فصل: تفسير الآيات (76- 83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (76- 83):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}
قوله: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً} الآية. فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فقال: «اللَّهُمّ اجْعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَقَحَطُوا سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْعَلْهَزَ مِنَ الجُوعِ وَهُوَ الوَبَرُ بالدَّمِ» قاله مجاهد.
الثاني: أنه قتلهم بالسيف يوم بدر، قاله ابن عباس.
الثالث: يعني باباً من عذاب جهنم في الآخرة، قاله بعض المتأخرين.
{مُبْلِسُونَ} قد مضى تفسيره.
قوله: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: خلقكم، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.
الثاني: نشركم، قاله ابن شجرة.
قوله: {وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} فيه قولان:
أحدهما: بالزيادة والنقصان.
الثاني: تكررهما يوماً بعد ليلة وليلة بعد يوم.
ويحتمل ثالثاً: اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى.

.تفسير الآيات (84- 92):

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92)}
قوله: {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} فيه وجهان:
أحدهما: خزائن كل شيء، قاله مجاهد.
الثاني: ملك كل شيء، قاله الضحاك. والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت.
{وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ علَيْهِ} أي يمنع ولا يُمنع منه، فاحتمل ذلك وجهين:
أحدهما: في الدنيا ممن أراد هلاكه لم يمنعه منه مانع، ومن أرد نصره لم يدفعه من نصره دافع.
الثاني: في الآخرة لا يمنعه من مستحقي الثواب مانع ولا يدفعه من مستوجب العذاب دافع.
{فأَنَّى تُسْحَرونَ} فيه وجهان:
أحدهما: فمن أي وجه تصرفون عن التصديق بالبعث.
الثاني: فكيف تكذبون فيخيل لكم الكذب حقاً.

.تفسير الآيات (93- 98):

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)}
قوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ السَّيِئَةَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: بالإغضاء والصفح عن إساءة المسيء، قاله الحسن.
الثاني: ادفع الفحش بالسلام، قاله عطاء والضحاك.
الثالث: ادفع المنكر بالموعظة، حكاه ابن عيسى.
الرابع: معناه امسح السيئة بالحسنة هذا قول ابن شجرة.
الخامس: معناه قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة، وهذا وإن كان خطاباً له عليه السلام فالمراد به جميع الأمة.
قوله: {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} فيه أربعة أوجه: أحدها: من نزغات.
الثاني: من إغواء.
الثالث: أذاهم.
الرابع: الجنون.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} أي يشهدوني ويقاربوني في وجهان:
أحدهما في الصلاة عند تلاوة القرآن. قال الكلبي.
والثاني: في أحواله كلها، وهذا قول الأكثرين.

.تفسير الآيات (99- 100):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}
قوله: {وَمِن ورَآئِهِمْ بَرْزَخٌ} الآية. أي من أمامهم برزخٌ، البرزخ الحاجز ومنه قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20] وفيه خمسة أقاويل.
أحدها: أنه حاجز بين الموت والبعث، قاله ابن زيد.
الثاني: حاجز بين الدنيا والآخرة. قاله الضحاك.
الثالث: حاجز بين الميت ورجوعه للدنيا، قاله مجاهد.
الرابع: أن البرزخ الإِمهال ليوم القيامة، حكاه ابن عيسى.
الخامس: هو الأجل ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة، قاله الكلبي.

.تفسير الآيات (101- 104):

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)}
قوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أي لا يتعارفون للهول الذي قد أذهلهم.
الثاني: أنهم لا يتواصلون عليها ولا يتقابلون بها مع تعارفهم لقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرءُ مِنْ أَخيهِ} [عبس: 34]
{وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يتساءلون أن يحمل بعضهم عن بعض، أو يعين بعضهم بعضاً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: لا يسأل بعضهم بعضاً عن خبره لانشغال كل واحد بنفسه قاله ابن عيسى.

.تفسير الآيات (105- 107):

{أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)}
قوله: {قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} فيه وجهان:
أحدهما: الهوى.
الثاني: حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق.

.تفسير الآيات (108- 111):

{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}
{قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه اصغروا والخاسئ الصاغر، قاله الحسن، والسدي.
الثاني: أن الخاسئ الساكت الذي لا يتكلم، قاله قتادة.
الثالث: ابعدوا بعد الكلب، قاله ابن عيسى.
{وَلاَ تُكَلِّمُونِ} فيه وجهان:
أحدهما: لا تكلمون في دفع العذاب عنكم.
الثاني: أنهم زجروا عن الكلام، غضباً عليهم، قاله الحسن، فهو آخر كلام يتكلم به أهل النار.
{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} قرأ بضم السين نافع، وحمزة، والكسائي، وقرأ الباقون بكسرها. واختلف في الضم والكسر على قولين.
أحدهما: أنهما لغتان، ومعناهما سواء وهما من الهزء.
الثاني: أنها بالضم من السُخرة والاستعباد وبالكسر من السخرية والاستهزاء.

