فصل: تفسير الآيات (27- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (27- 31):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ} فيهما قولان:
أحدهما: أنهما من بني إسرائيل، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنهما ابنا آدم لصلبه، وهما هابيل وقابيل، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، ومجاهد، وقتادة.
{إِذْ قَرَّبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} والقربان: هو البر الذي يقصد من رحمة الله، وهو فعلان من القرب.
واختلف في السبب الذي قربا لأجله قرباناً على قولين:
أحدهما: أنهما فعلاه لغير سبب.
والثاني: وهو أشهر القولين أن ذلك لسبب، وهو أن حواء كانت تضع في كل عام غلاماً وجارية، فكان الغلام يتزوج من أحد البطنين بالجارية من البطن الآخر، وكان لكل واحد من ابني آدم هابيل وقابيل توأمة، فأراد هابيل أن يتزوج بتوأمة قابيل فمنعه، وقال أنا أحق بها منك.
واختلف في سبب منعه على قولين:
أحدهما: أن قابيل قال لهابيل أنا أحق بتوأمتي منك، لأننا من ولادة الجنة وأنت من ولادة الأرض.
الثاني: أنه منعه منها لأن توأمته كانت أحسن من هابيل ومن توأمته، فقربا قرباناً وكان قابيل حراثاً، وهابيل راعياً، فقرب هابيل سخلة سمينة من خيار ماله، وقرب قابيل حزمة سنبل من شر ماله، فنزلت نار بيضاء فرفعت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، وكان ذلك علامة القبول ولم يكن فيهم مسكين يتقرب بالصدقة عليه وإنما كانت قُرَبُهُم هكذا.
قال أبو جعفر الطبري: وكانت سخلة هابيل المقبولة ترعى في الجنة حتى فَدَى الله تعالى بها إٍحاق بن إبراهيم الذبيح.
واختلف في سبب قبول قربان هابيل على وجهين:
أحدهما: لأنه كان أتقى لله من قابيل لقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، والتقوى ها هنا الصلاة، على ما ذكره المفسرون.
الثاني: لأن هابيل تقرب بخيار ماله فَتُقُبِّل منه، وقابيل تقرب بشر ماله، فلم يُتَقَبَّل منه، وهذا قول بعد الله بن عمر، وأكثر المفسرون.
واختلف في قربانهما هل كان بأمر آدم، أو من قبل أنفسهما على قولين:
أحدهما: أنهما قربا بأمر آدم حين اختصما إليه.
والثاني: أنهما قربا من قِبَل أنفسهما.
وكان آدم قد توجه إلى مكة، ليراها ويزور البيت بها عن أمر به، وكان قد عرض الأمانة في حفظ أهله على السموات فأبت، فعرضها على الأرض فأبت، فعرضها على الجبال فأبت، فعرضها على قابيل فقبلها، ثم توجه وعاد فوجد قابيل قد قتل هابيل وشربت الأرض دمه، فبكى ولعن الأرض لشربها دمه، فأنبتت الشوك، ولم تشرب بعده دماً.
روى غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني عن علي قال: لما قتل قابيل بن آدم هابيل أخاه بكاه آدم عليه السلام فقال:
تَغَيَّرَتِ البِلادُ ومَنْ عليها ** فوَجْهُ الأرْضِ مُغْبَرٌ قبيحٌ

تَغَيَّرَ كلُّ ذِي لَوْنٍ ** وقَلَّ بَشَاشَةُ الوَجْهِ المَلِيحْ

قال فأجيب آدم:
أبا هابيل قد قُتِلا جَمِيعاً ** وصارَ الحَيُّ كالمَيِّتِ الذَّبِيحْ

