فصل: تفسير الآيات (10- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (10- 13):

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}
قوله {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مَوسَى فَارِغاً} فيه ستة أوجه:
أحدها: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: فارغاً من وحينا بنسيانه، قاله الحسن وابن زيد.
الثالث: فارغاً من الحزن لعلمها أنه لم يغرق، قاله الأخفش.
الرابع: معنى فارغاً أي نافراً، قاله العلاء بن زيد.
الخامس: ناسياً، قاله اليزيدي.
السادس: معناه والهاً، رواه ابن جبير.
وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري وهو صحابي: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَزِعاً} من الفزع وفي قوله {وَأَصْبَحَ} وجهان:
أحدهما: أنها ألقته ليلاً فأصبح فؤادها فارغاً في النهار.
الثاني: أنها ألقته نهاراً ومعنى أصبح أي صار، قال الشاعر:
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد ** وأصبحت المدينة للوليد

{إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن تصيح عند إلقائه وا إبناه، قاله ابن عباس.
الثاني: أن تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني، قاله السدي لأنه ضاق صدرها لما قيل هو ابن فرعون.
الثالث: أن تبدي بالوحي، حكاه ابن عيسى.
{لَوْلاَ أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فيه قولان:
أحدهما: بالإيمان، قاله قتادة.
الثاني: بالعصمة، قاله السدي.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال السدي: قد كانت من المؤمنين ولكن لتكون من المصدقين بأنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين.
قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي استعلمي خبره وتتبّعي أثره.
قال الضحاك، واسم أخته كلثمة.
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} وفيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: عن جانب، قاله ابن عباس.
الثاني: عن بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة بن عبدة:
فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ ** فإني امرؤ وسط القباب غريب

الثاني: عن شوق، حكاه أبوعمرو بن العلاء وذكر أنها لغة جذام يقولون جنبت إليك [أي اشتقت].
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قوله: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ} قال ابن عباس: لا يؤتى بمرضعة فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع كما قال امرؤ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري ** إني امرؤ صرعي عليك حرام

أي ممتنع.
{مِن قَبْلُ} أي من قبل مجيء أخته وفي قوله: {مِن قَبْلُ} وجهان:
أحدهما: ما ذكرناه.
الثاني: من قبل ردّه إلى أمه.
{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الآية. وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم: {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} وما يُدْريك؟ لعلك تعرفين أهله، فقالت: لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره.
قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمَّهِ} قال ابن عباس انطلقت أخته إلى أمه فأخبرتها فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصَّه حتى امتلأ جنباه رياً وانطلق بالبشرى إلى امرأة فرعون قد وجدنا لابنك ظئراً، قال أبو عمران الجوني: وكان فرعون يعطي أم موسى في كل يوم ديناراً.
وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني. فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سبباً لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه.
{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} في قوله: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ} الآية.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} يعني من قوم فرعون.
{لاَ يَعْلَمُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يعلمون ما يراد بهم، قاله الضحاك.
الثاني: لا يعملون مثل علمها.

.تفسير الآيات (14- 17):

