز عنا، قاله ابن شجرة وابن زيد واستشهد بقول الشاعر:
تصدّق علينا يا ابن عفان واحتسب ** وأمر علينا الأشعري لياليا

.تفسير الآيات (89- 92):

{قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)}
قوله عز وجل: {قال هَلْ علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه} معنى قوله {هل علمتم ما فعلتم} أي قد علمتم، كقوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} أي قد أتى.
قال ابن إسحاق: ذكر لنا أنهم لما قالوا {مسّنا وأهلنا الضر} رحمهم ورقَّ لهم، فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ وعَدَّدَ عليهم ما صنعوا بهما.
{إذ أنتم جاهلون} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني جهل الصغر.
الثاني: جهل المعاصي.
الثالث: الجهل بعواقب أفعالهم. فحينئذ عرفوه.
{قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي} وحكى الضحاك في قراءة عبدالله: وهذا أخي وبيني وبينه قربى.
{قد مَنّ الله علينا} يعني بالسلامة ثم بالكرامة، ويحتمل بالإجتماع بعد طول الفرقة.
{إنه مَنْ يتّق ويصبرْ} فيه قولان:
أحدهما: يتقي الزنى ويصبر على العزوبة، قاله إبراهيم.
الثاني: يتقي الله تعالى ويصبر على بلواه. وهو محتمل.
{فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} فيه قولان:
أحدهما: في الدنيا.
الثاني: في الآخرة.
قوله عز وجل: {قالوا تالله آثرك اللهُ علينا} مأخوذ من الإيثار، وهو إرادة تفضيل أحد النفسين على الآخر، قال الشاعر:
والله أسماك سُمًّا مباركاً ** آثرك الله به إيثارَكاً

{وإن كنا لخاطئين} أي فيما صنعوا بيوسف، وفيه قولان:
أحدهما: آثمين.
الثاني: مخطئين. والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ آثم.
فإن قيل: فقد كانوا عند فعلهم ذلك به صغاراً ترفع عنهم الخطايا.
قيل لما كبروا واستداموا إخفاء ما صنعوا صاروا حينئذ خاطئين.
قوله عز وجل: {قال لا تثريب عليكم} فيه قولان أربعة تأويلات:
أحدها: لا تغيير عليكم، وهو قول سفيان ابن عيينة.
الثاني: لا تأنيب فيما صنعتم، قاله ابن إسحاق.
الثالث: لا إباء عليكم في قولكم، قاله مجاهد.
الرابع: لا عقاب عليكم وقال الشاعر:
فعفوت عنهم عفو غير مثربٍ ** وتركتهم لعقاب يومٍ سرمد

{اليوم يغفر الله لكم} يحتمل وجهين:
أحدهما: لتوبتهم بالاعتراف والندم.
الثاني: لإحلاله لهم بالعفو عنهم.
{وهو أرحم الراحمين} يحتمل وجهين: أحدهما: في صنعه بي حين جعلني ملكاً.
الثاني: في عفوه عنكم عما تقدم من ذنبكم.