فصل: تفسير الآيات (26- 27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (26- 27):

{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27)}
قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْل الْكِتَابِ} هم بنو قريظة من اليهود ظاهرواْ أبا سفيان ومجموعة من الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عاونوه والمظاهرة هي المعاونة. وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوه فغزاهم بعد ستة عشر يوماً من الخندق قال قتادة نزل عليه جبريل وهو عند زينب بنت جحش يغسل رأسه فقال عفا الله عنك ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة فانهد إلى بني قريظة فإني قد قلعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال فسار إليهم فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة حتى نزلوا على التحكيم في أنفسهم.
وفيمن نزلوا على حكمه قولان:
أحدهما: أنهم نزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن يقتل مقاتلوهم ويسبى ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فقال قومه: آثرت المهاجرين بالعقار علينا، فقال: إنكم ذوو عقار وليس للمهاجرين فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «قُضِيَ فِيهِم بِحُكْمِ اللَّهِ» قاله قتادة.
الثاني: أنهم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحكموا سعداً لكن أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فقال: «أَشِر عَلَيَّ فِيهِم» فقال: لو وليتني أمرهم لقتلت مقاتليهم ولسبيت ذراريهم ولقسمت أموالهم فقال: «وَالَّذِي نَفْسِ بِيَدِهِ لََقَدْ أَشَرتَ عَلَيَّ فِيهِم بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ» وروي ذلك عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن أبيه.
{مِن صَيَاصِيهِمْ} من حصونهم قال الشاعر:
فأصبحت النسوان عقرى وأصبحت ** نساء تميم يبتدرْن الصياصيا.

وسميت بذلك لامتناعهم بها، ومنه سميت قرون البقر صياصي لامتناعها بها، وسميت شوكة الديك التي في ساقه صيصية.
{وَقَذَفَ فِي قُُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} قال قتادة بصنيع جبريل بهم.
{فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} حكى عطية القرظي أنهم عُرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة فمن كان احتلم أو نبتت عانته قتل، فنظروا إليّ فلم تكن نبتت عانتي فتركت فقيل إنه قتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله بقوله {فَرِيقاً تقتلون} وسبي سبعمائة وخمسين رجلاً وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله {وتأسرون فريقاً} وقال قتادة: قتل أربعمائة وسبى سبعمائة.
{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُم وَأَمْوَالَهُم} يريد بالأرض النخل والمزارع، وبالدبار المنازل وبالأموال المنقولة.
{وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُوهَا} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: أنها مكة، قاله قتادة.
الثاني: خيبر، قاله السدي وابن زيد.
الثالث: فارس والروم، قاله الحسن.
الرابع: ما ظهر عليه المسلمون إلى يوم القيامة، قاله عكرمة.
{وَكَانَ اللَّهُ علََى كُلِّ شَيءٍ قَدِيراً} فيه وجهان:
أحدهما: على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قديرٌ، قاله ابن اسحاق.
الثاني: على ما أراد أن يفتحه من الحصون والقرى، قدير، قاله النقاش.

