فصل: تفسير الآيات (18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (18- 19):

{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)}
قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} يعني المثبطين من المنافقين، قيل إنهم عبد الله بن أُبي وأصحابه.
{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِليْنَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم المنافقون قالوا للمسلمين ما محمد إلا أكلة رأس وهو هالك ومن معه فهلم إلينا.
الثاني: أنهم اليهود من بني قريظة قالوا لإخوانهم من المنافقين هلم إلينا أي تعالوا إلينا وفارقوا محمداً فإنه هالك وإن أبا سفيان إن ظفر لم يبق منكم أحداً.
الثالث: ما حكاه ابن زيد أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من عند يوم الأحزاب فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف فقال: أنت هكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف، فقال له أخوه كان من أبيه وأمه. هلّم إليّ قد تُبع بك وبصاحبك أي قد أحيط بك وبصاحبك، فقال له: كذبت والله لأخبرنه بأمرك وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجده قد نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا}.
{وَلاَ يَأْتُونَ البََأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: لا يحضرون القتال إلا كارهين وإن حضروه كانت أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين قاله قتادة.
الثاني: لا يشهدون القتال إلا رياء وسمعة، قاله السدي، وقد حكي عن الحسن في قوله تعالى: {وَلاَ يَذْكُرُونَ إلاَّ قَلِيلاً} إنما قل لأنه كان لغير الله عز وجل.
قوله تعالى: {أَشِحَّةً عَلَيكُمْ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.
الثاني: بالقتال معكم، قاله ابن كامل.
الثالث: بالغنائم إذا أصابوها، قاله السدي.
الرابع: أشحة بالنفقة في سبيل الله، قاله قتادة.
{فَإِذَا جَآءَ الْخَوفُ} فيه قولان:
أحدهما: إذا جاء الخوف من قتال العدو إذا أقبل، قاله السدي.
الثاني: الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إذا غلب، قاله ابن شجرة.
{رَأيْتُهُمْ يَنْظُرُونَ إِليَكَ} خوفاً من القتال على القول الأول، ومن النبي صلى الله عليه وسلم على القول الثاني.
{تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيهِ مِنَ الْمَوتِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تدور أعينهم لذهاب عقولهم حتى لا يصح منهم النظر إلى جهة.
الثاني: تدور أعينهم لشدة خوفهم حذراً أن يأتيهم القتل من كل جهة.
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أي رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد أي شديدة ذربة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ السَّالِقَةَ وَالخَارِقَةُ وَالحَالِقَةَ» يعني بالسالقة التي ترفع صوتها بالنياحة والخارقة التي تخرق ثوبها في المصيبة وبالحالقة التي تحلق شعرها.
الثاني: معناه آذوكم بالكلام الشديد. والسلق الأذى، قاله ابن قتيبة. قال الشاعر:
ولقد سلقن هوازنا ** بنواهلٍ حتى انحنينا

وقال الخليل: سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره وفي سلقهم بألسنةٍ حداد وجهان:
أحدهما: نزاعاً في الغنيمة، قاله قتادة.
الثاني: جدالاً عن أنفسهم، قاله الحسن.
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على قسمة الغنيمة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: على المال ينفقونه في سبيل الله، قاله السدي.
الثالث: على النبي صلى الله عليه وسلم بظفره.
{أَوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ} يعني بقلوبهم.
{فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} يعني حسناتهم أن يثابوا عليها لأنهم لم يقصدوا وجه الله تعالى بها.
{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} فيه وجهان:
أحدهما: وكان نفاقهم على الله هيناً.
الثاني: وكان إحباط عملهم على الله هيناً.

.تفسير الآية رقم (20):

{يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)}
قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابِ لَمْ يَذْهَبُواْ} يعني أن المنافقين يحسبون أبا سفيان وأحزابه من المشركين حين تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبين لم يذهبوا عنه وأنهم قريب منهم ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنهم كانواعلى ذلك لبقاء خوفهم وشدة جزعهم.
الثاني: تصنعاً للرياء واستدامة التخوف.
{وَإِنَ يَأْتِ الأَحْزَابُ} يعني أبا سفيان وأصحابه من المشركين.
{يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعرْابِ} أي يود المنافقون لو أنهم في البادية مع الأعراب حذراً من القتل وتربصاً للدوائر.
{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} أي عن أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون: أما هلك محمد وأصحابه، أما غلب أبو سفيان وأحزابه.
{وَلَوْ كَانُواْ فِيكُم مَا قَاتَلُواْ إِلاَّ قَلِيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: إلا كرهاً.
الثاني: إلا رياءً.

