فصل: تفسير الآيات (27- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (27- 31):

{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)}
قوله: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ} الآية، هذا قول سليمان للهدهد قال ابتلي فاختبر من ذلك فوجده صادقاً.
{اذْهَبِ بِّكِتَابِي هَذَا إِلَيهِمْ} قال مجاهد أخذ الهدهد الكتاب بمنقاره فأتى بهوها فجعل يدور فيه فقالت ما رأيت خيراً منذ رأيت هذا الطير في بهوي فألقى الكتاب إليها.
قال قتادة: فألقاه على صدرها وهي نائمة، قال يزيد بن رومان: كانت في ملك من مضى من أهلها وقد سيست وساست حتى أحكمها ذلك.
{ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} قال ابن عباس كن قريباً منهم.
{فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}
فيه تقديم وتأخير تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، حكاه ابن عيسى، وقاله الفراء.
قوله: {قَالَتْ يَآ أَيُّهَأ المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِليَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} وفي صفتها الكتاب أنه كريم، أربعة أوجه:
أحدها: لأنه مختوم، قاله السدي.
الثاني: لحسن ما فيه، قاله قتادة.
الثالث: لكرم صاحبه وأنه كان ملكاً، حكاه ابن بحر.
الرابع: لتسخير الهدهد به بحمله. ويحتمل خامساً: لإلقائه عليها عالياً من نحو السماء.
قوله تعالى: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} الآية، أما قولها إنه من سليمان فلإعلامهم مرسل الكتابي وممن هو.
وأما قولها: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فلاستنكار هذا الاستفتاح الذي لم تعرفه هي ولا قومها لأن أول من افتتح {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} سليمان.
روى ابن بريدة عن أبيه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إِنِّي لأَعْلَمُ آيَةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى نَبِيٍ قَبْلِي بَعْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ» قال: قلت يا رسول الله أي آية هي؟ قال: «سَأُعَلِّمُكَهَا قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ» قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي ثم التفت إليّ فقال: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».
حكى عاصم عن الشعبي قال: كَانَتْ كُتُبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كتب كان يكتب: باسمك الله، فلما نزلت {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا} [هود: 41] كتب: باسم الله، فلما نزلت {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ} [الإِسراء: 110] كتب: باسم الله الرحمن، فلما نزلت {إِنَّهُ مِن سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} كتب: بسم الله الرحمن الرحيم. قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال ذلك الكتاب الثالث.
وأما قوله: {ألا تعلواْ عليَّ وأتوني مسلمين} فهذه كتب الأنباء موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط ولا إٍسهاب.
وفي {أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: لا تخالفوا عليّ، قاله قتادة.
الثاني: لا تتكبروا علي، قاله السدي وابن زيد.
الثالث: لا تمتنعوا عليّ، قاله يحيى بن سلام.
{وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: مستسلمين، قاله الكلبي.
الثاني: موحدين، قاله ابن عباس.
الثالث: مخلصين، قاله زهير.
الرابع: طائعين، قاله سفيان.

.تفسير الآيات (32- 35):

{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}
قوله: {قَالَتْ يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أشيروا عليّ في هذا الأمر الذي نزل بي فجعلت المشورة فتيا وقيل: إنها أول من وضع المشورة.
{مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونَ} أي ممضية أمراً، وفي قراءة ابن مسعود قاضية أمراً، والمعنى واحد.
{حَتَّى تَشْهَدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: حتى تشيروا، قاله زهير.
الثاني: حتى تحضرواْ، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ} أي أهل عدد وعدة.
{وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ} أي شجاعة وآلة، وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: تفويض الأمر إلى رأيها لأنها المدبرة لهم.
الثاني: أنهم أجابوها تبادرين إلى قتاله، قاله ابن زيد.
قال مجاهد: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وهذا بعيد.
{وَالأَمْرُ إِلَيْكِ} الآية. عرضوا عليها الحرب وردواْ إليها الأمر، قال الحسن: ولّوا أمرهم علجة يضطرب ثدياها، حدث أبو بكرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ».
قوله: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} قال ابن عباس أخذوها عنوة، وأفسدوها، وخربوها.
ويحتمل وجهاً آخر: أن يكون بالاستيلاء على مساكنها وإجلاء أهلها عنها.
{وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً} أي أشرافهم وعظماءهم أذلة وفيه وجهان:
أحدهما: بالسيف، قاله زهير.
الثاني: بالاستعباد، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً: أن يكون بأخذ أموالهم وحط أقدارهم.
{وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} فيه قولان:
أحدهما: أن هذا من قول الله، وكذلك يفعل الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، قاله ابن عباس.
الثاني أن هذا حكاية عن قول بلقيس: كذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا، قاله ابن شجرة.
قوله تعالى: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} اختلف فيها على أربعة فيها على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها كانت لبنة من ذهب، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها كانت جوهَراً، قاله ابن جبير.
الثالث: أنها كانت صحائف الذهب في أوعية الديباج، قاله ثابت البناني.
الرابع: أنها أهدت غلماناً لباسهم لباس الجواري، وجواري لباسهم لباس الغلمان، قاله مجاهد، وعكرمة وابن جبير، والسدي، وزهير، واختلف في عددهم فقال سعيد بن جبير: كانوا ثمانين غلاماً وجارية، وقال زهير كانوا ثمانين غلاماً وثمانين جارية.
{فَنَاظِرةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} قال قتادة: يرحمها الله إن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها، قد علمت أن الهدية تقع موقعها من الناس.
واختلف فيما قصدت بهديتها على قولين:
أحدهما: ما ذكره قتادة من الملاطفة والاستنزال.
الثاني: اختبار نبوته من ملكه، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا اختبرته على قولين:
أحدهما: أنها اختبرته بالقبول والرد، فقالت: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه على ملككم وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، قاله ابن عباس وزهير.
الثاني: أنها اختبرته بتمييز الغلمان من الجواري، ومن قال بهذا اختلفوا بماذا ميزهم سليمان عل ثلاثة أقوال.
أحدها: أن أمرهم بالوضوء فاغترف الغلام بيده وأفرغت الجارية على يديها فميزهم بهذا، قاله السدي.
الثاني: لما توضؤوا غسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها، وغسل الجواري بطون السواعد قبل ظهورها، فميزهم بهذا، قاله قتادة.
الثالث: أنهم لما توضؤوا بدأ الغلام من مرفقه إلى كفه وبدأت الجارية من كفها إلى مرفقها، فميزهم بهذا، قاله ابن جبير.

