فصل: تفسير الآية رقم (54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (54):

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}
قوله تعالى: {ولقد صرَّفنا في هذا القرآن للناس من كلِّ مثَل} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما ذكره لهم من العبر في القرون الخالية.
الثاني: ما أوضحه لهم من دلائل الربوبية، فيكون على الوجه الأول جزاء، وعلى الثاني بياناً.
{وكان الإنسان أكثر شيءٍ جَدلاً} يحتمل وجهين:
أحدهما: عناداً، وهو مقتضى الوجه الأول.
الثاني: حجاجاً وهو مقتضى القول الثاني. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما وهما نائمان فقال: «الصلاة، ألا تصليان» فقال علي رضي الله عنه: إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثها بعثها، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54].

.تفسير الآيات (55- 56):

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}
قوله عز وجل: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءَهم الهُدى} فيه وجهان:
أحدهما: وما منع الناس أنفسهم أن يؤمنوا.
الثاني: ما منع الشيطان الناس أن يؤمنوا.
وفي هذا الهدي وجهان:
أحدهما: حجج الله الدالة على وحدانيته ووجوب طاعته.
الثاني: رسول الله صلى الله عليه وسلم المبعوث لهداية الخلق.
{إلاّ أن تأتيهم سنةُ الأولين} أي عادة الأولين في عذاب الإستئصال.
{أو يأتيهم العذاب قبلاً} قرأ عاصم وحمزة والكسائي {قُبُلاً} بضم القاف والباء وفيه وجهان:
أحدهما: تجاه، قاله مجاهد.
الثاني: أنه جمع قبيل معناه ضروب العذاب.
ويحتمل ثالثاً: أن يريد: من أمامهم مستقبلاً لهم فيشتد عليهم هول مشاهدته.
وقرأ الباقون قِبَلاً بكسر القاف، وفيه وجهان:
أحدهما: مقابلة.
الثاني: معاينة.
ويحتمل ثالثاً: من قبل الله تعالى بعذاب من السماء، لا من قبل المخلوقين، لأنه يعم ولا يبقى فهو أشد وأعظم.
قوله عز وجل: {ليُدحضوا به الحقَّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ليذهبوا به الحق، ويزيلوه، قاله الأخفش.
الثاني: ليبطلوا به القرآن ويبدلوه، قاله الكلبي.
الثالث: ليهلكوا به الحق.
والداحض الهالك،
مأخوذ من الدحض وهو الموضع المزلق من الأرض الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم، قال الشاعر:
ردَيت ونجَى اليشكري حِذارُه ** وحادَ كما حادَ البعير عن الدحض

{واتخدوا آياتي وما أنذروا هُزُواً} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الآية البرهان، وما أنذروا القرآن.
الثاني: الآيات القرآن وما أنذروا الناس.
ويحتمل قوله: {هزواً} وجهين:
أحدهما: لعباً.
الثاني: باطلاً.

.تفسير الآيات (57- 59):

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}
قوله عز وجل: {وربُّكَ الغفور} يعني للذنوب وهذا يختص به أهل الإيمان دون الكفرة.
{ذو الرّحمة} فيها أربعة أوجه:
أحدها: ذو العفو.
الثاني: ذو الثواب، وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفرة.
الثالث: ذو النعمة.
الرابع: ذو الهدى، وهو على هذين الوجهين يعم أهل الإيمان وأهل الكفر لأنه ينعم في الدنيا على الكافر كإنعامه على المؤمن، وقد أوضح هذه للكافر كما أوضحه للمؤمن، وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر.
{بل لهم موعدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أجل مقدر يؤخرون إليه.
الثاني: جزاء واجب يحاسبون عليه.
{لن يجدوا مِن دونه مَوْئلاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: ملجأ، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني: محرزاً، قاله مجاهد.
الثالث: ولياً، قاله قتادة.
الرابع: منجى، قاله أبو عبيدة. قال والعرب تقول: لا وألَت نفسه، أي لا نجت، ومنه قول الشاعر:
لا وألت نفسك خلّيْتها ** للعامريّين ولم تُكْلَمِ

أحدهما: أهلكناهم بالعذاب لما ظلموا بالكفر.
الثاني: أهلكناهم بأن وكلناهم إلى سوء تدبيرهم لما ظلموا بترك الشكر.
{وجعلنا لمهلكهم مَوْعِداً} فيه وجهان:
أحدهما: أجلا يؤخرون إليه، قاله مجاهد.
الثاني: وقتاً يهلكون فيه. وقرئ بضم الميم وفتحها، فهي بالضم من أُهلك وبالفتح من هَلَك.

