فصل: تفسير الآيات (47- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (47- 48):

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}
قوله عز وجل: {نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى} في هذه النجوى قولان:
أحدهما: أنه ما تشاوروا عليه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة.
الثاني: أن هذا في جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة كانوا يتناجون بما ينفّرون به الناس عن اتباعه صلى الله عليه وسلم. قال قتادة: وكانت نجواهم أنه مجنون، وأنه ساحر، وأنه يأتي بأساطير الأولين.
{إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجُلاً مسحوراً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه سحر فاختلط عليه أمره، يقولون ذلك تنفيراً عنه.
الثاني: أن معنى مسحور مخدوع، قاله مجاهد.
الثالث: معناه أن له سحراً، أي رئة، يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك، قاله أبو عبيدة، ومنه قول لبيد:
فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا ** عَصَافِيرُ مِنْ هذَا الأَنَامِ الْمُسَحَّرِ

.تفسير الآيات (49- 52):

{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)}
قوله عز وجل: {وقالوا أئِذا كُنّا عظاماً ورفاتاً} فيه تأويلان:
أحدهما: أن الرفات التراب، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: أنه ما أرفت من العظام مثل الفتات، قاله أبو عبيدة، قال الراجز:
***صُمَّ الصَّفَا رَفَتَ عَنْهَا أَصْلُهُ ** قوله عز وجل: {قل كونوا حجارةً أو حديداً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه إن عجبتم من إنشاء الله تعالى لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم، قاله أبو جعفر الطبري.
الثاني: معناه أنكم: لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله تعالى إذا أرادكم إلا أنه أخرجه مخرج الأمر لأنه أبلغ من الإلزام، قاله علي بن عيسى.
الثالث: معناه لو كنتم حجارة أو حديداً لأماتكم الله ثم أحياكم. {أو خَلْقاً ممّا يكبر في صدوركم} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه عنى بذلك السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس، قاله مجاهد.
الثاني: أنه أراد الموت لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه وقد قال أمية ابن أبي الصلت:
نادوا إلههمُ ليسرع خلقهم ** وللموت خلق للنفوس فظيعُ

وهذا قول ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص.
الثالث: أنه أراد البعث لأنه كان أكبر شيء في صدروهم قاله الكلبي.
الرابع: ما يكبر في صدوركم من جميع ما استعظمتموه من خلق الله تعالى، فإن الله يميتكم ثم يحييكم ثم يبعثكم، قاله قتادة. {فسينغضون إليك رءُوسَهُم} قال ابن عباس وقتادة، أي يحركون رؤوسهم استهزاء وتكذيباً، قال الشاعر:
قلت لها صلي فقالت مِضِّ ** وحركت لي رأسها بالنغضِ

قوله عز وجل: {يَوْمَ يدعوكم فتستجيبون بحمده} في قوله تعالى يدعوكم قولان:
أحدهما: أنه نداء كلام يسمعه جميع الناس يدعوهم الله بالخروج فيه إلى أرض المحشر.
الثاني: أنها الصيحة التي يسمعونها فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض القيامة.
وفي قوله: {فتستجيبون بحمده} أربعة أوجه:
أحدها: فتستجيبون حامدين لله تعالى بألسنتكم.
الثاني: فتستجيبون على ما يقتضي حمد الله من أفعالكم.
الثالث: معناه فستقومون من قبوركم بحمد الله لا بحمد أنفسكم.
الرابع: فتستجيبون بأمره، قاله سفيان وابن جريج.
{وتظنون إن لبثتم إلاّ قليلاً} فيه خمس أوجه:
أحدها: إن لبثتم إلا قليلاً في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة، قاله الحسن.
الثاني: معناه الاحتقار لأمر الدنيا حين عاينوا يوم القيامة، قاله قتادة.
الثالث: أنهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث في القبور.
الرابع: أنهم بين النفختين يرفع عنهم العذاب فلا يعذبون، وبينهما أربعون سنة فيرونها لاستراحتهم قليقلة؛ قاله الكلبي.
الخامس: أنه لقرب الوقت، كما قال الحسن كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.

.تفسير الآية رقم (53):

{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)}
قوله عز وجل: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.
{إنّ الشيطان ينزغُ بينهم} في تكذيبه.
الثاني: أنه امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، قاله الحسن.
الثالث: أنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الرابع: أن يرد خيراً على من شتمه.
وقيل إنها نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد شتمه رجل من بعض كفار قريش، فهم به عمر، فأنزل الله تعالى فيه {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}

.تفسير الآيات (54- 55):

{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)}
قوله عز وجل: {إن يشاء يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إن يشأ يرحمكم بالهداية أو يعذبكم بالإضلال.
الثاني: إن يشاء يرحمكم فينجيكم من أعدائكم أو يعذبكم بتسلطهم عليكم، قاله الكلبي.
الثالث: إن يشأ يرحمكم بالتوبة أو يعذبكم بالإقامة، قاله الحسن.
{وما أرسلناك عليهم وكيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: ما وكلناك أن تمنعهم من الكفر بالله سبحانه، وتجبرهم على الإيمان به.
الثاني: ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم، قاله الكلبي، قاله الشاعر:
ذكرت أبا أرْوَى فَبِتُّ كأنني ** بِرَدِّ الأمور الماضيات وكيلُ

وكيل: أي كفيل.