.تفسير الآيات (36- 37):

{فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانُ} فيه وجهان:
أحدهما: فلما جاءت هداياها سليمان، قاله يزيد بن رومان.
الثاني: فلما جاءت رسلها سليمان لأن الهدهد قد كان سبق إلى سليمان فأخبره بالهدية والرسل فتأهب سليمان لهم.
قال السدي: فأمر الشياطين فموّهوا لَبِن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة، وقيل إنها بعثت مع رسلها بعصاً كان يتوارثها ملوك حمير، وقالت: أريد أن يعرفني رأس هذه من أسفلها، وبقدح وقالت: يملؤه ماءً ليس من الأرض ولا من السماء، وبخرزتين إحداهما ثقبُها معوج وقالت يدخل فيها خيطاً والأخرى غير مثقوبة وقالت يثقب هذه.
{قَالَ} سليمان للرسل حين وصلوا إليه {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} معناه أتزيدونني مالاً إلى ما تشاهدونه من أموالي.
{فَمَا ءَاتَانِ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا ءَاتَاكُم} أي فما آتاني من النبوة والملك خير مما آتاكم من المال، فرد عليهم المال وميز الغلمان من الجواري، وأرسل العصا إلى الأرض فقال أي الرأسين سبق للأرض فهو أصلها، وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال: ليس هذا من الأرض ولا من السماء، وثقب إحدى الخرزتين وأدخل الخيط في الأخرى، فقال الرسل ما شاهدوا.
واختلف في الرسل هل كانوا رجالاً أو نساء على قولين.
قوله {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك للرسول ارجع إليهم بما جئت من الهدايا، قاله قتادة. ويزيد بن رومان.
الثاني: أنه قال ذلك للهدهد [ارجع إليه]، قائلاً لهم: {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا} أي لا طاقة لهم بها ليكون الهدهد نذيراً لهم، قاله زهير.
وصدق نبي الله سليمان صلى الله عليه لأن من جنوده الإنس والجن والطير فليس لأحدٍ بها طاقة.
{وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً} الآية. إخباراً له عما يصنعه بهم ليسعد منهم بالإيمان من هدي وهذه سنة كل نبي.

.تفسير الآيات (38- 40):

{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)}
قوله {يَآ أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأَتِيني بِعَرْشِهَا} الآية. حكى يزيد بن رومان أنه لما عاد رسلها بالهدايا قالت: قد والله عرفت أنه ليس بملك وما لنا به طاقة، ثم بعثت إليه: إني قادمة عليك بملوك قومي ثم أمرت بعرشها فجعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض وغلقت عليه الأبواب وشَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن، فقال سليمان حين علم قدومها عليه: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} الآية: وفيه وجهان:
أحدهما: مسلمين أي مستسلمين طائعين، قاله ابن عباس.
الثاني: أن يأتوني مسلمين أي بحرمة الإٍسلام ودين الحق، قاله ابن جريج.
فإن قيل: فلم أَمَرَ أنَ أن يؤتى بعرشها قبل أن يأتوا إليه مسلمين؟
قيل عنه في الجواب خمسة أوجه:
أحدها: أنه أراد أن يختبر صدق الهدهد، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه أعجب بصفته حين وصفه الهدهد وخشي أن تسلم فيحرم عليه مالها فأراد أخذه قبل أن يحرم عليه بإسلامها، قاله قتادة.
الثالث: أنه أحب أن يعاليها به وكانت الملوك يعالون بالملك والقدرة، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، وهل تعرفه أو تنكره، قاله ابن جبير.
الخامس: أنه أراد أن يجعل ذلك دليلاً على صدق نبوته، لأنها خلفته في دارها وأوثقته في حرزها ثم جاءت إلى سليمان فوجدته قد تقدمها، قاله وهب.
قوله: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ} العفريت المارد القوي، قال أبو صالح كأنه جبل وفيه وجهان:
أحدهما: أنه المبالغ في كل شيء مأخوذ من قولهم فلان عفرية نفرية إذا كان مبالغاً في الأمور، قاله الأخفش.
الثاني: أصله العفر وهو الشديد، زيدت فيه التاء فقيل عفريت، قاله ابن قتيبة.
{أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: من مجلسك وسمي المجلس مقاماً لإقامة صاحبه فيه كما قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان: 51].
الثاني: أنه أراد يوماً معروفاً كان عادة سليمان أن يقوم فيه خطيباً يعظهم، ويأمرهم، وينهاهم، وكان مجيء اليوم تقريباً.
الثالث: أنه أراد قبل أن تسير عن ملكك إليهم محارباً.
{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} لقوي على حمله، وفي الأمين ثلاثة أقاويل:
أحدها: أمين على ما فيه من جوهر ولؤلؤ، قاله الكلبي وابن جرير.
الثاني: أمين ألا آتيك بغيره بدلاً منه، قاله ابن زيد.
الثالث: أمين على فرج المرأة، قاله ابن عباس، وحكى يزيد بن رومان ان اسم العفريت كودي، وحكى ابن أبي طلحة أن اسمه صخر، وحكى السدي أنه آصف بن السيطر بن إبليس، والله أعلم بصحة ذلك.
قوله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه ملك أيد الله به سليمان، والعلم الذي من الكتاب هو ما كتب الله لبني آدم، وقد علم الملائكة منه كثيراً فأذن الله له أن يعلم سليمان بذلك، وأن يأتيه بالعرش الذي طلبه، حكاه ابن بحر.
القول الثاني: أنه بعض جنود سليمان من الجن والإِنس، والعلم الذي عنده من الكتاب هو كتاب سليمان الذي كتبه إلى بلقيس وعلم أن الريح مسخرة لسليمان وأن الملائكة تعينه فتوثق بذلك قبل أن يأتيه بالعرش قبل أن يرتد إليه طرفه.
والقول الثالث: أنه سليمان قال ذلك للعفريت.
والقول الرابع: أنه قول غيره من الإنس، وفيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه مليخا، قاله قتادة.
الثاني: أنه أسطوم، قاله مجاهد.
الثالث: أنه آصف بن برخيا وكان صدّيقاً، قاله ابن رومان.
الرابع: أنه ذو النور بمصر، قاله زهير.
الخامس: أنه الخضر، قاله ابن لهيعة.
و{عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ} هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب.
{أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ} يعني بالعرش.
{قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} فيه ستة أوجه:
أحدها: قبل أن يأتيك أقصى من تنظر إليه، قاله ابن جبير.
الثاني: قبل أن يعود طرفك إلى مد بصرك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثالث: قبل أن يعود طرفك إلى مجلسك، قاله إدريس.
الرابع: قبل الوقت الذي تنظر وروده فيه من قولهم: أنا ممد الطرف إليك أي منتظر لك، قاله ابن بحر.
الخامس: قبل أن يرجع طرف رجائك خائباً لأن الرجاء يمد الطرف والإياس يقصر الطرف.
السادس: قبل أن ينقص طرفك بالموت، أخبره أنه سيأتيه قبل موته.
{فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِراً عِندَهُ} قبل أن يرتد طرفه لأن الذي عنده علم عن الكتاب دعا باسم الله الأعظم وعاد طرف سليمان إليه فإذا العرش بين يديه.
قال عبد الرحمن بن زيد: لم يعلم سليمان ذلك الاسم وقد أُعطي ما أُعطي.
قال السدي: فجزع سليمان وقال: غيري أقدر على ما عند الله مني، ثم استرجع. {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلُ رَبِّي} يعني وصول العرش إليّ قبل أن يرتد إليَّ طرفي.
{لِيَبْلُوَنِّي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} قال زهير: أأشكر على العرش إذ أوتيته في سرعة أم أكفر فلا أشكر إذ رأيت من هو أعلم مني في الدنيا.
قال زهير: ثم عزم الله له على الشكر فقال: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرْ لِنَفْسِهِ} لأن الشكر تأدية حق واستدعاء مزيد.
{وَمَن كَفَرَ فِإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ} عن الشكر {كَرِيمٌ} في التفضل، وهذه معجزة لسليمان أجراها الله على يد من اختصه من أوليائه.
وكان العرش باليمن وسليمان بالشام فقيل: ان الله حرك به الأرض حتى صار بين يديه.