فصل: تفسير الآيات (51- 55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (51- 55):

{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)}
قوله تعالى: {وله الدين واصباً}
في {الدين} ها هنا قولان:
أحدهما: أنه الإخلاص، قاله مجاهد.
الثاني: أنه الطاعة، قاله ابن بحر.
وفي قوله تعالى: {واصباً} أربعة تأويلات:
أحدها: واجباً، قاله ابن عباس.
الثاني: خالصاً، حكاه الفراء والكلبي.
الثالث: مُتعِباً، والوصب: التعب والإعياء، قال الشاعر:
لا يشتكي الساق مِن أين ولا وصَبٍ ** ولا يزال أمام القوم يقتَفِرُ

الرابع: دائماً، قاله الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك، ومنه قوله تعالى: {ولهم عذاب واصب} [الصافات: 9] أي دائم، وقال الدؤلي:
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه ** يوماً بذم الدهر أجمع واصبا

قوله عز وجل: {ثم إذا مَسّكُم الضُّرُّ فإليه تجأرون}
في {الضر} ها هنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه القحط، قاله مقاتل.
الثاني: الفقر، قاله الكلبي.
الثالث: السقم، قاله ابن عباس.
{فإليه تجأرون} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: تضجون، قاله ابن قتيبة.
الثاني: تستغيثون.
الثالث: تضرعون بالدعاء، وهو في اللغة الصياح مأخوذ من جؤار الثور وهو صياحه.

.تفسير الآيات (56- 60):

{وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)}
قوله عز وجل: {وإذا بُشِّر أحَدُهُم بالأنثى ظلَّ وجهُهُ مسودّاً وهو كظيمٌ} في قوله {مسودّاً} ثلاثة أوجه:
أحدها: مسود اللون، قاله الجمهور. الثاني: متغير اللون بسواد أو غيره، قاله مقاتل. الثالث: ان العرب تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسودّ وجهه غماً وحزناً، قاله الزجاج.
ومنه: سَوَّدْت وجه فلان، إذا سُؤتَه.
{وهو كظيم} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن الكظيم الحزين، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الذي يكظم غيظه فلا يظهر، قاله الأخفش.
الثالث: أنه المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلم من الفم، مأخوذ من الكظامة وهو سد فم القربة، قاله ابن عيسى.
{أيمسكُهُ على هُونٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو الهوان بلغة قريش، قاله اليزيدي.
الثاني: هو القليل بلغة تميم، قاله الفراء.
الثالث: هو البلاء والمشقة، قاله الكسائي. قالت الخنساء:
نهينُ النفوس وهون النفو ** س يوم الكريهة أبقى لها

{أم يدُسُّهُ في التراب} فيه وجهان:
أحدهما: أنها الموءُودة التي تدس في التراب قتلاً لها.
الثاني: أنه محمول على إخفائه عن الناس حتى لا يعرفوه كالمدسوس في التراب لخفائه عن الأبصار. وهو محتمل.
قوله عز وجل: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} يحتمل وجهين:
أحدهما: صفة السوء من الجهل والكفر.
الثاني: وصفهم الله تعالى بالسوء من الصاحبة والولد.
{ولله المَثلُ الأعلى} فيه وجهان:
أحدهما: الصفة العليا بأنه خالق ورزاق وقادر ومُجازٍ. الثاني: الإخالص والتوحيد، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (61- 62):

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}
قوله عز وجل: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} يعني في الدنيا بالانتقام لأنه يمهلهم في الأغلب من أحوالهم.
{ما ترك عليها من دابّةٍ} يعني بهلاكهم بعذاب الاستئصال من أخذه لهم بظلمهم. {ولكن يؤخرهم إلى أجلٍ مسمى} فيه وجهان:
أحدهما: إلى يوم القيامة.
الثاني: تعجيله في الدنيا. فإن قيل: فكيف يعمهم بالهلاك مع أن فيهم مؤمناً ليس بظالم؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه يجعل هلاك الظالم انتقاماً وجزاء، وهلاك المؤمن معوضاً بثواب الآخرة.
الثاني: ما ترك عليها من دابة من أهل الظلم.
الثالث: يعني أنه لو أهلك الآباء بالكفر لم يكن الأبناء ولا نقطع النسل فلم يولد مؤمن.
قوله عز وجل: {ويجعلون لله ما يكرهون} يعني من البنات. {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحُسنَى} فيه وجهان:
أحدهما: أن لهم البنين مع جعلهم لله ما يكرهون من البنات، قاله مجاهد.
الثاني: معناه أن لهم من الله الجزاء الحسن، قاله الزجاج. {لا جرم أن لهم النار} فيه أربعة أوجه:
أحدهما: معناه حقاً أن لهم النار. الثاني: معناه قطعاً أن لهم النار.
الثالث: اقتضى فعلهم أن لهم النار.
الرابع: معناه بلى إن لهم النار، قاله ابن عباس.
{وأنهم مفرطون} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: معناه منسيون، قاله مجاهد.
الثاني: مضيّعون، قاله الحسن.
الثالث: مبعدون في النار، قاله سعيد بن جبير.
الرابع: متروكون في النار، قاله الضحاك.
الخامس: مقدَّمون إلى النار، قاله قتادة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا فَرَطكم على الحوض» أي متقدمكم، وقال القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ** كما تعجّل فرّاطٌ لوُرّادِ

