فصل: تفسير الآيات (9- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (9- 12):

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}
قوله عز وجل: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً} أما الكهف فهو غار في الجبل الذي أوى إليه القوم. وأما الرقيم ففيه سبعة أقاويل:
أحدها: أنه اسم القرية التي كانوا منها، قاله ابن عباس. الثاني: أنه اسم الجبل، قاله الحسن.
الثالث: أنه اسم الوادي، قاله الضحاك. قال عطية العوفي: هو واد بالشام نحو إبلة وقد روي أن اسم جبل الكهف بناجلوس، واسم الكهف ميرم واسم المدينة أفسوس، واسم الملك وفيانوس.
الرابع: أنه اسم كلبهم. قاله سعيد بن جبير، وقيل هو اسم لكل كهف.
الخامس: أن الرقيم الكتاب الذي كتب فيه شأنهم، قاله مجاهد. ماخوذ من الرقم في الثوب. وقيل كان الكتاب لوحاً من رصاص على باب الكهف، وقيل في خزائن الملوك لعجيب أمرهم.
السادس: الرقيم الدواة بالرومية، قاله أبو صالح.
السابع: أن الرقيم قوم من أهل الشراة كانت حالهم مثل حال أصحاب الكهف، قاله سعيد بن جبير.
{كانوا مِنْ آياتنا عجباً} فيه وجهان: أحدهما: معناه ما حسبت أنهم كانوا من آياتنا عجباً لولا أن أخبرناك وأوحينا إليك.
الثاني: معناه أحسبت أنهم أعجب آياتنا وليسوا بأعجب خلقنا، قاله مجاهد. قوله عز وجل: {إذ أوى الفتية إلى الكهف} اختلف في سبب إيوائهم إليه على قولين:
أحدهما: أنهم قوم هربوا بدينهم إلى الكهف، قاله الحسن. {فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرِنا رشداً}.
الثاني: أنهم أبناء عظماء وأشراف خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد، فقال أسَنُّهم: إني أجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده، إن ربي رب السموات والأرض، {فقالوا} جميعاً {ربُّنا ربُّ السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شَطَطَاً} ثم دخلوا الكهف فلبثوا فيه ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعاً، قاله مجاهد.
قال ابن قتيبة: هم أبناء الروم دخلوا الكهف قبل عيسى، وضرب الله تعالى على آذنهم فيه، فلما بعث الله عيسى أخبر بخبرهم، ثم بعثهم الله تعالى بعد عيسى في الفترة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. وفي {شططاً} ثلاثة أوجه:
أحدها: كذباً، قاله قتادة.
الثاني: غلوّاً، قاله الأخفش.
الثالث: جوراً، قاله الضحاك.
قوله عز وجل: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً} والضرب على الآذان هو المنع من الاستماع، فدل بهذا على أنهم لم يموتوا وكانوا نياماً، {سنين عدداً} فيه وجهان:
أحدهما: إحصاء.
الثاني: سنين كاملة ليس فيها شهور ولا أيام.
وإنما ضرب الله تعالى على آذانهم وإن لم يكن ذلك من أسباب النوم لئلا يسمعوا ما يوقظهم من نومهم.
قوله عز وجل: {ثم بعثناهم} الآية. يعني بالعبث إيقاظهم من رقدتهم. {لنِعلَم} أي لننظر {أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: عدداً، قاله مجاهد.
الثاني: أجلاً، قاله مقاتل.
الثالث: الغاية، قاله قطرب.
وفي الحزبين أربعة أقاويل:
أحدها: أن الحزبين هما المختلفان في أمرهم من قوم الفتية، قاله مجاهد. الثاني: أن أحد الحزبين الفتية،
والثاني: من حضرهم من أهل ذلك الزمان. الثالث: أن أحد الحزبين مؤمنون، والآخر كفار.
الرابع: أن أحد الحزبين الله تعالى، والآخر الخلق، وتقديره: أنتم أعلم أم الله.

.تفسير الآيات (13- 16):

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
قوله عز وجل: {وربطنا على قلوبهم} فيه وجهان:
أحدهما: ثبتناها.
الثاني: ألهمناها صبراً، قاله اليزيدي.
{ولقد قلنا إذاً شططاً} فيه وجهان:
أحدهما: غُلواً.
الثاني: تباعداً.
قوله تعالى: {لولا يأتون عليهم بسلطان بيّنٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بحجة بينة، قاله مقاتل.
الثاني: بعذر بيّن، قاله قتادة.
الثالث: بكتاب بيّن، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً} فيه وجهان: أحدهما: سعة.
الثاني: معاشاً.
ويحتمل ثالثاً: يعني خلاصاً، ويقرأ {مِرْفقاً} بكسر الميم وفتح الفاء {ومَرفِقاً} بفتح الميم وكسر الفاء، والفرق بينهما أنه بكسر الميم وفتح الفاء إذا وصل إليك من غيرك، وبفتح الميم وكسر الفاء إذا وصل منك إلى غيرك.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قوله عز وجل: {وترى الشمس إذا طَلَعَتْ تزوار عن كهفهم ذاتَ اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} فيه وجهان:
أحدهما: تعرض عنه فلا تصيبه.
الثاني: تميل عن كهفهم ذات اليمين.
{وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معنى تقرضهم تحاذيهم، والقرض المحاذاة، قاله الكسائي والفراء.
الثاني: معناه تقطعهم ذات الشمال أي أنها تجوزهم منحرفة عنهم، من قولك قرضته بالمقراض أي قطعته.
الثالث: معناه تعطيهم اليسير من شعاعها ثم تأخذه بانصرافها، مأخوذ من قرض الدراهم التي ترد لأنهم كانوا في مكان موحش، وقيل لأنه لم يكن عليهم سقف يظلهم ولو طلعت عليهم لأحرقتهم.
وفي انحرافها عنهم في الطلوع والغروب قولان:
أحدهما: لأن كهفهم كان بإزاء بنات نعش فلذلك كانت الشمس لا تصيبه في وقت الشروق ولا في وقت الغروب، قاله مقاتل.
الثاني: أن الله تعالى صرف الشمس عنهم لتبقى أجسامهم وتكون عبر لمن يشاهدهم أو يتصل به خبرهم.
{وهم في فجوة منه} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني في فضاء منه، قاله قتادة.
الثاني: داخل منه، قاله سعيد بن جبير.
الثالث: أنه المكان الموحش.
الرابع: أنه ناحية متسعة، قاله الأخفش، ومنه قول الشاعر:
ونحن ملأنا كلَّ وادٍ وفجوةٍ ** رجالاً وخيلاً غير ميلٍ ولا عُزْلِ

.تفسير الآية رقم (18):

{وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قوله عز وجل: {وتحسبهم أيقاظاً وهم رقودٌ} الأيقاظ: المنتبهون.
قال الراجز:
قد وجدوا إخوانهم أيقاظا ** والسيف غياظ لهم غياظا

والرقود: النيام. قيل إن أعينهم كانت مفتوحة ويتنفسون ولا يتكلمون.
{ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} يعني تقلب النيام لأنهم لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض لطول مكثهم. وقيل إنهم كانوا يقلبون في كل عام مرتين، ستة أشهر على جنب. وستة أشهر على جنبٍ آخر، قاله ابن عباس.
قال مجاهد: إنما قلبوا تسع سنين بعد ثلاثمائة سنة لم يقلبوا فيها.
وفيما تحسبهم من أجله أيقاظاً وهم رقود قولان:
أحدهما: لانفتاح أعينهم.
الثاني: لتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال.
{وكلبهم باسِطٌ ذِراعيه بالوصيد} في {كلبهم} قولان:
أحدهما: أنه كلب من الكلاب كان معهم، وهو قول الجمهور. وقيل إن اسمه كان حمران.
الثاني: أنه إنسان من الناس كان طباخاً لهم تبعهم، وقيل بل كان راعياً. وفي {الوصيد} خمسة تأويلات:
أحدها: أنه العتبة.
الثاني: أنه الفناء قاله ابن عباس.
الثالث: أنه الحظير، حكاه اليزيدي.
الرابع: أن الوصيد والصعيد التراب، قاله سعيد بن جبير.
الخامس: أنه الباب، قاله عطية، وقال الشاعر:
بأرض فضاءَ لا يُسَدُّ وَصيدها ** عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنْكَرِ

وحكى جرير بن عبيد أنه كان كلباً ربيباً صغيراً. قال محمد بن إسحاق كان اصفر اللون.
{لو أطّلعت عليهم لوليت منهم فِراراً ولملِئت منهم رُعباً} فيه وجهان:
أحدهما: لطول أظفارهم وشعورهم يأخذه الرعب منهم فزعاً.
الثاني: لما ألبسهم الله تعالى من الهيبة التي ترد عنهم الأبصار لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله.
حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: غزوت مع معاوية رضي الله عنه في بحر الروم فانتهينا إلى الكهف الذي فيه أصحاب الكهف، فقال معاوية أريد أن أدخل عليهم فأنظر إليهم، فقلت ليس هذا لك فقد منعه الله من هو خير منك، قال تعالى: {لو اطعلت عليهم لوليت منهم فراراً} الآية. فأرسل جماعة إليهم دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحاً أخرجتهم.
وقيل إن هذه المعجزة من قومهم كانت لنبي قيل إنه كان أحدهم وهو الرئيس الذي اتبعوه وآمنوا به.

.تفسير الآيات (19- 20):

{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}
قوله عز وجل: {وكذلك بعثناهم} يعني به إيقاظهم من نومهم. قال مقاتل: وأنام الله كلبهم معهم. {ليتساءلوا بينهم قال قائلٌ منهم كم لبثتم} ليعلموا قدر نومهم.
{قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم} كان السائل منهم أحدهم، والمجيب له غيره، فقال لبثنا يوما لأنه أطول مدة النوم المعهود، فلما رأى الشمس لم تغرب قال {أو بعض يوما} لأنهم أنيموا أول النهار ونبهوا آخره.
{قالوا ربُّكم أعْلمُ بما لبثتم} وفي قائله قولان:
أحدهما: أنه حكاية عن الله تعالى أنه أعلم بمدة لبثهم.
الثاني: أنه قول كبيرهم مكسلمينا حين رأى الفتية مختلفين فيه فقال {ربكم أعلم بما لبثتم} فنطق بالصواب ورد الأمر إلى الله عالمه، وهذا قول ابن عباس.
{فابعثوا أحدكم بورقكم هذه الى المدينة} قرئ بكسر الراء وبتسكينها، وهو في القراءتين جميعاً الدراهم، وأما الورَق بفتح الراء فهي الإبل والغنم، قال الشاعر:
إياك أدعو فتقبل مَلَقي ** كَفِّرْ خطاياي وثمِّرْ ورقي

يعني إبله وغنمه.
{فلينظر أيها أزكي طعاماً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أيها أكثر طعاماً، وهذا قول عكرمة.
الثاني: أيها أحل طعاماً، وهذا قول قتادة.
الثالث: أطيب طعاماً، قاله الكلبي.
الرابع: أرخص طعاماً.
{فليأتكم برزق مِنْه} فيه وجهان:
أحدهما: بما ترزقون أكله.
الثاني: بما يحل لكم أكله.
{وليتلطف} يحتمل وجهين:
أحدهما: وليسترخص.
الثاني: وليتلطف في إخفاء أمركم. وهذا يدل على جواز اشتراك الجماعة في طعامهم وإن كان بعضهم أكثر أكلاً وهي المناهدة، وكانت مستقبحة في الجاهلية فجاء الشرع بإباحتها.
قوله عز وجل: {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يرجموكم بأيديهم استنكاراً لكم، قاله الحسن.
الثاني: بألسنتهم غيبة لكم وشتماً، قاله ابن جريج.
الثالث: يقتلوكم. والرجم القتل لأنه أحد أسبابه. {أو يعيدوكم في ملتهم} يعني في كفرهم.
{ولن تفلحوا إذاً أبداً} إن أعادوكم في ملتهم.