فصل: تفسير الآيات (31- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (31- 37):

{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31) كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)}
{وما جَعَلْنَا أصحابَ النارِ إلا ملائكةً وما جعلْنا عدَّتهم إلا فِتْنةً للذين كَفَروا} وروى ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم نعت خزنة جهنم فقال: كأن أعينهم البرق، وكأن أفواههم الصياصي، يجرون شعورهم، لأحدهم مثل قوة الثقلين، يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرمي بهم في النار، ويرمي الجبل عليهم.
{ليَسْتَيْقِنَ الذين أُوتوا الكتابَ} فيه وجهان:
أحدهما: ليستيقنوا عدد الخزنة لموافقة التوراة والإنجيل، قاله مجاهد.
الثاني: ليستيقنوا أن محمداً نبي لما جاء به من موافقة عدة الخزنة.
{ويَزْدادَ الذين آمَنوا إيماناً} بذلك، قاله جريج.
{وما هي إلا ذِكْرى للبَشَرِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وما نار جهنم إلا ذكرى للبشر، قاله قتادة.
الثاني: وما هذه النار في الدنيا إلا تذكرة لنار الآخرة، حكاه ابن عيسى.
الثالث: وما هذه السورة إلا تذكرة للناس، قاله ابن شجرة.
{كلا والقَمرِ} الواو في {والقمر} واو القسم، أقسم الله تعالى به، ثم أقسم بما بعده فقال: {والليلِ إذا أَدْبَرَ} فيه وجهان:
أحدهما: إذ ولّى، قاله ابن عباس.
الثاني: إذ أقبل عند إدبار النهار قاله أبو عبيدة، وقرأ الحسن وأبو عبد الرحمن إذا دبر، وهي قراءة ابن مسعود وأُبي بن كعب.
واختلف في أدبر ودبر على قولين:
أحدهما: أنهما لغتان ومعناهما واحد، قاله الأخفش.
الثاني: أن معناهما مختلفان، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه دبر إذا خلقته خلفك، وأدبر إذا ولى أمامك، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنه دبر إذا جاء بعد غيره وعلى دبر، وأدبر إذا ولى مدبراً، قاله ابن بحر.
{والصُّبْحِ إذا أَسْفَرَ} يعني أضاء وهذا قسم ثالث.
{إنها لإحْدَى الكُبَرِ} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: أي أن تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم لإحدى الكبر، أي الكبيرة من الكبائر، قاله ابن عباس.
الثاني: أي أن هذه النار لإحدى الكبر، أي لإحدى الدواهي.
الثالث: أن هذه الآية لإحدى الكبر، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل رابعاً: أن قيام الساعة لإحدى الكبر، والكُبَرُ هي العظائم والعقوبات والشدائد، قال الراجز:
يا ابن المُغَلّى نزلتْ إحدى الكُبَرْ ** داهية الدهرِ وصَمّاءُ الغِيَرْ.

{نذيراً للبشر} فيه وجهان:
أحدهما: أن محمداً صلى الله عليه وسلم نذير للبشر حين قاله له {قم فأنذر} قاله ابن زيد.
الثاني: أن النار نذير للبشر، قال الحسن: والله ما أنذر الخلائق قط بشيء أدهى منها.
ويحتمل ثالثاً: أن القرآن نذير للبشر لما تضمنه من الوعد والوعيد.
{لمن شاءَ منكم أن يتقدّم أو يتأَخّرَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يتقدم في طاعة الله، أو يتأخر عن معصية الله، وهذا قول ابن جريج.
الثاني: أن يتقدم في الخير أو يتأخر في الشر، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: أن يتقدم إلى النار أو يتأخر عن الجنة، قاله السدي.
ويحتمل رابعاً: لمن شاء منكم أن يستكثر أو يقصر، وهذا وعيد وإن خرج مخرج الخبر.

