فصل: تفسير الآيات (190- 194):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (190- 194):

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَن ءَامِنُوا ِبربِّكُمْ فَآمنّا} في المنادي قولان:
أحدهما: أنه القرآن وهو قول محمد بن كعب القرظي قال: ليس كل الناس سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: انه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن جريج وابن زيد.
{يُنَادِي لِلإِيمَانِ} أي إلى الإيمان، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا} [الأعراف: 43] بمعنى إلى هذا. ومنه قول الراجز:
أوحى لها القرار فاستقرت ** وشدها بالراسيات الثُّبّتِ

يعني أوحى إليها كما قال تعالى: {بِأنَّ ربكَ أوحى لها} [الزلزلة: 5] أي إليها.
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} فإن قيل فقد علمواْ أن الله تعالى منجز وعده فما معنى هذا الدعاء والطلب، ففي ذلك أربعة أجوبة:
أحدها: أن المقصود به، مع العلم بإنجاز وعده، الخضوع له بالدعاء والطلب.
والثاني: أن ذلك يدعو إلى التمسك بالعمل الصالح.
والثالث: معناه أجعلنا ممن وعدته ثوابك.
والرابع: يعني عّجل إلينا إنجاز وعدك وتقديم نصرك.

.تفسير الآية رقم (195):

{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى} حكى مجاهد، وعمرو بن دينار أن سبب نزول هذه الآية أم سلمة قالت: يا رسول الله ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء؟ فنزلت هذه الآية.
{بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ} أي الإناث من الذكور، والذكور من الإناث.

.تفسير الآيات (196- 198):

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}
قوله تعالى: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ} فإن قيل: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز عليه الاغترار فكيف خوطب بهذا، فعنه جوابان:
أحدهما: أن الله عز وجل إنما قال له ذلك تأديباً وتحذيراً.
والثاني: أنه خطاب لكل من سمعه، فكأنه قال: لا يغرنك أيها السامع تقلب الذين كفروا في البلاد.
وفي تقلبهم قولان:
أحدهما: يعني تقلبهم في نعيم البلاد.
والثاني: تقلبهم غير مأخوذين بذنوبهم.

.تفسير الآيات (199- 200):

{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ} اختلفوا في سبب نزولها على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في النجاشي، روى سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُخْرُجُوا فَصَلُّواْ عَلَى أخٍ لَكُم فَصَلَّى بِنَا أَرْبَعَ تَكْبِيراتٍ، فَقَالَ هَذَا النَجَّاشِيُّ أصحمة» فَقَالَ المْنَافِقُونَ: انظرواْ إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط فأنزل الله تعالى هذه الآية، وهو قول قتادة.
والثاني: أنها نزلت في عبد الله بن سلام وغيره من مُسلمة أهل الكتاب، وهذا قول مجاهد، وابن جريج.
قوله تعالى: {يَاَ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُوا} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: اصبرواْ على طاعة الله، وصابرواْ أعداء الله، ورابطواْ في سبيل الله، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن جريج، والضحاك.
والثاني: اصبرواْ على دينكم، وصابرواْ الوعد الذي وعدكم، ورابطواْ عدوي وعدوكم، وهو قول محمد بن كعب.
والثالث: اصبرواْ على الجهاد، وصابرواْ العدو، ورابطواْ بملازمة الثغر، وهو مأخوذ من ربط النفس، ومنه قولهم ربط الله على قلبه بالصبر، وهو معنى قول زيد بن أسلم.
والرابع: رابطوا على الصلوات بانتظارها واحدة بعد واحدة: روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أَدُلَّكُم عَلَى مَا يَحِطُّ بِه اللهُ الخَطَايَا ويَرْفُعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُواْ بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرةُ الخُطَا إلىَ المَسَاجِدِ وَانتِظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذّلِكُمُ الرَّباط».

.سورة النساء:

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم، وفي ذلك نعمة عليكم لأنه أقرب إلى التعاطف بينكم.
{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء، قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن خلقت من ضلع آدم، وقيل الأيسر، ولذلك قيل للمرأة: ضلع أعوج.
{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيراً وَنِسَاءً} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزولها عليه: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمَّهَا فِي الرَّجُلُ مِنَ التَّرابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرابِ».
{وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ} ومعنى قوله تساءلون به، هو قولهم أسألك بالله وبالرحم، وهذا قول مجاهد وإبراهيم، وقرأ حمزة والأرحام بالكسر على هذا المعنى.
وفي الأرحام قولٌ آخر: أنه أراد صِلُوها ولا تقطعوها، وهو قول قتادة، والسدي، لأن الله تعالى قصد بأول السورة حين أخبرهم أنهم من نفس واحدة أن يتواصلواْ ويعلمواْ أنهم إخوة وإن بعدواْ.
{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيباً} فيه تأويلان:
أحدهما: حفيظاً، وهو قول مجاهد.
والثاني: عليماً، وهو قول ابن زيد.

.تفسير الآيات (2- 4):

{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}
قوله تعالى: {وَءَاتُواْ اليَتَامَى أَمْوَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: الحرام بالحلال، وهو قول مجاهد.
والثاني: هو أن يجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين ويقول درهم بدرهم، وشاة بشاة، وهو ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي.
والثالث: هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال، وهو معنى قول مجاهد.
والرابع: أن أهل الجاهلية كانواْ لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل الأكبر، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب، وأخذه الكل خبيث، وهو قول ابن زيد.
{وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها.
{إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} والحُوب: الإثم، ومنه قولهم تحوّب فلانٌ من كذا، إذا توقى، قال الشاعر:
فإن مهاجرين تكنفاهُ ** غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا

قال الحسن البصري: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكواْ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم} [البقرة: 220] أي فخالطوهم واتقوا إثمه.
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَآءِ} فيه أربع تأويلات:
أحدها: يعني إن خفتم ألا تعدلواْ في نكاح اليتامى، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء، وهو قول عائشة رضي الله عنها.
والثاني: أنهم كانواْ يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى، ولا يخافون أن لا يعدلواْ في النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يريد كما خفتم ألاّ تعدلواْ في أموال اليتامى، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء، وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة.
والثالث: أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى، فقال كما خفتم في أموال اليتامى، فخافواْ الزنى، وانحكوا ما طاب لكم من النساء، وهذا قول مجاهد.
والرابع: إن سبب نزولها، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته، وقَلَّ مالُه، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ}.
وفي قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ} قولان:
أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ. وهذا قول الفراء.
والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً. وهذا قول مجاهد.
{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} تقديراً لعددهن وحصراً لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة.
{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} معدول به عن اثنين وثلاث وأربع، وكذلك أُحاد وموحد، وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع، وهو اسم للعدد معرفة، وقد جاء الشعر بمثل ذلك، قال تميم بن أبي مقبل:
ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه ** أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله

وقال آخر:
قتلنا به من بين مَثْنى وموحد ** بأربعة منكم وآخر خامس

قال أبو عبيدة: ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته إلا في بيت للكميت، فإنه قال في العشرة عُشار وهو قوله:
فلم يَسْتَرِيَثُوكَ حتى رَمِدْ ** ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً

وقال أبو حاتم: بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة، وأنشد قول الشاعر:
ضربت خماس ضربة عبشمي ** أدار سداس ألاَّ يستقيما

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا} يعني في الأربع، {فَوَاحِدَةً} يعني من النساء.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني في الإماء.
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون، وهو قول الشافعي.
والثاني: معناه ألاّ تضلواْ، وهو قول ابن إسحاق، ورواه عن مجاهد.
والثالث: ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس، وقتادة، وعكرمة.
وأصل العول الخروج عن الحد ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب:
بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً ** ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل

أي غير مائل.
وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان قسطٍ لا أعول.
قوله تعالى: {وءَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} اختلف فِيمَنْ توجَّه إليه هذا الخطاب على قولين:
أحدهما: أنه متوجه إلى الأزواج، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء، لأنهم كانواْ يتملكون في الجاهلية صداق المرأة، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن، وهو قول أبي صالح.
وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل، وسمي الدين نِحْلَةَ، لنه عطية من الله، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان:
أحدهما: أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل.
والثاني: لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده.
وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات:
أحدها: يعني فريضة مُسَمَّاة، وهو قول قتادة، وابن جريج.
والثاني: أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء، وهو قول أبي صالحٍ.
والثالث: انه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار، والنكاح بغير صداق، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر.
والرابع: انه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة، وهو قول بعض المتأخرين.
{فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء.
{فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً} الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء، ومنه هنأ البعير للشفاء، قال الشاعر:
متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه ** يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