فصل: تفسير الآيات (51- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (51- 56):

{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}
قوله: {وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدةً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: دينكم دين واحد، قاله الحسن، ومنه قول الشاعر:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً ** وهل يأتَمن ذو أمة وهو طائع

الثاني: جماعتكم جماعة واحدة، حكاه ابن عيسى.
الثالث: خلقكم خلق واحد.
قوله: {فَتَقَطَّعُواْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: ففرقوا دينهم بينهم قاله الكلبي.
الثاني: انقطع تواصلهم بينهم. وهو محتمل.
{زُبُراً} فيه تأويلان:
أحدهما يعني قطعاً وجماعات، قاله مجاهد، والسدي، وتأويل من قرأ بفتح الباء.
الثاني: يعني، كتباً، قاله قتادة، وتأويل من قرأ بضم الباء ومعناه، أنهم تفرقوا الكتب، فأخذ كل فريق منهم كتاباً، آمن به وكفر بما سواه.
{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: كل حزب بما تفردوا به من دين وكتاب فرحون.
والثاني: كل حزب بما لهم من أموال وأولاد فرحون.
وفي فرحهم وجهان:
أحدهما: أنه سرورهم.
والثاني: أنها أعمالهم.
قوله عز وجل: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: في ضلالتهم، وهو قول قتادة.
والثاني: في عملهم، وهو قول يحيى بن سلام.
والثالث: في حيرتهم، وهو قول ابن شجرة.
والرابع: في جهلهم، وهو قول الكلبي.
{حَتَّى حِينٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: حتى الموت.
والثاني: حتى يأتيهم ما وعدوا به، وهو يوم بدر.
والثالث: أنه خارج مخرج الوعيد كما تقول للتوعد: لك يوم، وهذا قول الكلبي.
قوله عز وجل: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} أي نعطيهم ونزيدهم من أموال وأولاد.
{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} فيه وجهان:
أحدهما: نجعله في العامل خيراً.
والثاني: أنما نريد لهم بذلك خيراً.
{بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: بل لا يشعرون أنه استدراج.
والثاني: بل لا يشعرون أنه اختبار.

.تفسير الآيات (57- 61):

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني الزكاء.
الثاني: أعمال البر كلها.
{وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أي خائفة.
قال بعض أصحب الخواطر: وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب لتصحيح الغرض.
{أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: يخافون ألا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه.
الثاني: يخافون أن لا تقبل أعمالهم إذا عرضت عليهم. روته عائشة مرفوعاً.
قوله عز وجل: {أُوْلئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يستكثرون منها لأن المسارع مستكثر.
الثاني: يسابقون إليها لأن المسارع سابق.
{وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: وهم بها سابقون إلى الجنة.
الثاني: وهم إلى فعلها سابقون.
وفيه وجه ثالث: وهم لمن تقدمهم من الأمم سابقون، قاله الكلبي.

.تفسير الآيات (62- 67):

