فصل: تفسير الآيات (34- 41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (34- 41):

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)}
{أم لكم أيْمانٌ علينا بالغةٌ} والبالغة المؤكدة باللَه.
{إنّ لكم لما تحْكُمُون} فيه وجهان:
أحدهما: أم لكم أيمان عيلنا بالغة أننا لا نعذبكم في الدنيا إلى يوم القيامة.
{سَلْهم أيُّهم بذلك زعيمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن الزعيم الكفيل، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه الرسول، قاله الحسن.
ويحتمل ثالثاً: أنه القيم بالأمر لتقدمه ورئاسته.

.تفسير الآيات (42- 47):

{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)}
{يومَ يُكْشَفُ عن ساقٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: عن ساق الآخرة، قاله الحسن.
الثاني: الساق الغطاء، قاله الربيع بن أنس، ومنه قول الراجز:
في سَنَةٍ قد كشفتْ عن ساقها ** حمراءَ تبري اللحم عن عراقها

الثالث: أنه الكرب والشدة، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
كشفت لهم عن ساقها ** وبدا من الشر الصُّراح

الرابع: هو إقبال الآخرة وذهاب الدنيا، قال الضحاك: لأنه أول الشدائد، كما قال الراجز:
قد كشفت عن ساقها فشُدُّوا ** وجدّت الحربُ بكم فجدوا

فأما ما روي أن اللَّه تعالى يكشف عن ساقه فإن اللَّه تعالى منزه عن التبعيض والأعضاء وأن ينكشف أو يتغطى، ومعناه أنه يكشف عن العظيم من أمره، وقيل يكشف عن نوره.
وفي هذا اليوم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل.
الثاني: أنه يوم حضور المنية والمعاينة.
الثالث: أنه يوم القيامة.
{ويُدْعَون إلى السجودِ فلا يستطيعون} فمن قال في هذا اليوم إنه يوم القيامة جعل الأمر بهذا السجود على وجه التكليف.
ومن جعله في الدنيا فلهم في الأمر بهذا السجود قولان:
أحدهما: أنه تكليف.
الثاني: تندم وتوبيخ للعجز عنه، وكان ابن بحر يذهب إلى أن هذا الدعاء إلى السجود إنما كان في وقت الاستطاعة، فلم يستطيعوا بعد العجز أن يستدركوا ما تركوا.
{فذرْنِي ومَن يُكذّبُ بهذا الحديث}
قال السدي: يعني القرآن.
ويحتمل آخر أي بيوم القيامة.
{سنستدرجهم مِن حيثُ لا يَعْلمون} فيه خمسة أوجه:
أحدها: سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، قاله السدي.
الثاني: نتبع النعمة السيئة وننسيهم التوبة، قاله الحسن.
الثالث: نأخذهم من حيث درجوا ودبوا، قاله ابن بحر.
الرابع: هو تدريجهم إلى العذاب بإدنائهم منه قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون، لأنهم لو علموا وقت أخذهم بالعذاب ما ارتكبوا المعاصي وأيقنوا بآمالهم.
الخامس: ما رواه إبراهيم بن حماد، قال الحسن: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مغبون بالثناء عيه، وكم من مغرور بالستر عليه.
والاستدراج: النقل من حال إلى حال كالتدرج، ومنه قيل درجة وهي منزلة بعد منزلة.

.تفسير الآيات (48- 52):