وجَاءَ بِشَرِّ ما قَدْ كانَ منه ** على خَوْفٍ فَجَاءَ بها تَصِيحْ

واختلف في قابيل هل كان عند قتل أخيه كافراً أو فاسقاً؟ فقال قوم كان كافراً، وقال آخرون بل كان رجل سوء فاسقاً.
قال ابن جريج: لم يزل بنو آدم في نكاح الأخوات حتى مضي أربعة آباء، فنكح ابنة عمه وذهب نكاح الأخوات.
قوله تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ} معناه لئن بدأتني بالقتل لم أبدأك بمثله، وفي امتناعه من دفعه قولان:
أحدهما: منعه منه التحرج مع قدرته عليه وجوازه له، وهذا قول ابن عباس، وعبد الله بن عمر.
والثاني: أنه لم يكن له الامتناع ممن أراد إذ ذاك، وهذا قول مجاهد والحسن.
قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} معناه ترجع، وفيه تأويلان: إحدهما: أن تبوء بإثم قتلي وإثمك الذي عليك من معاصيك وذنوبك، وهذا قول ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني: يعني أن تبوء بإثمي في خطاياي، وإثمك بقتلك لي، فتبوء بهما جميعاً، وهذا قول مجاهد.
وروى الأعمش، عند عبد الله بن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ نَفْسٍ تُقتَلُ ظُلْماً إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».
قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} معنى طوعت أي فعلت من الطاعة، وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يعنى شجعت، وهو قول مجاهد.
والثاني: يعني زينت، وهو قول قتادة.
والثالث: يعني فساعدته.
وكان هابيل أول من قُتِلَ في الأرض، وقيل إن قابيل لم يدر كيف يقتله حتى ظهر له إبليس فعلمه، وقيل إنه قتله غيلة، بأن ألقى عليه وهو نائم صخرة، شدخه بها.
قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني عورة أخيه.
والثاني: جيفة أخيه لأنه تركه حتى أنتن، فقيل لجيفته سوأة.
وفي الغراب المبعوث قولان:
أحدهما: أنه كان ملكاً على صورة الغراب، فبحث الأرض على سوأة أخيه حتى عرف كيف يدفنه.
والثاني: أنه كان غراباً بحث الأرض على غراب آخر.
{قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخَي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} قيل إنه ندم علىغير الوجه الذي تصح منه التوبة، فلذلك لم تقبل منه، ولو ندم على الوجه الصحيح لقبلت توبته.
وروى معمر، عن قتادة، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إِنَّ ابْنَي آدَمَ ضَرَبَ مَثَلاً لِهَذِهِ الأَمَّةِ، فَخُذُوا مِنْ خَيرِهِمَا، وَدَعُوا شَرَّهُمَا».

.تفسير الآيات (32- 34):

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}
قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذلِكَ} يعني من أجل أن ابن آدم قتل أخاه ظلماً.
{كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} يعني من قتل نفساً ظلماً بغير نفس قتلت، فيقتل قصاصاً، أو فساد في الأرض استحقت به القتل، الفساد في الأرض يكون بالحرب لله ولرسوله وإخافة السبيل.
{فَكَأَنَّمَ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} فيه ستة تأويلات:
أحدها: يعني من قتل نبياً أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن شد على يد نبى أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعاً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: معناه فكأنما قتل الناس جميعاً عند المقتول، ومن أحياها فاستنفذها من هلكة، فكأنما أحيا الناس جميعاً عند المستنفذ، وهذا قول ابن مسعود.
والثالث: معناه أن قاتل النفس المحرمة يجب عليه من القود والقصاص مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعاً، ومن أحياها بالعفو عن القاتل، أعطاه الله من الأجر مثل ما لو أحيا الناس جميعاً، وهذا قول ابن زيد وأبيه. والرابع: معناه أن قاتل النفس المحرمة يَصْلَى النار كما يَصْلاها لو قتل الناس جيمعاً، ومن أحياها، يعني سلم من قتلها، فكأنما سلم من قتل الناس جميعاً، وهذا قول مجاهد.
والخامس: أن على جميع الناس (جناية القتل) كما لو قتلهم جميعاً، ومن أحياها بإنجائها من غرق أو حرق أو هلكة، فعليهم شكره كما لو أحياهم جميعاً. والسادس: أن الله تعالى عظم أجرها ووزرها فإحياؤها يكون بمالك أو عفوك، وهذا قول الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً} اختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض، فعرف الله نبيه الحكم فيهم، وهذا قول ابن عباس.
الثاني: أنها نزلت في العُرَنِيِّينَ ارتدوا عن الإِسلام وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا إبله، وهذا قول أنس بن مالك، وقتادة.
والثالث: أنها نزلت إخباراً من الله تعالى بحكم من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فساداً.
واختلف في المستحق اسم المحارب لله ورسوله الذي يلزمه حكم هذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الزنى والقتل والسرقة، وهذا قول مجاهد.
والثاني: أنه المجاهر بقطع الطريق والمكابر باللصوصية في المِصْر وغيره، وهذا قول الشافعي، ومالك، والأوزاعي.
والثالث: أنه المجاهر بقطع الطريق دون المكابر في المِصْر، وهذا قول أبي حنيفة، وعطاء الخراساني.
{أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْض} جعل الله هذا حكم المحارب، وفيه قولان:
أحدهما: أنها على التخيير وأن الإِمام فيهم بالخيار بين أن يقتل أو يصلب أو يقطع أو ينفي، وهذا قول سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم.
والثاني: أنها مرتبة تختلف على قدر اختلاف الأفعال: أن يقتلوا إذا قتلوا، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي.
وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك العرنيين وهم من بجيلة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن القصاص فيمن حارب، فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته ورجله لإِخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل افرج فاصلبه.
أما قوله تعالى: {أَوْ يُنفَوا مِنَ الأَرْضِ} فقد اختلف أهل التأويل فيه على أربعة أوجه:
أحدها: أنه نفيهم وإبعادهم من بلاد الإِسلام إلى بلاد الشرك، وهو قول أنس: والحسن، وقتادة، السدي، والزهري، والضحاك، والربيع.
والثاني: أنه إخراجهم من مدينة إلى أخرى، وهو قول عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن جبير.
والثالث: أنه الحبس، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والرابع: هو أن يطلبوا لتقام الحدود عليهم فيُبْعَدُوا، وهذا قول ابن عباس، والشافعي، والليث بن سعد.
قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فيه ستة أقاويل، أحدها: إلا الذين تابوا من شركهم وسعيهم في الأرض فساداً بإسلامهم، فأما المسلمون فلا يتسقط التوبة عنهم حداً وجب عليهم، وهذا قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة.
الثاني: إلا الذين تابوا من المسلمين المحاربين بأمان من الإِمام قبل القدرة عليهم، فأما التائب بغير أمان فلا، وهذا قول عليّ عليه السلام، والشعبي، وروى الشعبي أن خارجة بن زيد خرج محارباً فأخاف السبيل، وسفك الدماء، وأخذ الأموال، وجاء تائباً من قبل القدرة عليه، فقبل عليّ توبته وجعل له أماناً منشوراً على ما كان أصاب من دم ومال.
والثالث: إلا الذين تابوا بعد أن لحقوا بدار الحرب وإن كان مسلماً ثم جاء تائباً قبل القدرة عليه، وهذا قول عروة بن الزبير.
والرابع: إن كان في دار الإٍسلام في منعة وله فئة يلجأ إليها وتاب قبل القدرة عليه قبلت توبته، وإن لم يكن له فئة يمتنع بها وتاب لم تسقط عنه توبته شيئاً من عقوبته، وهذا قول ابن عمر، وربيعة، والحكم بن عيينة.
والخامس: أن توبته قبل القدرة عليه تضع عنه حدود الله تعالى دون حقوق الآدميين، وهذا قول الشافعي.
والسادس: أن توبته قبل القدرة عليه تضع عنه سائر الحقوق والحدود إلا الدماء، وهذا مذهب مالك.