فصل: تفسير الآيات (93- 95):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (93- 95):

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)}
قوله عز وجل: {اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً} وفيه وجهان:
أحدهما: مستبصراً بأمري لأنه إذا شم ريح القميص عرفني.
الثاني: بصيراً من العمى فذاك من أحد الآيات الثلاث في قميص يوسف بعد الدم الكذب وقدّه من دُبُره. وفيه وجه آخر لأنه قميص إبراهيم أنزل عليه من الجنة لما أُلقي في النار، فصار لإسحاق ثم ليعقوب، ثم ليوسف فخلص به من الجب وحازه حتى ألقاه أخوه على وجه أبيه فارتد بصيراً، ولم يعلم بما سبق من سلامة إبراهيم من النار ويوسف من الجب أن يعقوب يرجع به بصيراً.
قال الحسن: لولا أن الله تعالى أعلم يوسف بذلك لم يعلم أنه يرجع إليه بصره... وكان الذي حمل قميصه يهوذا بن يعقوب، قال ليوسف: أنا الذي حملت إليه قميصك بدم كذب فأحزنته فأنا الآن أحمل قميصك لأسرّه وليعود إليه بصره فحمله، حكاه السدي.
{وأتوني بأهلكم أجمعين} لتتخذوا مِصرَ داراً. قال مسروق فكانوا ثلاثة وتسعين بين رجل وامرأة.
قوله عز وجل: {ولمّا فصلت العير} أي خرجت من مصر منطلقة إلى الشام.
{قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف} فيها قولان:
أحدهما: أنها أمارات شاهدة وعلامات قوي ظنه بها، فكانت هي الريح التي وجدها ليوسف، مأخوذ من قولهم تنسمت رائحة كذا وكذا إذا قرب منك ما ظننت أنه سيكون.
والقول الثاني: وهو قول الجمهور أنه شم ريح يوسف التي عرفها.
قال جعفر بن محمد رضي الله عنه: وهي ريح الصبا. ثم اعتذر فقال: {لولا أن تفندّون} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: لولا أن تسفهون، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه قول النابغة الذبياني:
إلا سليمان إذ قال المليكُ له ** قم في البرية فا جددها عن الفنَد

أي عن السفة.
الثاني: معناه لولا أن تكذبون، قاله سعيد بن جبير والضحاك، ومنه قول الشاعر:
هل في افتخار الكريم من أود ** أم هل لقول الصديق من فند

أي من كذب.
الثالث: لولا أن تضعّفون، قاله ابن إسحاق. والتفنيد: تضعيف الرأي، ومنه قول الشاعر:
يا صاحبي دعا لومي وتفنيدي ** فليس ما فات من أمري بمردود

وكان قول هذا لأولاد بنيه، لغيبة بنيه عنه، فدل هذا على أن الجدَّ أبٌ.
الرابع: لولا أن تلوموني، قاله ابن بحر.
ومنه قول جرير:
يا عاذليَّ دعا الملامة واقصِرا ** طال الهوى وأطلْتُما التفنيدا

واختلفوا في المسافة التي وجد ريح قميصه منها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه وجدها من مسافة عشرة أيام. قاله أبو الهذيل.
الثاني: من مسيرة ثمانية أيام، قاله ابن عباس.
الثالث: من مسيرة ستة أيام، قاله مجاهد. وكان يعقوب بأرض كنعان ويوسف بمصر وبينهما ثمانون فرسخاً، قاله قتادة.
قوله عز وجل: {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أي في خطئك القديم، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني: في جنونك القديم، قاله سعيد بن جبير. قال الحسن: وهذا عقوق.
الثالث: في محبتك القديمة، قاله قتادة وسفيان.
الرابع: في شقائك القديم، قاله مقاتل، ومنه قول لبيد:
تمنى أن تلاقي آل سلمى ** بحطمة والمنى طرف الضِّلال

وفي قائل ذلك قولان:
أحدهما: بنوه، ولم يقصدوا بذلك ذماً فيأثموا.
والثاني: بنو نبيه وكانوا صغاراً.

.تفسير الآيات (96- 98):

{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}
قوله عز وجل: {فلما أن جاء البشير} وفي قولان:
أحدهما: شمعون، قاله الضحاك.
الثاني: يهوذا. سمي بذلك لأنه أتاه ببشارة.
{ألقاه على وجهه} يعني ألقى قميص يوسف على وجه يعقوب.
{فارتدَّ بصيراً} أي رجع بصيراً، وفيه وجهان:
أحدهما: بصيراً بخبر يوسف.
الثاني: بصيراً من العمى.
{قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: إني أعلم من صحة رؤيا يوسف ما لا تعلمون.
الثاني: إني أعلم من قول ملك الموت أنه لم يقبض روح يوسف ما لا تعلمون.
الثالث: إني أعلم من بلوى الأنبياء بالمحن ونزول العراج ونيل الثواب ما لا تعلمون.
قوله عز وجل: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا} وإنما سألوه ذلك لأمرين:
أحدهما: أنهم أدخلوا عليه من آلام الحزن ما لا يسقط المأثم عنه إلا بإجلاله.
الثاني: أنه نبيُّ تجاب دعوته ويعطى مسألته، فروى ابن وهب عن الليث بن سعد أن يعقوب وإخوة يوسف قاموا عشرين سنة يطلبون التوبة فيما فعل إخوة يوسف بيوسف لا يقبل ذلك منهم حتى لقي جبريل يعقوب فعلمه هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين لا تخيب رجائي، ويا غوث المؤمنين أغثني، ويا عَوْن المؤمنين أعني، ويا مجيب التّوابين تُبْ عليَّ فاستجيب لهم.
فإن قيل قد تقدمت المغفرة لهم بقول يوسف من قبل {لا تثريب عليكم} الآية، فلمَ سألوا أباهم أن يستغفر لهم؟
فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: لأن لفظ يوسف عن مستقبل صار وعداً، ولم يكن عن ماض فيكون خبراً.
الثاني: أن ما تقدم من يوسف كان مغفرة في حقه، ثم سألوا أباهم أن يستغفر لهم في حق نفسه.
الثالث: أنهم علموا نبوة أبيهم فوثقوا بإجابته، ولم يعلموا نبوة أخيهم فلم يثقوا بإجابته.
قوله عز وجل: {قال سوف أستغفر لكم ربي} وفي تأخيره الاستغفار لهم وجهان:
أحدهما: أنه أخره دفعاً عن العجيل ووعداً من بعد، فلذلك قال عطاء: طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها عند الشيوخ، ألا ترى إلى قول يوسف: {لا تثريب عليكم اليوم} وإلى قول يعقوب: {سوف أستغفر لكم ربي}.
الثاني: أنه أخّره انتظاراً لوقت الإجابة وتوقعاً لزمان الطلب.
وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: عند صلاة الليل، قاله عمرو بن قيس.
الثاني: إلى السحَر، قاله ابن مسعود وابن عمر. روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجار».
الثالث: إلى ليلة الجمعة قاله ابن عباس ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً.
وإنما سألوه عن الاستغفار لهم وإن كان المستحق في ذنوبهم التوبة منها دون الاستغفار لهم ثلاثة أمور:
أحدها: للتبرك بدعائه واستغفاره. الثاني: طلباً لاستعطافه ورضاه. الثالث: لحذرهم من البلوى والامتحان في الدنيا.

.تفسير الآيات (99- 100):

