فصل: تفسير الآيات (19- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (19- 26):

{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23) أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى (25) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}
{أَفَرَءيْتُمُ اللاَّت وَالْعُزَّى} أما اللات فقد كان الأعمش يشددها، وسائر القراء على تخفيفها، فمن خففها فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنه كان صنماً بالطائف زعموا أن صاحبه كان يلت عليه السويق لأصحابه، قاله السدي.
الثاني: أنه صخرة يلت عليها السويق بين مكة والطائف، قاله عكرمة. وأما من شددها فلهم فيها قولان:
أحدهما: أنه كان رجلاً يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن معبوده، ثم مات فقلبوه على قبره، قاله ابن عباس، ومجاهد.
الثاني: أنه كان رجلاً يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف قاله السدي، وقيل إنه عامر بن ظرب العدواني ثم اتخذوا قبره وثناً معبوداً، قال الشاعر:
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ** وكيف ينصركم من ليس ينتصر.

وأما {الْعُزَّى} ففيه قولان:
أحدهما: أنه صنم كانوا يعبدونه، قاله الجمهور.
الثاني: أنها شجرة كان يعلق عليها ألوان العهن تعبدها سليم، وغطفان، وجشم، قال مقاتل: وهي سمرة، قاله الكلبي: هي التي بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حتى قطعها، وقال أبو صالح: بل كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن.
وقيل في اللات والعزى قول ثالث: أنهما كانا بيتين يعبدهما المشركون في الجاهلية، فاللات بيت كان بنخلة يعبده كفار قريش، والعزى بيت كان بالطائف يعبده أهل مكة والطائف.
{وَمَنَوةَ الثَّالِثَةَ الأَخْرَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه كان صنماً بقديد بين مكة والمدينة، قاله أبو صالح.
الثاني: أنه بيت كان بالمسلك يعبده بنو كعب.
الثالث: أنها أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها.
الرابع: أنه وثن كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه، وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق بها من الدماء.
وإنما قال: مناة الثالثة الأخرى، لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى، وروى سعيد بن جبير وأبو العالية الرياحي أنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم {أَفََرأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} الآية. ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم ترتجى، وفي رواية أبي العالية: وشفاعتهم ترتضى ومثلهم لا ينسى، ففرح المشركون وقالوا: قد ذكر آلهتنا، فنزل جبريل فقال: أعرض عليّ ما جئتك به فعرض عليه، فقال: لم آتك أنا بهذا وهذا من الشيطان، فأنزل الله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُوْلٍ وَلاَ نَبِّيٍ إلاَّ إذا تََمَنَّى ألْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}.
{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} حيث جعلوا الملائكة بنات الله.
{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: قسمة عوجاء، قاله مجاهد.
الثاني: قسمة جائرة، قاله قتادة.
الثالث: قسمة منقوصة، قاله سفيان وأكثر أهل اللغة، قال الشاعر:
فإن تنأى عنا ننتقصك وإن تقم ** فقسمك مضئوز وأنفك راغم

ومعنى مضئوز أي منقوص.
الرابع: قسمة مخالفة، قاله ابن زيد.
{أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} فيه وجهان:
أحدهما: من البنين أن يكونوا له دون البنات.
الثاني: من النبوة أن تكون فيه دون غيره.
{فَلِلَّهِ الأخِرَةُ وَالأُولَى} فيه وجهان:
أحدهما: يعني أنه أقدر من خلقه، فلو جاز أن يكون له ولد- كما نسبه إليه المشركون حين جعلوا له البنات دون البنين وتعالى عن ذلك علواً كبيراً- لكان بالبنين أحق منهم.
الثاني: أنه لا يعطي النبوة من تمناها، وإنما يعطيها من اختاره لها لأنه مالك السموات والأرض.

.تفسير الآيات (27- 32):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27) وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)}
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَآئِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ الَّلمَمَ} أما كبائر الإثم ففيها. خمسة أقاويل؛
أحدها: أنه الشرك بالله، حكاه الطبري.
الثاني: أنه ما زجر عنه بالحد، حكاه بعض الفقهاء.
الثالث: ما لا يكفر إلا بالتوبة، حكاه ابن عيسى.
الرابع: ما حكاه شرحبيل عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: «أن تدعو لله نداً وهو خلقك وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك»
الخامس: ما روى سعيد بن جبير أن رجلاً سأل ابن عباس عن الكبائر أسبع هي؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبعة، لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار، فكأنه يذكر أن كبائر الإثم ما لم يستغفر منه.
وأما (الفواحش) ففيها قولان:
أحدهما: أنها جميع المعاصي.
الثاني: أنها الزنى. وأما اللمم المستثنى ففيه ثمانية أقاويل:
أحدها: إلا اللمم الذي ألموا به في الجاهلية من الإثم والفواحش فإنه معفو عنه في الإسلام، قاله ابن زيد بن ثابت.
الثاني: هو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب منها، قاله الحسن ومجاهد.
الثالث: هو أن يعزم على المواقعة ثم يرجع عنها مقلعاً وقد روى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمْ تغفر جَمَّاً ** وَأَي عَبْدٍ لَّكَ لاَ أَلَمَّا

