فصل: تفسير الآيات (83- 86):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (83- 86):

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أَمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِئَايَتِنَا} وهم كفارها المكذبون. وفي قوله {بَئَايَاتِنَا} وجهان:
أحدهما: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
الثاني: جميع الرسل، وهو قول الأكثرين.
{فَهُمْ يُوزَعُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يجمعون، قاله ابن شجرة.
الثاني: يدفعون، قاله ابن عباس.
الثالث: يساقون، قاله ابن زيد والسدي، ومنه قول الشماخ.
وكم وزعنا من خميس جحفل ** وكم حبونا من رئيس مسحل

الرابع: يُرَدُّ أولاهم على أُخراهم، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (87- 90):

{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ} وهو يوم النشور من القبور وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الصور جمع صورة، والنفخ فيها إعادة الأرواح إليها.
الثاني: أنه شيء ينفخ فيه كالبوق يخرج منه صوت يحيا بن الموتى.
الثالث: أنه مثل ضربه الله لإحياء الموتى في وقت واحد بخروجهم فيه كخروج الجيش إذا أُنذروا بنفخ البوق فاجتمعوا في الخروج وقتاً واحداً.
{فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ} وفي هذا الفزع هنا قولان:
أحدهما: أنه الإجابة والإسراع إلى النداء من قولك فزعت إليه من كذا إذا أسرعت إلى ندائه في معونتك قال الشاعر:
كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزع ** كان الصراخ له قرع الظنابيب

فعلى هذا يكون {إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ} استثناء لهم من الإِجابة والإسراع إلى النار.
ويحتمل من أريد بهم وجهين:
أحدهما: الملائكة الذين أخروا عن هذه النفخة.
والقول الثاني: إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحذر لأنهم أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا وهذا أشبه القولين فعلى هذا يكون قوله {إِلاَّ مَن شَآءَ} استثناء لهم من الخوف والفزع.
وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم، قاله ابن عيسى.
الثاني: أنهم الشهداء. روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الشهداء ولولا هذا النص لكان الأنبياء بذلك أحق لأنهم لا يقصرون عن منازل الشهداء وإن كان في هذا النص تنبيه عليهم. وقيل إن إسرافيل هو النافخ في الصور.
{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: راغمين، قاله السدي.
الثاني: صاغرين، قاله ابن عباس وقتادة ويكون المراد بقوله {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} من فزع ومن استثني من الفزع بقوله {إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ} وهذا يكون في النفخة الثانية، والفزع بالنفخة الأولى، وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ عَاماً».
قوله {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} أي واقفة.
{وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} أي لا يرى سيرها لبعد أطرافها كما لا يرى سير السحاب إذا انبسط لبعد أطرافه وهذا مثل، وفيم ضرب له ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب، قاله سهل بن عبد الله.
الثاني: أنه مثل ضربه الله للإيمان، تحسبه ثابتاً في القلب وعمله صاعد إلى السماء.
الثالث: أنه مثل للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى القدس.
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيئ} أي فعل الله الذي أتقن كل شيء. وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أحكم كل شيء، قاله ابن عباس.
الثاني: أحصى، قاله مجاهد.
الثالث: أحسن، قاله السدي.
الرابع: أوثق، واختلف فيها فقال الضحاك: هي كلمة سريانية، وقال غيره: هي عربية مأخوذ من إتقان الشيء إذا أحكم وأوثق، وأصلها من التقن وهو ما ثقل من الحوض من طينة.
قوله: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ} فيها وجهان:
أحدهما: أنها أداء الفرائض كلها.
الثاني: أفضل منها لأنه يعطى بالحسنة عشراً، قاله زيد بن أسلم.
الثالث: فله منها خير للثواب العائد عليه، قاله ابن عباس ومجاهد.
{وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: وهم من فزع يوم القيامة آمنون في الجنة.
الثاني: وهم من فزع الموت في الدنيا آمنون في الآخرة.
{وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةٍ} الشرك في قول ابن عباس وأبي هريرة.

.تفسير الآيات (91- 93):

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)}
قوله: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدُ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدِةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} فيها قولان:
أحدهما: مكة، قاله ابن عباس.
الثاني: مِنى، قاله أبو العالية، وتحريمها هو تعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها.
{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} يعني ملك كل شيء مما أحله وحرمه فيحل منه ما شاء ويحرم منه ما شاء لأن للمالك أن يفعل في ملكه ما يشاء.
قوله: {سَيُرِيكُمْ ءَآيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} فيه وجهان:
أحدهما: يريكم في الآخرة فتعرفونها على ما قال في الدنيا، قاله الحسن.
الثاني: يريكم في الدنيا ما ترون من الآيات في السموات والأرض فتعرفونها أنها حق، قاله مجاهد.
{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} من خير أو شر فلابد أن يجازي عليه، والله أعلم.

