فصل: تفسير الآيات (17- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (17- 21):

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)}
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} ليس هذا سؤال استفهام، وإنما هو سؤال تقرير لئلاّ يدخل عليه ارتياب بعد انقلابها حيةٌ تسعى.
{قَالَ هِيَ عَصَايَ} فتضمن جوابه أمرين:
أحدهما: الإِخبار بأنها عصا وهذا جواب كافٍ.
الثاني: إضافتها إلى ملكه، وهذه زيادة ذكرها ليكفي الجواب بما سئل عنه.
ثم أخبر عن حالها بما لم يُسأل عنه ليوضح شدة حاجته إليها واستعانته بها لئلا يكون عابئاً بحملها، فقال: {أَتَوكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَ عَلَى غَنَمِي} أي أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي. قال الراجز:
أهش بالعصا على أغنامي ** من ناعم الأراك والبشام.

وقرأ عكرمة {وأهس} بسين غير معجمة. وفي الهش والهس وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد.
والثاني: أن معناهما مختلف، فالهش بالمعجمة: خبط الشجر، والهس بغير إعجام زجر الغنم.
{وَلِيَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى} أي حاجات أخرى، فنص على اللازم وكنّى عن العارض، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان يطرد بها السباع، قاله مقاتل:
الثاني: أنه كان يَقْدَحُ بها النار، ويستخرج الماء بها.
الثالث: أنها كانت تضيء له بالليل، قاله الضحاك.

.تفسير الآيات (22- 35):

{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)}
قوله عز وجل: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى عضدك، قاله مجاهد.
الثاني: إلى جيبك.
الثالث: إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح.
قوله عز وجل: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} يحتمل وجهين:
أحدهما: لحفظ مناجاته.
الثاني: لتبليغ رسالته.
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما لا يطيق.
الثاني: في معونتي بالقيام على ما حملتني.
{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها عقدة كانت بلسانه من الجمرة التي ألقاها بفيه في صغر عند فرعون.
الثاني: عقدة كانت بلسانه عند مناجاته لربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه.
الثالث: استحيائه من الله من كلام غيره بعد مناجاته.
{يَفْقَهُواْ قَوْلِي} يحتمل وجهين:
أحدهما: ببيان كلامه.
الثاني: بتصديقه على قوله.
{وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي} وإنما سأل الله أن يجعل له وزيراً إلا أنه لم يرد أن يكون مقصوراً على الوزارة حتى يكون شريكاً في النبوة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة.
{هَارُونَ أَخِي اشدُدْ بِهِ أَزْرِي} فيه وجهان:
أحدهما: أن الأزر: الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي. قال أبو طالب:
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره ** وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب

الثاني: أن يكون عوناً يستقيم به أمري. قال الشاعر:
شددت به أزري وأيقنت أنه ** أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه

فيكون السؤال على الوجه الأول لأجل نفسه وعلى الثاني لأجل النبوة. وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وكان في جبهة هارون شامة، وكان على أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه [شامه].

.تفسير الآيات (36- 40):

{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)}
قوله عز وجل: {وَأَلْقَيتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي} فيه أربعة أوجه:
أحدها: حببتك إلى عبادي، قاله سلمى بن كميل.
الثاني: يعني حسناً وملاحة، قاله عكرمة.
الثالث: رحمتي، قاله أبو جعفر (الطبري). الرابع: جعلت من رآك أحبك، حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك، قاله ابن زيد.
ويحتمل خامساً: أن يكون معناه: وأظهرت عليك محبتي لك وهي نعمة عليك لأن من أحبه الله أوقع في القلوب محبته.
{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عيْنِي} فيه وجهان:
أحدهما: لتغذي على إرادتي، قاله قتادة.
الثاني: لتصنع على عيني أمك بك ما صنعت من إلقائك في اليم ومشاهدتي.
ويحتمل ثالثاً: لتكفل وتربى على اختياري، ويحتمل قوله: {عَلَى عَيْنِي} وجهين:
أحدهما: على اختياري وإرادتي.
الثاني: بحفظي ورعايتي.
{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحزَنَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تقر عينها بسلامتك ولا تحزن بفراقك.
الثاني: تقر بكفالتك ولا تحزن بنفقتك.
{وَقَتَلْتَ نَفْساً} يعني القبطي.
{فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: سلمناك من القَوَد.
الثاني: أمناك من الخوف.
{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أخبرناك حتى صلحت للرسالة.
الثاني: بلوناك بلاء بعد بلاء، قاله قتادة.
الثالث: خلصناك تخليصاً محنة بعد محنة، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فرعون فيها الأطفال ثم إلقاؤه في اليم، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره بلحية فرعون حتى همّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون، ثم مجيئ رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: أخلصناك إخلاصاً.
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} فيه وجهان:
أحدهما: على قدر الرسالة والنبوة، قاله قاله قتادة.
الثاني: على موعدة، قاله قتادة، ومجاهد.
ويحتمل ثالثاً: جئت على مقدار في الشدة وتقدير المدة، قال الشاعر:
نال الخلافة أو كانت له قدراً ** كما أتى ربه موسى على قدر

