فصل: تفسير الآيات (35- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (35- 40):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}
قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} وهي في قراءة عبد الله ابن مسعود: والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما.
إنما بدأ الله تعالى في السرقة بالسارق قبل السارقة، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني، لأن حب المال على الرجال أغلب، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب، ثم جعل حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به، لثلاثة معانٍ:
أحدها: أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه.
والثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر، وقطع الذكر في الزنى باطن،
والثالث: أن في قطع الذكر إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله.
وقد قطع السارق في الجاهلية، وأول من حكم بقطعه في الجاهلية الوليد ابن المغيرة، فأمر الله تعالى بقطعه في الإِسلام، فكان أول سارق قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإِسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقال: «لَو كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ».
وقطع عمر ابن سمرة أخا عبد الرحمن بن سمرة.
والقطع في السرقة حق الله تعالى لا يجوز العفو عنه بعد علم الإِمام به، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في سارق رداء صفوان حين أمر بقطعه، فقال صفوان: قد عفوت عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟ لاَ عَفَا اللَّهُ عَنِّي إِنْ عَفَوتُ». وروي أن معاوية بن أبي سفيان أُتِيَ بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقدم ليقطع فقال:
يميني أمير المؤمنين أعيذها ** بعفوك أن تلقى مكاناً يشينها

يدي كانت الحسناء لو تم سبرها ** ولا تعدمُ الحسناءُ عابا يعيبها

فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة ** إذا ما شمالي فارقتها يمينها

فقال معاوية: كيف أصنع وقد قطعت أصحابك، فقالت أم السارق: يا أمير المؤمنين اجعلها من ذنوبك التي تتوب منها، فَخَلَّى سبيله، فكان أول حد ترك في الإٍسلام.
ولوجوب القطع مع ارتفاع الشبهة شرطان هما: الحرز والقدر، وقد اختلف الفقهاء في قدر ما تقطع فيه اليد خلافاً، كُتُبُ الفقه أولى.
واختلف أهل التأويل حينئذ لأجل استثناء القطع وشروطه عمن سرق من غير حرز أو سرق من القدر الذي تقطع فيه اليد في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} هل هو عام خُصّ؟ أو مجمل فُسِّر على وجهين.
أحدهما: أنه العموم الذي خُصّ.
والثاني: أنه المجمل الذي فُسِّر.
ثم قال تعالى: {جَزَآءً بِمَا كَسَبا} فاختلفوا هل يجب مع القطع غُرْم المسروق إذا استهلك على مذهبين:
أحدهما: أنه لا غرم، وهذا قول أبي حنيفة.
والثاني: يجب فيه الغرم، وهو مذهب الشافعي.
وذكر الكلبي أن هذه الآية نزلت في طعمة بن أبيرق سارق الدرع. قوله تعالى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} في التوبة ها هنا قولان:
أحدهما: أنها كالتوبة من سائر المعاصي والندم على ما مضى والعزم على ترك المعاودة.
والثاني: أنها الحد، وهو قول مجاهد.
وقد روى عبد الله بن عمرو قال: سرقت امرأة حلياً فجاء الذين سرقتهم فقالوا: يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقْطَعُوا يَدَهَا الْيُمْنَى» فقالت المرأة: هل لي من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنْتِ الْيَوْمَ مِنْ خَطِيئَتِكِ كَيَوْمِ وَلَدَتْكِ أُمُّكِ» فأنزل الله تعالى: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}.
قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ويَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ} فيه تأويلان:
أحدهما: يغفر لمن تاب من كفره، ويعذب من مات على كفره، وهذا قول الكلبي.
الثاني: يعذب من يشاء في الدنيا على معاصيهم بالقتل والخسف والمسخ والآلام وغير ذلك من صنوف عذابه، ويغفر لمن يشاء منهم في الدنيا بالتوبة واستنقاذهم بها من الهلكة وخلاصهم من العقوبة.

.تفسير الآيات (41- 44):

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}
قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِن الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} يعني به المنافقين المظهرين للإِيمان المبطنين للكفر.
{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ} يعني اليهود.
{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} ليكذبوا عليك عندهم إذا أتوا من بعدهم، وهذا قول الحسن، والزجاج.
والثاني: أن معنى قوله: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أى قائلون للكذب عليك. و{سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} يعني في قصة الزاني المحصن من اليهود الذي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكروه، وهذا قول ابن عباس.
{يُحرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضَعِهِ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم إذا سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم غيروه بالكذب عليه، وهذا قول الحسن.
والثاني: هو تغيير حكم الله تعالى في جَلْد الزاني بدلاً من رجمه، وقيل في إسقاط القود عند استحقاقه.
{يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه يريد بذلك حين زنى رجل منهم بامرأة فأنفذوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم وقالوا: إن حكم عليكم بالجلد فاقبلوه وإن حكم عليكم بالرجم فلا تقبلوه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى مدارس توارتهم وفيها أحبارهم يتلون التوراة، فأتى عبد الله بن صوريا، وكان أعور، وهو من أعلمهم فقال له أسألك بالذي أنزل التوراة بطور سيناء على موسى بن عمران هل في التوراة الرجم؟ فأمسك، فلم يزل به حتى اعترف، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قال عبد الله: وكنت فيمن رجمه وأنه ليقيها الأحجار بنفسه حتى ماتت، ثم إن ابن صوريا أنكر وفيه أنزل الله تعالى هذه الآية وهذا قول ابن عباس، وجابر، وسعيد بن المسيب، والسدي، وابن زيد.
والقول الثاني: أن ذلك في قتيل منهم، قال الكلبي: قتلت بنو النضير رجلاً من بني قريظة وكانوا يمتنعون بالاستطالة عليهم من القود بالدية، وإذا قتلت بنو قريظة منهم رجلاً لم يقنعوا إلا بالقود دون الدية، قالوا: إن أفتاكم بالدية فاقبلوه وإن أفتاكم بالقود فردوه، وهذا قول قتادة.
{وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ} فيه ثلاث تأويلات.
أحدها: عذابه، وهذا قول الحسن.
والثاني: إضلاله، وهو قول السدي.
والثالث: فضيحته، وهو قول الزجاج.
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: لم يطهرها من الضيق والحرج عقوبة لهم.
والثاني: لم يطهرها من الكفر.
قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} فيه أربعة تأويلات.
أحدهما: أن السحت الرشوة، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الرشوة في الحكم، وهو قول علي.
والثالث: هو الاستعجال في القضية، وهو قول أبي هريرة.
والرابع: ما فيه الغارّ من الأثمان المحرمة: كثمن الكلب، والخنزير، والخمر وعسب افحل، وحلوان الكاهن.
وأصل السحت الاستئصال، ومنه قوله تعالى: {فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} أي يستأصلكم، وقال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحتاً أو مجلف

