فصل: تفسير الآيات (45- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (45- 47):

{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} وفي تسميته بالمسيح قولان:
أحدهما: لأنه مُسِحَ بالبركة، وهذا قول الحسن وسعيد.
والثاني: أنه مُسِحَ بالتطهر من الذنوب.
قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} وفي سبب كلامه في المهد قولان:
أحدهما: لتنزيه أمه مما قُذِفَتْ به.
والثاني: لظهور معجزته.
واختلفوا هل كان في وقت كلامه في المهد نبياً على قولين:
أحدهما: كان في ذلك الوقت نبياً لظهور المعجزة منه.
والثاني: أنه لم يكن في ذلك الوقت نبياً وإنما جعل الله ذلك تأسيساً لنبوتّه.
والمهد: مضجع الصبي، مأخوذ من التمهيد.
ثم قال تعالى: {وَكَهْلاً} وفيه قولان:
أحدهما: أن المراد بالكهل الحليم، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أنه أراد الكهل في السنّ.
واختلفوا: بلوغ أربع وثلاثين سنة.
والثاني: أنه فوق حال الغلام ودون حال الشيخ، مأخوذ من القوة من قولهم اكتهل البيت إذ طال وقوي.
فإن قيل فما المعنى في الإخبار بكلامه كهلاً وذلك لا يستنكر؟ ففيه قولان:
أحدها: أنه يكلمهم كهلاً بالوحي الذي يأتيه من الله تعالى.
والثاني: انه يتكلم صغيراً في المهد كلام الكهل في السنّ.

.تفسير الآيات (48- 54):

{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عَيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني من أنصاري مع الله.
والثاني: معناه من أنصاري في السبيل إلى الله، وهذا قول الحسن.
والثالث: معناه من ينصرني إلى نصر الله.
وواحد الأنصار نصير.
{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ} اخْتُلِف في تسميتهم بالحواريين على ثلاثة أقاويل:
أحدها: انهم سُمُّوا بذلك لبياض ثيابهم، وهذا قول سعيد بن جبير.
والثاني: أنهم كانوا قَصَّارين يبيضون الثياب، وهذا قول ابن أبي نجيح.
والثالث: أنهم خاصة الأنبياء، سموا بذلك لنقاء قلوبهم، وهذا قول قتادة، والضحاك. وأصل الحواري: الحَوَر وهو شدة البياض، ومنه الحواري من الطعام لشدة بياضه، والحَوَر نقاء بياض العين.
واختلفوا في سبب استنصار المسيح بالحواريين على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه استنصر بهم طلباً للحماية من الكفار الذين أرادوا قتله حين أظهر دعوته، وهذا قول الحسن، ومجاهد.
والثاني: أنه استنصر بهم ليتمكن من إقامة الحجة وإظهار الحق.
والثالث: لتمييز المؤمن الموافق من الكافر المخالف.
قوله تعالى: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} فيه قولان:
أحدهما: يعني صِلْ ما بيننا وبينهم بالإخلاص على التقوى.
والثاني: أثْبِتْ أسماءنا مع أسمائهم لننال ما نالوا من الكرامة.
قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم مكروا بالمسيح عليه السلام بالحيلة عليه في قتله، ومكر الله في ردهم بالخيبة لإلقاء شبه المسيح على غيره، وهو قول السدي.
والثاني: مكروا بإضمار الكفر، ومكر الله بمجازاتهم بالعقوبة، وإنما جاز قوله: {وَمَكَرَ اللَّهُ} على مزواجة الكلام وإن خرج عن حكمه، نحو قوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وليس الثاني اعتداءً، وأصل المكر: الالتفاف، ولذلك سمي الشجر الملتف مكراً، والمكر هو الاحتيال على الإنسان لالتفاف المكروه به.
والفرق بين المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إلى الإضرار، والمكر: التوصل إلى إيقاع المكروه به.

.تفسير الآيات (55- 58):

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: معناه إني قابضك برفعك إلى السماء من غير وفاة بموت، وهذا قول الحسن، وابن جريج، وابن زيد.
والثاني: متوفيك وفاة نوم للرفع إلى السماء، وهذا قول الربيع.
والثالث: متوفيك وفاة بموت، وهذا قول ابن عباس.
والرابع: أنه من المقدم والمؤخر بمعنى رافعك ومتوفيك بعده، وهذا قول الفراء.
وفي قوله تعالى: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} قولان:
أحدهما: رافعك إلى السماء.
والثاني: معناه رافعك إلى كرامتي.
{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} فيه قولان:
أحدهما: أن تطهيره منهم هو منعهم من قتله.
الثاني: أنه إخراجه من بينهم.
{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} فيه تأويلان:
أحدهما: فوقهم بالبرهان والحجة.
والثاني: بالعز والغلبة.
وفي المعنيّ بذلك قولان:
أحدهما: أن الذين آمنوا به فوق الذين كذّبوه وكذَبوا عليه، وهذا قول الحسن، وقتادة، والربيع، وابن جريج.
والثاني: أن النصارى فوق اليهود، لأن النصارى أعز واليهود أذل، وفي هذا دليل على أنه لا يكون مملكة إلى يوم القيامة بخلاف الروم.

