فصل: تفسير الآيات (46- 54):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (46- 54):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}
قوله عز وجل: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزآئِنُ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: الرزق، أي لا أقدر على إغناء فقير، ولا إفقار غني، قاله الكلبي.
والثاني: مفاتيح خزائن العذاب لأنه خَوَّفهُم منه، فقالوا متى يكون هذا؟ قاله مقاتل.
{وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فيه وجهان:
أحدهما: علم الغيب في نزول العذاب عليهم متى يكون؟، قاله مقاتل.
والثاني: علم جميع ما غاب من ماض ومستقبل، إلا أن المستقبل لا يعلمه إلا الله أو من أطلعه الله تعالى على علمه من أنبيائه، وأما الماضي فقد يعلمه المخلوقون من أحد الوجهين: إما من معاينة أو خبر، فإن كان الإِخبار عن مستقبل، فهو من آيات الله المعجزة، وإن كان عن ماض فإن علم به غير المخبر والمخبر لم يكن معجزاً، وإن لم يعلم به أحد وعلم به المخبِر وحده كان معجزاً، فنفى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه علم الغيب، لأنه لا يعلمه غير الله تعالى، وإن ما أخبر به من غيب فهو عن الله ووحيه.
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه يريد أنه لا يقدر على ما يعجز عنه العباد، وإن قدرت عليه الملائكة.
والثاني: أنه يريد بذلك أنه من جملة البشر وليس بمَلَك، لينفي عن نفسه غُلُوَّ النصارى في المسيح وقولهم: إنه ابن الله.
ثم في نفيه أن يكون ملكاً وجهان:
أحدهما: أنه بَيَّنَ بذلك فضل الملائكة على الأنبياء، لأنه دفع عن نفسه منزلة ليست له.
والثاني: أنه أراد إني لست ملكاً في السماء، فأعلم غيب السماء الذي تشاهده الملائكة ويغيب عن البشر، وإن كان الأنبياء أفضل من الملائكة مع غيبهم عما تشاهده الملائكة.
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن أخبركم إلا بما أخبرني الله به.
والثاني: أن أفعل إلا ما أمرني الله به.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الجاهل والعالم.
والثاني: الكافر والمؤمن.
{أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} يحتمل وجهين: أحدهما: فيما ضربه الله من مثل الأعمى والبصير.
الثاني: فيما بينه من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله.
قوله عز وجل: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِّي}.
روي أن سبب نزول هذه الآية أن الملأ من قريش أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وعنده جماعة من ضعفاء المسلمين مثل بلال، وعمار، وصهيب، وخباب بن الأرت، وابن مسعود، فقالوا: يا محمد اطرد عنا موالينا وحلفاءنا فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا، فلعلك إن طردتهم نتبعك، فقال عمر: لو فعلت ذلك حتى نعلم ما الذي يريدون وإِلاَمَ يصيرون، فَهَمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حتى نزلت هذه الآية. ونزل في الملأ من قريش {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} الآية، فأقبل عمر فاعتذر من مقالته فأنزل الله فيه: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمَنُونَ بِئَأَيَاتِنا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} الآية.
وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم} أربعة تأويلات:
أحدها: أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: أنه ذكر الله، قاله إبراهيم النخعي.
والثالث: تعظيم القرآن، قاله أبو جعفر.
والرابع: أنه عبادة الله، قاله الضحاك.
ومعنى قوله: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} فيه قولان:
أحدهما: يريدون بدعائهم، لأن العرب تذكر وجه الشيء إرادة له مثل قولهم: هذا وجه الصواب تفخيماً للأمر وتعظيماً.
والثاني: معناه يريدون طاعته لقصدهم الوجه الذي وجَّهَهُم إليه.
{مَا عَلَيكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} فيه ثلاث أقوال:
أحدها: يعني ما عليك من حساب عملهم من شيء من ثواب أو عقاب.
{وَمَا مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ} يعني وما من حساب عملك عليهم من شيء، لأن كل أحد مؤاخذ بحساب عمله دون غير، قاله الحسن.
والثاني: معناه ما عليك من حساب رزقهم وفقرهم من شيء.
والثالث: ما عليك كفايتهم ولا عليهم كفايتك، والحساب الكفاية كقوله تعالى: {عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ: 36] أي تاماً كافياً، قاله ابن بحر.
قوله عز وجل: {وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} يعني لاختلافهم في الأرزاق، والأخلاق، والأحوال.
وفي إفتان الله تعالى لهم قولان:
أحدهما: أنه ابتلاؤهم واختبارهم ليختبر به شكر الأغنياء وصبر الفقراء، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: تكليف ما يشق على النفس مع قدرتها عليه.
{لَّيَقُولُواْ أَهَؤُلآءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا} وهذا قول الملأ من قريش للضعفاء من المؤمنين، وفيما مَنَّ الله تعالى به عليهم قولان:
أحدهما: ما تفضل الله به عليهم من اللطف في إيمانهم.
والثاني: ما ذكره من شكرهم على طاعته.
قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بئَأَيَاتِنَا} يعني به ضعفاء المسلمين وما كان من شأن عمر.
{فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أمر بالسلام عليهم من الله تعالى، قاله الحسن.
والثاني: أنه أمر بالسلام عليهم من نفسه تكرمة لهم، قاله بعض المتأخرين.
وفي السلام قولان:
أحدهما: أنه جمع السلامة.
والثاني: أنه السلام هو الله ومعناه ذو السلام.
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} فيه قولان:
أحدهما: معناه أوجب الله على نفسه.
والثاني: كتب في اللوح المحفوظ على نفسه.
و{الرَّحْمَةَ} يحتمل المراد بها هنا وجهين:
أحدهما: المعونة.
والثاني: العفو.
{أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءَاً بِجَهَالَةٍ} في الجهالة تأويلان:
أحدهما: الخطيئة، قاله الحسن، ومجاهد، والضحاك.
والثاني: ما جهل كراهية عاقبته، قاله الزجاج.
ويحتمل ثالثاً: أن الجهالة هنا ارتكاب الشبهة بسوء التأويل.
{ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ} يعني تاب من عمله الماضي وأصلح في المستقبل.