{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)}
قوله عز وجل: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه} اختلف في إجتماع يوسف مع أبويه وأهله، فحكى الكلبي والسدي أن يوسف خرج عن مصر وركب معه أهلها، وقيل خرج الملك الأكبر معه واستقبل يعقوب، قال الكلبي على يوم من مصر، وكان القصر على ضحوة من مصر، فلما دنا يعقوب متوكئاً على ابنه يهوذا يمشي، فلما نظر إلى الخيل والناس قال: يا يهوذا أهذا فرعون؟ قال: لا، هذا ابنك يوسف، فقال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان عني، فأجابه يوسف: {وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} فيه وجهان: أحدهما: آمنين من فرعون، قاله أبو العالية.
الثاني: آمنين من القحط والجدب، قاله السدي.
وقال ابن جريج: كان اجتماعهم بمصر بعد دخولهم عليه فيها على ظاهر اللفظ، فعلى هذا يكون معنى قوله {ادخلوا مصر} استوطنوا مصر.
وفي قوله: {إن شاء الله} وجهان:
أحدهما: أن يعود إلى استيطان مصر، وتقديره استوطنوا مصر إن شاء الله.
الثاني: أنه راجع إلى قول يعقوب: سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله آمنين إنه هو الغفور الرحيم، ويكون اللفظ مؤخراً، وهو قول ابن جريج.
فحكى ابن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنساناً من رجل وامرأة، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفاً.
قوله عز وجل: {ورفع أبويه على العرش} قال مجاهد وقتادة:
وفي أبويه قولان:
أحدهما: أنهما أبوه وخالته راحيل، وكان أبوه قد تزوجها بعد أمه فسميت أُماً، وكانت أمه قد ماتت في نفاس أخيه بنيامين، قاله وهب والسدي.
الثاني: أنهما أبوه وأمه وكانت باقيه إلى دخول مصر، قاله الحسن وابن إسحاق.
{وخرّوا له سجداً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم سجدوا ليوسف تعظيماً له، قال قتادة: وكان السجود تحية من قبلكم وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة.
وقال الحسن: بل أمرهم الله تعالى بالسجود له لتأويل الرؤيا.
وقال محمد بن إسحاق: سجد له أبواه وإخوته الأحد عشر.
والقول الثاني: أنهم سجدوا لله عز وجل، قاله ابن عباس، وكان يوسف في جهة القبلة فاستقبلوه بسجود، وكان سجودهم شكراً، ويكون معنى قوله {وخروا} أي سقطوا، كما قال تعالى: {فخرّ عليهم السقف مِنْ فوقهم} أي سقط.
والقول الثالث: أن السجود ها هنا الخضوع والتذلل، ويكون معنى قوله تعالى: {خروا} أي بدروا.
{وقال يا أبَتِ هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً} واختلف العلماء فيما بين رؤياه وتأويلها على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه كان بيهما ثمانون سنة، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: كان بينهما أربعون سنة، قاله سليمان.
الثالث: ست وثلاثون سنة، قاله سعيد بن جبير.
الرابع: اثنتان وعشرون سنة.
والخامس: أنه كان بينهما ثماني عشرة سنة، قاله ابن إسحاق.
فإن قيل: فإن رؤيا الأنبياء لا تكون إلا صادقة فهلاّ وثق بها يعقوب وتسلى؟ ولم {قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً} وما يضر الكيد مع سابق القضاء؟
قيل عن هذا جوابان:
أحدهما: أنه رآها وهو صبي فجاز أن تخالف رؤيا الأنبياء المرسلين. الثاني: أنه حزن لطول المدة في معاناة البلوى وخاف كيد الإخوة في تعجيل الأذى.
{وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو} فإن قيل فلم اقتصر من ذكر ما بُلي به على شكر إخراجه من السجن دون الجب وكانت حاله في الجب أخطر؟
قيل عنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان في السجن مع الخوف من المعرة ما لم يكن في الجب فكان ما في نفسه من بلواه أعظم فلذلك خصه بالذكر والشكر.
الثاني: أنه قال ذلك شكراً لله عز وجل على نقله من البلوى إلى النعماء، وهو إنما انتقل إلى الملك من السجن لا من الجب، فصار أخص بالذكر والشكر إذ صار بخروجه من السجن ملكاً، وبخروجه من الجب عبداً.
الثالث: أنه لما عفا عن إخوته بقوله {لا تثريب عليكم اليوم} أعرض عن ذكر الجب لما فيه من التعريض بالتوبيخ.
وتأول بعض أصحاب الخواطر قوله: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن} أي من سجن السخط إلى فضاء الرضا.
وفي قوله: {وجاء بكم من البدو} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا في بادية بأرض كنعان أهل مواشٍ وخيام، وهذا قول قتادة.
الثاني: أنه كان قد نزل (بدا) وبنى تحت جبلها مسجداً ومنها قصد، حكاه الضحاك عن ابن عباس. قال جميل:
وأنتِ التي حَبَبْتِ شغباً إلى بَدَا ** إليّ وأوطاني بلادٌ سِواهما

يقال بدا يبدو إذا نزل (بدا) فلذلك قال: وجاء بكم من البدو وإن كانوا سكان المدن.
الثالث: لأنهم جاءُوا في البادية وكانوا سكان مدن، ويكون بمعنى في.
واختلف من قال بهذا في البلد الذي كانوا يسكنونه على ثلاثة أقاويل.
أحدها: أنهم كانوا من أهل فلسطين، قاله علي بن أبي طلحة.
الثاني: من ناحية حران من أرض الجزيرة، ولعله قول الحسن.
الثالث: من الأولاج من ناحية الشعب، حكاه ابن إسحاق.
{من بَعْدِ أن نَزَغَ الشيطانُ بيني وبين إخوتي} وفي نزغه وجهان:
أحدهما: أنه إيقاع الحسد، قاله ابن عباس.
الثاني: معناه حرّش وأفسد، قاله ابن قتيبة.
{إن ربي لطيف لما يشاء} قال قتادة: لطيف بيوسف بإخراجه من السجن، وجاء بأهله من البدو، ونزع عن يوسف نزغ الشيطان.