فصل: تفسير الآيات (222- 223):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (222- 223):

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
قوله تعالى: {وَيَسئَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُل هُوَ أَذَىً} قال السدي: السائل كان ثابت بن الدحداح الأنصاري، وكانت العرب ومن في صدر الإسلام من المسلمين يجتنبون مُساكنة الحُيَّض ومؤاكلتهن ومشاربتهن، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، وهذا قول قتادة. وقال مجاهد: كان يعتزلون الحُيَّض في الفرج، ويأتونهن في أدبارهن مدة حيضهن، فأنزلت هذه الآية، والأذى هو ما يؤذي من نتن ريحه ووزره ونجاسته.
{فَاعتَزِلُوا النِسَآءَ في المَحِيضِ} اختلفوا في المراد بالإعتزال على ثلاثة أقاويل:
أحدها: اعتزل جميع بدنها أن يباشره بشيء من بدنه، وهذا قول عبيدة السلماني.
والثاني: ما بين السرة والركبة، وهذا قول شريح.
والثالث: الَفرِج وهذا قول عائشة وميمونه وحفصة وجمهور المفسرين.
ثم قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطهُرنَ} فيه قراءتان:
إحداهما: التخفيف وضم الهاء، وهي قراءة الجمهور، ومعناه بانقطاع الدم وهو قول مجاهد وعكرمة.
والثانية: بالتشديد وفتح الهاء، قرأ بها حمزة، والكسائي وعاصم، وفي رواية أبي بكر عنه، ومعناها حتى تغتسل.
ثم قال تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يعني بالماء، فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه إذا اغتسلن وهو قول ابن عباس وعكرمة والحسن.
والثاني: الوضوء، وهو قول مجاهد، وطاوس.
والثالث: غسل الفرج.
وفي قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} أربعة تأويلات:
أحدها: القُبُل الذي نهى عنه في حال الحيض، وهو قول ابن عباس.
الثاني: فأتوهن من قِبَل طهرهن، لا من قِبَل حيضهن، وهذا قول عكرمة، وقتادة.
والثالث: فأتوا النساء من قِبَل النكاح لا من قِبَل الفجور، وهذا قول محمد ابن الحنفية.
والرابع: من حيث أحل لكم، فلا تقربوهن محرمات، ولا صائمات ولا معتكفات، وهذا قول الأصم.
{إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُطَهَرِينَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: المتطهرين بالماء، وهذا قول عطاء.
والثاني: يحب المتطهرين من أدبار النساء أن يأتوها، وهذا قول مجاهد.
والثالث: يحب المتطهرين من الذنوب، أن لا يعودوا فيها بعد التوبة منها، وهو محكي عن مجاهد أيضاً.
قوله تعالى: {نِسَاؤُكُم حَرثٌ لَكُمْ} أي مزدرع أولادكم ومحترث نسلكم، وفي الحرث كناية عن النكاح، {فَأتُوا حَرثَكُمْ} فانكحوا مزدرع أولادكم.
{أَنَّى شِئتُمْ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يعني كيف شئتم في الأحوال، روى عبد الله بن علي أن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، جلسوا يوماً ويهودي قريب منهم، فجعل بعضهم يقول: إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة، ويقول الآخر إني لآتيها وهي قائمة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي على جنبها، ويقول الآخر إني لآتيها وهي باركة، فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة، فأنزل الله تعالى هذه الآية وهذا قول عكرمة.
والثاني: يعني من أي وجه أحببتم في قُبِلها، أو من دُبْرِها في قُبلها.
روى جابر أن اليهود قالوا: إن العرب يأتون النساء من أعجازهن، فإذا فعلوا ذلك جاء الولد أحول، فَأَكْذَبَ الله حديثهم وقال: {نِسَاؤُكُم حَرثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرثَكُمْ أَنَّى شِئتُمْ}، وهذا قول ابن عباس، والربيع.
والثالث: يعني من أين شئتم وهو قول سعيد بن المسيب وغيره.
والرابع: كيف شئتم أن تعزلوا أو لا تعزلوا، وهذا قول سعيد بن المسيب.
والخامس: حيث شئتم من قُبُلٍ، أو من دُبُرٍ، رواه نافع، عن ابن عمر وروى عن غيره.
وروى حبيش بن عبد الله الصنعاني، عن ابن عباس أن ناساً من حِمْير أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول الله: إني رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله تعالى في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه، فأنزل فيما سأل عنه الرجل: {نِسَاؤُكُم حَرثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرثَكُمْ أَنَّى شِئتُمْ}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُقْبِلةً وَمُدْبِرةً إِذا كان في الفرج». {وَقَدمِوُاْ لأَنفُسِكم} الخير، وهو قول السدي.
والثاني: وقدموا لأنفسكم ذكر الله عز وجل عند الجماع، وهو قول ابن عباس.