.تفسير الآيات (55- 59):

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}
قوله عز وجل: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَّبِّي} في البينة هنا قولان:
أحدهما: الحق الذي بان له.
والثاني: المُعْجِزُ في القرآن.
{وَكَذَّبْتُم بِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: وكذبتم بالبينة.
والثاني: وكذبتم بربكم.
{مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ} فيه قولان:
أحدهما: ما يستعجلون به من العذاب الذي أُوعِدُوا به قبل وقته، كقوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ}، قاله الحسن.
والثاني: ما استعجلوه من اقتراح الآيات لأنه طلب الشيء في غير وقته، قاله الزجاج.
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} فيه تأويلان:
أحدهما: الحكم في الثواب والعقاب.
والثاني: الحكم في تمييز الحق من الباطل.
{يَقُصُّ الْحَقَّ} قرأ ابن كثير ونافع وعاصم {يَقُصُّ} بصاد غير معجمة من القَصَص وهو الإِخبار به، وقرأ الباقون {يَقْضِي} بالضاد معجمة من القضاء، وهو صنع الحق وإتمامه.
قوله عز وجل: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} فيه وجهان: أحدهما: خزائن غيب السموات والأرض والأرزاق والأقدار، وهو معنى قول ابن عباس.
والثاني: الوصول إلى العلم بالغيب.
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} فيه وجهان:
أحدهما: أن ما في البّر ما على الأرض، وما في البحر ما على الماء، وهو الظاهر، وبه قال الجمهور.
والثاني: أن البَرّ القفر، والبحر القُرى لوجود الماء فيها، فلذلك سميت بحراً، قاله مجاهد.
{وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا} يعني قبل يبسها وسقوطها.
{وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: ما في بطنها من بذر.
والثاني: ما تخرجه من زرع.
{وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الرطب النبات واليابس الجواهر.
والثاني: أن الرطب الحي، واليابس الميت.
{إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} يعني في اللوح المحفوظ.