.تفسير الآيات (41- 44):

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)}
{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} يحتمل وجهان:
أحدهما: خلقتك، مأخوذ من الصنعة.
الثاني: اخترتك، مأخوذ من الصنيعة. {لِنَفْسِي} فيه وجهان:
أحدهما: لمحبتي.
الثاني: لرسالتي.
قوله تعالى: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكرِي} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: لا تفترا في ذكري، قال الشاعر:
فما ونى محمد مذ أن غفر ** له الإله ما مضى وما غبر

الثاني: لا تضعفا في رسالتي، قاله قتادة.
الثالث: لا تبطنا، قاله ابن عباس.
الرابع: لا تزالا، حكاه أبان واستشهد بقول طرفة:
كأن القدور الراسيات أمامهم ** قباب بنوها لا تني أبداً تغلي

قوله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} فيه وجهان:
أحدهما: لطيفاً رقيقاً.
الثاني: كنّياه، قاله السدي وقيل إن كنية فرعون أبو مرة، وقيل أبو الوليد.
ويحتمل ثالثاً: أن يبدأه بالرغبة قبل الرهبة، ليلين بها فيتوطأ بعدها من رهبة ووعيد قال بعض المتصوفة: يا رب هذا رفقك لمن عاداك، فكيف رفقك بمن والاك؟
وقيل إن فرعون كان يحسن لموسى حين رباه، فأراد أن يجعل رفقه به مكافأة له حين عجز موسى عن مكافأته.

.تفسير الآيات (45- 48):

{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)}
قوله تعالى: {أَن يَفْرُطَ عَلَيْنآ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يعجل علينا، قال الراجز: قد أفرط العلج علينا وعجل.
الثاني: يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدم فيه، قاله المبرد ويقال لمن أكثر في الشيء أفرط، ولمن نقص منه فرّط.
{أَوْ أَن يَطْغَى} أي يقتلنا.

.تفسير الآيات (49- 52):

{قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)}
قوله تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أعطى كل شيء زوجه من جنسه، ثم هداه لنكاحه، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني: أعطى كل شيء صورته، ثم هداه إلى معيشته ومطعمه ومشربه، قاله مجاهد قال الشاعر:
وله في كل شيء خلقهُ ** وكذلك الله ما شاء فعل

يعني بالخلقة الصورة.
الثالث: أعطى كلاً ما يصلحه، ثم هداه له، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً: أعطى كل شيءٍ ما ألهمه من علم أو صناعة وهداه إلى معرفته.
قوله تعالى: {فَمَا بَالُ الْقُرونِ الأَُولَى} وهي جمع قرن، والقرن أهل كل عصر مأخوذ من قرانهم فيه.
وقال الزجاج: القرن أهل كل عصر وفيه نبي أو طبقة عالية في العلم، فجعله من اقتران أهل العصر بأهل العلم، فإذا كان زمان فيه فترة وغلبة جهل لم يكن قرناً.
واختلف في سؤال فرعون عن القرون على أربعة أوجه:
أحدها: أنه سأله عنها فيما دعاه إليه من الإيمان، هل كانوا على مثل ما يدعو إليه أو بخلافه.
الثاني: أنه قال ذلك له قطعاً للاستدعاء ودفعاً عن الجواب.
الثالث: أنه سأله عن ذنبهم ومجازاتهم.
الرابع: أنه لما دعاه إلى الإِقرار بالبعث قال: ما بال القرون الأولى لم تبعث.
{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي} فرد موسى علم ذلك إلى ربه.
{فِي كِتَابٍ} {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} أي لم يجعل علم ذلك في كتاب لأنه يضل أو ينسى.
ويحتمل إثباته في الكتاب وجهين:
أحدهما: أن يكون له فضلاً له وحكماً به.
الثاني: ليعلم به ملائكته في وقته.
وفي قوله: {لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى} وجهان:
أحدهما: لا يخطئ فيه ولا يتركه.
الثاني: لا يضل الكتاب عن ربي، ولا ينسى ربي ما في الكتاب، قاله ابن عباس.
قال مقاتل: ولم يكن في ذلك [الوقت] عند موسى علم القرون الأولى، لأنه علمها من التوراة، ولم تنزل عليه إلا بعد هلاك فرعون وغرقه.