فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (21):

{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}
قوله عز وجل: {وكذلك أعثرنا عليهم} فيه وجهان:
أحدهما: أظهرنا أهل بلدهم عليهم.
الثاني: أطلعنا برحمتنا إليهم.
{وليعلموا أن وعْدَ اللهِ حقٌّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ليعلم أهل بلدهم أن وعد الله حق في قيام الساعة وإعادة الخلق أحياء، لأن من أنامهم كالموتى هذه المدة الخارجة عن العادة ثم أيقظهم أحياء قادر على إحياء من أماته وأقبره.
الثاني: معناه ليرى أهل الكهف بعد علمهم أن وعد الله حق في إعادتهم. {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} ذلك أنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى المدينة ليأتيهم برزق منها وطعام، استنكروا شخصه واستنكرت ورقه لبعد العهد فحمل إلى الملك وكان صالحاً قد آمن ومن معه، فلما نظر إليه قال: لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك فقد كنت أدعو الله أن يريناهم، وسأل الفتى فأخبره فانطلق والناس معه إليهم، فلما دنوا من أهل الكهف وسمع الفتية كلامهم خافوهم ووصى بعضهم بعضاً بدينهم فلما دخلوا عليهم أماتهم الله ميتة الحق، فحينئذ كان التنازع الذي ذكره الله تعالى فيهم.
وفي تنازعهم قولان:
أحدهما: أنهم تنازعوا هل هم أحياء أم موتى؛
الثاني: أنهم تنازعوا بعد العلم بموتهم هل يبنون عليهم بنياناً يعرفون به أم يتخذون عليهم مسجداً.
وقيل: إن الملك أراد أن يدفنهم في صندوق من ذهب، فأتاه آت منهم في المنام فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود فدعْنا.

.تفسير الآية رقم (22):

{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
قوله عز وجل: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم} فأدخل الواو على انقطاع القصة لأن الخبر قد تم.
{قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل} في المختلفين في عددهم قولان:
أحدهما: أنهم أهل المدينة قبل الظهور عليهم.
الثاني: أنهم أهل الكتاب بعد طول العهد بهم. وقوله تعالى: {رجماً بالغيب} قال قتادة قذفاً بالظن، قال زهير:
وما الحرب إلاَّ ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجّم.

وقال ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله تعالى: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
وقال ابن جريج ومحمد بن إسحاق: كانوا ثمانية، وجعلا قوله تعالى: {وثامنهم كلبهم} أي صاحب كلبهم.
وكتب قومهم أسماءهم حين غابوا، فلما بان أمرهم كتبت أسماؤهم على باب الكهف. قال ابن جريج: أسماؤهم مكسلمينا ويمليخا وهو الذي مضى بالورق يشتري به الطعام، ومطرونس، ومحسيميلنينا، وكشوطوش، وبطلنوس ويوطونس وبيرونس.
قال مقاتل: وكان الكلب لمكسلمينا وكان أسنهم وكان صاحب غنم. {فلا تمار فيهم إلاّ مراءً ظاهراً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: إلا ما قد أظهرنا لك من أمرهم، قاله مجاهد.
الثاني: حسبك ما قصصا عليك من شأنهم، فلا تسألني عن إظهار غيره، قاله قتادة.
الثالث: إلا مِراء ظاهراً يعني بحجة واضحة وخبر صادق، قاله علي بن عيسى.
الرابع: لا تجادل فيهم أحداً ألا أن تحدثهم به حديثاً، قاله ابن عباس.
الخامس: هو أن تشهد الناس عليهم. {ولا تستفت فيهم منهم أحداً} فيه وجهان: أحدهما: ولا تستفت يا محمد فيهم أحداً من أهل الكتاب، قاله ابن عباس. ومجاهد وقتادة.
الثاني: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ونهي لأمته.

.تفسير الآيات (23- 24):

{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}
قوله عز وجل: {ولا تقولن لشيءإني فاعلٌ ذلك غداً} {إلا إن يشاء الله} قال الأخفش: فيه إضمار وتقديره: إلا أن تقول إن شاء الله، وهذا وإن كان أمراً فهو على وجه التأديب والإرشاد أن لا تعزم على أمر إلا أن تقرنه بمشيئة الله تعالى لأمرين:
أحدهما: أن العزم ربما صد عنه بمانع فيصير في وعده مخلفاً في قوله كاذباً، قال موسى عليه السلام {ستجدني إن شاء الله صابراً} [الكهف: 70] ولم يصبر ولم يكن كاذباً لوجود الاستثناء في كلامه.
الثاني: إذعاناً لقدرة الله تعالى، وإنه مدبر في أفعاله بمعونة الله وقدرته.
الثالث: يختص بيمينه إن حلف وهو سقوط الكفارة عنه إذا حنث.
{واذكر ربك إذا نسيت} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنك إذا نسيت الشيء فاذكرالله ليذكرك إياه، فإن فعل فقد أراد منك ما ذكرك، وإلا فسيدلك على ما هو أرشد لك مما نسيته، قاله بعض المتكلمين.
الثاني: واذكر ربك إذا غضبت، قاله عكرمة، ليزول عنك الغضب عند ذكره.
الثالث: واذكر ربك إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله في يمينك. وفي الذكر المأمور به قولان:
أحدهما: أنه ما ذكره في بقية الآية {وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً}
الثاني: أنه قول إن شاء الله الذي كان نسيه عند يمينه.
واختلفوا في ثبوت الاستثناء بعد اليمين على خمسة أقاويل:
أحدها: أنه يصح الاستثناء بها إلى سنة، فيكون كالاستثناء بها مع اليمين في سقوط الكفارة ولا يصح بعد السنة، قاله ابن عباس.
الثاني: يصح الاستثناء بها في مجلس يمينه، ولا يصح بعد فراقه، قاله الحسن وعطاء.
الثالث: يصح الاستثناء بها ما لم يأخذ في كلام غيره.
الرابع: يصح الاستثناء بها مع قرب الزمان، ولا يصح مع بعده.
الخامس: أنه لا يصح الاستثناء بها إلا متصلاً بيمينه وهو الظاهر من مذهب مالك والشافعي رحمهما الله.

