فصل: سورة الواقعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.سورة الواقعة:

.تفسير الآيات (1- 12):

{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)}
قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصيحة، قاله الضحاك.
الثاني: الساعة وقعت بحق فلم تكذب، قاله السدي.
الثالث: أنها القيامة، قاله ابن عباس، والحسن.
وسميت الواقعة لكثرة ما يقع فيها من الشدائد.
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذَِبَةٌ} فيها أربعة أوجه:
أحدها: ليس لها مردود، قاله ابن عباس.
الثاني: لا رجعة فيها ولا مشورة، قاله قتادة.
الثالث: ليس لها مكذب من مؤمن ولا من كافر، قاله ابن كامل.
الرابع: ليس الخبر عن وقوعها كذباً.
{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، قاله محمد بن كعب.
الثاني: خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة، قاله عمر بن الخطاب.
الثالث: خفضت الصوت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى، قاله عكرمة.
ويحتمل رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.
{إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً} فيه قولان:
أحدهما: رجفت وزلزلت، قاله ابن عباس، قاله رؤبة بن العجاج:
أليس يوم سمي الخروجا ** أعظم يوم رجه رجوجاً

يوماً يرى مرضعة خلوجاً ** الثاني: أنها ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه، قاله الربيع بن أنس فيكون تأويلها على القول الأول أنها ترج بإماتة ما على ظهرها من الأحياء، وتأويلها على القول الثاني أنها ترج لإخراج من في بطنها من الموتى.

{وَبُسَّتِ الْجِبَالَ بَسّاً} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: سالت سيلاً، قاله مجاهد.
الثاني: هدت هداً، قاله عكرمة،
الثالث: سيرت سيراً، قاله محمد بن كعب، ومنه قول الأغلب العجلي:
نحن بسسنا بأثر أطاراً ** أضاء خمساً ثمت سارا

الرابع: قطعت قطعاً، قاله الحسن..
الخامس: إنها بست كما يبس السويق أي بلت، البسيسة هي الدقيق يلت ويتخذ زاداً، قال لص من غطفان:
لا تخبزا خبزاً وبسا بسا ** ولا تطيلا بمناخ حبسا

{فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه رهج الغبار يسطع ثم يذهب، فجعل الله أعمالهم كذلك، قاله علي.
الثاني: أنها شعاع الشمس الذي من الكوة، قاله مجاهد.
الثالث: أنه الهباء الذي يطير من النار إذا اضطربت، فإذا وقع لم يكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الرابع: أنه ما يبس من ورق الشجر تذروه الريح، قاله قتادة.
وفي المنبث ثلاثة أوجه:
أحدها: المتفرق، قاله السدي.
الثاني: المنتشر.
الثالث: المنثور.
{وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً} يعني أصنافاً ثلاثة، قال عمر بن الخطاب: اثنان في الجنة وواحد في النار.
وفيهما وجهان:
أحدهما: ما قاله ابن عباس أنها التي في سورة الملائكة: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}.
الثاني: ما رواه النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وكنتم أزوجاً ثلاثة} الآية.
ويحتمل جعلهم أزواجاً وجهين:
أحدهما: أن ذلك الصنف منهم مستكثر ومقصر، فصار زوجاً.
الثاني: أن في كل صنف منهم رجالاً ونساء، فكان زوجاً.
{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} فيهم خمسة تأويلات:
أحدها: أن أصحاب الميمنة الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم.
الثاني: أن أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بيساره، قاله محمد بن كعب.
الثالث: أن أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات، قاله ابن جريج.
الرابع: أن أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم، قاله الحسن.
الخامس: أن أصحاب الميمنة أهل الجنة، وأصحاب المشأمة أهل النار، قاله السدي.
وقوله: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} لتكثير ما لهم من العقاب.
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلِئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} فيهم خمسة أقاويل:
أحدها: أنهم الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
الثاني: أنهم الاسبقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.
الثالث: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
الرابع: هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفاً في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سوادة.
الخامس: أنهم أربعة: منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما: أبو بكر وعمر، قاله ابن عباس.
ويحتمل سادساً: أنهم الذي أسلموا بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمدينة قبل هجرته إليهم لأنهم سبقوا بالإسلام قبل زمان الرغبة والرهبة.
وفي تكرار قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} قولان:
أحدهما: السابقون في الدنيا إلى الإيمان، السابقون في الآخرة إلى الجنة هم المقربون، قاله الكلبي.
الثاني: يحتمل أنهم المؤمنون بالأنبياء في زمانهم، وسابقوهم بالايمان هم المقربون المقدمون منهم.

