فصل: تفسير الآيات (41- 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (41- 44):

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
قوله: {قَالَ نَكَرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} أي غيروه وفي تغييره خمسة أوجه:
أحدها: أنه نزع ما عليه من فصوصه، ومرافقه وجواهره، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه غيّر ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر جعله أحمر، قاله مجاهد.
الثالث: غيّر بأن زيد فيه ونقص منه، قاله عكرمة.
الرابع: حوّل أعلاه أسفله ومقدمه مؤخره، قاله شيبان بن عبد الرحمن.
الخامس: غيّره بأن جعل فيه تمثال السمك، قاله أبو صالح.
{نَنْظُرُ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أتهتدي إلى الحق بعقلها أم تكون من الذين لا يعقلون، وهذا معنى قول ابن رومان.
الثاني: إلى معرفة العرش بفطنتها أم تكون من الذين لا يعرفون، وهذا معنى قول ابن جبير، ومجاهد.
{فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} فلم تثبته ولم تنكره واختلف في سبب قولها ذلك، على ثلاثة أقاويل:
أحدها: لأنها خلفته وراءها فوجدته أمامها فكان معرفتها له تمنع من إنكاره وتركها له وراءها يمنع إثباته، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني: لأنها وجدت فيه ما تعرفه فلذلك لم تنكره ووجدت فيه ما بُدِّل وغير فلذلك لم تثبته، قاله السدي.
الثالث: شبهوا عليها حين قالوا: أهكذا عرشك؟ فشبهت عليهم فقالت: كأنه هو ولو قالوا لها: هذا عرشك لقالت: نعم، قاله مقاتل.
{وَأُوَتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا} وهذا قول من سليمان وقيل هو من كلام قومه، وفي تأويله ثلاثة أقاويل:
أحدها: معرفة الله وتوحيده، قاله زهير.
الثاني: النبوة، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أي علمنا أن العرش عرشها قبل أن نسألها، قاله ابن شجرة.
{وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: طائعين لله بالاستسلام له.
الثاني: مخلصين لله بالتوحيد.
قوله تعالى: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: وصدها عبادة الشمس أن تعبد الله.
الثاني: وصدّها كفرها بقضاء الله أن تهتدي للحق.
الثالث: وصدّها سليمان عما كانت تعبد في كفرها.
الرابع: وصدها الله تعالى إليه بتوفيقها بالإيمان عن الكفر.
قوله: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها بركة بنيت قوارير، قاله مجاهد.
الثاني: أنها صحن الدار، حكاه ابن عيسى يقال صرحة الدار وساحة الدار وباحة الدار وقاعة الدار كله بمعنى واحد. قال زهير مأخوذ من التصريح ومنه صرح بالأمر إذا أظهره.
الثالث: أنه القصر قاله ابن شجرة، واستشهد بقول الهذلي.
على طرق كنحو الظباء ** تحسب أعلامهن الصروحا

{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} أي ماء لأن سليمان أمر الجن أن يبنوه من قوارير في ماء فبنوه وجعلوا حوله أمثال السمك فأمرها بالدخول لأنها وصفت له فأحب أن يراها.
قال مجاهد: وكانت هلباء الشعر والهلباء الطويلة الشعر، قدمها كحافر الحمار وكانت أمها جنيه. قال الحسن: وخافت الجن أن يتزوجها سليمان فيطلع منها على أشياء كانت الجن تخفيها عنه. وهذا القول بأن أمها جنية مستنكر في العقول لتباين الجنسين واختلاف الطبعين وتفاوت الجسمين، لأن الآدمي جسماني، والجني روحاني، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار وخلق الجني من مارج من نار، ويمتنع الامتزاج من هذا التباين ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف، لكنه قيل فذكرته حاكياً.
{وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} فرآهما سليمان شعراوين فصنعت له الجن النورة فحلقهما، فكان أول من صنعت النورة.
واختلفواْ في السبب الذي كان من أجله أراد سليمان كشف ساقيها لدخول الصرح على ثلاثة أقاويل:
أحدها: لأنه أراد أن يختبر بذلك عقلها.
الثاني: أنه ذكر له أن ساقها ساق حمار لأن أمها جنية فأحب أن يختبرها.
الثالث: لأنه أراد أن يتزوجها فأحب أن يشاهدها.
{قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه المجلس ومنه الأمرد لملوسته، قاله علي بن عيسى.
الثاني: أنه الواسع طوله وعرضه، قاله ابن شجرة وأنشد:
غدوت صباحاً باكراً فوجدتهم ** قبيل الضحى في البابلي الممرد

قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} فيه قولان:
أحدهما: بالشرك الذي كانت عليه، قاله ابن شجرة.
الثاني: بالظن الذي توهمته في سليمان لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة وأن سليمان يريد تغريقها فيه فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن، قاله سفيان.
{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي استسلمت مع سليمان لله طائعة لله رب العالمين.
قال مقاتل: فتزوجها سليمان واتخذ لها حماماً ونورة بالشام، وهو أول من اتخذ ذلك، ثم لم ير إلا كذلك حتى فرق الموت بينهما، فحكى الشعبي عن ناس من حمير أنهم حفروا مقبرة الملك فوجدوا فيها أرضاً معقودة فيها امرأة عليها حلل منسوخة بالذهب وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب:-
يا أيها الأقوام عُوجوا معاً ** وأربعوا في مقبري العيسا

لتعلموا أني تلك التي ** قد كنت أدْعي الدهر بلقيسا

شيّدت قصر الملك في حمير ** قومي وقد كان مأنوسا

وكنت في ملكي وتدبيره ** أرغم في الله المعاطيسا

بَعْلي سليمان النبي الذي ** قد كان للتوراة دريسا

وسخّر الريح له مركباً ** تهب أحياناً رواميسا

مع ابن داود النبي الذي ** قدسه الرحمن تقديسا

.تفسير الآيات (45- 47):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)}
قوله تعالى: {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} فيه قولان:
أحدهما: كافر ومؤمن، قاله مجاهد.
الثاني: مصدق ومكذب، قاله قتادة.
وفيم اختصموا؟ فيه قولان:
أحدهما: أن تقول كل فرقة نحن عل الحق دونكم.
الثاني: اختلفوا أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه، قاله مجاهد.
قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} فيه قولان:
أحدهما: بالعذاب قبل الرحمة، قاله مجاهد، لقولهم {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
الثاني: بالبلاء قبل العافية، قاله السدي.
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: بالكفاية.
الثاني: بالإِجابة.
قوله: {قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} أي تشاءَمنا بك وبمن معك مأخوذ من الطيرة، وفي تطيرهم به وجهان:
أحدهما: لافتراق كلمتهم، قاله ابن شجرة.
الثاني: للشر الذي نزل بهم، قاله قتادة.
{قَالَ طَآئِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: مصائبكم عند الله، قاله ابن عباس، لأنها في سرعة نزولها عليكم كالطائر.
الثاني: عملكم عند الله، قاله قتادة، لأنه في صعوده إليه كالطائر.
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: تبتلون بطاعة الله ومعصيته، قاله قتادة.
الثاني: تصرفون عن دينكم الذي أمركم الله به وهو الإسلام، قاله الحسن.

.تفسير الآيات (48- 53):

{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}
قوله: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} الرهط الجمع لا واحد له يعني من ثمود قوم صالح وهم عاقرو الناقة، وذكر ابن عباس أساميهم فقال: هم زعجي وزعيم وهرمي ودار وصواب ورباب ومسطح وقدار، وكانواْ بأرض الحجر وهي أرض الشام، وكانوا فساقاً من أشراف قومهم.
{يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: يفسدون بالكفر ولا يصلحون بالإيمان.
الثاني: يفسدون بالمنكر ولا يصلحون بالمعروف.
الثالث: يفسدون بالمعاصي ولا يصلحون بالطاعة.
الرابع: يفسدون بكسر الدراهم والدنانير ولا يصلحون بتركها صحاحاً، قاله ابن المسيب، قاله عطاء.
الخامس: أنهم كانوا يتتبعون عورات النساء ولا يسترون عليهن.
قوله: {قَالُواْ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} أي تحالفواْ بالله.
{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} أي لنقتلنه وأهله ليلاً، والبيات قتل الليل.
{ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} أي لرهط صالح.
{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي قتله، وقتل أهله، ولا علمنا ذلك.
{وَإِنَّا لَصّادِقُونَ} في إنكارنا لقتله.
{وَمَكَرُواْ مَكْراً} وهو ما همّوا به من قتل صالح.
{وَمَكَرْنَا مَكْراً} وهو أن رماهم الله بصخرة فأهلكهم.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي لا يعلمون بمكرنا وقد علمنا بمكرهم.
وفي مكرهم ومكر الله تعالى بهم قولان:
أحدهما: قاله الكلبي، وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً، وسَلِمَ صالح من مكرهم.
الثاني: قاله الضحاك، أنهم مكروا بأن أظهروا سفراً وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوهُ، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سدّه وكان هذا مكر الله بهم.

.تفسير الآيات (54- 58):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}
قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أي وأنتم تعلمون أنها فاحشة.
الثاني: يبصر بعضكم بعضاً.