.تفسير الآيات (25- 26):

{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً} في قراءة ابن مسعود قالوا لبثوا في كهفهم. وفيه قولان:
أحدهما: أن هذا قول اليهود، وقيل بل نصارى نجران أنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، فرد الله تعالى عليهم قولهم وقال لنبيه {قل الله أعلم بما لبثوا}
واتلقول الثاني: أن هذا إخبار من الله تعالى بهذا العدد عن مدة بقائهم في الكهف من حين دخلوه إلى ما ماتوا فيه.
{وازدادوا تسعاً} هو ما بين السنين الشمسية والسنين القمرية.
{قل الله أعلم بما لبثوا} فيه وجهان:
أحدهما: بما لبثوا بعد مدتهم إلى نزول القرآن فيهم.
الثاني: الله أعلم بما لبثوا في الكهف وهي المدة التي ذكرها عن اليهود إذ ذكروا زيادة ونقصاناً.
قوله عز وجل: {أبصر به وأسمع} فيه تأويلان:
أحدهما: أن الله أبصر وأسمع، أي أبصر، بما قال وأسمع لما قالوا. الثاني: معناه أبصرهم وأسمعهم، ما قال الله فيهم.
{ما لهم من دونه من وَليّ} فيه وجهان:
أحدهما: من ناصر.
الثاني: من مانع. {ولا يشرك في حكمه أحداً} فيه وجهان:
أحدهما: ولا يشرك في علم غيبه أحداً.
الثاني: أنه لم يجعل لأحد أن يحكم بغير حكمه فيصير شريكاً له في حكمه.

.تفسير الآيات (27- 28):

{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
قوله تعالى: {ولن تجد من دونه مُلتحداً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: ملجأ، قاله مجاهد، قال الشاعر:
لا تحفيا يا أخانا من مودّتنا ** فما لنا عنك في الأقوام مُلتحد

الثاني: مهرباً، قاله قطرب، قال الشاعر:
يا لهف نفسي ولهفٌ غير مغنيةٍ ** عني وما مِنْ قضاء الله ملتحدُ

الثالث: معدلاً، قاله الأخفش.
الرابع: ولياً، قاله قتادة. ومعانيها متقاربة.
قوله عز وجل: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} فيه وجهان:
أحدهما: يريدون تعظيمه. الثاني: يريدون طاعته. قال قتادة: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما نزلت عليه قال: «الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم».
{يدعون ربهم بالغداة والعشي} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يدعونه رغبة ورهبة.
الثاني: أنهم المحافظون على صلاة الجماعة، قاله الحسن.
الثالث: أنها الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس ومجاهد.
ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق، ويختموه بالدعاء طلباً للمغفرة.
{يريدون وجهه} يحتمل وجهين:
أحدهما: بدعائهم.
الثاني: بعمل نهارهم. وخص النهار بذلك دون الليل لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى أن يكون له.
{ولا تعد عيناك عنهم} فيه وجهان:
أحدهما: ولا تتجاوزهم بالنظر إلى غيرهم من أهل الدنيا طلباً لزينتها، حكاه اليزيدي. الثاني: ما حكاه ابن جريج أن عيينة بن حصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي وأصحابه فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه، واجعل لهم مجلساً لا نجامعهم فيه، فنزلت.
{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً}.
قوله {أغفلنا} فيه وجهان:
أحدهما: جعلناه غافلاً عن ذكرنا.
الثاني: وجدناه غافلاً عن ذكرنا.
وفي هذه الغفله لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه: أحدها: أنها إبطال الوقت بالبطالة، قاله سهل بن عبد الله.
الثاني: أنها طول الأمل.
الثالث: أنها ما يورث الغفلة.
{واتبع هواه} فيه وجهان:
أحدهما: في شهواته وأفعاله.
الثاني: في سؤاله وطلبه التمييز عن غيره.
{وكان أمرُه فُرُطاً} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: ضيقاً، وهو قول مجاهد.
الثاني: متروكاً، قاله الفراء.
الثالث: ندماً قاله ابن قتيبة.
الرابع: سرفاً وإفراطاً، قاله مقاتل.
الخامس: سريعاً. قاله ابن بحر. يقال أفرط إذا أسرف وفرط إذا قصر.