.تفسير الآيات (13- 26):

{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)}
{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم الجماعة، ومنه قول الشاعر:
ولست ذليلاً في العشيرة كلها ** تحاول منها ثلة لا يسودها

الثاني: الشطر وهو النصف، قاله الضحاك.
الثالث: أنها الفئة، قاله أبو عبيدة، ومنه قول دريد بن الصمة:
ذريني أسير في البلاد لعلني ** ألاقي لبشر ثلة من محارب

وفي قوله تعالى: {مِّنَ الأَوََّلِينَ} قولان:
أحدهما: أنهم أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قاله أبو بكرة.
الثاني: أنهم قوم نوح، قاله الحسن.
{وَقَلِيلٌ مِّنَ الأَخرِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.
الثاني: أنهم الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا، روى أبو هريرة أنه لما نزلت {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخِرِينَ} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت {ثلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مَّنَ الأخِرِينَ} فقال عليه السلام: «إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بَلْ ثُلُتَ أَهْلِ الجَنَّةِ بَلْ أَنتُم نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُم فِي النِّصْفِ الثَّانِي».
{عَلَى سُرُرٍ مَّوضُونَةٍ} يعني الأسرة، واحدها سرير، سميت بذلك لأنها مجلس السرور.
وفي الموضونة أربعة أوجه:
أحدها: أنها الموصولة بالذهب، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها المشبكة النسج، قاله الضحاك، ومنه قول لبيد:
إن يفزعوا فسرا مع موضونة ** والبيض تبرق كالكواكب لامها

الثالث: أنها المضفورة، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد، ومنه وضين الناقة وهو البطان العريض المضفور من السيور.
الرابع: أنها المسندة بعضها إلى بعض.
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ} الولدان: جمع وليد وهم الوصفاء.
وفي قوله تعالى: {مُّخَلَّدُونَ} قولان:
أحدهما: مسورون بالأسورة، مقرطون بالأقراط، قاله الفراء، قال الشاعر:
ومخلدات باللجين كأنما ** أعجازهن أقاوز الكثبان

الثاني: أنهم الباقون على صغرهم لا يموتون ولا يتغيرون، قاله الحسن، ومنه قول امرئ القيس:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد ** قليل الهموم ما يبيت بأوجال

ويحتمل ثالثاً: أنهم الباقون معهم لا يبصرون عليهم ولا ينصرفون عنهم بخلافهم في الدنيا.
{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ} فيهما قولان:
أحدهما: أن الأكواب: التي ليس لها عُرى، قاله الضحاك.
الثاني: أن الأكواب: مدورة الأفواه، والأباريق: التي يغترف بها، قاله قتادة، قال الشاعر:
فعدوا عليّ بقرقف ** ينصب من أكوابها

{وَكَأَسٍ مِّن مَّعِينٍ} والكأس اسم للإناء إذا كان فيه شراب، والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد به في هذا الموضوع الخمر، وصف الخمر بأنه الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين.
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: معناه لا يمنعون منها، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد.
الثاني: لا يفرّقون عنها، حكاه ابن قتيبة، واستشهد عليه بقول الراجز:
صد عنه فانصدع.
الثالث: لا ينالهم من شربها وجع الرأس وهو الصداع، قاله ابن جبير، وقتادة، ومجاهد، والسدي.
وفي قوله تعالى: {وَلاَ يُنزِفُونَ} أربعة أوجه:
أحدها: لا تنزف عقولهم فيسكرون، قاله ابن زيد، وقتادة.
الثاني: لا يملون، قاله عكرمة.
الثالث: لا يتقيئون، قاله يحيى بن وثاب.
الرابع: وهو تأويل من قرأ بكسر الزاي لا يفنى خمرهم، ومنه قول الأبيرد:
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ** لبئس الندامى أنتم آل أبجرا

وروى الضحاك عن ابن عباس قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، وقد ذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.
{وَحُورٌ عِينٌ} والحور البيض سمين لبياضهن، وفي العين وجهان:
أحدهما: أنهن كبار الأعين، كما قال الشاعر:
إذا كبرت عيون من النساء ** ومن غير النساء فهن عين

الثاني: أنهن اللاتي سواد أعينهن حالك، وبياض أعينهن نقي، كما قال الشاعر:
إذا ما العين كان بها احورار ** علامتها البياض على السواد

{كَأَمْثَالِ اللؤْلُؤِ الْمَكْنُُونِ} فيه وجهان:
أحدهما: في نضارتها وصفاء ألوانها.
الثاني: أنهن كأمثال اللؤلؤ في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن، كما قال الشاعر:
كأنما خلقت في قشر لؤلؤة ** فكل أكنافها وجه لمرصاد

{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: لا يسمعون في الجنة باطلاً ولا كذباً، قاله ابن عباس.
الثاني: لا يسمعون فيها خُلفاً، أي لا يتخالفون عليها كما يتخالفون في الدنيا، ولا يأثمون بشربها، كما يأثمون في الدنيا، قاله الضحاك.
الثالث: لا يسمعون فيها شتماً ولا مأثماً، قاله مجاهد.
يحتمل رابعاً: لا يسمعون مانعاً لهم منها، ولا مشنعاً لهم على شربها.
{إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً.
الثاني: لكن يتداعون بالسلام على حسن الأدب وكريم الأخلاق.
الثالث: يعني قولاً يؤدي إلى السلامة.
ويحتمل رابعاً: أن يقال لهم هنيئاً.