.سورة القصص:

.تفسير الآيات (1- 6):

{طسم (1) تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)}
قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ببغيه في استعباد بني إسرائيل وقتل أولادهم، قاله قتادة.
الثاني: بكفره وادعاء الربوبية.
الثالث: بملكه وسلطانه.
وهذه الأرض أرض مصر لأن فرعون ملك مصر، ولم يملك الأرض كلها، ومصر تسمى الأرض ولذلك قيل لبعض نواحيها الصعيد.
وفي علوه وجهان:
أحدهما: هو لظهوره في غلبته.
الثاني: كبره وتجبره.
{وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} أي فرقاً. قاله قتادة: فَرّق بين بني إسرائيل والقبط.
{يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل بالاستعباد بالأعمال القذرة.
{يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} قال السدي: إن فرعون رأى في المنام أن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل فسأل علماء قومه عن تأويله، فقالوا: يخرج من هذا البلد رجل يكون على يده هلاك مصر، فأمر بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم، وأسرع الموت في شيوخ بني إسرائيل فقال القبط لفرعون: إن شيوخ بني إسرائيل قد فنوا بالموت وصغارهم بالقتل فاستبقهم لعملنا وخدمتنا أن يستحيوا في عام ويقتلوا في عام فولد هارون في عام الاستحياء وموسى في عام القتل. وطال بفرعون العمر حتى حكى النقاش أنه عاش أربعمائة سنة وكان دميماً قصيراً. وكان أول من خضب بالسواد. وعاش موسى مائة وعشرين سنة.
قوله: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ} فيهم قولان:
أحدهما: بنو إسرائيل، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: يوسف وولده، قاله علي رضي الله عنه.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمََّةً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ولاة الأمر، قاله قتادة.
الثاني: قادة متبوعين، قاله قتادة.
الثالث: أنبياء لأن الأنبياء فيما بين موسى وعيسى كانوا من بني إسرائيل أولهم موسى وآخرهم عيسى وكان بينهما ألف نبي، قاله الضحاك.
{وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم بعد غرق فرعون سبَوا القبط فاستعبدوهم بعد أن كانوا عبيدهم فصاروا وارثين لهم، قاله الضحاك.
الثاني: أنهم المالكون لأرض فرعون التي كانوا فيها مستضعفين. والميراث زوال الملك عمن كان له إلى من صار إليه، ومنه قول عمرو بن كلثوم:
ورثنا مجد علقمة بن سيف ** أباح لنا حصون المجد دينا

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه إلهام من الله قد قذفه في قلبها وليس بوحي نبوة، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه كان رؤيا منام، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أنه وحي من الله إليها مع الملائكة كوحيه إلى النبيين، حكاه قطرب.
{أَنْ أَرْضِعِيه} قال مجاهد: كان الوحي بالرضاع قبل الولادة، وقال غيره بعدها.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} يعني القتل الذي أمر به فرعون في بني إسرائيل.
{فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} واليم: البحر وهو النيل.
{وَلاَ تَخافِي} فيه وجهان:
أحدهما: لا تخافي عليه الغرق، قاله ابن زيد.
الثاني: لا تخافي عليه الضيعة، قاله يحيى بن سلامة.
{وَلاَ تَحْزَنِي} فيه وجهان:
أحدهما: لا تحزني على فراقه، قاله ابن زيد.
الثاني: لا تحزني أن يقتل، قال يحيى بن سلام.
فقيل: إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في البحر بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر في حكاية الكلبي. وحكي أنه لما فرغ النجار من صنعه التابوت أتى إلى فرعون يخبره فبعث معه من يأخذه فطمس الله على عينه وقلبه فلم يعرف الطريق فأيقن أنه المولود الذي تخوف فرعون منه فآمن من ذلك الوقت وهو مؤمن آل فرعون.
قال ابن عباس: فلما توارى عنها ندَّمها الشيطان وقالت في نفسها لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب أليّ من إلقائه بيدي إلى دواب البحر وحيتانه، فقال الله: {إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} الآية، حكى الأصمعي قال: سمعت جارية أعرابية تنشد:
استغفر الله لذنبي كله ** قبلت إنساناً بغير حلّه

مثل الغزال ناعماً في دَله ** فانتصف الليل ولم أُصله

فقلت: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أوَيعد هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
قوله {فَالتْقَطَهُ ءَآلُ فِرْعَوْنَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس.
الثاني: أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت: هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد.
{لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً} أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره ولم يكن لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر:
وللمنايا تربي كل مرضعةٍ ** ودورنا لخراب الدهر نبنيها.

{وَقَالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليذبحوه فمنعتهم وجاءت به إلى فرعون وقالت: قرة عين لي ولك.
{لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} فقال فرعون: قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ»
وفي قرة العين وجهان:
أحدهما: أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد.
الثاني: أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه.