فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (7- 8):

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8)}
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ميثاقهم على قومهم أن يؤمنوا بهم، قاله ابن عباس.
الثاني: ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوا الرسالة إليهم، قاله الكلبي.
الثالث: ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً، قاله قتادة.
{وَمِنكَ وَمِن نَّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} روى قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِنَ نُّوحٍ} قال «كُنتُ أَوَّلَهُم فِي الخَلْقِ وَآخِرَهُم في البَعْثِ». {وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثاقاً غَلِيظاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الميثاق الغليظ تبليغ الرسالة.
الثاني: يصدق بعضهم بعضاً.
الثالث: أن يعلنوا أن محمداً رسول الله، ويعلن محمد أنه لا نبي بعده.
وفي ذكر من سمى من الأنبياء مع دخولهم في ذكر النبيين وجهان:
أحدهما: تفضيلاً لهم.
الثاني: لأنهم أصحاب الشرائع.
قوله تعالى: {لِّيَسْأَلَ الصَادِقِينَ عَنَ صِدْقِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، حكاه النقاش. الثاني: ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم، حكاه النقاش ابن عيسى.
الثالث: ليسأل الأنبياء عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم، حكاه ابن شجرة.
الرابع: ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة.

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)}
قوله تعالى: {اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} قال ابن عباس يعني يوم الأحزاب حين أنعم الله عليهم بالصبر ثُم بالنصر.
{إِذْ جَآءَتْكُم جُنُودٌ} قال مجاهد: جنود الأحزاب أبو سفيان وعيينة بن حصين وطلحة بن خويلد وأبو الأعور السلمي وبنو قريظة.
{فَأرْسَلْنَا عَلَيِهِمْ رِيحاً} قال مجاهد: هي الصَّبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم وروى ابن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بِالصّبَا وأُهْلِكَت عَادٌ بِالدَّبُورِ» وكان من دعائه يوم الأحزاب «اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَورَتَنَا وَآمِن رَوْعَتَنَا» فضرب الله وجوه أعدائه بريح الصَبا.
{وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} قال مجاهد وقتادة: هم الملائكة.
وفي ما كان منهم أربعة أقاويل:
أحدها: تفريق كلمة المشركين وإقعاد بعضهم عن بعض.
الثاني: إيقاع الرعب في قلوبهم، حكاه ابن شجرة.
الثالث: تقوية نفوس المسلمين من غير أن يقاتلوا معهم وأنها كانت نصرتهم بالزجر حتى جاوزت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد: إن محمداً قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة.
{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو.
قوله تعالى: {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ} يعني من فوق الوادي وهو أعلاه من قبل المشرق، جاء منه عوف بن مالك في بني نضر، وعيينة بن حصين في أهل نجد، وطلحة بن خويلد الأسدي في بني أسد.
{وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} يعني من بطن الوادي من قبل المغرب أسفل أي تحتاً من النبي صلى الله عليه وسلم، جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة، ويزيد بن جحش على قريش، وجاء أبو الأعور السلمي ومعه حيي بن أخطب اليهودي في يهود بني قريظة مع عامر بن الطفيل من وجه الخندق.
{وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ} فيه وجهان:
أحدهما: شخصت.
الثاني: مالت.
{وَبَلَغَتِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ} أي زالت عن أماكنها حتى بلغت القلوب الحناجر وهي الحلاقيم واحدها حنجرة. وقيل إنه مثل مضروب في شدة الخوف ببلوغ القلوب الحناجر وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة. وروي عن ابي سعيد الخدري أنه قال يوم الخندق: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تأمر بشيء تقوله فقد بلغت القلوب الحناجر فقال: «نعم قُولُواْ: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتَنَا وَآمِنْ رَوْعَتَنَا» قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح فهزموا بها.
{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} فيه وجهان:
أحدهما: فيما وعدوا به من نصر، قاله السدي.
الثاني: أنه اختلاف ظنونهم فظن المنافقون أن محمداً وأصحابه يُستأصلون وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله ورسوله حق وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون، قاله الحسن.

.تفسير الآيات (11- 13):

{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)}
قوله تعالى: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: بالحصر، حكاه النقاش.
الثاني: بالجوع فقد أصابهم بالخندق جوع شديد، قاله الضحاك.
الثالث: امتحنوا في الصبر على إيمانهم وتميز المؤمنون عن المنافقين، حكاه ابن شجرة. وحكى ابن عيسى أن {هُنالِكَ} للبعد من المكان، وهناك للوسط وهنا للقريب.
{وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً} فيه أربعة أوجه:
أحدها: حركوا بالخوف تحريكاً شديداً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنه اضطرابهم عما كانوا عليه فمنهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه.
الثالث: أنه حركهم الأمر بالثبات والصبر، وهو محتمل.
الرابع: هو إزاحتهم عن أماكنهم حتى لم يكن لهم إلا موضع الخندق، قاله الضحاك.
قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن المرض النفاق، قاله قتادة.
الثاني: أنه الشرك، قاله الحسن.
{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً} حكى السدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفر الخندق لحرب الأحزاب فبينا هو يضرب فيه بمعوله إذ وقع المعول على صفاة فطار منها كهيئة الشهاب من نار في السماء، وضرب الثاني فخرج مثل ذلك، وضرب الثالث فخرج مثل ذلك فرأى ذلك سلمان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «رَأَيتَ مَا خَرَجَ فِي كُلّ ضَرْبَةٍ ضَرَبْتَهَا» قال: نعم يا رسول الله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تُفْتَحُ لَكُمْ بِيضُ المَدَائِنِ وَقُصُورُ الرُّومِ وَمَدَائِنُ اليَمن» قال ففشا ذلك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحدثواْ به، فقال رجل من الأنصار يدعى قشير بن معتب. وقال غيره قشير بن عدي الأنصاري من الأوس: وعدنا محمد أن تفتح لنا مدائن اليمن وقصور الروم وبيض المدائن وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل؟ هذا والله الغرور فأنزل الله هذه الآية.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالت طَّآئِفَةٌ مِّنهُمْ} يعني من المنافقين قيل إنهم من بني سليم، وقيل إنه من قول أوس بن فيظي ومن وافقه على رأيه، ذكر ذلك يزيد بن رومان، وحكى السدي أنه عبد الله بن أُبي وأصحابه.
{يَأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مَقُامَ لَكُم فَارْجِعُواْ} قرأ حفص عن عاصم بضم الميم، والباقون بالفتح. وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: وهو قول الفراء أن المقام بالفتح الثبات على الأمر، وبالضم الثبات في المكان.
الثاني: وهو قول ابن المبارك انه بالفتح المنزل وبالضم الإقامة.
وفي تأويل ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أي لا مقام لكم على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.
الثاني: لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان، قاله الكلبي.
الثالث: لا مقام في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم، قال النقاش.
والمراد بيثرب المدينة وفيه قولان:
أحدهما: أن يثرب هي المدينة، حكاه ابن عيسى.
الثاني: أن المدينة في ناحية من يثرب، قاله أبو عبيدة وقد روى يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَن قَالَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ، هَي طَابَةُ» ثلاث مرات.
{وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ} قال السدي: الذي استأذنه منهم رجلان من الأنصار من بني حارثة، أحدهما أبو عرابة بن أوس، والآخر أوس بن فيظي. قال الضحاك: ورجع ثمانون رجلاً بغير إذن.
{يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي، قاله قتادة.
الثاني: خالية ليس فيها إلا العورة من النساء، قاله الكلبي والفراء، مأخوذ من قولهم قد اعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب قال الشاعر:
له الشدة الأولى إذا القرن أعورا ** الثالث: مكشوفة الحيطان نخاف عليها السراق والطلب، قاله السدي والعرب تقول قد أعور منزلك إذا ذهب ستره وسقط جداره وكل ما كره انكشافه فهو عندهم عورة، وقرأ ابن عباس: إن بيوتنا عَوِرة، بكسر الواو، أي ممكنة العورة.

ثم قال: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} تكذيباً لهم فيما ذكروه.
{إِن يُريدُونَ إِلاَّ فِرَاراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: فراراً من القتل.
الثاني: من الدِّين. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في قبيلتين من الأنصار من بني حارثة وبني سلمة، همّوا أن يتركوا مراكزهم يوم الخندق وفيهم أنزل الله {إذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أن تَفْشَلاَ} [آل عمران: 122] الآية. فلما نزلت هذه الآية قالوا: والله ما سرّنا ما كنا هممنا به إن كان الله ولينا.

.تفسير الآيات (14- 17):

{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17)}
قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا} أي لو دخل على المنافقين من أقطار المدينة ونواحيها.
{ثُمَّ سُئِلُواْ الْفِتْنَةَ لأَتَوهَا} فيه وجهان:
أحدهما: ما تلبثوا عن الإجابة إلى الفتنة إلا يسيراً، قاله ابن عيسى.
الثاني: ما تلبثوا بالمدينة إلا يسيراً حتى يعدموا، قاله السدي.
قوله: {وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ} الآية، فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم عاهدوه قبل الخندق وبعد بدر، قاله قتادة.
الثاني: قبل نظرهم إلى الأحزاب، حكاه النقاش.
الثالث: قبل قولهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا.
وحكي عن ابن عباس أنهم بنو حارثة.
{وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً} يحتمل وجهين:
أحدهما مسئولاً عنه للجزاء عليه.
الثاني: للوفاء به.
قوله تعالى: {قُل مَن الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّن اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إن أراد بكم هزيمة أو أراد بكم نصراً، حكاه النقاش.
الثاني: إن أراد بكم عذاباً، أو أراد بكم خيراً، قاله قتادة.
الثالث: إن أراد بكم قتلاً أو أراد بكم توبة، قاله السدي.