{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)}
{فاصْبِرْ لحُكمِ ربّك} فيه وجهان:
أحدهما: لقضاء ربك.
الثاني: لنصر ربك، قاله ابن بحر.
{ولا تكُن كصاحِبِ الحُوتِ} قال قتادة: إن اللَّه تعالى يعزي نبيّه ويأمره بالصبر، وأن لا يعجل كما عجل صاحب الحوت وهو يونس بن متى.
{إذ نادى وهو مكظوم} أما نداؤه فقوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وفي مكظوم أربعة أوجه:
أحدها: مغموم، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: مكروب، قاله عطاء وأبو مالك، والفرق بينهما أن الغم في القلب، والكرب في الأنفاس.
الثالث: محبوس، والكظم الحبس، ومنه قولهم: فلان كظم غيظه أي حبس غضبه، قاله ابن بحر.
الرابع: أنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس، قاله المبرد.
{لولا أن تَدارَكه نِعْمةٌ مِن ربِّه} فيه أربعة أوجه:
أحدها: النبوة، قاله الضحاك.
الثاني: عبادته التي سلفت، قاله ابن جبير.
الثالث: نداؤه لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، قاله ابن زيد.
الرابع: أن نعمة اللَّه عليه إخراجه من بطن الحوت، قاله ابن بحر.
{لنُبِذَ بالعراء} فيه وجهان:
أحدهما: لألقي بالأرض الفضاء، قاله السدي، قال قتادة: بأرض اليمن.
الثاني: أنه عراء يوم القيامة وأرض المحشر، قاله ابن جرير.
{وهو مذموم} فيه وجهان:
أحدهما: بمعنى مليم.
الثاني: مذنب، قاله بكر بن عبد الله، ومعناه أن ندعه مذموماً.
{وإن يكادُ الذين كَفَروا ليُزْلِقونك بأَبَصارهم} الآية. فيه ستة أوجه:
أحدها: معناه ليصرعونك، قاله الكلبي.
الثاني: ليرمقونك، قاله قتادة.
الثالث: ليزهقونك، قاله ابن عباس، وكان يقرؤها كذلك.
الرابع: لينفذونك، قاله مجاهد.
الخامس: ليمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك، قاله السدي.
السادس: ليعتانونك، أي لينظرونك بأعينهم، قاله الفراء.
وحكي أنهم قالوا: ما رأينا مثل حجمه ونظروا إليه ليعينوه، أي ليصيبوه بالعين، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً بعين في نفسه أو ماله تجوّع ثلاثاً ثم يتعرض لنفسه أو ماله فيقول: تاللَّه ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر مالاً منه ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله، فأنزل اللَّه هذه الآية.
{لّما سَمِعوا الذكْرَ} فيه وجهان:
أحدهما: محمد.
الثاني: القرآن.
{وما هو إلا ذِكْرٌ للعالمين} فيه وجهان:
أحدهما: شرف للعالمين، كما قال تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك} [الزخرف: 44].
الثاني: يذكرهم وعد الجنة ووعيد النار.
وفي العالمين وجهان:
أحدهما: الجن والإنس، قاله ابن عباس.
الثاني: كل أمة من أمم الخلق ممن يُعرف ولا يُعرف.

.سورة الحاقة:

.تفسير الآيات (1- 12):

{الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)}
قوله تعالى: {الحاقّةُ ما الحاقّةُ} فيه قولان:
أحدهما: أنه ما حقّ من الوعد والوعيد بحلوله، وهو معنى قول ابن بحر.
الثاني: أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد، قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة ثلاثة أقاويل:
أحدها: ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي، وهو معنى قول قتادة ويحيى بن سلام.
الثاني: لأن فيها حقائق الأمور، قاله الكلبي.
الثالث: لأن حقاً على المؤمن أن يخافها.
وقوله {ما الحاقة} تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها.
{وما أدْراكَ ما الحاقّة} قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شئ في القرآن فيه (وما أدراك) فقد أدراه إياه وعلّمه إياه، وكل شيء قال فيه {وما يدريك} فهو ما لم يعلمه إياه.
وفيه وجهان:
أحدهما: وما أدراك ما هذا الاسم، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه، قاله الأصم.
الثاني: وما أدراك ما يكون في الحاقة.
{كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ} أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز، قاله محمد بن إسحاق: وهو وادي القرى، وكانوا عرباً.
وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة، ذكره محمد بن إسحاق.
وأما {القارعة} ففيها قولان:
أحدهما: أنها قرعت بصوت كالصيحة، وبضرب كالعذاب، ويجوز أن يكون في الدنيا، ويجوز أن يكون في الآخرة.
الثاني: أن القارعة هي القيامة كالحاقة، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد.
وفي تسميتها بالقارعة قولان:
أحدهما: لأنها تقرع بهولها وشدائدها.
الثاني: أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين، قاله المبرد.
{فأمّا ثمودُ فأهلِكوا بالطاغية} فيها خمسة أقاويل:
أحدها: بالصيحة، قاله قتادة.
الثاني: بالصاعقة، قاله الكلبي.
الثالث: بالذنوب، قاله مجاهد.
الرابع: بطغيانهم، قاله الحسن.
الخامس: أن الطاغية عاقر الناقة، قاله ابن زيد.
{وأمّا عادٌ فأهْلِكوا بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ} روى مجاهد عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور».
فأما صرصر ففيها قولان:
أحدهما: أنها الريح الباردة، قاله الضحاك والحسن، مأخوذ من الصر وهو البرد.
الثاني: أنها الشديدة الصوت، قاله مجاهد.
وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه:
أحدها: القاهرة، قاله ابن زيد.
الثاني: المجاوزة لحدها.
الثالث: التي لا تبقى ولا ترقب.
وفي تسميتها عاتية وجهان:
أحدهما: لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة، قاله ابن عباس.
الثاني: لأنها عتت على خزانها بإذن اللَّه.
{سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً} اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنّ أولها غداة يوم الأحد، قاله السدي.
الثاني: غداة يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.
وفي قوله {حُسُوماً} أربعة تأويلات:
أحدها: متتابعات، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
وكم يحيى بها من فرط عام ** وهذا الدهر مقتبل حسوم.