والفرّاط: المتقدمون في طلب الماء، والورّاد: المتأخرون.
وقرأ نافع {مُفْرِطون} بكسر الراء وتخفيفها، ومعناه مسرفون في الذنوب، من الإفراط فيها.
وقرأ الباقون من السبعة {مفرطون} أي معجلون إلى النار متروكون فيها.
وقرأ أبو جعفر القارئ {مفَرِّطون} بكسر الراء وتشديدها، ومعناه من التفريط في الواجب.

.تفسير الآيات (63- 67):

{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}
قوله عز وجل: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بُطونه} أي نبيح لكم شرب ما في بطونه، فعبر عن الإباحة بالسقي.
{مِن بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً} فيه وجهان:
أحدهما: خالصاً من الفرث والدم.
الثاني: أن المراد من الخالص هنا الأبيض، قاله ابن بحر ومنه قول النابغة:
يصونون أجساداً قديمها نعيمُها ** بخالصةِ الأردان خُضْر المناكب

فخالصة الأردان أي بيض الأكمام، وخضر المناكب يعني من حمائل السيوف. {سائغاً للشاربين} فيه وجهان:
أحدهما: حلال للشاربين.
الثاني: معناه لا تعافه النفس. وقيل: إنه لا يغص أحد باللبن. قوله عز وجل: {ومن ثَمَرات النخيل والأعناب تتخذون منه سَكراً ورزقاً حسَناً} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: أن السكر الخمر، والرزق الحسن التمر والرطب والزبيب. وأنزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر ثم حرمت من بعد. قال ابن عباس: السَّكر ما حرم من شرابه، والرزق الحسن ما حل من ثمرته، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير ومن ذلك قول الأخطل:
بئس الصُّحاة وبئس الشرب شربهم ** إذا جرى فيهم المزاءُ والسكُرُ

والسكر: الخمر، والمزاء: نوع من النبيذ المسكر.
واختلف من قال بهذا هل خرج مخرج الإباحة أو مخرج الخبر على وجهين:
أحدهما: أنه خرج مخرج الإباحة ثم نسخ. قاله قتادة.
الثاني: أنه خرج مخرج الخبر أنهم يتخذون ذلك وإن لم يحل، قاله ابن عباس.
الثاني: أن السّكَر: النبيذ المسكر، والرزق الحسن التمر والزبيب، قاله الشعبي والسدي.
وجعلها أهل العراق دليلاً على إباحة النبيذ.
الثالث: أن السكر: الخل بلغة الحبشة، الرزق الحسن: الطعام.
الرابع: أن السكر ما طعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب وهو الرزق الحسن، وبه قال أبو جعفر الطبري وأنشد قول الشاعر:
وَجَعلت عيب الأكرمين سكرا...

.تفسير الآيات (68- 69):

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}
قوله عز وجل: {وأوحى ربك إلى النحل} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الوحي إليها هو إلهاماً، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: يعني أنه سخرها، حكاه ابن قتيبة.
الثالث: أنه جعل ذلك في غرائزها بما يخفى مثله على غيرها، قاله الحسن.
{أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشُون} فذكر بيوتها لما ألهمها وأودعه في غرائزها من صحة القسمة وحسن المنعة.
{ومما يعرشون} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه الكرم، قاله ابن زيد.
الثاني: ما يبنون، قاله أبو جعفر الطبري.
{ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك} أي طرق ربك.
{ذللاً} فيه أربعة أوجه: أحدها: مذللة، قاله أبو جعفر الطبري.
الثاني: مطيعة، قاله قتادة.
الثالث: أي لا يتوعر عليها مكان تسلكه، قاله مجاهد.
الرابع: أن الذلل من صفات النحل وأنها تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا، قاله ابن زيد.
{يخرج من بطونها شرابٌ} يعني العسل.
{مختلف ألوانُهُ} لاختلاف أغذيتها. {فيه شفاءٌ للناس} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن ذلك عائد إلى القرآن، وأن في القرآن شفاء للناس أي بياناً للناس، قاله مجاهد.
الثاني: أن ذلك عائد إلى الاعتبار بها أن فيه هدى للناس، قاله الضحاك.
الثالث: أن ذلك عائد إلى العسل، وأن في العسل شفاء للناس، قاله ابن مسعود وقتادة. روى قتادة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أن أخاه اشتكى بطنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فاسق أخاك عسلاً» ثم جاء فقال: ما زاده إلا شدة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب فاسق أخاك عسلاً». ثم جاء فقال له: ما زاده إلا شدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فاسق أخاك عسلاً، صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه فكأنه نشط من عِقال»