فصل: تفسير الآية رقم (13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (13):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}
قوله عز وجل: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} قصد بهذه الآية. النهي عن التفاخر بالأنساب، وبين التساوي فيها بأن خلقهم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء.
ثم قال: {وَجَعَلْنَاكُم شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَرَفُواْ} فبين أن الشعوب والقبائل للتعارف لا للافتخار، وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشعوب النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب، قاله مجاهد، وقتادة. وقال الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم ** كريم قد يعد ولا نجيب

وسموا شعوباً لأن القبائل تشعبت منها.
الثاني: أن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبيلة ربيعة ومضر وسائر عدنان.
الثالث: أن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب.
ويحتمل رابعاً: أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشتركون في الأنساب، قال الشاعر:
وتفرقوا شعباً فكل جزيرة ** فيها أمير المؤمنين ومنبر

والشعوب جمع شَعب بفتح الشين، والشِّعب بكسر الشين هو الطريق وجمعه شعاب، فكان اختلاف الجمعين مع اتفاق اللفظين تنبيهاً على اختلاف المعنيين.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} إن أفضلكم، والكرم بالعمل والتقوى لا بالنسب.

.تفسير الآيات (14- 18):

{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)}
قوله عز وجل: {قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم أقروا ولم يعملوا، فالإسلام قول والإيمان عمل، قاله الزهري.
الثاني: أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا فأعلمهم أن اسمهم أعراب، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم مَنُّوا على رسول الله صلى الله بإسلامهم فقالوا أسلمنا، لم نقاتلك، فقال الله تعالى لنبيه: قل لهم: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا خوف السيف، قاله قتادة. لأناهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فلم يكونوا مؤمنين، وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين، فيكون مأخوذاً من الاستسلام لا من الإسلام كما قال الشاعر:
طال النهار على من لا لقاح له ** إلا الهدية أو ترك بإسلام

ويكون الإسلام والإيمان في حكم الدين على هذا التأويل واحداً وهو مذهب الفقهاء، لأن كل واحد منهما تصديق وعمل.
وإنما يختلفان من وجهين:
أحدهما: من أصل الاسمين لأن الإيمان مشتق من الأمن، والإسلام مشتق من السلم.
الثاني: أن الإسلام علم لدين محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان لجميع الأديان، ولذلك امتنع اليهود والنصارى أن يتسموا بالمسلمين، ولم يمتنعوا أن يتسموا بالمؤمنين. قال الفراء: ونزلت هذه الآية في أعراب بني أسد.
قوله عز وجل: {لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئاً} فيه وجهان:
أحدهما: لا يمنعكم من ثواب عملكم شيئاً، قال رؤبة:
وليلة ذات سرى سريت ** ولم يلتني عن سراها ليت

أي لم يمنعني عن سراها.
الثاني: ولا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً، قال الحطيئة:
أبلغ سراة بني سعد مغلغلة ** جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذباً

أي لا نقصاً ولا كذباً.
وفيه قراءتان: {يَلِتْكم} و{يألتكم} وفيها وجهان:
أحدها: أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني: يألتكم أكثر وأبلغ من يلتكم.
قوله عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُم} الآية. هؤلاء أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام خوفاً، وأبطنوا الشرك اعتقاداً فأظهر الله ما أبطنوه وكشف ما كتموه، ودلهم بعلمه بما في السموات والأرض علم علمه بما اعتقدوه، وكانوا قد منوا بإسلامهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا فضلنا على غيرنا بإسلامنا طوعاً.
فقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُونُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} وهذا صحيح لأنه إن كان إسلامهم حقاً فهو لخلاص أنفسهم فلا مِنَّةَ فيه لهم، وإن كان نفاقاً فهو للدفع عنهم، فالمنة فيه عليهم.
ثم قال: {بِلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أن هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله أحق أن يمن عليكم أن هداكم للإيمان حتى آمنتم. وتكون المنة هي التحمد بالنعمة.
الثاني: أن الله تعالى ينعم عليكم بهدايته لكم، وتكون المنة هي النعمة. وقد يعبر بالمنة عن النعمة تارة وعن التحمد بها أخرى.
{إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني فيما قلتم من الإيمان.

.سورة ق:

.تفسير الآيات (1- 5):

{ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}
قوله عز وجل: {ق} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم بها، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثالث: أن معناه قضى والله، كما قيل في حم: حم والله، وهذا معنى قول مجاهد.
الرابع: أنه اسم الجبل المحيط بالدنيا، قاله الضحاك.
قال مقاتل: وعروق الجبال كلها منه.
ويحتمل خامساً: أن يكون معناه قف؛ كما قال الشاعر:
قلت لها قفي فقالت قاف