الثاني: مشائيم، قاله عكرمة والربيع.
الثالث: أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم، قاله الضحاك.
الرابع: لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً، قاله ابن زيد، وفي ذلك يقول الشاعر:
ومن مؤمن قوم هود ** فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً

***توالتْ عليهم فكانت حُسوماً ** {فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: البالية، قاله أبو الطفيل.
الثاني: الخالية الأجواف، قاله ابن كامل.
الثالث: ساقطة الأبدان، خاوية الأصول، قاله السدي.
وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم، وتخرج من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية، حكاه ابن شجرة.
الثالث: لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية.
{وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ {ومن قِبلَهُ} بكسر القاف وفتح الباء.
والثاني: ومن تقدمه، وهو تأويل من قرأ {ومن قَبْلَهُ} بفتح القاف وتسكين الباء.
{والمؤتفِكاتُ بالخاطئة} في المؤتفكات قولان:
أحدهما: أنها المقلوبات بالخسف.
الثاني: أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة، أي الكاذبة.
والخاطئة: هي ذات الذنوب والخطايا، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم قوم لوط.
الثاني: قارون وقومه، لأن اللَّه خسف بهم.
{فعصَوْا رسولَ ربِّهم} فيه وجهان:
أحدهما: فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب.
الثاني: فعصوا رسالة اللَّه إليهم بالمخالفة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:
لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم ** بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول.

{فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً} فيه خمسة أوجه:
أحدها: شديدة، قاله مجاهد.
الثاني: مُهلكة، قاله السدي.
الثالث: تربوبهم في عذاب اللَّه أبداً، قاله أبو عمران الجوني.
الرابع: مرتفعة، قاله الضحاك.
الخامس: رابية للشر، قاله ابن زيد.
{إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ظَهَر، رواه ابن أبي نجيح.
الثاني: زادَ وكثر، قاله عطاء.
الثالث: أنه طغى على خزانه من الملائكة، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه، قاله عليّ رضي الله عنه.
قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال.
وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عيله سبيل، ثم قرأ: {إنا لما طغى الماء} الآية. وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ. {بريح صرصر عاتية سخرها عليهم} الآية.
{حملناكم في الجارية} يعني سفينة نوح، سميت بذلك لأنها جارية على الماء.
وفي قوله حملناكم وجهان:
أحدهما: حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم.
الثاني: أنهم في ظهور آبائهم المحمولين، فصاروا معهم، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
من قبلها طِبتَ في الظلال وفي ** مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ.

ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ ** أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ.

بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ** ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ.

{لنجْعلهَا لكم تذكِرةً} يعني سفينة نوح جعلها اللَّه لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة، وقال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي.
{وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيةٌ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: سامعة، قاله ابن عباس.
الثاني: مؤمنة، قاله ابن جريج.
الثالث: حافظة، وهذا قول ابن عباس أيضاً.
قال الزجاج: يقال وعيت لما حفظته في نفسك، وأوعيت لما حفظته في غيرك.
وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ» قال مكحول: فكان عليٌّ رضي اللَّه عنه يقول: ما سمعت من رسول الله شيئاً قط نسيته إلا وحفظته.
الرابع: أن الأذن الواعية أُذن عقلت عن اللَّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه، قاله قتادة.