فصل: تفسير الآيات (208- 209):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (208- 209):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السلْمِ كَآفَّةً} قرأ ابن كثير، ونافع، والكسائي بفتح السين، والباقون بكسرها، واختلف أهل اللغة في الفتح والكسر، على وجهين:
أحدهما: أنهما لغتان تستعمل كل واحدة منهما في موضع الأخرى.
والثاني: معناهما مختلف، والفرق بينهما أن السِّلم بالكسر الإسلام، والسَّلم بالفتح المسالمة، من قوله تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] وفي المراد بالدخول في السلم، تأويلان:
أحدهما: الدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: معناه ادخلوا في الطاعة، وهو قول الربيع، وقتادة.
وفي قوله: {كَافَّةً} تأويلان:
أحدهما: عائد إلى الذين آمنوا، أن يدخلوا جميعاً في السلم.
والثاني: عائد إلى السلم أن يدخلوا في جميعه.
{وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ} يعني آثاره.
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} فيه تأويلان:
أحدهما: مبين لنفسه.
والآخر: مبين بعدوانه.
واختلفوا فيمن أبان به عدوانه على قولين:
أحدهما: بامتناعه من السجود لآدم.
والثاني: بقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 62].
واختلفوا فيمن أمر بالدخول في السلم كافة، على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن المأمور بها المسلمون، والدخول في السلم العمل بشرائع الإسلام كلها، وهو قول مجاهد، وقتادة.
والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمِروا بالدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس، والضحاك.
والثالث: أنها نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام، وابن يامين، وأسد، وأسيد ابني كعب، وسعيد بن عمرو، وقيس بن زيد، كلهم من يهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يوم السبت كنا نعظمه ونَسْبِتُ فيه، وإن التوراة كتاب الله تعالى، فدعنا فلنصم نهارنا بالليل، فنزلت هذه الآية، وهو قول عكرمة.
قوله تعالى: {فَإِن زَلَلْتُم} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: معناه عصيتم.
والثاني: معناه كفرتم.
والثالث: إن ضللتم وهذا قول السدي.
{مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنها حجج الله ودلائله.
والثاني: محمد، وهو قول السدي.
والثالث: القرآن، وهو قول ابن جريج.
والرابع: الإسلام.
{فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} يعني عزيز في نفسه، حكيم في فعله.

.تفسير الآية رقم (210):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالمَلاَئِكَةُ}، قرأ قتادة {فِي ظِلاَلٍ الغَمَامِ} وفيه تأويلان:
أحدهما: أن معناه إلا أن يأتيهم الله بظلل من الغمام، وبالملائكة.
والثاني: إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام.

.تفسير الآيات (211- 212):

{سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
قوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَآءِيل كَمْ ءَاتَيْنَاهُم منْ ءَايَةِ بَيِّنَةٍ} ليس السؤال على وجه الاستخبار، ولكنه على وجه التوبيخ.
وفي المراد بسؤاله بني إسرائيل، ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنبياؤهم.
والثاني: علماؤهم.
والثالث: جميعهم. والآيات البينات: فَلْقُ البحر، والظلل من الغمام، وغير ذلك.
{وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ} يعني بنعمة الله برسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} في الدنيا وتزيينها لهم، ثلاثة أقاويل:
أحدها: زينها لهم الشيطان، وهو قول الحسن.
والثاني: زينها لهم الذين أغووهم من الإنس والجن، وهو قول بعض المتكلمين.
والثالث: أن الله تعالى زينها لهم بالشهوات التي خلقها لهم.
{وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} لأنهم توهموا أنهم على حق، فهذه سخريتهم بضعفة المسلمين. وفي الذي يفعل ذلك قولان:
أحدهما: أنهم علماء اليهود.
والثاني: مشركو العرب.
{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني أنهم فوق الكفار في الدنيا.
{وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
فإن قيل: كيف يرزق من يشاء بغير حساب وقد قال تعالى: {عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ: 36] ففي هذا ستة أجوبة:
أحدها: أن النقصان بغير حساب، والجزاء بالحساب.
والثاني: بغير حساب لسعة ملكه الذي لا يفنى بالعطاء، لا يقدر بالحساب.
والثالث: إن كفايتهم بغير حساب ولا تضييق.
والرابع: دائم لا يتناهى فيصير محسوباً، وهذا قول الحسن.
والخامس: أن الرزق في الدنيا بغير حساب، لأنه يعم به المؤمن والكافر فلا يرزق المؤمن على قدر إيمانه ولا الكافر على قدر كفره.
والسادس: أنه يرزق المؤمنين في الآخرة وأنه لا يحاسبهم عليه ولا يَمُنُ عليهم به.