.تفسير الآيات (38- 56):

{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)}
{كلُّ نفْسٍ بما كَسَبَتْ رَهينةٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ان كل نفس مرتهنة محتسبة بعملها لتحاسب عليه، إلا أصحاب اليمين، وهم أطفال المسلمين فإنه لا حساب عليهم لأنه لا ذنوب لهم، قاله عليٌّ رضي الله عنه.
الثاني: كل نفس من أهل النار مرتهنة في النار إلا أصحاب اليمين وهم المسلمون، فإنهم لا يرتهنون، وهم إلى الجنة يسارعون، قاله الضحاك.
الثالث: كل نفس بعملها محاسبة إلا أصحاب اليمين وهم أهل الجنة، فإنهم لا يحاسبون، قاله ابن جريج.
{وكنّا نَخُوض مع الخائضينَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نكذب مع المكذبين، قاله السدي.
الثاني: كلما غوى غاو غوينا معه، قاله قتادة.
الثالث: قولهم محمد كاهن، محمد ساحر، محمد شاعر، قاله ابن زيد.
ويحتمل رابعاً، وكنا أتباعاً ولم نكن مبتوعين.
{وكنّا نًكذّب بيوم الدِّين} يعني يوم الجزاء وهو يوم القيامة.
{حتى أتانا اليقين} فيه وجهان:
أحدهما: الموت، قاله السدي.
الثاني: البعث يوم القيامة.
{فما لهم عن التَذْكِرَةِ مُعْرِضين} قال قتادة: عن القرآن.
ويحتمل ثالثاً: عن الاعتبار بعقولهم.
{كأنهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرةٌ} قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء، يعني مذعورة وقرأ الباقون بكسرها، يعني هاربة، وأنشد الفراء:
أمْسِكْ حمارَك إنه مُستنفِرٌ ** في إثْر أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لغُرَّبِ.

{فَرَّتْ من قَسْورةٍ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: أن القسورة الرماة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه القناص أي الصياد، ومنه قول علي:
يا ناس إني مثل قسورةٍ ** وإنهم لعداة طالما نفروا.

الثالث: أنه الأسد، قاله أبو هريرة، روى يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه الأسد بلسان الحبشة، قال الفرزدق:
إلى هاديات صعاب الرؤوس ** فساروا للقسور الأصيد.

الرابع: أنهم عصب من الرجال وجماعة، رواه أبو حمزة عن ابن عباس.
الخامس: أنه أصوات الناس، رواه عطاء عن ابن عباس.
السادس: أنه النبيل، قاله قتادة.
{بل يريد كلُّ امرئ منهم أنْ يُؤْتى صحُفاً مُنَشّرةً} يعني كتباً منشورة وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أن يؤتى كتاباً من الله أن يؤمن بمحمد، قاله قتادة.
الثاني: أن يؤتى براءة من النار أنه لا يقذف بها، قاله أبو صالح.
الثالث: أن يؤتى كتاباً من الله بما أحل له وحرم عليه، قاله مقاتل.
الرابع: أن كفار قريش قالوا إن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب الواحد ذنباً وجده مكتوباً في رقعة، فما بالنا لا نرى ذلك فنزلت الآية، قاله الفراء.
{هو أهل التقْوَى وأهل المغْفِرةِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هو أهل أن تتقى محارمه، وأهل أن يغفر الذنوب، قاله قتادة.
الثاني: هو أهل أن يتقى أن يجعل معه إله غيره، وأهل لمن اتقاه أن يغفر له، وهذا معنى قول رواه أنس مرفوعاً.
الثالث: هو أهل أن يتقى عذابه وأهل أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته.
ويحتمل رابعاً: أهل الانتقام والإنعام.

.سورة القيامة:

.تفسير الآيات (1- 15):

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)}
قوله تعالى: {لا أُقسِم بيومِ القيامةِ} اختلفوا في (لا) المبتدأ بها في أول الكلام على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها صلة دخلت مجازاً ومعنى الكلام أقسم بيوم القيامة، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة، ومثله قول الشاعر:
تَذكّرْت ليلى فاعْتَرْتني صَبابةٌ ** وكاد ضمير القلْبِ لا يتَقطّع.

الثاني: أنها دخلت توكيداً للكلام كقوله: لا والله، وكقول امرئ القيس:
فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ ** لا يدّعي القوم أني أَفِرْ.

قاله أبو بكر بن عياش.
الثالث: أنها رد لكلام مضى من كلام المشركين في إنكار البعث، ثم ابتدأ القسم فقال: أقسم بيوم القيامة، فرقاً بين اليمين المستأنفة وبين اليمين تكون مجدداً، قاله الفراء.
وقرأ الحسن: لأقْسِمُ بيوم القيامة، فجعلها لاماً دخلت على ما أُقسم إثباتاً للقسم، وهي قراءة ابن كثير.
{ولا أُقْسِم بالنّفْسِ اللوّامةِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه تعالى أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكونان قَسَمَيْن، قاله قتادة.
الثاني: أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، قاله الحسن، ويكون تقدير الكلام: أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة. وفي وصفها باللوامة قولان:
أحدهما: أنها صفة مدح، وهو قول من جعلها قسماً:
الثاني: أنها صفة ذم، وهو قول من نفى أن يكون قسماً.
فمن جعلها صفة مدح فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها التي تلوم على ما فات وتندم، قاله مجاهد، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير أن لم تستكثر منه.
الثاني: أنها ذات اللوم، حكاه ابن عيسى.
الثالث: أنها التي تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها.
فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى اللائمة.
ومن جعلها صفة ذم فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها المذمومة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها التي تلام على سوء ما فعلت.
الثالث: أنها التي لا صبر لها على محن الدنيا وشدائدها، فهي كثيرة اللوم فيها، فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى الملومة.
{أيَحْسَب الإنسان} يعني الكافر.
{أنْ لن نَجْمَعَ عِظامَه} فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رفاتاً.
{بلى قادِرينَ على أنْ نُسوّيَ بَنانه} في قوله (بلى) وجهان:
أحدهما: أنه تمام قوله {أن لن نجمع عظامه} أي بلى نجمعها، قاله الأخفش.
الثاني: أنها استئناف بعد تمام الأول بالتعجب بلى قادرين، الآية وفيه وجهان:
أحدهما: بلى قادرين على أن نسوي مفاصله ونعيدها للبعث خلقاً جديداً، قاله جرير بن عبد العزيز.
الثاني: بلى قادرين على أن نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير، فلا يأكل إلا بفيه، ولا يعمل بيده شيئاً، قاله ابن عباس وقتادة.
{بل يريد الإنسان ليَفْجُرَ أمامَه} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه أن يقدم الذنب ويؤخر التوبة، قاله القاسم بن الوليد.
الثاني: يمضي أمامه قدُماً لا ينزع عن فجور، قاله الحسن.
الثالث: بل يريد أن يرتكب الآثام في الدنيا لقوة أمله، ولا يذكر الموت، قاله الضحاك.
الرابع: بل يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار، وهو معنى قول ابن زيد.
ويحتمل وجهاً خامساً: بل يريد أن يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا، ثم وجدت ابن قتيبة قد ذكره وقال إن الفجور التكذيب واستشهد بأن أعرابياً قصد عمر بن الخطاب وشكا إليه نقب إبله ودبرها، وسأله أن يحمله على غيرها، فلم يحمله، فقال الأعرابي:
أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ ** ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ

فاغفر له اللهم إنْ كان فجَرْ ** يعني إن كان كذبني بما ذكرت.

{فإذا بَرِقَ البصرُ} فيه قراءتان:
إحداهما: بفتح الراء، وقرأ بها أبان عن عاصم، وفي تأويلها وجهان:
أحدهما: يعني خفت وانكسر عند الموت، قاله عبد الله بن أبي إسحاق.
الثاني: شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً، وأنشد الفراء:
فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني ** وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ.

