فصل: تفسير الآيات (47- 48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (47- 48):

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)}
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} يستبطئون نزوله بهم استهزاء منهم.
{وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} ولن يؤخر عذابه عن وقته.
{وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفْ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يوماً من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة، قاله مجاهد.
الثاني: أن طول يوم من أيام الآخرة كطول ألف سنة من أيام الدنيا في المدة.
الثالث: أن ألم العذاب في يوم من أيام الآخرة كألف سنة من أيام الدنيا في الشدة وكذلك يوم النعيم.

.تفسير الآيات (49- 51):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي ءَآيِاتِنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه تكذيبهم بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه عنادهم في الدين، قاله الحسن.
{مُعَجِزِينَ} قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقرأ الباقون {مُعَاجِزِينَ} فمن قرأ معجزين ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مثبطين لمن أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول السدي.
الثاني: مثبطين في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول مجاهد.
والثالث: مكذبين، حكاه ابن شجرة.
الرابع: مَعَجِزِينَ لمن آمن بإظهار تعجيزة في إيمانه.
ومن قرأ {مُعَاجِزِينَ} ففي تأويله أربعة أوجه:
أحدها: مشاققين، قاله ابن عباس.
والثاني: متسارعين، حكاه ابن شجرة.
والثالث: معاندين، قاله قطرب.
والرابع: مُعَاجِزِينَ يظنون أنهم يُعْجِزُونَ الله هرباً، قاله السدي.

.تفسير الآيات (52- 54):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54)}
قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلآَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني أنه إذا حدّث نفسه ألقى الشيطان في نفسه، قاله الكلبي.
الثاني: إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته، قاله قتادة ومجاهد، قال الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليله ** وآخره لاقى حمام المقادِرِ

{مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ} فيه قولان:
أحدهما: أن الرسول والنبي واحد، ولا فرق بين الرسول والنبي، وإنما جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر، والرسل تعم الملائكة والبشر.
والقول الثاني: أنهما مختلفان، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي.
واختلف قائل هذا في الفرق بين الرسول والنبي على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي، والنبي يوحى إليه في نومه.
والثاني: أن الرسول هو المبعوث إلى أُمَّةٍ، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة، قاله قطرب.
والثالث: أن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام، والنبي هو الذي يحفظ شريعة الله، قاله الجاحظ.
{فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} أي يرفعه.
{ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ ءَآيَاتِهِ} أي يثبتها، واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهياً.
الثاني: أنه كان ناعساً فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه قاله قتادة.
الثالث: أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه ابن عيسى.
الرابع: إنما قال: هي كالغرانيق العلا- يعني الملائكة- وأن شفاعتهم لترتجى، أي في قولكم، قاله الحسن.
سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة النجم. قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ {أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم: 19-20] ألقى الشيطان على لسانه «أولئك الغرانيق العلا. وأن شفاعتهن لترتجى» ثم ختم السورة وسجد. وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة تراباً إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخاً كبيراً لا يقدر على السجود، ورضي بذلك كفار قريش، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة. فأنكر جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأه، وشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى: {وَمَا أرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِه}.
قوله تعالى: {لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً} فيه وجهان:
أولهما: محنة.
الثاني: اختباراً. {لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} أي نفاق.
{وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} يعني المشركين.
{وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} فيه وجهان:
أحدهما: لفي ضلال طويل، قاله السدي.
الثاني: لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة، قاله يحيى بن سلام.

.تفسير الآيات (55- 57):

{وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}
{وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} يعني في شك {مِّنْهُ} من القرآن {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} فيه وجهان:
أحدهما: ساعة القيامة على من يقوم عليه من المشركين، قاله الحسن.
الثاني: ساعة موتهم.
{أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} فيه قولان:
أحدهما: يوم القيامة، قاله عكرمة، والضحاك.
الثاني: يوم بدر، قاله مجاهد، وقتادة.
وفي العقيم وجهان:
أحدهما: أنه الشديد، قاله الحسن.
الثاني: أنه الذي ليس له مثيل ولا عديل، قال يحيى بن سلام: لقتال الملائكة فيه.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون العقيم هو الذي يجدب الأرض ويقطع النسل.

.تفسير الآيات (58- 60):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
قوله تعالى: {ذلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} الآية، فيها قولان:
أحدهما: أنها نزلت في قوم من مشركي قريش لقوا قوماً من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فحملوا عليهم فناشدهم المسلمون ألا يقاتلوهم في الشهر الحرام فأبوا فأظفر الله المسلمين فنزل ذلك فيهم، حكاه النقاش.
الثاني: أنها في قوم من المشركين مثلوا بقوم من المسلمين قتلوهم يوم أحد فعاقبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله فنزل ذلك فيهم، حكاه ابن عيسى. ونصر الله في الدنيا بالغلبة والقهر، وفي الآخرة بالحجبة والبرهان.

.تفسير الآيات (61- 66):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الحق اسم من أسمائه تعالى، قاله يحيى ابن سلام.
الثاني: أنه ذو الحق، قاله ابن عيسى.
الثالث: معناه أن عبادته حق وهو معنى قول السدي.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} فيه قولان:
أحدهما: الأوثان، قاله الحسن.
الثاني: إبليس، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (67- 72):

{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)}
قوله تعالى: {مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه العيد، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أنها المواضع المعتادة لمناسك الحج والعمرة، قاله الفراء.
الثالث: المذبح، قاله الضحاك.
الرابع: المنسك الْمُتَعَبد والنسك العِبَادَة ومنه سمي العَابِدُ ناسكاً، قاله الحسن.

.تفسير الآيات (73- 74):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)}
قوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ} لأن حجج الله عليهم بضرب الأمثال لهم أقرب لأفهامهم: فإن قيل فأين المثل المضروب؟ ففيه وجهان:
أحدهما: أنه ليس هنا مثل ومعنى الكلام أنهم ضربوا لله مثلاُ في عبادته غيره، قاله الأخفش.
الثاني: أنه ضرب مثلهم كمن عبد من لا يخلق ذباباً، قاله ابن قتيبة.
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم الأوثان الذين عبدوهم من دون الله.
الثاني: أنهم السادة الذين صَرَفُوهُم عن طاعة الله.
الثالث: أنهم الشياطين الذين حملوهم على معصية الله.
{لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ} ليعلمهم أن العبادة إنما تكون للخالق المنشئ دون المخلوق المنشأ، وخص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته، وسُمِّي ذباباً لأنه يُذَبُّ احتقاراً واستقذاراً.
{وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: إفساده لثمارهم وطعامهم حتى يسلبهم إياها.
والثاني: أَلَمُهُ في قرض أبدانهم، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يكونون آلهة معبودين وأرباباً مُطَاعين وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان.
ثم قال: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون عائداً إلى العَابِد والمَعْبُود، فيكون في معناه وجهان:
أحدهما: أن يكون عائداً إلى العابد والمعبود.
الثاني: قهر العابد والمعبود.
والاحتمال الثاني: أن يكون عائداً للسالب فيكون في معناه وجهان:
أحدهما: ضعف للسالب عن القدرة والمسلوب عن النُصْرَة.
الثاني: ضعف السالب بالمهانة والمسلوب بالاستكانة.
{وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: ما عظموه حق عظمته، قاله الفراء.
الثاني: ما عرفوه حق معرفته، قاله الأخفش.
الثالث: ما وصفوه حق صفته، قاله قطرب. قال ابن عباس: نزلت في يهود المدينة حين قالواْ استراح الله في يوم السبت.