الرابع: أن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة، قاله ابن مسعود، روى طاووس عن ابن عباس قال: ما رأيت أشبه باللمم من قول أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَتَبَ اللَّهُ عَلَى كلِّ نَفْسٍ خَطَّهَا مِن الزّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَى الْعَيْنَينِ النَّظَرُ وَزِنَى الِلَّسَانِ المَنطِقُ وَهِيَ النَّفْسُ تُمَنّي وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوُ يُكَذِّبُه»
الخامس: أن اللمم الصغائر من الذنوب.
السادس: أن اللمم ما لم يجب عليه حد في الدنيا ولم يستحق عليه في الآخرة عذاب، قاله ابن عباس، وقتادة.
السابع: أن اللمم النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم، قاله بعض التابعين، فجعله ما لم يتكرر من الذنوب، واستشهد بقول الشاعر:
وما يستوي من لا يرى غير لمة ** ومن هو ناو غيرها لا يريمها

والثامن: أن اللمم النكاح، وهذا قول أبي هريرة.
وذكر مقاتل بن سليمان أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار كان له حانوت يبيع فيه تمراً، فجاءته امرأة تشتري منه تمراً، فقال لها: إن بداخل الدكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها عن نفسها، فأبت وانصرفت، فندم نبهان وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع، فقال:«لَعَلَّ زَوْجَهَا غَازٍ» فنزلت هذه الآية.
{وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ} يعني أنشأ آدم.
{وَإذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ في بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قال مكحول: في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شباباً فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي، ثم صرنا شيوخاً لا أبالك فما بعد هذا تنتظر؟
{فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني لا تمادحوا، قاله ابن شوذب.
الثاني: لا تعملوا بالمعاصي وتقولوا نعمل بالطاعة، قاله ابن جريج. الثالث: إذا عملت خيراً فلا تقل عملت كذا وكذا.
ويحتمل رابعاً: لا تبادلوا قبحكم حسناً ومنكركم معروفاً.
ويحتمل خامساً: لا تراؤوا بعملكم المخلوقين لتكونوا عندهم أزكياء.
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} قال الحسن: قد علم الله كل نفس ما هي عاملة وما هي صانعة وإلى ما هي صائرة.

.تفسير الآيات (33- 41):

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}
{أَفَرَءَيْتَ الَّذِي تَولَّى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه العاص بن وائل السهمي، قاله السدي.
الثاني: أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، قاله مجاهد، كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه يسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما.
الثالث: أنه النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد عن دينه وضمن له أن يتحمل مأثم رجوعه، قاله الضحاك.
{وَأعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه أعطى قليلاً من نفسه بالاستمتاع ثم أكدى بالانقطاع، قاله مجاهد.
الثاني: أطاع قليلاً ثم عصى، قاله ابن عباس.
الثالث: أعطى قليلاً من ماله ثم منع، قاله الضحاك.
الرابع: أعطى بلسانه وأكدى بقلبه، قاله مقاتل.
وفي {أَكْدَى} وجهان:
أحدهما: قطع، قاله الأخفش.
الثاني: منع، قاله قطرب.
{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيبِ فَهُوَ يَرَى} فيه وجهان:
أحدهما: معناه أعلم الغيب فرأى أن ما سمعه باطل.
الثاني: أنزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقاً، قاله الكلبي.
ويحتمل ثالثاً: أعلم أن لا بعث، فهو يرى أن لا جزاء.
{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: وفّى عمل كل يوم بأربع ركعات في أول النهار، رواه الهيثم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يقول كلما أصبح وأمسى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِيْنَ تُمْسُونَ وَحِيْنَ تُصْبِحُونَ} الآية. رواه سهل بن معاذ عن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: وفيما أمر به من طاعة ربه، قاله ابن عباس.
الخامس: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لأنه كان بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة ابنه وأبيه فأول من خالفهم إبراهيم، قاله الهذيل.
السادس: أنه ما أُمر بأمر إلا أداه ولا نذر إلا وفاه، وهذا معنى قول الحسن.
السابع: وفَّى ما امتحن به من ذبح ابنه وإلقائة في النار وتكذيبه.