.تفسير الآيات (60- 65):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}
قوله عز وجل: {وإذا قال موسى لفتاه} يعني يوشع بن نون وهو ابن أخت موسى وسمي فتاهُ لملازمته إياه، قيل في العلم، وقيل في الخدمة، وهو خليفة موسى على قومه من بعده.
وقال محمد بن إسحاق: إن موسى الذي طلب الخضر هو موسى بن منشى بن يوسف، وكان نبياً في بني إسرائيل قبل موسى بن عمران.
والذي عليه جمهور المسلمين أنه موسى بن عمران.
{لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني بحر الروم وبحر فارس، أحدهما قبل المشرق، والآخر قبل المغرب وحكى الطبري أنه ليس في الأرض مكان أكثر ماء منه.
والقول الثاني: هو بحر أرمينية مما يلي الأبواب.
الثالث: الخضرُ وإلياس، وهما بحران في العلم، حكاه السدي.
{أو أمضي حُقباً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن الحقب ثمانون سنة، قاله عبد الله بن عمر.
الثاني: سبعون سنة، قاله مجاهد.
الثالث: أن الحقب الزمان، قاله قتادة.
الرابع: أنه الدهر، قاله ابن عباس، ومنه قول امرئ القيس:
نحن الملوك وأبناء الملوك، لنا ** مِلكٌ به عاش هذا الناس أحقابا

الخامس: أنه سنة بلغة قيس، قاله الكلبي. وفي قوله {لا أبْرحُ} تأويلان:
أحدهما: لا أفارقك، ومنه قول الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانةً ** وتحمل أُخرى أثقلتك الودائع

الثاني: لا أزال، قاله الفراء، ومنه قول الشاعر:
وأبرح ما أدام اللهُ قومي ** بحمد الله منتطقاً مجيداً

أي لا أزال. وقيل إنه قال {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} لأنه وعد أن يلقى عنده الخضر عليه السلام.
{فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حُوتَهما} قيل إنهما تزودا حوتاً مملوحاً وتركاه حين جلسا، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه ضل عنهما حتى اتخذ سبيله في البحر سرباً، فسمي ضلاله عنهما نسياناً منهما.
الثاني: أنه من النسيان له والسهو عنه.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أن الناسي له أحدهما وهو يوشع بن نون وحده وإن أضيف النسيان إليهما، كما يقال نسي القوم زادهم إذا نسيه أحدهم.
الثاني: أن يوشع نسي أن يحمل الحوت ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء، فصار كل واحد منهما ناسياً لغير ما نسيه الآخر.
{فاتّخذ سبيله في البحر سَرَباً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: مسلكاً، قاله مجاهد وابن زيد.
الثاني: يبساً، قاله الكلبي.
الثالث: عجباً، قاله مقاتل.
قوله عز وجل: {فلما جاوَزا} يعني مكان الحوت.
{قال لفَتاهُ} يعني موسى قال لفتاه يوشع بن نون.
{آتِنا غداءَنا} والغداء الطعام بالغداة كما أن العشاء طعام العشي والإنسان إلى الغداء أشد حاجة منه إلى العشاء.
{لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} فيه وجهان: أحدهما: أنه التعب.
الثاني: الوهن.
{قال أرأيت إذ أوينا الى الصخرة} فيه قولان:
أحدهما: قاله مقاتل، إن الصخرة بأرض تسمى شره ان على ساحل بحر أيلة، وعندها عين تسمى عين الحياة.
الثاني: أنها الصخرة التي دون نهر الزيت على الطريق.
{فإني نسيت الحُوت} فيه وجهان:
أحدهما: فإني نسيت حمل الحوت.
الثاني: فإني نسيت أن أخبرك بأمر الحوت.
{وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن اذكُره} أي أنسانية بوسوسته إليّ وشغله لقلبي.
{واتخذ سبيله في البحر عجباً} فيه قولان:
أحدهما: انه كان لا يسلك طريقاً في البحر إلا صار ماؤه صخراً فلما رآه موسى عجب من مصير الماء صخراً.
الثاني: أن موسى لما أخبره يوشع بأمر الحوت رجع إلى مكانه فرأى أثر الحوت في البحر ودائرته التي يجري فيها فعجب من عود الحوت حياً.
{قال ذلك ما كُنّا نبغِ} أي نطلب، وذلك أنه قيل لموسى إنك تلقى الخضر في موضع تنسى فيه متاعك، فعلم أن الخضر بموضع الحوت.
{فارتدَّا على آثارهما قَصصاً} أي خرجا إلى آثارهما يقصان أثر الحوت ويتبعانه.
{فَوَجداَ عبْداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: النبوة، قاله مقاتل:
الثاني: النعمة.
الثالث: الطاعة.
الرابع: طول الحياة.
{وعلّمناه من لدُنا عِلْماً} قال ابن عباس لما اقتفى موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه، فسلم عليه موسى، فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه السلام وقال: من أنت؟ قال: موسى. قال صاحب بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: وما لك في بني إسرائيل شغل، قال: أمرت أن آتيك وأصحبك.
واختلفوا في الخضر هل كان مَلَكاً أو بشراً على قولين:
أحدهما: أنه كان ملكاً أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه مما حمّله إياه من علم الباطن.
الثاني: أنه كان بشراً من الإنس.
واختلف من قال هذا على قولين:
أحدهما: كان نبياً لأن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من هو فوقه؛ ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي، قال مقاتل: هو ليسع لأنه وسع علمه ست سموات وست أرضين.
الثاني: أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أودعه الله تعالى مِن علْم باطن الأمور ما لم يودع غيره، لأن النبي هو الداعي، والخضر كان مطلوباً ولم يكن داعياً طالباً، وقد ذكرأن سبب تسميته بالخضر لأنه كانه إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله.