فصل: تفسير الآيات (11- 17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (11- 17):

{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
{والسماءِ ذاتِ الّرجْعِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: ذات المطر، لأنه يرجع في كل عام، قاله ابن عباس.
الثاني ذات السحاب، لأنه يرجع بالمطر.
الثالث: ذات الرجوع إلى ما كانت، قاله عكرمة.
الرابع: ذات النجوم الراجعة، قاله ابن زيد.
ويحتمل خامساً: ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد، وهذا قَسَمٌ.
{والأرضِ ذاتِ الصّدْعِ} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: ذات النبات لانصداع الأرض عنه، قاله ابن عباس.
الثاني: ذات الأودية، لأن الأرض قد انصدعت بها، قاله ابن جريج.
الثالث: ذات الطرق التي تصدعها المشاة، قاله مجاهد.
الرابع: ذات الحرث لأنه يصدعها.
ويحتمل خامساً: ذات الأموات، لانصداعها عنهم للنشور وهذان قسمان.
{إنّهُ لَقَولٌ فَصْلٌ} على هذا وقع القَسَمُ، وفي المراد بأنه قول فصل قولان:
أحدهما: ما قدّمه عن الوعيد من قوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر} الآية. تحقيقاً لوعيده، فعلى هذا في تأويل قوله {فَصْل} وجهان:
أحدها: حد، قاله ابن جبير.
الثاني: عدل، قاله الضحاك.
القول: ان المراد بالفصل القرآن تصديقاً لكتابه، فعلى هذا في تاويل قوله (فصل) وجهان:
أحدهما: حق، قاله ابن عباس.
الثاني: ما رواه الحارث عن عليّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتابِ الله فيه خير ما قبلكم، وحكم ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، مَنْ تركه مِن جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله».
{وما هو بالهزْلِ} وهذا تمام ما وقع عليه القسم، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: باللعب، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: بالباطل، قاله وكيع والضحاك.
الثالث: بالكذب، قاله السدي.
{إنّهم يَكِيدُونَ كيْداً} يعني أهل مكة حين اجتمعوا في دار الندوة على المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وإذ يمْكَرُ بك الذين كَفَروا لِيُثْبِتوكَ أو يَقْتلوكَ أو يُخْرِجوكَ} فقال ها هنا: {إنهم يكيدون كيداً} أي يمكرون مكراً.
{وأكيدُ كيْداً} يعني بالانتقام في الآخرة بالنار، وفي الدنيا بالسيف.
{فمهّلِ الكافرين أَمْهِلْهم رُوَيْداً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: قريباً، قاله ابن عباس.
الثاني: انتظاراً، ومنه قول الشاعر:
رُويْدك حتى تنطوي ثم تنجلي ** عمايةُ هذا العارضِ المتألّقِ

الثالث: قليلاً، قاله قتادة.
قال الضحاك: فقتلوا يوم بدر.
وفي (مهّل) (وأمْهل) وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني: معناهما مختلف، فمهّل الكف عنهم، وأمْهِل انتظار العذاب لهم.

.سورة الأعلى:

.تفسير الآيات (1- 13):

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
قوله تعالى: {سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعْلَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: عظّم ربك الأعلى، قاله ابن عباس والسدي، والاسم صلة قصد بها تعظيم المسّمى، كما قال لبيد:
إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما ** ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر

الثاني: نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه، ذكره الطبري.
الثالث: معناه ارفع صوتك بذكر ربك، قال جرير:
قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلّما ** سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا

الرابع: صلّ لربك، فعلى هذا في قوله {اسم ربك} ثلاثة أوجه:
أحدها: بأمر ربك.
الثاني: بذكر ربك أن تفتتح به الصلاة.
الثالث: أن تكون ذاكراً لربك بقلبك في نيتك للصلاة.
وروي أن عليّاً وابن عباس وابن عمر كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا: (سبحان ربي الأعلى) امتثالاً لأمره تعالى في ابتدائها، فصار الاقتداء بهم في قراءتها، وقيل إنها في قراءة أُبيّ: {سبحان ربي الأعلى} وكان ابن عمر يقرؤها كذلك.
{الذي خَلَقَ فَسَوَّى} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أنشأ خلقهم ثم سوّاهم فأكملهم.
الثاني: خلقهم خلقاً كاملاً وسوّى لكل جارحة مثلاً.
الثالث: خلقهم بإنعامه وسوّى بينهم في أحكامه، قال الضحاك:
خلق آدم فَسوّى خلقه.
ويحتمل رابعاَ: خلق في أصلاب الرجال، وسوّى في أرحام الأمهات.
ويحتمل خامساً: خلق الأجساد فسّوى الأفهام.
{والذي قَدَّرَ فَهَدَى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: قدّر الشقاوة والسعادة، وهداه للرشد والضلالة، قاله مجاهد.
الثاني: قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً.
الثالث: قدرهم ذكوراً وإناثاً، وهدى الذكر كيف يأتى الأنثى، قاله السدي.
ويحتمل رابعاً: قدر خلقهم في الأرحام، وهداهم الخروج للتمام.
ويحتمل خامساً: خلقهم للجزاء، وهداهم للعمل.
{والذي أَخْرَجَ المْرعى} يعني النبات، لأن البهائم ترعاه، قال الشاعر:
وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى ** وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا

{فَجَعَلهُ غُثاءً أَحْوَى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح.
الأحوى: الأسود، قال ذي الرمة:
لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ ** وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ

وهذا معنى قول مجاهد.
الثاني: أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات، والأحوى: المتغير، وهذا معنى قول السدي.
الثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، ومعناه أحوى فصار غثاء، والأحوى: ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق، وقال امرؤ القيس:
وغيثٍ دائمِ التهْتا ** نِ حاوي النبتِ أدْهم

والغثاء: الميت اليابس، قال قتادة: وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نضارتها.
{سنُقْرئك فلا تَنسَى} فيه وجهان:
أحدهما: أن معنى قوله: فلا تنسى، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك.
والوجه الثاني: أنه إخبار من الله تعالى أنه لا ينسى ما يقرئه من القرآن، حكى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه خيفة أن ينساه، فأنزل الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى} يعني القرآن.
{إلا ما شاءَ اللهُ} فيه وجهان:
أحدهما: إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني: إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرؤه، حكاه ابن عيسى.
{إنهُ يَعْلَمُ الجهْرَ وما يَخْفَى} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أن الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك، وما يخفى هو ما نسخ من حفظك.
الثاني: أن الجهر ما علمه، وما يخفى ما سيتعلمه من بعد، قاله ابن عباس.
الثالث: أن الجهر ما قد أظهره، وما يخفى ما تركه من الطاعات.
{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: نيسرك لأن تعمل خيراً، قاله ابن عباس.
الثاني: للجنة، قاله ابن مسعود.
الثالث: للدين واليسر وليس بالعسر، قاله الضحاك.
{فذكّرْ إن نَّفَعتِ الذِّكْرَى} وفيما يذكر به وجهان:
أحدهما: بالقرآن، قاله مجاهد.
الثاني: بالله رغبة ورهبة، قاله ابن شجرة.
وفي قوله: {إنْ نَفَعَتِ الذّكْرى} وجهان:
أحدهما: يعني إن قبلت الذكرى وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني: يعني ما نفعت الذكرى، فتكون {إنْ} بمعنى ما الشرط، لأن الذكرى نافعة بكل حال، قاله ابن شجرة.
{سَيّذَّكَرُ مَن يَخْشى} يعني يخشى الله، وقد يتذكر من يرجوه، إلا أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء، وإن تعلقت بالخشية والرجاء.
{وَيَتَجَنَّبُها الأشْقَى} يعني يتجنب التذكرة الكافر الذي قد صار بكفره شقياً. {الذي يَصْلَى النّارَ الكُبْرىَ} فيه وجهان:
أحدهما: هي نار جهنم، والصغرى نار الدنيا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: الكبرى نار الكفار في الطبقة السفلى من جهنم، والصغرى نار المذنبين في الطبقة العليا من جهنم، وهو معنى قول الفراء.
{ثم لا يَمُوتُ فيها ولا يَحْيَا} فيه وجهان:
أحدهما: لا يموت ولا يجد روح الحياة، ذكره ابن عيسى.
الثاني: أنه يعذب لا يستريح ولا ينتفع بالحياة، كما قال الشاعر:
ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي ** عَناها ولا تحْيا حياةً لها طَعمْ.

.تفسير الآيات (14- 19):

{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
{قد أفْلَحَ من تَزَكّى} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: من تطهّر من الشرك بالإيمان، قاله ابن عباس.
الثاني: من كان صالح عمله زكياً نامياً، قاله الحسن والربيع.
لم يذكر الثالث:
الرابع: أنه عنى زكاة الأموال كلها، قاله ابو الأحوص.
ويحتمل خامساً: أنه من ازداد خيراً وصلاحاً.
{وذكَرَ اسمَ ربِّه فَصَلّى} فيه ستة أوجه:
أحدها: أن يوحد الله، قاله ابن عباس.
الثاني: أن يدعوه ويرغب إليه.
الثالث: أن يستغفروه ويتوب إليه.
الرابع: أن يذكره بقلبه عند صلاته فيخاف عقابه ويرجو ثوابه، ليكون استيفاؤه لها وخشوعه فيها بحسب خوفه ورجائه.
الخامس: أن يذكر اسم ربه بلسانه عند إحرامه بصلاته، لأنها لا تنعقد إلا بذكره. السادس: أن يفتتح كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفي قوله {فصلّى} ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصلوات الخمس، قاله ابن عباس.
الثاني: صلاة العيد، قاله أبو سعيد الخدري.
الثالث: هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة، قاله أبو الأحوص.
وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
{بل تُؤْثرون الحياةَ الدُّنْيا} فيه وجهان:
أحدهما: أن المراد بها الكفار، فيكون تأويلها: بل تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.
الثاني: أن المراد بها المسلمون، فيكون تأويلها: يؤثرون الاستكثار من الدنيا للاستكثار من الثواب.
{والآخِرةُ خَيْرٌ وأَبْقَى} فيه وجهان:
أحدهما: خير للمؤمن من الدنيا، وأبقى للجزاء.
الثاني: ما قاله قتادة خير في الخير وأبقى في البقاء.
ويحتمل به وجهاً ثالثاً: يتحرر به الوجهان: والآخرة خير لأهل الطاعة وأبقى على أهل الجنة.
{إنّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني أن الآخرة خير وأبقى في الصحف الأولى، قاله قتادة.
الثاني: أن ما قصَّهُ الله في هذه السورة هو من الصحف الأولى.
الثالث: هي كتب الله كلها، وحكى وهب بن منبه في المبتدإ أن جميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه مائة صحيفة وخمس صحف وأربعة كتب، منها خمسة وثلاثون صحيفة أنزلها على شيث بن آدم وخمسون صحيفة أنزلها على إدريس، وعشرون صحيفة أنزلها على إبراهيم، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد عليهم السلام.