{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)}
قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} فيه تسعة أقاويل:
أحدها: أربعون سنة، قاله الحسن.
الثاني: أربع وثلاثون سنة، قاله سفيان.
الثالث: ثلاث وثلاثون سنة، قاله ابن عباس.
الرابع: ثلاثون سنة، قاله السدي.
الخامس: خمس وعشرون سنة، قاله عكرمة.
السادس: عشرون سنة، حكاه يحيى بن سلام.
السابع: ثماني عشرة سنة، قاله ابن جبير.
الثامن: خمس عشرة سنة، قاله محمد بن قيس.
التاسع: الحلم. قاله ربيعة ومالك.
والأشد جمع واختلف هل له واحد أم لا، على قولين:
أحدهما: لا واحد له، قاله أبو عبيدة.
الثاني: له واحد وفيه وجهان:
أحدهما: شد، قاله سيبويه.
الثاني: شدة، قاله الكسائي.
{وَاسْتَوَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: اعتدال القوة، قاله ابن شجرة.
الثاني: خروج اللحية، قاله ابن قتيبة.
الثالث: انتهى شبابه، قاله ابن قتيبة.
الرابع: أربعون سنة، قاله ابن عباس.
{آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} في الحكم أربعة أقاويل:
أحدها: أنه العقل، قاله عكرمة.
الثاني: النبوة، قاله السدي.
الثالث: القوة، قاله مجاهد.
الرابع: الفقه، قاله ابن اسحاق.
قوله: {وَدَخَل الْمَدِينَةَ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها مصر، قاله ابن شجرة.
الثاني: منف، قاله السدي.
الثالث: عين الشمس، قاله الضحاك.
{عَلَى حِينٍ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: نصف النهار والناس قائلون، قاله ابن جبير.
الثاني: ما بين المغرب والعشاء، قاله ابن عباس.
الثالث: يوم عيد لهم وهم في لهوهم، قاله الحسن.
الرابع: لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به، حكاه ابن عيسى.
{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} وفيه قولان:
أحدهما: من شيعته إسرائيلي ومن عدوه قبطي، قاله ابن عباس.
الثاني: من شيعته مسلم ومن عدوه كافر، قاله ابن إسحاق.
{فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} حكى ابن سلام أن القبطي سخّر الإسرائيلي ليحمل له حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه فاستغاث بموسى. قال سعيد بن جبير: وكان خبازاً لفرعون {فَوَكَزَهُ مُوسَى} قال قتادة: بعصاه وقال مجاهد: بكفه أي دفعه، الوكز واللكز واحد والدفع. قال رؤبة:
بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز ** إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر

فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وانما يريد دفعه.
{فَقَضَى عَلَيهِ} أي فقتله.
و{قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي من إغوائه.
{إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ} قال الحسن: لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال.
قوله: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فيه وجهان:
أحدهما: من المغفرة.
الثاني: من الهداية.
{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} أي عوناً. قال ابن عباس: قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.

.تفسير الآيات (18- 19):

{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19)}
قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ في الْمَدِينَةِ خَائِفَاً يَتَرَقَّبُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: خائفاً من قتل النفس أن يؤخذ بها.
الثاني: خائفاً من قومه.
الثالث: خائفاً من الله.
{يََتَرَقَّبُ} فيه وجهان:
أحدهما: يتلفت من الخوف، قاله ابن جبير.
الثاني: ينتظر.
وفيما ينتظر فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: ينتظر الطلب إذا قيل إن خوفه كان من قتل النفس.
الثاني: ينتظر أن يسلمه قومه إذا قيل إن خوفه منهم.
الثالث: ينتظر عقوبة الله إذا قيل إن خوفه كان منه.
{فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} يعني الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز من أجله القبطي فقتله، استصرخه واستغاثه على رجل آخر من القبط خاصمه.
{قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك للإسرائيلي لأنه قد أغواه بالأمس حتى قتل من أجله رجلاً ويريد أن يغويه ثانية.
الثاني: أنه قال ذلك للقبطي فظن الإسرائيلي أنه عناه فخافه، قاله ابن عباس.
{فلَمَّآ أَنْ أَرادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} وهو القبطي لأن موسى أخذته الرقة على الإسرائيلي فقال الإسرائيلي: {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ} فيه قولان:
أحدهما: أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين، فخاف أن قتله فقال: {أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ}.
الثاني: أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عن قتله، قاله يحيى بن سلام: قال يحيى: وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري.
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى.
{إلاَّ تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ} قال السدي: يعني قتالاً.
قال أبو عمران الجوني: وآية الجبابرة القتل بغير حق.
وقال عكرمة: لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين بغير حق.
{وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ} أي وما هكذا يكون الإصلاح.