.تفسير الآيات (59- 63):

{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: في عيسى.
والثاني: في الحق.
{مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} والذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة هم نصارى نجران.
وفي قوله: {نَبْتَهِلْ} تأويلان:
أحدهما: معناه نلتعن.
والثاني: ندعو بهلاك الكاذب، ومنه قول لبيد:
...................... ** نظر الدهر إليهم فابتهل

أي دعا عليهم بالهلاك.
فلما نزلت هذه الآية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم دعا النصارى إلى المباهلة، فأحجموا عنها، وقال بعضهم لبعض: إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً.

.تفسير الآية رقم (64):

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قوله تعالى: {قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية وفي المقصود بذلك قولان:
أحدهما: أنهم نصارى نجران، وهذا قول الحسن والسدي وابن زيد.
والثاني: انهم يهود المدينة، وهذا قول قتادة، والربيع، وابن جريح.
{وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: هو طاعة الاتباع لرؤسائهم في أوامرهم بمعاصي الله، وهذا قول ابن جريح.
والثاني: سجود بعضهم لبعض، هذا قول عكرمة.

.تفسير الآيات (65- 68):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قوله تعالى: {يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ} وسبب نزول هذه الآية أن اليهود والنصارى اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعوا في أمره فقالت اليهود: ما كان إلا يهودياً، وقالت النصارى: ما إلا نصرانياً، فنزلت هذه الآية تكذيباً للفريقين بما بيَّنه من نزول التوراة والإنجيل من بعده.
قوله تعالى: {هَأَنتُمْ هَؤُلآءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلْمٌ} يعني ما وجدوه في كتبهم.
{فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ} يعني من شأن إبراهيم.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} يعني شأن إبراهيم.
{وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فالتمسوه من عِلَلِه.

.تفسير الآيات (69- 74):

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
قوله تعالى: {يَأَهل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: وأنتم تشهدون بما يدل على صحتها من كتابكم الذي فيه البشارة بها، وهذا قول قتادة، والربيع، والسدي.
والثاني: وأنتم تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي تقرون بها.
والثالث: وأنتم تشهدون بما عليكم فيه الحجة.
قوله تعالى: {يَأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} فيه تأويلان:
أحدهما: تحريف التوارة والإنجيل، وهذا قول الحسن، وابن زيد.
والثاني: الدعاء إلى إظهار الإسلام في أول النهار والرجوع عنه في آخره قصداً لتشكيك الناس فيه، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثالث: الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
{وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ} يعني ما وجدوه عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به في كتبهم عناداً من علمائهم.
{وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} يعني الحق بما عرفتموه من كتبكم.
قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَن تَبعَ دِينَكُمْ} فيه قولان:
أحدهما: معناه لا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم.
والثاني: لا تعترفوا بالحق إلا لمن تبع دينكم.
واخْتُلِفَ في تأويل ذلك على قولين:
أحدهما: أنهم كافة اليهود، قال ذلك بعضهم لبعض، وهذا قول السدي، وابن زيد.
والثاني: أنهم يهود خبير قالوا ذلك ليهود المدينة، وهذا قول الحسن.
واختلف في سبب نهيهم أن يؤمنوا إلا لِمَنْ تَبعَ دينهم على قولين:
أحدهما: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاً يكون طريقاً لعبدة الأوثان إلى تصديقه، وهذا قول الزجاج.
والثاني: أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاَّ يعترفوا به فيلزمهم العمل بدينه لإقرارهم بصحته.
{قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أن في الكلام حذفاً، وتقديره: قل إن الهدى هدى الله ألاَّ يُؤْتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم أُّيها المسلمون، ثم حذف (لا) من الكلام لدليل الخطاب عليها مثل قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا} [النساء: 176] أي لا تضلوا، وهذا معنى قول السدى، وابن جريج.
والثاني: أن معنى الكلام: قل إن الهدى هدى الله فلا تجحدوا أن يُؤْتى أحد مثل ما أوتيتم.
{أَوْ يُحَآجُّوكُم عِندَ رَبِّكُم} فيه قولان:
أحدهما: يعني ولا تؤمنوا أن يُحَاجّوكم عند ربكم لأنه لا حجة لهم، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني: إن معناه حتى يُحَاجُّوكم عند ربكم، على طريق التبعيد، كما يقال: لا تلقاه أو تقوم الساعة، وهذا قول الكسائي، والفراء.
قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ} فيه قولان:
أحدهما: أنها النبوة، وهو قول الحسن، ومجاهد، والربيع.
والثاني: القرآن والإسلام، وهذا قول ابن جريج.
واختلفوا في النبوة هل تكون جزاءً على عمل؟ على قولين:
أحدهما: أنها جزاء عن استحقاق.
والثاني: أنها تفضل لأنه قال: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ}.