{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}
قوله عز وجل: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمرَةٍ مِّنْ هذا} فيه وجهان:
أحدهما: في غطاء، قاله ابن قتيبة.
والثاني: في غفلة قاله قتادة.
{مِنْ هذا} فيه وجهان:
أحدهما: من هذا القرآن، وهو قول مجاهد.
الثاني: من هذا الحق، وهو قول قتادة.
{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: خطايا [يعملونها] من دون الحق، وهو قول قتادة.
الثاني: أعمال [رديئة] لم يعملوها وسيعملونها، حكاه يحيى ابن سلام.
ويحتمل وجهاً ثالثاً: أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق. قوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْغَذَابِ} فيهم وجهان:
أحدهما: أنهم الموسع عليهم بالخصب، قاله ابن قتيبة. والثاني: بالمال والولد، قاله الكلبي، فعلى الأول يكون عامّاً وعلى الثاني يكون خاصاً.
{إذَا هُم يَجْأَرُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يجزعون، وهو قول قتادة.
الثاني: يستغيثون، وهوقول ابن عباس.
والثالث: يصيحون، وهو قول علي بن عيسى.
والرابع: يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة، فلا تقبل منهم، وهو قول الحسن. قال قتادة نزلت هذه الآية في قتلى بدر، وقال ابن جريج {حَتَّى إِذَا أَخذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ} هم الذين قتلواْ ببدر.
قوله عز وجل: {وَكُنتُم عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تستأخرون، وهو قول مجاهد.
والثاني: تكذبون.
والثالث: رجوع القهقرى. ومنه قول الشاعر:
زعموا أنهم على سبل الحق وأنا نكص على الأعقاب.
وهو أي النكوص، موسع هنا ومعناه ترك القبول.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} أي بحرمة الله، ألا يظهر عليهم فيه أحد، وهو قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
ويحتمل وجهاً آخر: مستكبرين بمحمد أن يطيعوه، وبالقرآن أن يقبلوه.
{سَامِراً تَهْجُرونَ} سامر فاعل من السمر. وفي السمر قولان:
أحدهما: أنه الحديث ليلاً، قاله الكلبي، وقيل به: سمراً تهجرون.
والثاني: أنه ظل القمر، حكاه ابن عيسى، والعرب تقول حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر، والعرب تقول أيضاً: لا أكلمه السمر والقمر، أي الليل والنهار، وقال الزجاج ومن السمر أخذت سمرة اللون. وفي {تَهْجُرُونَ} وجهان:
أحدهما: تهجرون الحق بالإِعراض عنه، قاله ابن عباس.
والثاني: تهجرون في القول بالقبيح من الكلام، قاله ابن جبير، ومجاهد.
وقرأ نافع {تُهْجِرُونَ} بضم التاء وكسر الجيم وهو من هجر القول. وفي مخرج هذا الكلام قولان:
أحدهما: إنكار تسامرهم بالإِزراء على الحق مع ظهوره لهم.
الثاني: إنكاراً منهم حتى تسامروا في ليلهم والخوف أحق بهم.

.تفسير الآيات (68- 75):

{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}
قوله: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} في الحق هنا قولان:
أحدهما: أنه الله، قاله الأكثرون.
الثاني: أنه التنزيل أي لو نزل بما يريدون لفسدت السموات والأرض.
وفي اتباع أهوائهم قولان:
أحدهما: لو اتبع أهواءهم فيما يشتهونه.
الثاني: فيما يعبدونه.
{لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لفسد تدبير السموات والأرض، لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى.
الثاني: لفسدت أحوال السموات والأرض لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى.
{وَمَن فِيهِنَّ} أي ولفسد من فيهن، وذلك إشارة إلى من يعقل من ملائكة السموات وإنس الأرض، وقال الكلبي: يعني ما بينهم من خلق، وفي قراءة ابن مسعود لفسدت السموات والأرض وما بينهما، فتكون على تأويل الكلبي، وقراءة ابن مسعود، محمولاً على فساد ما لا يعقل من حيوان وجماد، وعلى ظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمولاً على فساد ما يعقل وما لا يعقل من الحيوان، لأن ما لا يعقل تابع لما يعقل في الصلاح والفساد. فعلى هذا يكون من الفساد ما يعود على من في السموات من الملائكة بأن جعلت أرباباً وهي مربوبة، وعبدت وهي مستعبدة.
وفساد الإِنس يكون على وجهين:
أحدهما: باتباع الهوى. وذلك مهلك.
الثاني: بعبادة غير الله. وذلك كفر.
وأما فساد الجن فيكون بأن يطاعوا فيطغوا.
وأما فساد ما عدا ذلك فيكون على وجه التبع بأنهم مدبرون بذوي العقول.
فعاد فساد المدبرين عليهم.
{بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: عنى ببيان الحق لهم، قاله ابن عباس.
الثاني: بشرفهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم. والقرآن بلسانهم، قاله السدي، وسفيان.
ويحتمل ثالثاً: بذكر ما عليهم من طاعة ولهم من جزاء.
{فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعِرِضُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: فهم عن القرآن معرضون، قاله قتادة.
الثاني: عن شرفهم معرضون، قاله السدي.
قوله: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً} يعني أمراً.
{فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} فيه وجهان:
أحدهما: فرزق ربك في الدنيا خير منهم، قاله الكلبي.
الثاني: فأجر ربك في الآخرة خيرٌ منه، قاله الحسن.
وذكر أبو عمرو بن العلاء الفرق بين الخرج والخراج فقال: الخرج من الرقاب: والخراج من الأرض.
قوله: {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لعادلون، قاله ابن عباس.
الثاني: لحائدون، قاله قتادة.
الثالث: لتاركون، قاله الحسن.
الرابع: لمعرضون، قاله الكلبي، ومعانيها متقاربة.