.تفسير الآيات (60- 62):

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيلِ} يعني به النوم، لأنه يقبض الأرواح فيه عن التصرف، كما يقبضها بالموت، ومنه قول الشاعر:
إنَّ بَنِي الأَدْرَدِ لَيْسوا مِن أَحَدْ ** وَلاَ تَوَفَّاهُم قَرَيْشٌ في العَدَدْ

أي لا تقبضهم.
{وََيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ} أي ما كسبتم لأنه مستفاد بعمل الجارحة، ومنه جوارح الطير لأنها كواسب بجوارحها، وجَرْحُ الشهادة هو الطَّعْن فيها لأنه مكسب الإثم، قاله الأعشى:
وهوَ الدَّافِعُ عن ذي كُرْبَةٍ ** أيْدِي القَوْمِ إذا الْجَانِي اجْتَرَحْ

{ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} يعني في النهار باليقظة، وتصرف الروح بعد قبضها بالنوم.
{لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمّىً} يعني استكمال العمر وانقضاء الأجل بالموت.
{ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} يعني بالبعث والنشور في القيامة.
{ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من خير وشر.
قوله عز وجل: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه أعلى قهراً، فلذلك قال: {فَوْقَ عِبَادِهِ}.
والثاني: أن الأقدر إذا استحق صفة المبالغة عبَّر عنه بمثل هذه العبارة، فقيل: هو فوقه في القدرة أي أقدر، وفوقه في العلم أي أعلم.
{وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} فيه وجهان:
أحدهما: أنه جوارحهم التي تشهد عليهم بما كانوا يعملون.
والثاني: الملائكة. ويحتمل {حَفَظَةً} وجهين:
أحدهما: حفظ النفوس من الآفات.
والثاني: حفظ الأعمال من خير وشر، ليكون العلم بإتيانها أزجر عن الشر، وأبعث على الخير.
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} يعني أسباب الموت، بانقضاء الأجل.
فإن قيل: المتولِّي لقبض الروح مَلَك الموت، وقد بين ذلك بقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُم} [السجدة: 11] فكيف قال: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} والرسل جمع.
قيل: لأن الله أعان مَلَك الموت بأعوان من عنده يتولون ذلك بأمره، فصار التوفِّي من فعل أعوانه، وهو مضاف إليه لمكان أمره، كما يضاف إلى السلطان فعل أعوانه من قتل، أو جلد، إذا كان عن أمره.
{وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يؤخرون.
الثاني: لا يُضَيِّعُونَ، قاله ابن عباس.
قوله عز وجل: {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُم الْحَقِّ} وفي متولِّي لرد قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة التي توفتهم.
والثاني: أنه الله بالبعث والنشور.
وفي ردهم إلى الله وجهان:
أحدهما: معناه ردهم إلى تدبير الله وحده، لأن الله دبرهم عند خلقهم وإنشائهم، مكَّنهم من التصرف فصاروا في تدبير أنفسهم، ثم كَفَّهم عنه بالموت فصاروا في تدبير الله كالحالة الأولى، فصاروا بذلك مردودين إليه.
والثاني: أنهم ردوا إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه إلا الله، فجعل الرد إلى ذلك الموضع رداً إليه.
فإن قيل: فكيف قال: {مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ} وقد قال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُم} [محمد: 11]. قيل: عنه جوابان:
أحدهما: أنه قال هذا لأنهم دخلوا في جملة غيرهم من المؤمنين المردودين فعمَّهم اللفظ.
والثاني: أن المولى قد يعبر به عن الناصر تارة وعن السيد أخرى، والله لا يكون ناصراً للكافرين، وهو سيد الكافرين والمؤمنين.
و{الْحَقِّ} هنا يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن الحق هو من أسمائه تعالى.
والثاني: لأنه مستحق الرد عليه.
والثالث: لحُكْمِهِ فيهم بالرد.
{أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ} يعني القضاء بين عباده.
فإن قيل: فقد جعل لغيره الحكم؟
فعنه جوابان:
أحدهما: أن له الحكم في يوم القيامة وحده.
والثاني: أن غيره يحكم بأمره فصار الحكم له.
ويحتمل قوله: {أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ} وجهاً ثانياً: أن له أن يحكم لنفسه فصار بهذا الحكم مختصاً.
{وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني سرعة الحكم بين العباد لتعجيل الفصل، وعبر عن الحكم بالحساب من تحقيق المستوفِي بهما من قليل وكثير.
والثاني: وهو الظاهر أنه أراد سرعة محاسبة العباد على أعمالهم.
ويحتمل مراده بسرعة حسابه وجهين.
أحدهما: إظهار قدرته بتعجيل ما يعجز عنه غيره.
والثاني: أنه يبين به تعجيل ما يستحق عليه من ثواب، وتعجيل ما يستحق على غيره من عقاب جمعاً بين إنصافه وانتصافه.