.تفسير الآية رقم (213):

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} في قوله: {أُمَّةً وَاحِدَةً} خمسة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا على الكفر، وهذا قول ابن عباس والحسن.
والثاني: أنهم كانوا على الحق، وهو قول قتادة والضحاك.
والثالث: أنه آدم كان على الحق إماماً لذريته فبعث الله النبيين في ولده، وهذا قول مجاهد.
والرابع: أنهم عشر فرق كانوا بين آدم ونوح على شريعة من الحق فاختلفوا، وهذا قول عكرمة.
والخامس: أنه أراد جميع الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد يوم استخرج الله ذرية آدم من صلبه، فعرضهم على آدم، فأقروا بالعبودية والإسلام، ثم اختلفوا بعد ذلك. وكان أُبيّ بن كعب يقرأ: {كَانَ الْبَشَرُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّيْنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}. وهذا قول الربيع وابن زيد.
وفي قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ} قولان:
أحدهما: في الحق.
والثاني: في الكتاب وهو التوراة. {إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ} يعني اليهود.
{مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} يعني الحجج والدلائل {بَغْيَا بَيْنَهُمْ} مصدر من قول القائل: بغى فلان على فلان، إذا اعتدى عليه.
{فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أراد الجمعة، لأن أهل الكتاب اختلفوا فيها فضلوا عنها، فجعلها اليهود السبت، وجعلها النصارى الأحد، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا من الحق بإذنه، فهدى الله الذين آمنوا إليها، وهذا قول أبي هريرة.
والثاني: أنهم اختلفوا في الصلاة، فمنهم من يصلي إلى الشرق ومنهم من يصلي إلى بيت المقدس، فهدانا الله للقبلة، وهذا قول ابن زيد.
والثالث: أنهم اختلفوا في الكتب المنزلة، فكفر بعضهم بكتاب بعض فهدانا الله للتصديق بجميعها.

.تفسير الآيات (214- 215):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)}
قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فيها قولان:
أحدهما: أنها نزلت قبل آية الزكاة في إيجاب النفقة على الأهل والصدقة ثم نسختها آية الزكاة، وهذا قول السدي.
والثاني: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن أموالهم أين يضعونها، فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول ابن زيد.

.تفسير الآية رقم (216):

{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)}
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} بمعنى فرض. وفي فرضه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه خطاب لكل أحد من الناس كلهم أبداً حتى يقوم به من فيه كفاية، وهذا قول الفقهاء والعلماء.
والثالث: أنه فرض على كل مسلم في عينه أبداً، وهذا قول سعيد بن المسيب.
ثم قال تعالى: {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} والكرْهُ بالضم إدخال المشقة على النفس من غير إكراه أحد. والكَره بالفتح إدخال المشقة على النفس بإكراه غيره له. ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه فيه حذفاً وتقديره: وهو ذو كره لكم وهذا قول الزجاج.
والثاني: معناه وهو مكروه لكم، فأقام المقدّر مُقامه.
ثم في كونه كرهاً تأويلان:
أحدهما: وهو كره لكم قبل التعبد وأما بعده فلا.
الثاني: وهو كره لكم في الطباع قبل الفرض وبعده. وإنما يحتمل بالتعبد.
ثم قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} وفي عسى ها هنا قولان:
أحدهما: أنه طمع المشفق مع دخول الشك.
والثاني: أنها بمعنى قد. وقال الأصم: {وَعَسَى أن تَكْرَهُوا شَيئاً} من القتال {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} يعني في الدنيا بالظفر والغنيمة، وفي الآخرة بالأجر والثواب، {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً} يعني من المتاركة والكف {وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، يعني في الدنيا بالظهور عليكم وفي الآخرة بنقصان أجوركم.
{وَاللهُ يَعْلَمُ} ما فيه مصلحتكم {وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}