فسمي سحتاً لأنه يسحت الدين والمروءة.
{فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَْعْرِضْ عَنْهُمْ} فيمن أريد بذلك قولان:
أحدهما: اليهوديان اللذان زنيا خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهما بالرجم أو يدع، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والزهري.
والثاني: أنها في نفسين من بني قريظة وبني النضير قتل أحدهما صاحبه فخّير رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احتكامهما إليه بين أن يحكم بالقود أو يدع، وهذا قول قتادة.
واختلفوا في التخيير في الحكم بينهم، هل هو ثابت أو منسوخ؟ على قولين: أحدهما: أنه ثابت وأن كل حاكم من حكام المسلمين مخير في الحكم بين أهل الذمة بين أن يحكم أو يدع، وهذا قول الشعبي، وقتادة، وعطاء، وإبراهيم.
والقول الثاني: أن ذلك منسوخ، وأن الحكم بينهم واجب على من تحاكموا إليه من حكام المسلمين، وهذا قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعكرمة، وقد نسخه قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ}
قوله تعالى: {وَكَيفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ الْتَّورَاةُ فِيهَا حَكْمُ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: حكم الله بالرجم.
والثاني: حكم الله بالقود.
{ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} فيه قولان:
أحدهما: بعد حكم الله في التوراة.
والثاني: بعد تحكيمك.
{وَمَآ أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أي في تحكيمك أنه من عند الله مع جحودهم نبوتك.
والثاني: يعني في توليهم عن حكم الله غير راضين به.
قوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ} يعني بالهدى ادليل. وبالنور البيان.
{يَحْكُمْ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم جماعة أنبياء منهم محمد صلى الله عليه وسلم.
والثاني: المراد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحده وإن ذكر بلفظ الجمع.
وفي الذي يحكم به من التوراة قولان:
أحدهما: أنه أراد رجم الزاني المحصن، والقود من القاتل العامد.
والقول الثاني: أنه الحكم بجميع ما فيها من غير تخصيص ما لم يرد به نسخ.
ثم قال تعالى: {لِلَّذِينَ هَادُوا} يعني على الذين هادوا، وهم اليهود، وفي جواز الحكم بها على غير وجهان: على اختلافهم في التزامنا شرائع من قبلنا إذا لم يرد به نص ينسخ.
ثم قال تعالى: {وَالرَّبَانُّيِونَ والأَحْبَارُ} واحد الأحبار حَبْر بالفتح، قال الفراء، أكثر ما سمعت حِبْر بالكسر، وهو العالم، سُمِّي بذلك اشتقاقاً من التحبير، وهو التحسين لأن العالم يحسن الحسن ويقبح القبيح، ويحتمل أن يكون ذلك لأن العلم في نفسه حسن.
ثم قال تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ} فيه قولان:
أحدهما: معناه يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله.
والثاني: معناه والعلماء استحفظوا من كتاب الله.
وفي {اسْتُحْفِظُواْ} تأويلان:
أحدهما: استودعوا، وهو قول الأخفش.
والثاني: العلم بما حفظوا، وهو قول الكلبي.
{وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَآءَ} يعني على حكم النبي صلى الله عليه وسلم أنه في التوراة.
{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} فيه قولان:
أحدهما: فلا تخشوهم في كتمان ما أنزلت، وهذا قول السدي.
والثاني: في الحكم بما أنزلت.
{وَلاَ تَشْتَرُوا بِأَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه لا تأخذوا على كتمانها أجراً.
والثاني: معناه لا تأخذوا على تعليمها أجراً.
{وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَآ أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، ثم قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ}، ثم قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وفي اختلاف هذه الآي الثلاث أربعة أقاويل:
أحدها: أنها واردة في اليهود دون المسلمين، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والبراء، وعكرمة.
الثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، وحكمها عام في جميع الناس، وهذا قول الحسن، وإبراهيم.
والثالث: أنه أراد بالكافرين أهل الإِسلام، وبالظالمين اليهود، وبالفاسقين النصارى، وهذا قول الشعبي.
والرابع: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحداً به، فهو كافر، ومن لم يحكم مقراً به فهو ظالم فاسق، وهذا قول ابن عباس.