فصل: تفسير الآيات (27- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (27- 40):

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)}
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ} فيه ستة أقاويل:
أحدها: أنهم أصحاب الحق، قاله السدي.
الثاني: أنهم دون منزلة المقربين، قاله ميمون بن مهران.
الثالث: أنهم من أعطي كتابه بيمينه، قاله يعقوب بن مجاهد.
الرابع: أنهم التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم، قاله الحسن.
الخامس: ما رواه أسباط عن السدي: أن الله تعالى مسح ظهر آدم فمسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذر بيضاء فقال لهم ادخلوا الجنة ولا أبالي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج ذرية كهيئة الذر سوداء، فقال لهم ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك هو قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ}، وقوله: {وَأصْحَابُ الْشِّمَالِ}.
السادس: ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصحاب اليمين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا.»
{فِي سِدْرٍ مَّخضُودٍ} والسدر النبق، وفي مخضود ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه اللين الذي لا شوك فيه، قاله عكرمة، وقال غيره لا عجم لنبقه، يقال خضدت الشجرة إذا حذقت شوكها.
الثاني: أنه الموقر حملاً، قاله مجاهد.
الثالث: المدلاة الأغصان، وخص السدر بالذكر لأن ثمره أشهى الثمر إلى النفوس طمعاً وألذه ريحاً.
{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الطلح الموز، قاله ابن عباس، وابو سعيد الخدري، وأبو هريرة، والحسن، وعكرمة.
الثاني: أنها شجرة تكون باليمن وبالحجاز كثيراً تسمى طلحة، قاله عبد الله بن حميد، وقيل إنها من أحسن الشجر منظراً، ليكون بعض شجرهم مأكولاً وبعضه منظوراً، قال الحادي:
بشرها دليلها وقالا ** غداً ترين الطلح والأحبالا

الثالث: أنه الطلع، قاله علي، وحكى أنه كان يقرأ: {وَطَلْعٍ مَّنضُودٍ}، وفي المنضود قولان:
أحدهما: المصفوف، قاله السدي.
الثاني: المتراكم، قاله مجاهد.
{وَظِلٍ مَّمْدُودٍ} أي دائم.
ويحتمل ثانياً: أنه التام.
{وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ} أي منصب في غير أخدود.
ويحتمل آخر: أنه الذي ينسكب عليهم من الصعود والهبوط بخلاف الدنيا، قال الضحاك: من جنة عدن إلى أهل الخيام.
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: لا مقطوعة بالفناء ولا ممنوعة من اليد بشوك أو بعد.
وفيه وجه ثالث: لا مقطوعة بالزمان ولا ممنوعة بالأشجار.
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} فيها قولان:
أحدهما: أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم، مرفوعة بكثرة حشوها زيادة في الاستمتاع بها.
الثاني: أنهم الزوجات لأن الزوجة تسمى فراشاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الوَلَدُ لِلْفرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ» قاله ابن بحر. فعلى هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: مرفوعات في القلوب لشدة الميل إليهن.
الثاني: مرفوعات عن الفواحش والأدناس.
{إِنَّآ أَنشَأناهُنَّ إِنشَآءً} يعني نساء أهل الدنيا، وفي إنشائهن في الجنة قولان:
أحدهما: يعني إنشاءهن في القبور، قاله ابن عباس.
الثاني: إعادتهن بعد الشمط والكبر صغاراً أبكاراً، قاله الضحاك، وروته أم سلمة مرفوعاً.
{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} فيه قولان:
أحدهما: عذارى بعد أن كن غير عذارى، قاله يعقوب بن مجاهد.
الثاني: لا يأتيها إلا وجدها بكراً، قاله ابن عباس.
ويحتمل ثالثاً: أبكاراً من الزوجات، وهن الأوائل لأنهن في النفوس أحلى والميل إليهن أقوى، كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادف قلباً فارغاً فتمكنا

قوله تعالى: {عُرُباً أَتْرَاباً} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: أن العرب المنحبسات على أزواجهن المتحببات إليهم، قاله سعيد بن جبير، والكلبي.
الثاني: أنهن المتحببات من الضرائر ليقفن على طاعته ويتساعدن على إشاعته، قاله عكرمة.
الثالث: الشكلة بلغة أهل مكة، والغنجة بلغة أهل المدينة، قاله ابن زيد، ومنه قول لبيد:
وفي الخباء عروب غير فاحشة ** ريا الروادف يعشى دونها البصر

الرابع: هن الحسنات الكلام، قاله ابن زيد. أيضاً.
الخامس: أنها العاشقة لزوجها لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها.
السادس: أنها الحسنة التبعُّل، لتكون ألذ استمتاعاً.
السابع: ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرُباً كَلاَمُهُنَّ عَرَبِّي»
{أَتْراباً} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعني أقران، قاله عطية.
وقال الكلبي: على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة، يقال في النساء أتراب، وفي الرجال أقران، وأمثال، وأشكال، قاله مجاهد.
الثالث: أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد، قاله السدي.

.تفسير الآيات (41- 56):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}
{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ} فيه قولان:
أحدهما الدخان، قاله أبو مالك.
الثاني: أنها نار سوداء، قاله ابن عباس.
{لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ} فيه وجهان:
أحدهما: لا بارد المدخل، ولا كريم المخرج، قاله ابن جريج.
الثاني: لا كرامة فيه لأهله.
ويحتمل ثالثاً: أن يريد لا طيب ولا نافع.
{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرفِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: منعمين، قاله ابن عباس.
الثاني: مشركين، قاله السدي.
ويحتمل وصفهم بالترف وجهين:
أحدهما: التهاؤهم عن الإعتبار وشغلهم عن الإزدجار.
الثاني: لأن عذاب المترف أشد ألماً.
{وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الشرك بالله، قاله الحسن، والضحاك، وابن زيد.
الثاني: الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله قتادة، ومجاهد.
الثالث: هو اليمين الموس، قاله الشعبي.
ويحتمل رابعاً: أن يكون الحنث العظيم نقض العهد المحصن بالكفر.
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها الأرض الرملة التي لا تروى بالماء، وهي هيام الأرض، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها الإبل التي يواصلها الهيام وهو داء يحدث عطشاً فلا تزال الإبل تشرب الماء حتى تموت، قاله عكرمة، والسدي، ومنه قول قيس بن الملوح:
يقال به داء الهيام أصابه ** وقد علمت نفسي مكان شفائياً

الثالث: أن الهيم الإبل الضوال لأنها تهيم في الأرض لا تجد ماءً فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شرباً.
الرابع: أن شرب الهيم هو أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس ثلاث مرات، قاله خالد بن معدان، فوصف شربهم الحميم بأنه كشرب الهيم لأنه أكثر شرباً فكان أزيد عذاباً.
{هَذَا نُزْلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أي طعامهم وشرابهم يوم الجزاء، يعني في جهنم.

.تفسير الآيات (57- 62):

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)}
{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نحن خلقنا رزقكم أفلا تصدقون أن هذا طعامكم.
الثاني: نحن خلقناكم فلولا تصدقون أننا بالجزاء: بالثواب والعقاب اردناكم.
{أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} يعني نطفة المني، قال الفراء، يقال أمنى يمني ومنى يمني بمعنى واحد.
ويحتمل عندي أن يختلف معناهما فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع، ومني إذا عن احتلام.
وفي تسمية المني منياً وجهان:
أحدهما: لإمنائه وهو إراقته.
الثاني: لتقديره ومنه المناء الذي يوزن به فإنه مقدار لذلك فكذلك المني مقدار صحيح لتصوير الخلقة.
{ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أي نحن خلقنا من المني المهين بشراً سوياً، فيكون ذلك خارجاً مخرج الإمتنان.
الثاني: أننا خلقنا مما شاهدتموه من المني بشراً فنحن على خلق ما غاب من إعادتكم أقدر، فيكون ذلك خارجاً مخرج البرهان، لأنهم على الوجه الأول معترفون، وعلى الوجه الثاني منكرون.
{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قضينا عليكم بالموت.
الثاني: كتبنا عليكم الموت.
الثالث: سوينا بينكم الموت.
فإذا قيل بالوجه الأول بمعنى قضى ففيه وجهان:
أحدهما قضى بالفناء ثم الجزاء.
الثاني: ليخلف الأبناء الآباء.
وإذا قيل بالوجه الثاني أنه بمعنى كتبنا ففيه وجهان:
أحدهما: كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص، قاله ابن عيسى.
الثاني: كتبنا وقته فلا يتقدم عليه ولا يتأخر، قاله مجاهد.
وإذا قيل بالوجه الثالث أنه بمعنى سوينا ففيه وجهان:
أحدهما: سوينا بين المطيع والعاصي.
الثاني: سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض، قاله الضحاك.
{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: وما نحن بمسبوقين على ما قدرنا بينكم الموت حتى لا تموتوا.
الثاني: وما نحن بمسبوقين على أن تزيدوا في مقداره وتؤخروه عن وقته.
والوجه الثاني: أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده من قوله تعالى: {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئِكُم فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فعلى هذا في تأويله وجهان:
أحدهما: لما لم نسبق إلى خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم.
الثاني: كما لم نعجز عن خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم كما لم نعجز عن تغييرها في حياتكم.
فعلى هذا التأويل يكون في الكلام مضمر محذوف، وعلى التأويل الأول يكون جميعه مظهراً.