.تفسير الآيات (28- 29):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
قوله تعالى: {يَأَيُّها النَبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِن كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا وَزِينَتَهَا} الآية.
وهذا أمر من الله لنبيه أن يخبر أزواجه، واختلف أهل التأويل في تخييره لهن على قولين:
أحدهما: خيرهن بين اختيار الدنيا فيفارقهن واختيار الآخرة فيمسكهن، ولم يخيرهن في الطلاق، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: أنه خيّرهن بين الطلاق أو المقام معه، وهذا قول عائشة رضي الله عنها وعكرمة والشعبي ومقاتل.
روى عبد الله بن أبي ثورعن ابن عباس قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أنزلت آية التخيير فبدأني أول امرأة من نسائه، فقال: «إنّي ذَاكَرٌ أَمْراً وَلاَ عَلَيك أَلاَّ تَعْمَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبُوَيكِ» وقد علم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم تلا آية التخيير فقالت أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل قولي. وقال سعيد بن جبير: إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها.
واختلف في السبب الذي لأجله خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه على خمسة أقاويل:
أحدها: لأن الله تعالى خير نبيه بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة، فاختار الآخرة على الدنيا وقال: «اللَّهُمَّ احْيِنِي مِسْكِيناً وَأمِتْنِي مِسْكِينَاً وَاحْشْرْنِي فِي زُمْرَةِ المَساكِين» فلما اختار ذلك أمره الله تعالى بتخيير نسائه ليكنَّ على مثل حاله إن كان اختيارهن مثل ما اختاره. حكاه أبو القاسم الصيمري.
الثاني: لأنهن تغايرن عليه، فروت عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنَنّا شهراً فدخل عليّ بعد صبحة تسعة وعشرين، فقلت يا رسول الله: ألم تكن حلفت لتهجرننا شهراً؟ فقال: «إن الشهر هكذا وهكذا وهكذا،» ثم خنس الإبهام، ثم قال يا عائشة: «إِنّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْراً وَلاَ عَلَيْكِ أَن لاَّ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيري أَبُويكِ» وخشي حداثة سني قلت: وما ذاك؟ قال «أُمِرْتُ أَن أَخَيِّرَكُنَّ».
الثالث: أن أزواجه طالبنه وكان غير مستطيع فكان أوّلهن أم سلمة فسألته ستراً معلماً، فلم يقدر عليه، وسألته ميمونة حلة يمانية، وسألته زينب بنت جحش ثوباً مخططاً وهو البرد اليماني، وسألته أم حبيبة ثوباً سحولياً، وسألته حفصة ثوباً من ثياب مصر، وسألته جويرية معجزاً، وسألته سودة قطيفة جبيرية، وكل واحدة منهن طلبت نصيباً إلاّ عائشة لم تطلب شيئاً، فأمر الله تعالى بتخييرهن، حكاه النقاش.
الرابع: لأن أزواجه اجتمعن يوماً فقلن: نريد ما تريد النساء من الحلي والثياب حتى قال بعضهن: لو كنا عن غير النبي صلى الله عليه وسلم إذن لكان لنا شأن وثياب وحلي، فأنزل الله تعالى آية التخيير، حكاه النقاش.
الخامس: لأن الله تعالى صان خلوة نبيه فخيرهن على ألا يتزوجن بعده، فلما أجَبْنَ إلى ذلك أمسكهن. قال مقاتل بن حيان: قاله الحسن وقتادة: وكان تحته يومئذ تسع سوى الحميرية، خمس من قريش: عائشة وحفصة وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة بنت أبي أمية وسودة بنت زمعة، هؤلاء خمس من قريش، وكان تحته صفية بنت حيي بن أخطب الحميرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الأسدية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. فلما اخترنه والصبر معه على ما يلاقيه من شدة ورخاء عوضهن الله تعالى على صبرهن بأمرهن بأمرين:
أحدهما: بأن يجعلهن أمهات المؤمنين فقال تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أَمَّهَاتُكُمْ} تعظيماً لحقوقهن وتأكيداً لحرمتهن.
الثاني: أن حظر عليهن طلاقهن والاستبدال بهن فقال {لاَ يَحِلُّ لك النِّسَاءُ مِن بَعد} الآية. فكان تحريم طلاقهن مستداماً. وأما تحريم التزويج عليهن فقد كان ذلك لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في شدته وقلة مكنته.
ثم اختلف الناس بعد سعة الدنيا عليه هل أحل الله له النساء على قولين:
أحدهما: أنه كان تحريمه عليهن باقياً لأن الله تعالى جعله جزاء لصبرهن.
الثاني: أن الله تعالى أحل له النساء أن يتزوج عليهن عند اتساع الدنيا عليه، لأن علة التحريم الضيق والشدة، فإذا زالت زال موجبها. قالت عائشة رضي الله عنها ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحلّ له النساء، يعني اللاتي حظرن عليه، وقيل إن الناسخ لتحريمهن قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية.
فأما غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلزمهم تخيير نسائهم فإن خيروهن فقد اختلف الفقهاء في حكمهن على ثلاثة مذاهب.
أحدها: إن اخترن الزوج فلا فرقة، وإن اخترن أنفسهن كانت تطليقة رجعية. وهذا قول الزهري وعائشة والشافعي.
الثاني: إن اخترن الزوج فهي تطليقة وله الرجعة، وإن اخترن أنفسهن فهي تطليقة بائن والزوج كأحد الخطاب، وهذا قول عليّ رضي الله عنه.
الثالث: إن اخترن الزوج فهي تطليقة والزوج كأحد الخطاب، وإن اخترن أنفسهن فهي ثلاث ولا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، وهذا قول زيد بن ثابت.