.تفسير الآيات (112- 116):

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)}
قوله: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُم فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه سؤال لهم من مدة حياتهم في الدنيا، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، استقلالاً لحياتهم في الدنيا لطول لبثهم في عذاب جهنم.
الثاني: أنه سؤال لهم عن مدة لبثهم في القبور وهي حالة لا يعلمونها فأجابوا بقصرها لهجوم العذاب عليهم، وليس بكذب منهم لأنه إخبار عما كان عندهم.
{فَاسْئَلِ الْعَادِّينَ} فيه قولان:
أحدهما: الملائكة، قاله مجاهد.
الثاني: الحُسّابُ، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (117- 118):

{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)}
قوله: {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً ءَآخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه ليس له برهان ولا صحة بأن مع الله إلهاً آخر.
الثاني: أن هذه صفة الإله الذي يدعى من دون الله أن لا برهان له.
{فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّكَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني أن محاسبته عند ربه يوم القيامة.
الثاني: أن مكافأته على ربه والحساب المكافأة، ومنه قولهم حسبي الله. أي كفاني الله تعالى، والله أعلم وأحكم.

.سورة النور:

.تفسير الآيات (1- 2):

{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}
قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا} أي هذه سورة أنزلناها ويحتمل أن يكون قد خصها بهذا الافتتاح لأمرين:
أحدهما: أن المقصود الزجر والوعيد فافتتحت بالرهبة كسورة التوبة.
الثاني: أن فيها تشريفاً للنبي صلى الله عليه وسلم بطهارة نسائه فافتتحت بذكر والسورة اسم للمنزلة الشريفة ولذلك سميت السورة من القرآن سورة قال الشاعر:
ألم تَرَ أنَّ اللَّهَ أعْطَاكَ سُورةً ** ترى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ

{وَفَرَضْنَاهَا} فيه قراءتان بالتخفيف وبالتشديد.
فمن قرأ بالتخفيف ففي تأويله وجهان:
أحدهما: فرضنا فيها إباحة الحلال وحظر الحرام، قاله مجاهد.
الثاني: قدرنا فيها الحدود من قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] أي قدرتم، قاله عكرمة.
ومن قرأ بالتشديد ففي تأويله وجهان:
أحدهما: معناه تكثير ما فرض فيها من الحلال والحرام، قاله ابن عيسى.
الثاني: معناه بيناها، قاله ابن عباس.
{وَأَنزَلْنَا فِيهآ ءَايَاتٍ بَيِّناتٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أنها الحجج الدالة على توحيده ووجوب طاعته.
الثاني: أنها الحدود والأحكام التي شرعها.
قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ} وإنما قدم ذكر الزانية على الزاني لأمرين:
أحدهما: أن الزنى منها أعَرُّ، وهو لأجل الحَبَل أضر.
الثاني: أن الشهوة فيها أكثر وعليها أغلب، وقدر الحد فيه بمائة جلدة من الحرية والبكارة، وهو أكثر حدود الجلد، لأن فعل الزنى أغلظ من القذف بالزنى، وزادت السنة على الجلد بتغريب عام بعده، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خُذُواْ عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» ومنع العراقيون من التغريب اقتصاراً على الجلد وحده، وفيه دفع السنة والأثر.
والجلد مأخوذ من وصول الضرب إلى الجلد. فأما المحصنان فحدهما الرجم بالسنة إما بياناً لقوله تعالى في سورة النساء: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: 15] على قول فريق: وإما ابتداء فرض على قول آخرين. وروى زر بن حبيش عن أُبَيٍّ أن في مصحفه من سورة الأحزاب ذكر الرجم: «إِذَا زَنَى الشَّيخُ وَالشَّيخَةُ فَارْجُمَوهُمَا البَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
{وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} أي في طاعة الله، وقد يعبر بالدين عن الطاعة.
{إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أي إن كنتم تقيمون طاعة الله قيام من يؤمن بالله واليوم الآخر، والرأفة الرحمة ولم ينه عنها لأن الله هو الذي يوقعها في القلوب وإنما نهى عما تدعو الرحمة إليه، وفيه قولان:
أحدهما: أن تدعوه الرحمة إلى إسقاط الحد حتى لا يقام، قاله عكرمة.
الثاني: أن تدعوه الرحمة إلى تخفيف الضرب حتى لا يؤلم، قاله قتادة.
واستنبط هذا المعنى الجنيد فقال: الشفقة على المخالفين كالإِعراض عن المواقعين {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} يعني بالعذاب الحد يشهده عند الإِقامة طائفة من المؤمنين، ليكونوا زيادة في نكاله وبينة على إقامة حده واختلف في عددهم على أربعة أقاويل:
أحدها: أربعة فصاعداً، قاله مالك والشافعي.
الثاني: ثلاثة فصاعداً، قاله الزهري.
الثالث: اثنان فصاعداً، قال عكرمة.
الرابع: واحد فصاعداً، قاله الحسن، وإبراهيم.
ولما شرط الله إيمان من يشهد عذابهما، قال بعض أصحاب الخواطر: لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب.