فصل: تفسير الآيات (109- 114):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (109- 114):

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}
قوله عز وجل: {قَالُواْ أَرْجِه وَأَخَاهُ} فيه قولان:
أحدهما: معناه أخِّرْهُ، قاله ابن عباس والحسن.
والثاني: أحبسه، قاله قتادة والكلبي.
{وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ} قال ابن عباس: هم أصحاب الشُرَط وهو قول الجماعة أرسلهم في حشر السحرة وكانوا اثنين وسبعين رجلاً.

.تفسير الآيات (115- 122):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}
قوله عز وجل: {وَأَوْحِيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} قال ابن عباس: العصا أول آيات موسى وكانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع بطول موسى، قصد باب فرعون فألقى عليه الفزع، فشاب فخضب بالسواد استحياء من قومه، فكان فرعون أول من خضب بسواد.
{فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} معنى تلقف هو سرعة التناول إلا أن المراد هنا سرعة ابتلاعه بالفم. قال أبو حاتم: وهي في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد، قال الشاعر:
أَنْتَ عَصَا مُوسَى الَّتِي لَمْ تَزَلْ ** تَلْقَمُ مَا يَأْفِكُهُ السَّاحِرُ

وفي قوله: {مَا يأْفِكُونَ} وجهان:
أحدهما: معناه يقلبون، ومنه المؤتفكات أي المنقلبات، قاله ابن عيسى.
والثاني: معناه يكذبون لأن الإفك هو الكذب، قاله مجاهد.
فإن قيل: فلم أمر موسى السحرة أن يلقو وذلك منهم كفر ولا يجوز أن يأمر به نبي؟
قيل عن ذلك جوابان.
أحدهما: أن مضمون أمره إن كنتم محقين فألقوا.
والثاني: القول على ما يصح ويجوز لا على ما يفسد ويستحيل.
قوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ} أي ظهر الحق، قاله الحسن، ومجاهد، وفي الحق الذي ظهر فيه قولان:
أحدهما: ظهرت عصا موسى على حبال السحرة.
والثاني: ظهرت نبوة موسى على ربوبية فرعون.
قوله عز وجل: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} في سجودهم قولان:
أحدهما: أنهم سجدوا لموسى تسليماً له وإيماناً به.
والثاني: أنهم سجدوا لله إقراراً بربوبيته، لأنهم {قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.
وفي سجودهم قولان:
أحدهما: أن الله ألهمهم ذلك لطفاً بهم.
والثاني: أن موسى وهارون سجدا شكراً لله عند ظهور الحق على الباطل فاقتدوا بهما في السجود لله طاعة.

.تفسير الآيات (123- 129):

{قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
قوله عز وجل: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ} الآية: {الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه أشرافهم.
والثاني: رؤساؤهم.
والثالث: أنهم الرهط والنفر الذين آمنوا معهم.
والفرق بين الرهط والنفر من وجهين:
أحدهما: كثرة الرهط وقلة النفر.
والثاني: قوة الرهط وضعف النفر، وفي تسميتهم بالملأ وجهان:
أحدهما: أنهم مليئون بما يراد منهم.
والثاني: لأنهم تملأ النفوس هيبتهم.
وفيه وجه ثالث: لأنهم يملأون صدور المجالس.
فإن قيل: فما وجه إقدامهم على الإنكار على فرعون مع عبادتهم له؟ قيل: لأنهم رأوا منه خلاف عادته وعادة الملوك في السطوة بمن أظهر العناد وخالف، وكان ذلك من لطف الله بموسى.
وفي قوله: {لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} وجهان:
أحدهما: ليفسدوا فيها بعبادة غيرك والدعاء إلى خلاف دينك.
والثاني: ليفسدوا فيها بالغلبة عليها وأخذ قومه منها.
ثم قالوا: {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ} فإن قيل: فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. قيل الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان يعبد الأصنام وكان قومه يعبدونه، قاله الحسن.
والثاني: أنه كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري عجلاً جسداً له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى، وكان معبوداً في قومه، قاله السدي.
والثالث: أنها كنت أصناماً يعبدها قومه تقرباً إليه، قاله الزجاج.
وقرأ ابن عباس {وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ} أي وعبادتك.
قال الحسن: وكان فرعون يَعبُد ويُعبَد. وعلى هذه القراءة يسقط السؤال. وذكر ابن قتيبة في هذه القراءة تأويلاً ثانياً؛ أن الإلاهة الشمس، والعرب تسمي الشمس الإلاهة واستشهد بقول الأعشى:
وَلَمْ أَذْكُرِ الرُّعْبَ حَتَّى انْتَقَلْتُ ** قُبَيْلَ الإِلاَهَةِ مِنْهَا قرِيباً