.تفسير الآيات (30- 31):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}
قوله عز وجل: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشةٍ مُّبَيِّنَةٍ} فيها قولان:
أحدهما: الزنى، قاله السدي.
الثاني: النشوز وسوء الخلق، قاله ابن عباس.
{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: أنهما عذابان في الدنيا لعظم جرمهن بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال مقاتل: حدّان في الدنيا غير السرقة.
وقال أبو عبيدة والأخفش: الضعفان أن يجعل الواحد ثلاثة، فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضِعْفا الواحد ثلاثة.
وقال ابن قتيبة: المراد بالضعف المثل فصار المراد بالضعفين المثلين.
وقال آخر: إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب بأن يكون ضعفاه أربعة أمثاله.
قال سعيد بن جبير: فجعل عذابهن ضعفين، وجعل على من قذفهن الحد ضعفين.
{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} أي هيناً.
قوله عز وجل: {وَمَن يَقْنُتْ مِنُكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي تُطِع الله ورسوله والقنوت الطاعة.
{وَتَعْمَلُ صَالِحاً} أي فيما بينها وبين ربها.
{نُؤْتِهَا أَجرَهَا مَرَّتِين} أي ضعفين، كما كان عذابها ضعفين. وفيه قولان:
أحدهما: أنهما جميعاً في الآخرة.
الثاني: أن أحدهما في الدنيا والآخر في الآخرة.
{وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً} فيه وجهان:
أحدهما: في الدنيا، لكونه واسعاً حلالاً.
الثاني: في الآخرة وهو الجنة.
{كَرِيماً} لكرامة صاحبه، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (32- 34):

{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)}
قوله عز وجل: {يَا نِسَآءَ النَّبِيَّ لَسْتنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النِّسَآءِ} قال قتادة: من نساء هذه الأمة.
{إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} قال مقاتل: إنكن أحق بالتقوى من سائر النساء.
{فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} فيه ستة أوجه:
أحدها: معناه فلا ترققن بالقول.
الثاني: فلا ترخصن بالقول، قاله ابن عباس.
الثالث: فلا تُلِن القول، قاله الفراء.
الرابع: لا تتكلمن بالرفث، قاله الحسن. قال متمم.
ولستُ إذا ما أحدث الدهر نوبة ** عليه بزوّار القرائب أخضعا

الخامس: هو الكلام الذي فيه ما يهوى المريب.
السادس: هو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال، قاله ابن زيد.
{فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنه شهوة الزنى والفجور، قاله عكرمة والسدي.
الثاني: أنه النفاق، قاله قتادة. وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمان النبي صلى الله عليه وسلم المنافقون.
{وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: صحيحاً، قاله الكلبي.
الثاني: عفيفاً، قاله الضحاك.
الثالث: جميلاً.
قوله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرئت على وجهين:
أحدهما: بفتح القاف، قرأه نافع وعاصم، وتأويلها اقررن في بيوتكن، من القرار في مكان.
الثاني: بكسر القاف: قرأها الباقون، وتأويلها كن أهل وقار وسكينة.
{وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} وفي خمسة أوجه:
أحدها: أنه التبختر، قاله ابن أبي نجيح.
الثاني: كانت لهن مشية تكسرٍ وتغنج، فنهاهن عن ذلك، قاله قتادة، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «المَائِلاَتُ المُمِيلاَتُ: اللاَّئِي يَسْتَمِلْنَ قُلُوبَ الرِّجَالِ إلَيهِنَّ».
الثالث: أنه كانت المرأة تمشي بين يدي الرجل، فذلك هو التبرج، قاله مجاهد.
الرابع: هو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده ليواري قلائدها وعنقها وقرطها، ويبدو ذلك كله منها، فذلك هو التبرج، قال مقاتل بن حيان.
الخامس: أن تبدي من محاسنها ما أوجب الله تعالى عليها ستره، حكاه النقاش وأصله من برج العين وهو السعة فيها.
وفي {الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} أربعة أقاويل:
أحدها: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الشعبي وابن أبي نجيح.
الثاني: زمان إبراهيم، قاله مقاتل والكلبي، وكانت المرأة في ذلك الزمان تلبس درعاً مفرجاً ليس عليها غيره وتمشي في الطريق، وكان زمان نمرود.
الثالث: أنه ما بين آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة، وكان نساؤهم أقبح ما تكون النساء، ورجالهم حسان، وكانت المرأة تريد الرجل على نفسها، فهو تبرج الجاهلية الأولى: قاله الحسن.
الرابع: أنه ما بين نوح وإدريس. روى عكرمة عن ابن عباس أن الجاهلية الأولى كانت ألف سنة. وفيه قولان:
أحدهما: أنه كانت المرأة في زمانها تجمع زوجاً وخلما، والخلم الصاحب، فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخلمها نصفها الأعلى، ولذلك يقول بعض الخلوم:
فهل لك في البدال أبا خبيب ** فأرضى بالأكارع والعجُوز

الثاني: وهو مبدأ الفاحشة، وهو أن بطنين من بني آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً وفي النساء دمامة، وأن إبليس اتخذ لهم عيداً فاختلط أهل السهل بأهل الجبل فظهرت الفاحشة فيهم، فهو تبرج الجاهلية.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} وفي الرجس ها هنا ستة أقاويل:
أحدها: الإثم، قاله السدي.
الثاني: الشرك، قاله الحسن.
الثالث: الشيطان، قاله ابن زيد.
الرابع: المعاصي.
الخامس: الشك.
السادس: الأقذار.
وفي قوله تعالى: {أَهْلَ الْبَيْتِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عنى علياً وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، قاله أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم.
الثاني: أنه عنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله ابن عباس وعكرمة.
الثالث: أنها في الأهل والأزواج، قاله الضحاك.
{وَيُطَهّرَكُمْ تطْهِيراً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: من الإثم، قاله السدي.
الثاني: من السوء، قاله قتادة.
الثالث: من الذنوب، قاله الكلبي، ومعانيها متقاربة.
وفي تأويل هذه الآية لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه:
أحدها: يذهب عنكم رجس الأهواء والتبرج ويطهركم من دنس الدنيا والميل إليها.
الثاني: يذهب عنكم رجس الغل والحسد، ويطهركم بالتوفيق والهداية.
الثالث: يذهب عنكم رجس البخل والطمع ويطهركم بالسخاء والإيثار، روى أبو ليلى الكندي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتها على منام له، عليه كساء خيبري.
قوله عز وجل: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ} قال قتادة القرآن.
{وَالْحِكْمَةِ} فيها وجهان:
أحدهما: السنة، قاله قتادة.
الثاني: الحلال والحرام والحدود، قاله مقاتل.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً} قال عطية العوفي: لطيفاً باستخراجها خبيراً بموضعها.