فصل: تفسير الآيات (32- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (32- 35):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)}
قوله عز وجل: {والذي جاء بالصدق} الآية. وفي الذي جاء بالصدق أربعة أقاويل:
أحدها: أنه جبريل، قاله السدي.
الثاني: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة ومجاهد.
الثالث: أنهم المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة، حكاه النقاش.
الرابع: أنهم الأنبياء، قاله الربيع وكان يقرأ: والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به.
وفي (الصدق) قولان:
أحدهما: أنه لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
الثاني: القرآن، قاله مجاهد وقتادة.
ويحتمل ثالثاً: أنه البعث والجزاء.
وفي الذي صدق به خمسة أقاويل:
أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.
الثاني: المؤمنون من هذه الأمة، قاله الضحاك.
الثالث: أتباع الأنبياء كلهم، قاله الربيع.
الرابع: أنه أبو بكر، رضي الله عنه حكاه الطبري عن علي رضي الله عنه، وذكره النقاش عن عون بن عبد الله.
الخامس: أنه علي كرم الله وجهه، حكاه ليث عن مجاهد.
ويحتمل سادساً: أنهم المؤمنون قبل فرض الجهاد من غير رغبة في غنم ولا رهبة من سيف.
{أولئك هم المتقون} إنما جاز الجمع في {هم المتقون} و(الذي) واحد في مخرج لفظه وجمع في معناه على طريق الجنس كقوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر} قوله عز وجل: {ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عَمِلوا} قبل الإيمان والتوبة، ووجه آخر: أسوأ الذي عملوا من الصغائر لأنهم يتقون الكبائر.
{ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون} أي يجزيهم بأجر أحسن الأعمال وهي الجنة.

.تفسير الآيات (36- 40):

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)}
قوله عز وجل: {أليس الله بكافٍ عبده} في قراءة بعضهم، يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يكفيه الله المشركين، وقرأ الباقون {عباده} وهم الأنبياء.
{ويخوفونك بالذين من دونه} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم كانوا يخوفونه بأوثانهم يقولون تفعل بك وتفعل، قاله الكلبي، والسدي.
الثاني: يخوفونه من أنفسهم بالوعيد والتهديد.
قوله عز وجل: {قل يا قوم اعملوا على مكانتكم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: على ناحيتكم، قاله الضحاك ومجاهد.
الثاني: على تمكنكم، قاله ابن عيسى.
الثالث: على شرككم، قاله يحيى.
{إني عامل} على ما أنا عليه من الهدى.
{فسوف تعلمون} وهذا وعيد.

.تفسير الآيات (41- 42):

{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)}
قوله عز وجل: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الله عند توفي الأنفس يقبض أرواحها من أجسادها والتي لم تمت وهي في منامها يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها.
{فيمسك التي قضى عليها الموت} أنى تعود الأرواح إلى أجسادها.
{ويرسلُ الأخرى} وهي النائمة فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها، قاله ابن عيسى.
الثاني: ما حكاه ابن جريج عن ابن عباس أن لكل جسد نفساً وروحاً فيتوفى الله الأنفس في منامها بقبض أنفسها دون أرواحها حتى تتقلب بها وتتنفس، فيمسك التي قضى عليها الموت أن تعود النفس إلى جسدها ويقبض الموت روحها، ويرسل الأخرى وهي نفس النائم إلى جسدها حتىتجتمع مع روحها إلى أجل موتها.
الثالث: قاله سعيد بن جبير إن الله تعالى يقبض أرواح الموتى إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها. قال علي رضي الله عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.

.تفسير الآيات (43- 45):

{أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}
قوله عز وجل: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبُ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: انقبضت، قاله المبرد.
الثاني: نفرت.
الثالث: استكبرت.

.تفسير الآيات (46- 48):

{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)}
قوله عز وجل: {قل اللهم فاطر السموات والأرض} أي خالقهما.
{عالمَ الغيب والشهادة} يحتمل وجهين:
أحدهما: السر والعلانية.
الثاني: الدنيا والآخرة.
{أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون} من الهدى والضلالة.
ويحتمل ثانياً: من التحاكم إليه في الحقوق والمظالم.
قال ابن جبير، اني لأعرف موضع آية ما قرأها أحدٌ فسأل الله شيئاً إلا أعطاه، قوله {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون}.

.تفسير الآيات (49- 52):

{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
قوله عز وجل: {فإذا مسّ الإنسان ضرٌّ دعانا} قيل إنها نزلت في أبي حذيفة. ابن المعيرة.
{ثم إذا خوّلناه نعمة منا قال إنما أوتيتُه على عِلمٍ} فيه خسمة أوجه:
أحدها: على علم برضاه عني، قاله ابن عيسى.
الثاني: بعلمي، قاله مجاهد.
الثالث: بعلم علمني الله إياه، قاله الحسن.
الرابع: علمت أني سوف أصيبه: حكاه النقاش.
الخامس: على خبر عندي، قاله قتادة.
{بل هي فتنة} فيه وجهان:
أحدهما: النعمة لأنه يمتحن بها.
الثاني: المقالة التي اعتقدها لأنه يعاقب عليها.
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} البلوى من النعمى.

.تفسير الآيات (53- 59):

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}
قوله عز وجل: {قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} أي أسرفوا على أنفسهم في الشرك.
ويحتمل ثانياً: أسرفوا على أنفسهم في ارتكاب الذنوب مع ثبوت الإيمان والتزامه {لا تقنطوا من رحمة الله} أي لا تيأسوا من رحمته.
{إن الله يغفر الذنوب جميعاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يغفرها بالتوبة منها، قاله الحسن.
الثاني: يغفرها بالعفو عنها إلا الشرك.
الثالث: يغفر الصغائر باجتناب الكبائر.
{إنه هو الغفور الرحيم} قيل نزلت هذه الآية والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة، قاله الحسن والكلبي، وقال علي عليه السلام: ما في القرآن آية أوسع منها. وروى ثوبان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية».
قوله عز وجل: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: هو ما أمرهم الله به في الكتاب، قاله السدي.
الثاني: أن يأخذوا ما أمر وينتهوا عما نهوا عنه، قاله الحسن.
الثالث: هو الناسخ دون المنسوخ، حكاه ابن عيسى.
الرابع: هو طاعة الله تعالى في الحرام والحلال قاله ابن زياد.
الخامس: تأدية الفرائض، قاله زيد بن علي، ومعاني أكثرها متقاربة.
ويحتمل سادساً: أنه الأخذ بالعزيمة دون الرخصة. وجعله منزلاً عليهم لأنه منزل إليهم على نبيهم صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل: {أن تقول نفس يا حَسْرتَا} فيه وجهان:
أحدهما: معناه لئلا تقول نفس.
الثاني: أن لا تقول نفس، والألف التي في يا حسرتا بدل من ياء الإضافة ففعل ذلك في الاستغاثة لمدة الصوت بها.
{على ما فرطت في جنب الله} فيه ستة تأويلات:
أحدها: في مجانبة أمر الله، قاله مجاهد والسدي.
الثاني: في ذات الله، قاله الحسن.
الثالث: في ذكر الله، قاله السدي، وذكر الله هنا القرآن.
الرابع: في ثواب الله من الجنة حكاه النقاش.
الخامس: في الجانب المؤدي إلى رضا الله، والجنب والجانب سواء.
السادس: في طلب القرب من الله ومنه قوله تعالى: {والصاحب بالجنب} أي بالقرب.
{وإن كنت لمن الساخرين} فيه وجهان: أحدهما: من المستهزئين في الدنيا بالقرآن، قاله النقاش.
الثاني: بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين، قاله يحيى بن سلام.