.تفسير الآيات (56- 57):

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)}
قوله عز وجل: {أولئك الذين يدعون يبتغُون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقْرَبُ} الآية فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في نفر من الجن كان يعبدهم قوم من الإنس، فأسلم الجن ابتغاء الوسيلة عند ربهم، وبقي الإنس على كفرهم؛ قاله عبد الله بن مسعود.
الثاني: أنهم الملائكة كانت تعبدهم قبائل من العرب، وهذا مروي عن ابن مسعود أيضاً.
الثالث: هم وعيسى وأُمُّهُ، قاله ابن عباس ومجاهد. وهم المعنيّون بقوله تعالى: {قلِ ادعُوا الذين زعمتم مِن دونه}
وتفسيرها أن قوله تعالى: {اولئك الذين يدعون} يحتمل وجهين:
أحدهما: يدعون الله تعالى لأنفسهم.
الثاني: يدعون عباد الله الى طاعته.
وقوله تعالى: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} وهي القربة، وينبني تأويلها على احتمال الوجهين في الدعاء.
فإن قيل إنه الدعاء لأنفسهم كان معناه يتوسلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى ما سألوا.
وإن قيل دعاء عباد الله إلى طاعته كان معناه أنهم يتوسلون لمن دعوه إلى مغفرته.
{أيهم أقرَبُ} تأويله على الوجه الأول: أيهم أقرب في الإجابة. وتأويله على الوجه الثاني: أيهم أقرب إلى الطاعة.
{ويرجون رحمته ويخافون عذابهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون هذا الرجاء والخوف في الدنيا.
الثاني: أن يكونا في الآخرة.
فإن قيل إنه في الدنيا احتمل وجهين:
أحدهما: أن رجاء الرحمة التوفيق والهداية، وخوف العذاب شدة البلاء. وإن قيل إن ذلك في الآخرة احتمل وجهين:
أحدهما: أن رجاء الرحمة دوام النعم وخوف عذاب النار.
الثاني: أن رجاء الرحمة العفو، وخوف العذاب مناقشة الحساب.
ويحتمل هذا الرجاء والخوف وجهين: أحدهما: أن يكون لأنفسهم إذا قيل إن أصل الدعاء كان لهم.
الثاني: لطاعة الله تعالى إذا قيل إن الدعاء كان لغيرهم. ولا يمتنع أن يكون على عمومه في أنفسهم وفيمن دعوه.
قال سهل بن عبد الله: الرجاء والخوف ميزانان على الإنسان فإذا استويا استقامت أحواله، وإن رجح أحدهما بطل الآخر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو وزن رجاء المؤمن وخوفه لاعتدلا».

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)}
قوله عز وجل: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الآيات معجزات الرسل جعلها الله تعالى من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين.
الثاني: أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي.
الثالث: أنها تقلُّبُ الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهُّل ثم إلى مشيب، لتعتبر بتقلب أحوالك فتخاف عاقبة أمْرك، وهذا قول أحمد بن حنبل رحمه الله.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}
قوله عز وجل: {وإذا قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه أحاطت بالناس قدرته فهم في قبضته، قاله مجاهد وابن أبي نجيح.
الثاني: أحاط علمه بالناس، قاله الكلبي.
الثالث: أنه عصمك من الناس أن يقتلوك حتى تبلغ رسالة ربك، قاله الحسن وعروة وقتادة.
{وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها رؤيا عين ليلة الإسراء به من مكة إلى بيت المقدس، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أُسريَ به.
الثاني: أنها رؤيا نوم رأى فيها أنه يدخل مكة، فعجل النبي صلى الله عليه وسلم قبل الوقت يوم الحيبية، فرجع فقال ناس قد كان قال إنه سيدخلها فكانت رجعته فتنتهم، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث: أنها رؤيا منام رأى فيها قوماً يعلون على منابره ينزون نزو القردة. فساءه، وهذا قول سهل بن سعد. وقيل إنه ما استجمع ضاحكاً حتى مات صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{والشجرة الملعونة في القرآن} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: أنها شجرة الزقوم طعام الأثيم، وقال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير وطاووس وابن زيد. وكانت فتنتهم بها قول أبي جهل وأشياعه: النار تأكل الشجر فكيف تنبتها.
الثاني: هي الكشوت التي تلتوي على الشجر، قاله ابن عباس. الثالث: أنهم اليهود تظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأحزاب، قاله ابن بحر. الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه قوماً يصعدون المنابر، فشق عليه، فأنزل الله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن} قاله سعيد بن المسيب.
والشجرة كناية عن المرأة، والجماعة أولاد المرأة كالأغصان للشجر.