أي ولا تفزع من هول الجراح.
الثانية: بكسر الراء وقرأ بها الباقون، وفي تأويلها وجهان:
أحدهما: عشى عينيه البرق يوم القيامة، قاله أشهب العقيلي، قال الأعشى:
وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً ** فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا.

الثاني: شق البصر، قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابي:
لما أتاني ابن عمير راغباً ** أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق.

{وخَسَفَ القمرُ} أي ذهب ضوؤه، حتى كأنّ نوره ذهب في خسفٍ من الأرض.
{وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكورين مظلمين مقرنين.
الثاني: جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف لتكامل إظلام الأرض على أهلها، حكاه ابن شجرة.
الثالث: جمع بينهما في البحر حتى صارا نار الله الكبرى.
{يقولُ الإنسانُ يومئذٍ أين المفرُّ} أي أين المهرب، قال الشاعر:
أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ ** وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ.

ويحتمل وجهين:
أحدهما: {أين المفر} من الله استحياء منه.
الثاني: {أين المفر} من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين:
أحدهما: أن يكون من الكافر خاصة من عرصة القيامة دون المؤمن، ثقة المؤمن ببشرى ربه.
الثاني: أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها.
ويحتمل هذا القول وجهين:
أحدهما: من قول الله للإنسان إذا قاله {أين المفر} قال الله له {كلاّ لا وَزَرَ}
الثاني: من قول الإنسان إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه {كلا لا وَزَرَ}
{كلاّ لا وَزَرَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أي لا ملجأ من النار، قاله ابن عباس.
الثاني: لا حصن، قاله ابن مسعود.
الثالث: لا جبل، قاله الحسن.
الرابع: لا محيص، قاله ابن جبير.
{إلى ربِّك يومئذٍ المُسْتَقَرُّ} فيه وجهان:
أحدهما: أن المستقر المنتهى، قاله قتادة.
الثاني: أنه استقرار أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، قاله ابن زيد.
{يُنَبّأ الإنسان يوميئذٍ بما قدَّمَ وأَخّرَ} يعني يوم القيامة وفي {بما قدم وأخر} خمسة تأويلات:
أحدها: ما قدم قبل موته من خير أو شر يعلم به بعد موته، قاله ابن عباس وابن مسعود.
الثاني: ما قدم من معصية، وأخر من طاعة، قاله قتادة.
الثالث: بأول عمله وآخره، قاله مجاهد.
الرابع: بما قدم من الشر وأخر من الخير، قال عكرمة.
الخامس: بما قدم من فرض وأخر من فرض، قاله الضحاك.
ويحتمل سادساً: ما قدم لدنياه، وما أخر لعقباه.
{بل الإنسانُ على نَفْسِه بَصيرةٌ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه شاهد على نفسه بما تقدم به الحجة عليه، كما قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
الثاني: أن جوارحه شاهدة عليه بعمله، قاله ابن عباس، كما قال تعالى: {اليوم نَخْتِمُ على أفواههم وتُكَلِّمنا أيْديهم وتشْهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكْسِبون}.
الثالث: معناه بصير بعيوب الناس غافل عن عيب نفسه فيما يستحقه لها وعليها من ثواب وعقاب.
والهاء في {بصيرة} للمبالغة.
{ولو أَلْقَى معاذيرَه} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه لو اعتذر يومئذ لم يقبل منه، قاله قتادة.
الثاني: يعني لو ألقى معاذيره أي لو تجرد من ثيابه، قاله ابن عباس.
الثالث: لو أظهر حجته، قاله السدي وقال النابغة:
لدىّ إذا ألقى البخيلُ معاذِرَه. ** الرابع: معناه ولو أرخى ستوره، والستر بلغة اليمن معذار، قاله الضحاك، قال الشاعر:

ولكنّها ضَنّتْ بمنزلِ ساعةٍ ** علينا وأطّت فوقها بالمعاذرِ

ويحتمل خامساً: أنه لو ترك الاعتذار واستسلم لم يُترك.