فصل: تفسير الآيات (42- 55):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (42- 55):

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)}
{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمنتَهَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: إلى إعادتكم لربكم بعد موتكم يكون منتهاكم.
{وَأَنَّهُ هُوَ أضْحَكَ وَأَبْكَى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قضى أسباب الضحك والبكاء.
الثاني: أنه أراد بالضحك السرور، وبالبكاء الحزن.
والثالث: أنى خلق قوتي الضحك والبكاء، فإن الله ميز الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، فليس في سائر الحيوان ما ضحك ويبكي غير الإنسان، وقيل إن القرد وحده يضحك ولا يبكي، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك.
ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد بالضحك والبكاء النعم والنقم.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} فيه خمسة أوجه:
أحدها: قضى أسباب الموت والحياة.
الثاني: خلق الموت والحياة كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْمَوتَ وَالْحَيَاةَ} قاله ابن بحر.
الثالث: أن يريد بالحياة الخصب وبالموت الجدب.
الرابع: أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة.
الخامس: أمات الآباء وأحيا الأبناء.
ويحتمل سادساً: أن يريد به أنام وأيقظ.
{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} وجهان:
أحدهما: إذا تخلق وتقدر، قاله الأخفش.
الثاني: إذا نزلت في الرحم، قاله الكلبي.
{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: أغنى بالكفاية وأقنى بالزيادة، وهو معنى قول ابن عباس.
الثاني: أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال، قاله الضحاك.
الثالث: أغنى بالمال وأقنى بأن جعل لهم قنية، وهي أصول الأموال، قاله أبو صالح.
الرابع: أغنى بأن مَوّل وأقنى بأن حرم، قاله مجاهد.
الخامس: أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه، قاله سليمان التيمي.
السادس: أغنى من شاء وأفقر من شاء، قاله ابن زيد.
السابع: أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا، قاله سفيان.
الثامن: أغنى عن أن يخدم وأقنى أن يستخدم، وهذا معنى قول السدي.
ويحتمل تاسعاً: أغنى بما كسبه الإنسان في الحياة وأقنى بما خلفه بعد الوفاة مأخوذ من اقتناء المال وهو استبقاؤه.
{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} والشعرى نجم يضيء وراء الجوزاء، قال مجاهد: تسمى هوزم الجوزاء، ويقال إنه الوقاد، وإنما ذكر أنه رب الشعرى وإن كان رباً لغيره لأن العرب كانت تعبده فأعلموا أن الشعرى مربوب وليس برب.
واختلف فيمن كان يعبده فقال السدي: كانت تعبده حمير وخزاعة وقال غيره: أول من عبده أبو كبشة، وقد كان من لا يعبدها من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم، قال الشاعر:
مضى أيلول وارتفع الحرور ** وأخبت نارها الشعرى العبور

{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى} فيهم قولان:
أحدهما: أن عاد الأولى عاد بن إرم، وهم الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، وعاداً الآخرة قوم هود.
الثاني: أن عاداً الأولى قوم هود والآخرة قوم كانوا بحضرموت، قاله قتادة.
{وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى} والمؤتفكة المنقلبة بالخسف، قاله محمد بن كعب: هي مدائن قوم لوط وهي خمسة: صبغة وصغيرة وعمرة ودوماً وسدوم وهي العظمى، فبعث الله عليهم جبريل فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى أن أهل السماء يسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها بالحجارة كما قال تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حَجَارةً مِن سِجِّيْلٍ} قال قتادة: كانوا أربعة آلاف ألف.
{أَهْوَى} يحتمل وجهين: أحدهما: أن جبريل أهوى بها حين احتملها حتى جعل عاليها سافلها.
الثاني: أنهم أكثر ارتكاباً للهوى حتى حل بهم ما حل من البلاء.
{فَعَشَّاهَا مَا غَشَّى} يعني المؤتفكة، وفيما غشاها قولان:
أحدهما: جبريل حين قلبها.
الثاني: الحجارة حتى أهلكها.
{فَبِأَيِّ ءَالآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى} وهذا خطاب للمكذب أي فبأي نعم ربك تشك فيما أولاك وفيما كفاك.
وفي قوله: {فَغَشَّاهَا} وجهان:
أحدهما: ألقاها.
الثاني: غطاها.

.تفسير الآيات (56- 62):

{هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
{هَذا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الأُولَى} فيه قولان:
أحدهما: أن محمداً نذير الحق أنذر به الأنبياء قبله، قاله ابن جريج.
الثاني: أن القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى، قاله قتادة.
ويحتمل قولاً ثالثاً: أن هلاك من تقدم ذكره من الأمم الأولى نذير لكم.
{أَزِفَتِ الأزِفَةُ} أي اقتربت الساعة ودنت القيامة، وسماها آزفة لقرب قيامها عنده.
{لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} أي من يكشف ضررها.
{أَفَمِنَ هَذا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: من القرآن في نزوله من عند الله.
الثاني: من البعث والجزاء وهو محتمل.
{وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ} فيها وجهان:
أحدهما: تضحكون استهزاء ولا تبكون انزجاراً.
الثاني: تفرحون ولا تحزنون، وهو محتمل.
{وَأَنْتُم سَامِدُونَ} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: شامخون كما يخطر البعير شامخاً، قاله ابن عباس.
الثاني: غافلون، قاله قتادة.
الثالث: معرضون، قاله مجاهد.
الرابع: مستكبرون، قاله السدي.
الخامس: لاهون لاعبون، قاله عكرمة.
السادس: هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا، وهي لغة حمير، قاله أبو عبيدة.
السابع: أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين قاله علي رضي الله عنه.
الثامن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام، قاله الحسن، وفيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج والناس ينتظرونه قياماً فقال: ما لي أراكم سامدين.
التاسع؛ خامدون قاله المبرد، قال الشاعر:
رمى الحدثان نسوة آل حرب ** بمقد سمدن له سموداً

{فَاسْجُدُواْ لِلَّهِ وَأعْبُدُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه سجود تلاوة القرآن، قال ابن مسعود، وفيه دليل على أن في المفصل سجوداً.
الثاني: أنه سجود الفرض في الصلاة.

.سورة القمر:

.تفسير الآيات (1- 5):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
قوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي دنت وقربت، قال الشاعر:
قد اقتربت لو كان في قرب دارها ** جداء ولكن قد تضر وتنفع

والمراد بالساعة القيامة، وفي تسميتها بالساعة وجهان:
أحدهما: لسرعة الأمر فيها.
الثاني: لمجيئها في ساعة من يومها.
وروى طارق بن شهاب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَلاَ يَزْدَادُ النَّاسُ عَلَى الدُّنْيَا إلاَّ حِرْصاً وَلاَ تَزْدَادُ مِنْهُمْ إِلاَّ بُعْداً».
{وَانشَقَّ الْقَمَرُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه وضح الأمر وظهر والعرب تضرب مثلاً فيما وضح أمره، قال الشاعر:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم ** فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر ** وشدت لطيات مطايا وأرحل

والثاني: أن انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه، وقد يعبر عن انفلاقه بانشقاقه، كما قال النابغة الجعدي:
فلما أدبروا ولهم دوي ** دعانا عند شق الصبح داعي

الثالث: أنه انشقاق القمر على حقيقة انشقاقه.
وفيه على هذا التأويل قولان:
أحدهما: أنه ينشق بعد مجيء الساعة وهي النفخة الثانية، قاله الحسن، قال: لأنه لو انشق ما بقي أحد إلا رأه لأنها آية والناس في الآيات سواء.
الثاني: وهو قول الجمهور وظاهر التنزيل أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سأله عمه حمزة بن عبد المطلب حين أسلم غضباً لسب أبي جهل لرسول الله، أن يريه آية يزداد بها يقيناً في إيمانه، وروى مجاهد عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: رأيت القمر منشقاً شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، شقة على أبي قبيس، وشقة على السويدا فقالوا: سحر القمر، فنزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَ الْقَمَرُ}.
{وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أراد أي آية روأها أعرضوا عنها ولم يعتبروا بها، وكذلك ذكرها بلفظ التنكير دون التعريف، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه عنى بالآية انشقاق القمر حين رأوه.
{وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أن معنى مستمر ذاهب، قاله أنس وأبو عبيدة.
الثاني: شديد، مأخوذ من إمرار الحبل، وهو شدة فتله، قاله الأخفش والفراء.
الثالث: أنه يشبه بعضه بعضاً.
الرابع: أن المستمر الدائم، قال امرؤ القيس:
ألا إنما الدنيا ليال وأعصر ** وليس على شيء قويم بمستمر

أي بدائم.
الخامس: أي قد استمر من الأرض إلى السماء، قاله مجاهد.
{وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يوم القيامة.
الثاني: كل أمر مستقر في أن الخير لأهل الخير، والشر لأهل الشر، قاله قتادة.
الثالث: أن كل أمر مستقر حقه من باطله.
الرابع: أن لكل شيء غاية ونهاية في وقوعه وحلوله، قاله السدي.
ويحتمل خامساً، أن يريد به دوام ثواب المؤمن وعقاب الكافر.
{وَلَقْدْ جَآءَهُم مِّنَ الأَنْبَآءِ} فيه وجهان:
أحدهما: أحاديث الأمم الخالية، قاله الضحاك.
الثاني: القرآن.
{مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي مانع من المعاصي.
ويحتمل وجهين:
أحدهما: أنه النهي.
الثاني: أنه الوعيد.
{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} قاله السدي: هي الرسالة والكتاب.
ويحتمل أن يكون الوعد والوعيد.
ويحتمل قوله: {بَالِغَةٌ} وجهين:
أحدهما: بالغة في زجركم.
الثاني: بالغة من الله إليكم، فيكون على الوجه الأول من المُبَالَغَةِ، وعلى الوجه الثاني من الإبْلاَغ.
{فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} أي فما يمنعهم التحذير من التكذيب.