فصل: تفسير الآيات (59- 62):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (59- 62):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)}
قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبَهنَّ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الجلباب الرداء، قاله ابن مسعود والحسن.
الثاني: أنه القناع؛ قاله ابن جبير.
الثالث: أنه كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، قاله قطرب.
وفي إدناء جلابيبهن عليهن قولان:
أحدهما: أن تشده فوق رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها، قاله عكرمة.
الثاني: أن تغطي وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى، قاله عَبيدة السلماني.
{ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} فيه وجهان:
أحدهما: ليعرفن من الإماء بالحرية.
الثاني: يعرفن من المتبرجات بالصيانة. قال قتادة: كانت الأمة إذا مرت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.
قوله: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الزناة، قاله عكرمة والسدي.
الثاني: أصحاب الفواحش والقبائح، قاله سلمة بن كهيل.
وفي قوله: {لَّئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} قولان:
أحدهما: عن إيذاء نساء المسلمين قاله الكلبي.
الثاني: عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق، قاله الحسن وقتادة.
{وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن، قاله السدي.
الثاني: أنهم الذين يذكرون من الأخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين قاله قتادة.
الثالث: أن الإرجاف التماس الفتنة، قاله ابن عباس، وسيت الأراجيف لاضطراب الأصواب بها وإفاضة الناس فيها.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه لنسلطنك عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني: لنعلمنك بهم، قاله السدي.
الثالث: لنحملنك على مؤاخذتهم، وهو معنى قول قتادة.
{ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلاَّ قَلِيلاً} قيل بالنفي عنها، وقيل الذي استثناه ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم.
قوله: {سُنَّةُ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني سنته فيهم أن من أظهر الشرك قتل، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: سنته فيهم أن من زَنَى حُد، وهو معنى قول السدي.
الثالث: سنته فيهم أن من أظهر النفاق أبعد، قاله قتادة.
{ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} فيه وجهان:
أحدهما: يعني تحويلاً وتغييراً، حكاه النقاش.
الثاني: يعني أن من قتل بحق فلا دية له على قاتله، قاله السدي.

.تفسير الآيات (63- 68):

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)}
قوله: {إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرآءَنَا} في السادة هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم الرؤساء.
الثاني: أنهم الأمراء، قاله أبو أسامة.
الثالث: الأشراف، قاله طاوس.
وفي الكبراء هنا قولان:
أحدهما: أنهم العلماء، قاله طاووس.
الثاني: ذوو الأسنان، وهو مأثور.
{فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ} يعني طريق الإيمان.
وفي قوله (الرسولا) و(السبيلا) وجهان:
أحدهما: لأنها مخاطبة يجوز مثل ذلك فيها عند العرب، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أن الألف للفواصل في رؤوس الآي، قاله ابن عيسى، وقيل إن هذه الآية نزلت في اثني عشر رجلاً من قريش هم المطعمون يوم بدر.
قوله: {رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ} فيه وجهان:
أحدهما: أي عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: عذاب الكفر وعذاب الإضلال.
{وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} بالباء قراءة عاصم يعني عظيماً وقرأ الباقون بالتاء يعني اللعن على اللعن.

.تفسير الآية رقم (69):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
قوله: {يَأَيُّها الَّذِينَ ءَامُنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ أَذَواْ مُوسَى} معناه لا تؤذوا محمداً فتكونوا كالذين آذواْ موسى.
وفيما آذوا به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قولان:
أحدهما: قولهم زيد بن محمد، حكاه النقاش.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم قسماً فقال رجل من الأنصار إن هذه القسمة ما أُريد بها وجه الله فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هذا فَصَبِرَ» قاله أبو وائل.
وفيما أوذي به موسى عليه السلام ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن رَمَوهُ بالسحر والجنون.
الثاني: ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيّاً سَتِيراً لاَ يَكَادُ يُرَى مِن جَسَدِهِ شَيءٌ يَسْتَحَيا مِنُه فآذَاهُ مَن آذَاهُ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ وَقَالُواْ مَا يَسْتَتِرُ إلاَّ مِن عَيبٍ بِجِلْدِهِ أَوْ جِسْمِهِ، إمَّا مِن بَرَصٍ وَإمَّا آدَرٌ أَوْ بِهِ آفَةٌ وَإنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبْرِئَهُ مِمَّا قَالُواْ وَإنَّ مُوسَى خَلاَ يَوماً وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إلَى ثَوبِهِ لِيَأْخُذَهُ وَإنَّ الْحَجَرَ عَدَا بثيَابِهِ فَطَلَبَهُ مُوسَى فَانتَهَى إلَى مَلإٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ فَرأَوهُ عُرْيَاناً كَأَحْسَنِ الرِّجالِ خَلْقاً فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُواْ».
الثالث: ما رواه ابن عباس عن علي رضي الله عنه أن موسى صعد وهارون الجبل فمات هارون فقال بنو إسرائيل أنت قتلته وكان ألين لنا منك وأشد حباً فآذوه بذلك فأمر الله الملائكة فحملته فمروا به على مجلس بني إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته ثم دفنته فما عرف موضع قبره إلا الرخم وأن الله جعله أصم أبكم ومات هارون قبل موسى في التيه ومات موسى قبل انقضاء مدة التيه بشهرين.
{وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه المقبول، قاله ابن زيد.
الوجه الثاني: لأنه مستجاب الدعوة قاله الحسن.
الثالث: لأنه ما سأل الله شيئاً إلا أعطاه إلى النظر، قاله ابن سنان. قاله قطرب: والوجيه مشتق من الوجه لأنه أرفع الجسد.

.تفسير الآيات (70- 71):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}
قوله: {وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: عدلاً، قاله السدي.
الثاني: صدقاً، قاله قتادة.
الثالث: صواباً، قاله ابن عيسى.
الرابع: هو قول لا إله إلا الله، قاله عكرمة.
الخامس: هو الذي يوافق ظاهره باطنه.
السادس: أنه ما أريد به وجه الله دون غيره.
ويحتمل سابعاً: أن يكون الإصلاح بين المتشاجرين وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض.
{يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: يصلحها بالقبول.
الثاني: بالتوفيق.

.تفسير الآيات (72- 73):

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
قوله: {إنَّا عرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَالِجبَالِ} فيها خمسة أقاويل:
أحدها: أن هذه الأمانة هي ما أمر الله سبحانه من طاعته ونهى عن معصيته، قاله أبو العالية.
الثاني: أنها القوانين والأحكام التي أوجبها الله على العباد وهو قريب من الأول، قاله ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وابن جبير.
الثالث: هي ائتمان الرجال والنساء على الفروج، قاله أبي. وقيل إن أول ما خلق الله من آدم الفرج فقال: «يَا آدَمُ هَذِهِ أَمَانَةٌ خَبَّأْتُهَا عِندَكَ فلاَ تَلبِسْها إِلاَّ بِحَقٍ فإن حَفِظْتَهَا حَفِظْتُكَ».
الرابع: أنها الأمانات التي يأتمن الناس بعضهم بعضاً عليها وأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله، وولده حين أراد التوجه إلى أمر ربه فخان قابيل الأمانة في قتل أخيه هابيل، قاله السدي.
الخامس: أن هذه الأمانة هي ما أودعه الله في السموات والأرض والجبال والخلق من الدلائل على ربوبيته أن يظهرونها فأظهروها إلا الإنسان فإنه كتمها وجحدها قاله بعض المتكلمين.
وفي عرض هذه الأمانة ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن عرضها هو الأمر بما يجب من حفظها وعظم المأثم في تضييعها. قاله بعض المتكلمين.
الثاني: الأمانة عورضت بالسموات والأرض والجبال فكانت أثقل منها لتغليظ حكمها فلم تستقل بها وضعفت عن حملها، قاله ابن بحر.
الثالث: أن الله عرض حملها ليكون الدخول فيها بعد العلم بها.
واختلف قائلو هذا على وجهين:
أحدهما: أنها عرضت على السموات والأرض والجبال، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني: أنها عرضت على أهل السموات وأهل الأرض وأهل الجبال من الملائكة قاله الحسن.
{فَأَبَينَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأشْفَقْنَ مِنْهَا} يحتمل وجهين:
أحدهما: أَبَينَ أن يحملنها عجزاً وأشفقن منها خوفاً.
الثاني: أبين أن يحملنها حذراً وأَشْفَقْنَ منها تقصيراً.
{وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ} فيه قولان:
أحدهما: جميع الناس، قاله ثعلب.
الثاني: أنه آدم ثم انتقلت منه إلى ولده، قاله الحسن. روي عن معمر عن الحسن أن الأمانة لما عرضت على السموات والأرض والجبال قالت: وما فيها؟ قيل لها: إن أحسنت جزيت وإن أسأت عوقبت فقالت: لا. قال مجاهد: فلما خلق الله آدم عرضها عليه قال: وما هي؟ قال: {إن أَحْسَنْتَ آجَرْتُكَ وَإنْ أَسَأْتَ عَذَّبْتُكَ} قال تحملتها يا رب. قال مجاهد: فما كان بين أن تحملها إلى أن خرج من الجنة إلا قدر ما بين الظهر والعصر.
{إنَّهُ كَنَ ظَلُوماً جَهُولاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ظلوماً لنفسه، جهولاً بربه، قاله الحسن.
الثاني: ظلوماً في خطيئته، جهولاً فيما حَمَّلَ ولده من بعده، قاله الضحاك.
الثالث: ظلوماً لحقها، قاله قتادة. جهولاً بعاقبة أمره، قاله ابن جريج.
قوله: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه يعذبهم بالشرك والنفاق وهو معنى قول مقاتل.
الثاني: بخيانتهما الأمانة. قال الحسن: هما اللذان ظلماها، واللذان خاناها: المنافق، والمشرك.
{وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي يتجاوز عنه بأداء الأمانة والوفاء بالميثاق.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} لمن تاب من شِرْكه {رَحِيماً} بالهداية إلى طاعته. والله أعلم.