يعني الشمس، فيكون تأويل الآية: ويذرك والشمس حتى تعبد فعلى هذا يكون السؤال متوجهاً عنه ما تقدم.
{قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ} وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لأنه علم أنه لا يقدر عل قتل موسى إما لقوته وإما تصوره أنه مصروف عن قتله، فعدل إلى قتل الأبناء ليستأصل قوم موسى من بني إسرائيل فيضعف عن فرعون {وَنَسْتَحِيي نِسَاءَهُمُ} فيه قولان:
أحدهما: أن نفتش أرحامهن فننظر ما فيهن من الولد، مأخوذ من الحياء وهو اسم من أسماء الفرج، حكاه ابن بحر.
والثاني: الأظهر أن معناه: نستبقيهن أحياء لضعفهن عن المنازعة وعجزهن عن المحاربة.
قوله عز وجل: {قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه أمرهم بذلك تسلية لهم من وعيد فرعون كما يقول من نالته شدة: استعنت بالله.
والثاني: أنه موعد منه بأن الله سيعينهم على فرعون إن استعانوا به.
ثم قال: {وَاصْبِرُواْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: واصبروا على ما أنتم فيه من الشدة طمعاً في ثواب الله.
والثاني: أنه أمرهم بالصبر انتظاراً لنصر الله.
{إنَّ الأَرْضِ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه قال ذلك تسلية لقومه في أن الدنيا لا تبقي على أحد فتبقي على فرعون لأنها تنتقل من قوم إلى قوم.
والثاني: أنه أشعرهم بذلك أن الله يورثهم أرض فرعون.
{وَالْعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يريد في الآخرة بالثواب.
والثاني: في الدنيا بالنصر.
قوله عز وجل: {قالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن الأذى من قبل ومن بعد أخذ الجزية. قاله الحسن.
والثاني: أن الأذى من قبل: تسخيرهم بني إسرائيل في أعمالهم لنصف النهار وإرسالهم في بقيته ليكسبوا لأنفسهم. والأذى من بعد: تسخيرهم في جميع النهار بلا طعام ولا شراب، قاله جويبر.
والثالث: أن الأذى الذي كان من قبل: الاستعباد وقتل الأبناء، والذي كان من بَعد: الوعيد بتجديد ذلك عليهم، حكاه ابن عيسى.
والرابع: أن الأذى الذي كان من قبل أنهم كانوا يضربون اللبن ويعطيهم التبن، والأذى من بعد أن صاروا يضربون اللبن ويجعل عليهم التبن، قاله الكلبي، وفي قولهم: {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} قولان:
أحدهما: من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعد ما جئتنا بها، قاله ابن عباس.
والثاني: من قبل أن تأتينا بعهد الله إليك أنه يخلصنا ومن بعد ما جئتنا به. وفي هذا القول منهم وجهان:
أحدهما: أنه شكوى ما أصابهم من فرعون واستعانة بموسى.
والثاني: أنهم قالوه استبطاء لوعد موسى، حكاه ابن عيسى.
{قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِك عَدُوَّكُمْ} {عَسَى} في اللغة طمع وإشفاق. قال الحسن عسى من الله واجبة، وقال الزجاج: {عَسَى} من الله يقين.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} في قوله: {فَينظُرَ} وجهان:
أحدهما: فيرى.
والثاني: فيعلم وفي قول موسى ذلك لقومة أمران:
أحدهما: الوعد بالنصر والاستخلاف في الأرض.
والثاني: التحذير من الفساد فيها لأن الله تعالى ينظر كيف يعملون.

.تفسير الآيات (130- 131):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بالسِّنِينَ} فيه قولان:
أحدهما: يعني بالجوع، قاله مجاهد، وقتادة.
والثاني: أن معنى السنين الجدوب، قاله الحسن.
والعرب تقول: أخذتهم السنة إذا قحطوا وأجدبوا.
وقال الفراء: المراد بالسنين الجدب والقحط عاماً بعد عام.
قوله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَعَهُ} في الحسنة والسيئة هنا وجهان:
أحدهما: أن الحسنة الخصب، السيئة القحط.
والثاني: أن الحسنة الأمن، والسيئة، الخوف.
{قَالُوا لَنَا هَذِهِ} أي كانت حالنا في أوطاننا وقبل اتباعنا لك، جهلاً منهم بأن الله تعالى هو المولى لها.
{وَإن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} أي يتشاءَمون بموسى ويقولون هذا من اتباعنا إياك وطاعتنا لك، على ما كانت العرب تزجر الطير فتتشاءم بالبارح وهو الذي يأتي من جهة الشمال، وتتبرك بالسانح وهو الذي يأتي من جهة اليمين، ثم قال رداً لقولهم.
{أَلآ إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ} أي طائر البركة وطائر الشؤم.

.تفسير الآيات (132- 135):

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}
قوله عز وجل: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ} أما الطوفان ففيه ستة أقاويل:
أحدها: أنه الغرق بالماء الزائد، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الطاعون، قاله مجاهد.
والثالث: أنه الموت، قاله عطاء. وروت عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطُّوفَانُ الْمَْوتُ».
والرابع: أنه أمر من الله طاف بهم، وهو مروي أيضاً عن ابن عباس.
والخامس: أنه كثرة المطر والريح، واستدل قائل ذلك بقول الحسن بن عرفطة:
غَيَّرَ الْجِدَّةَ مِنْ عِرْفَانِهِ ** خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ الْمَطَرِ

والسادس: أنه عذاب من السماء، واستدل قائل ذلك بقول أبي النجم:
وَمَرَّ طُوفَانٌ فِبِتُّ شَهْراً ** فَرْداً شَآبِيبَ وَشَهْراً مدراً

{وَالْقُمَّلَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أنه الدَبَى وهو صغار الجراد لا أجنحة له.
والثاني: أنه السوس الذي في الحنطة قاله ابن عباس.
والثالث: البراغيث، قاله ابن زيد.
والرابع: القردان، قاله أبو عبيدة.
والخامس: هو دواب سود صغار، قاله الحسن، وسعيد بن جبير، وشاهده قول الأعشى.
قَوْماً تُعَالِجُ قُمَّلاً أَبْنَاؤهُهُمْ ** وَسَلاَسِلاً أُجُداً وَبَاباً مُؤْصَداً

وواحد القمل قملة.
وأما الضفادع فواحدها ضفدع وهو مشهور. وقيل إنه كان يوجد في فراشهم وآنيتهم، ويدخل في ثيابهم فيشتد أذاه لهم.
وأما الدم ففيه قولان:
أحدهما: أن ماء شربهم كان يصير دماً عبيطاً، فكان إذا غرف القبطي من الماء صار دماً وإذا غرف الإسرائيلي كان ماء.
والثاني: أنه رعاف كان يصيبهم، قاله زيد بن أسلم.
{ءَاياتٍ مُّفَصَّلاَتٍ} فيها قولان:
أحدهما: مبينات لنبوة موسى.
والثاني: مفصل بعضها عن بعض لأن هذه الآيات لم تجتمع في وقت واحد بل كانت تأتي شهراً بعد شهر فيكون في تفرقتها مع الإنذار إعذار، وكان بين كل آيتين شهر.
{فَاسْتَكْبَرُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: عن الانزجار بالآيات.
والثاني: عن الإيمان بموسى.
{وَكَانُواْ قَوماً مُجْرِمِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: كافرين.
والثاني: متعدّين.
قوله عز وجل: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيهِمُ الرّجْزُ}- فيه قولان:
أحدهما: أنه العذاب، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: هو الطاعون أصابهم فمات به من القبط سبعون ألف إنسان، قاله سعيد بن جبير.
{قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: بما تقدم إليك به أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك.
والثاني: ما هداك به أن تفعله في قومك، قاله السدي.
والثالث: أن ذلك منهم على معنى القسم كأنهم أقسموا عليه بما عهد عنده أن يدعو لهم.
{لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} هذا قول قوم فرعون، ويحتمل وجهين:
أحدهما: لنصدقنك يا موسى أنك نبي.
والثاني: لنؤمنن بك يا الله أنك إله واحد.