أي وقفت. ويحتمل ما أريد بوقفه عليه وجهين:
أحدهما: قف على إبلاغ الرسالة لئلا تضجر بالتكذيب.
الثاني: قف على العمل بما يوحى إليك لئلا تعجل على ما لم تؤمر به.
{وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الكريم، قاله الحسن.
الثاني: أنه مأخوذ من كثرة القدرة والمنزلة، لا من كثرة العدد من قولهم فلان كثير في النفوس، ومنه قول العرب في المثل السائر: لها في كل الشجر نار، واستجمد المرخ والعفار، أي استكثر هذان النوعان من النار وزاد على سائر الشجر، قاله ابن بحر.
الثالث: أنه العظيم، مأخوذ من قولهم قد مجدت الإبل إذا أعظمت بطونها من كلأ الربيع. {والْقُرْءَانِ المَجِيدِ} قسم أقسم الله به تشريفاً له وتعظيماً لخطره لأن عادة جارية في القسم ألا يكون إلا بالمعظم. وجواب القسم محذوف ويحتمل وجهين:
أحدهما: هو أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ}.
الثاني: أنكم مبعوثون بدليل قوله: {إِئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً}.
قوله عز وجل: {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
{فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيءٌ عَجِيبٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم عجبوا أن دعوا إلى إله واحد، قاله قتادة.
الثاني: عجبوا أن جاءهم منذر منهم، من قبل الله تعالى.
الثالث: أنهم عجبوا من إنذارهم بالبعث والنشور.
قوله عز وجل: {قَدْ عَلمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُم} فيه وجهان:
أحدهما: من يموت منهم، قاله قتادة.
الثاني: يعني ما تأكله الأرض من لحومهم وتبليه من عظامهم، قاله الضحاك.
{وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} يعني اللوح المحفوظ. وفي حفيظ وجهان:
أحدهما: حفيظ لأعمالهم.
الثاني: لما يأكله التراب من لحومهم وأبدانهم وهو الذي تنقصه الأرض منهم.
قوله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ} الآية. الحق يعني القرآن في قول الجميع.
{مَرِيجٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن المريج المختلط. قاله الضحاك.
الثاني: المختلف، قاله قتادة.
الثالث: الملتبس، قاله الحسن.
الرابع: الفاسد، قاله أبو هريرة. ومنه قول أبي دؤاد:
مرج الدين فأعددت له ** مشرف الحارك محبوك الكتد

.تفسير الآيات (6- 11):

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}
قوله عز وجل: {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} فيه وجهان:
أحدهما: من شقوق.
الثاني: من فتوق، قاله ابن عيسى إلا أن الملك تفتح له أبواب السماء عند العروج.
قوله عز وجل: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أي بسطناها.
{وَألْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} يعني الجبال الرواسي الثوابت، واحدها راسية قال الشاعر:
رسا أصله تحت الثرى وسما به ** إلى النجم فرع لا ينال طويل

{مِن كُلِّ زَوْجٍ} أي من كل نوع.
{بَهِيجٍ} فيه وجهان:
أحدهما: حسن، مأخوذ من البهجة وهي الحسن.
الثاني: سارّ مأخوذ من قولهم قد أبهجني هذا الأمر أي سرني، لأن السرور يحدث في الوجه من الإسفار والحمرة ما يصير به حسناً. قال الشعبي: الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
قوله عز وجل: {تَبْصِرَةً} فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني بصيرة للإنسان، قاله مجاهد.
الثاني: نعماً بصر الله بها عباده، قاله قتادة.
الثالث: يعني دلالة وبرهاناً.
{وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المنيب المخلص، قاله السدي.
الثاني: أنه التائب إلى ربه، قاله قتادة.
الثالث: أنه الراجع المتذكر، قاله ابن بحر.
وقد عم الله بهذه التبصرة والذكرى وإن خص بالخطاب كل عبد منيب لانتفاعه بها واهتدائه إليها.
قوله عز وجل: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مََآءً مُّبَارَكاً} يعني المطر، لأنه به يحيا النبات والحيوان.
{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} فيها هنا وجهان:
أحدهما: أنها البساتين، قاله الجمهور.
الثاني: الشجر، قاله ابن بحر.
{وَحَبَّ الْحَصِيدِ} يعني البر والشعير، وكل ما يحصد من الحبوب، إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً، قال الأعشى:
لسنا كما إياد دارها ** تكريث ينظر حبه أن يحصدا

قوله عز وجل: {وَالنَّخْلَ بِاسَقَاتٍ} فيها وجهان:
أحدهما: أنها الطوال، قاله ابن عباس ومجاهد. قاله الشاعر:
يا ابن الذين بفضلهم ** بسقت على قيس فزاره

أي طالت عليهم.
(الثاني) أنها التي قد ثقلت من الحمل، قاله عكرمة. وقال الشاعر:
فلما تركنا الدار ظلت منيفة ** بقران فيه الباسقات المواقر

{نَضِيدٌ} أي منضود، فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن النضيد المتراكم المتراكب، قاله ابن عباس في رواية عكرمة عنه.
الثاني: أنه المنظوم، وهذا يروى عن ابن عباس أيضاً.
الثالث: أنه القائم المعتدل، قاله ابن الهاد.
قوله عز وجل: {رِزْقاً لِلْعِبَادِ} يعني ما أنزله من السماء من ماء مبارك، وما أخرجه من الأرض بالماء من نبات وحب الحصيد وطلع نضيد.
{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مِّيتاً كَذِلكَ الْخُرُوجُ} جعل هذا كله دليلاً على البعث والنشور من وجهين:
أحدهما: أن النشأة الأولى إذا خلقها من غير أصل كانت النشأة الثانية بإعادة ما له أصل أهون.
الثاني: أنه لما شوهد من قدرته، إعادة ما مات من زرع ونبات كان إعادة من مات من العباد أولى للتكليف الموجب للجزاء.