.تفسير الآيات (21- 22):

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)}
قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُوُلِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} فيه وجهان:
أحدهما: أي مواساة عند القتال، قاله السدي.
الثاني: قدوة حسنة يتبع فيها، والأسوة الحسنة المشاركة في الأمر يقال هو مواسيه بماله إذا جعل له نصيباً.
وفي المراد بذلك وجهان:
أحدهما: الحث على الصبر مع النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه.
الثاني: التسلية لهم فيما أصابهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم شُج وكُسِرَت رباعيته وقتل عمه حمزة.
{لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِر} فيه وجهان:
أحدهما: لمن كان يرجو ثواب الله في اليوم الآخر قاله ابن عيسى.
الثاني: لمن كان يرجوا الله بإيمانه ويصدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال، قاله ابن جبير.
{وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: أي استكثر من العمل بطاعته تذكراً لأوامره.
الثاني: أي استكثر من ذكر الله خوفاً من عقابه ورجاء لثوابه واختلف فيمن أريد بهذا الخطاب على قولين:
أحدهما: المنافقون عطفاً عل ما تقدم من خطابهم.
الثاني: المؤمنون لقوله: {لِمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ}.
واختلف في هذه الأسوة بالرسول هل هي على الإِيجاب أو على الاستحباب على قولين:
أحدهما: على الإيجاب حتى يقوم دليل علىلاستحباب.
الثاني: على الاستحباب حتى يقول دليل على الإيجاب.
ويحتمل أن يحمل على الإيجاب في أمور الدين، وعلى الاستحباب في أمور الدنيا.
قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأحْزَابِ} الآية. فيه قولان:
أحدهما: أن الله وعدهم في سورة البقرة فقال {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم} [البقرة: 214] الآية. فلما رأواْ أحزاب المشركين يوم الخندق {قَالُواْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} قاله قتادة.
الثاني: ما رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال: «أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةُ عَلَيهَا يَعْنِي قُصُورِ الحِيرَةِ وَمَدَائِنِ كِسرَى فَأبْشِرُوا بِالنَّصْرِ» فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولَهُ} الآية.
{إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} فيه قولان:
أحدهما: إلا إيماناً وتسلمياً للقضاء، قاله الحسن.
الثاني: إلا إيماناً بما وعد الله وتسليماً لأمر الله.

.تفسير الآيات (23- 24):

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)}
قوله تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم بايعوا الله على ألا يفرُّوا، فصدقوا في لقائهم العدو يوم أحد، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أنهم قوم لم يشهدوا بدراً فعاهدوا الله ألا يتأخروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرب يشهدها أو أمر بها، فوفوا بما عاهدوا الله عليه، قاله أنس بن مالك.
{فَمِنْهُم مَّن قَضَى نحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: فمنهم من مات ومنهم من ينتظر الموت، قاله ابن عباس ومنه قول بشر بن أبي خازم:
قضى نحب الحياة وكلُّ حي ** إذا يُدْعى لميتته أجابا

الثاني: فمنهم من قضى عهده قتل أو عاش، ومنهم من ينتظر أن يقضيه بقتال أو صدق لقاء، قاله مجاهد.
الثالث: فمنهم من قضى نذره ومنه قول الراعي:
حتى تحنّ إلى ابن أكرمها ** حسباً وكن منجز النحب

فيكون النحب على التأويل الأول الأجل، وعلى الثاني العهد، وعلى الثالث النذر.
{وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: ما غيروا كما غير المنافقون، قاله ابن زيد.
الثاني: ما بدلوا ما عاهدوا الله عليه من الصبر ولا نكثوا بالفرار، وهذا معنى قول الحسن.
قوله: {لِّيَجْزِيَ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الذين صدقوا لما رأواْ الأحزاب {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية.
الثاني: الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من قبل فثابوا ولم يغيروا.
{وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ} فيه وجهان:
أحدهما: يعذبهم إن شاء ويخرجهم من النفاق إن شاء، قاله قتادة.
الثاني: يعذبهم في الدنيا إن شاء أو يميتهم على نفاقهم فيعذبهم في الآخرة إن شاء، قاله السدي.
{أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} قال السدي يخرجهم من النفاق بالتوبة حتى يموتوا وهم تائبون.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} يحتمل وجهين:
أحدهما: غفرواً بالتوبة رحيماً بالهداية إليها.
الثاني: غفوراً لما قبل التوبة رحيماً لما بعدها.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25)}
قوله تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَغَيظِهِمْ} يعني أبا سفيان وجموعه من الأحزاب.
{بِغَيظِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: بحقدهم.
الثاني: بغمّهم.
{لَمْ يَنَالُواْ خَيراً} قال السدي لم يصيبوا من محمد وأصحابه ظفراً ولا مغنماً.
{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} فيه وجهان:
أحدهما: بعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه. حكى سفيان الثوري عن زيد عن مرة قال أقرأنا ابن مسعود هذا الحرف: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بعلي بن أبي طالب.
الثاني: بالريح والملائكة، قاله قتادة والسدي.
{وََكَانَ اللَّهُ قَوِياً} في سلطانه. {عَزِيزاً} في انتقامه.