.تفسير الآيات (224- 225):

{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} أما العرضة في كلام العرب، فهي القوة والشدة، وفيها ها هنا تأويلان:
أحدهما: أن تحلف بالله تعالى في كل حق وباطل، فتتبذل اسمه، وتجعله عُرضة.
والثاني: أن معنى عُرضة، أي علة يتعلل بها في بِرّه، وفيها وجهان:
أحدهما: أن يمتنع من فعل الخير والإصلاح بين الناس إذا سئل، فيقول عليّ يمين أن لا أفعل ذلك، أو يحلف بالله في الحال فيعتلّ في ترك الخير باليمين، وهذا قول طاووس، وقتادة، والضحاك، وسعيد بن جبير.
والثاني: أن يحلف بالله ليفعلن الخير والبر، فيقصد في فعله البر في يمينه، لا الرغبة في فعله.
وفي قوله: {أَن تَبَرُّواْ} قولان:
أحدهما: أن تبروا في أيمانكم.
والثاني: أن تبروا في أرحامكم.
{وَتَتَقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ} هو الإصلاح المعروف {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سميع لأيمانكم، عليم باعتقادكم.
قوله تعالى: {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغوِ فيِ أَيْمانِكُم} أما اللغو في كلام العرب، فهو كل كلام كان مذموماً، وفضلا لا معنى له، فهو مأخوذ من قولهم لغا فلان في كلامه إذا قال قبحاً، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ} [القصص: 55]. فأما لغو اليمين التي لا يؤاخذ الله تعالى بها، ففيها سبعة تأويلات:
أحدها: ما يسبق به اللسان من غير قصد كقوله: لا والله، وبلى والله، وهو قول عائشة، وابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، روى عبد الله بن ميمون، عن عوف الأعرابي، عن الحسن بن أبي الحسن قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينضلون يعني يرمون، ومع النبي صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه، فرمى رجل من القوم، فقال أصاب والله، أخطأت والله، فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله، فقال: «كَلاَّ أَيْمَانُ الرَُمَاةِ لَغُّوٌ وَلاَ كَفَّارَةَ وَلاَ عُقٌوبَةَ».
والثاني: أن لغو اليمين، أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف عليه، ثم يتبين أنه بخلافه، وهو قول أبي هريرة.
والثالث: أن لغو اليمين أن يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم، ولكن صلة للكلام، وهو قول طاوس.
وقد روى يحيى بن أبي كثير عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَمِينَ فِي غَضَبٍ».
والرابع: أن لغو اليمين أن يحلف بها في المعصية، فلا يكفر عنها، وهو قول سعيد بن جبير، ومسروق، والشعبي، وقد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«مَنْ نَذَرَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ فَلاَ نَذْرَ لَهُ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ».
والخامس: أن اللغو في اليمين، إذا دعا الحالف على نفسه، كأن يقول: إن لم أفعل كذا فأعمى الله بصري، أو قلل من مالي، أو أنا كافر بالله، وهو قول زيد بن أسلم.
والسادس: أن لغو اليمين هو ما حنث فيه الحالف ناسياً، وهذا قول النخعي.
ثم قوله تعالى: {وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن يحلف كاذباً أو على باطل، وهذا قول إبراهيم النخعي.
والثاني: أن يحلف عمداً، وهذا قول مجاهد.
والثالث: أنه اعتقاد الشرك بالله والكفر، وهذا قول ابن زيد.
{وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} غفور لعباده، فيما لغوا من أيمانهم، حليم في تركه مقابلة أهل حسنته بالعقوبة على معاصيهم.

.تفسير الآيات (226- 227):

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} معنى قوله تعالى: {يُؤْلُونَ} أي يقسمون، والألية: اليمين، قال الشاعر:
كُفِينا مَنْ تعنّت من نِزَار ** وأحلَلْنا إليه مُقسِمينا

وفي الكلام حذف، تقديره: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم لكنه إنما دل عليه ظاهر الكلام.
واختلفوا في اليمن التي يصير بها مولياً على قولين:
أحدهما: هي اليمين بالله وحده.
والثاني: هل كل عين لزم الحلف في الحنث بها ما لم يكن لازماً له وكلا القولين عن الشافعي.
واختلفوا في الذي إذا حلف عليه صار مُولياً على ثلاثة أقاويل:
أحدها: هو أن يحلف على امرأته في حال الغضب على وجه الإضرار بها، أن لا يجامعها في فرجها، وأما إن حلف على غير وجه الإضرار، وعلى غير الغضب فليس بمولٍ، وهو قول عليّ، وابن عباس وعطاء.
والثاني: هو أن يحلف أن لا يجامعها في فرجها، سواء كان في غضب أو غير غضب، وهو قول الحسن، وابن سيرين، والنخعي، والشافعي.
والثالث: هو كل يمين حلف بها في مساءة امرأته على جماع أو غيره، كقوله والله لأسوءنك أو لأغيظنك، وهو قول ابن المسيب، والشعبي، والحكم.
ثم قال تعالى: {فَإِن فَاؤُوا} يعني رجعوا، والفيء والرجوع من حال إلى حال، لقوله تعالى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله} [الحجرات: 9] أي ترجع، ومنه قول الشاعر:
ففاءَتْ ولم تَقْضِ الذي أقبلت له ** ومِنْ حَاجَةِ الإنسانِ ما ليْسَ قاضيا

وفي الفيء ثلاثة تأويلات:
أحدها: الجماع لا غير، وهو قول ابن عباس، ومن قال إن المُوِلَي هو الحالف على الجماع دون غيره.
والثاني: الجماع لغير المعذور، والنية بالقلب وهو قول الحسن وعكرمة.
والثالث: هو المراجعة باللسان بكل غالب أنه الرضا، قاله ابن مسعود، ومن قال إن المُولي هو الحالف على مساءة زوجته.
ثم قال تعالى: {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أراد غفران الإثم وعليه الكفارة، قاله عليّ وابن عباس وسعيد بن المسيب.
والثاني: غفور بتخفيف الكفارة إسقاطها، وهذا قول من زعم أن الكفارة لا تلزم فيما كان الحنث براً، قاله الحسن، وإبراهيم.
والثالث: غفور لمأثم اليمين، رحيم في ترخيص المخرج منها بالتفكير، قاله ابن زيد.
ثم قال تعالى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ} الآية. قرأ ابن عباس وإن عزموا السّراح، وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن عزيمة الذي لا يفيء حتى تمضي أربعة أشهر فتطلق بذلك. واختلف من قال بهذا في الطلاق الذي يلحقها على قولين:
أحدهما: طلقة بائنة، وهو قول عثمان، وعليّ، وابن زيد، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس.
والثاني: طلقة رجعية، وهو قول ابن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن شبرمة.
الثاني: أن تمضي الأربعة الأشهر، يستحق عليها أن يفيء، أو يطلق، وهو قول عمر، وعلي في رواية عمرو بن سلمة، وابن أبي ليلى عنه، وعثمان في رواية طاووس عنه، وأبي الدرداء وعائشة وابن عمر في رواية نافع عنه.
روى سُهَيْلُ بن أبي صالح عن أبيه قال: «سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُولي من امرأته فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلاّ طلق» وهو قول الشافعي، وأهل المدينة.
والثالث: ليس الإيلاء بشيء، وهو قول سعيد بن المسيب، في رواية عمرو ابن دينار عنه.
وفي قوله تعالى: {فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} تأويلان:
أحدهما: يسمع إيلاءه.
والثاني: يسمع طلاقه. وفي {عَلِيمٌ} تأويلان:
أحدهما: يعلم نيته.
والثاني: يعلم صبره.