فصل: تفسير الآية رقم (57):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (57):

{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}
قوله عز وجل: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ}:
والغمام: هو ما غَمَّ السماء، فغطَّاها من سحاب وقتام، وكلُّ مُغَطٍّ فهُو غمام، ومنه: غُمَّ الهلال، أي غطاه الغَيْمُ.
وفي الغمام الذي ظلله الله عليهم تأويلان:
أحدهما: أنه السحابة، وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنه الذي أتى الملائكة في يوم بدر، مثل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ منَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] وهذا قول مجاهد.
قوله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوَى} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: أن المنَّ ما سقط على الشجر فيأكله الناس، وهو قول ابن عباس.
والثاني: أن المنَّ صمغة، وهو قول مجاهد.
والثالث: أن المنَّ شرابٌ، كان ينزل عليهم يشربونه بعد مزجِهِ بالماء، وهو قول الربيع بن أنس.
والرابع: أن المنَّ عسل، كان ينزل عليهم، وهو قول ابن زيدٍ.
والخامس: أن المن الخبز الرقاق، هو قول وهب.
والسادس: أنه الزنجبيل، وهو قول السدي.
والسابع: أنه الترنجين.
وفي السلوى قولان:
أحدهما: أنه السماني.
والثاني: أنه طائر يشبه السماني كانت تحشره عليهم الريح الجنوب، وهذا قول ابن عباس، واشتقاقه من السلو، كأنَّه مُسَلِّي عن غيره.
قال ابن جريج: كان الرجل منهم إن أخذ من المنِّ والسلوى زيادة على طعام يوم واحدٍ فسد، إلا يومَ الجمعة، فإنهم كانوا إذا أخذوا طعامَ يومَيْنِ لم يفسد.
وفي قوله عز وجل: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثلاثة تأويلاتٍ:
أحدها: الشَّهيَّات اللذيذة.
والثاني: أنه الحلال.
والثالث: أنها المباح.

.تفسير الآيات (58- 59):

{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}
قولُهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ}:
اختلفوا فيها على ثلاثةِ أقاويلَ:
أحدها: أنها بيت المقدس، وهو قول قتادة، والربيع بن أنس.
والثاني: أنها قريةٌ ببيت المقدس، وهو قول السدي.
والثالث: أنها (أريحا) قرب بيت المقدس، وهو قول ابن زيد.
قوله عز وجل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً}.
اختلفوا في الباب على قولين:
أحدهما: أنه باب حِطَّةَ وهو الباب الثامن ببيت المقدس، وهذا قول مجاهد، والسُّدِّيِّ.
والثاني: أنه باب القرية، التي أمروا بدخولها.
وفي قوله: {سُجَّداً} تأويلان:
أحدهما: يعني: رُكَّعاً، وهذا قول ابن عباس.
والثاني: معناه: خاضعين متواضعين. وأصل السجود الانحناء تعظيماً لمن يُسجَد له، وخضوعاً، ومنه قول الشاعر:
بَجَمْعٍ تَضَلُّ الْبَلْقُ في حُجُرَاتِهِ ** تَرَى الأكْمَ فِيهِ سُجَّداً لِلْحَوافِرِ

وقال أعشى قيس:
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَواتِ الْمِلَي ** كِ طَوْراً سُجُوداً وَطَوْراً حِوَاراً

وفي قوله تعالى: {وَقُولُوا حِطَّةٌ} أربعةُ تأويلاتٍ:
أحدها: أنه قول: لا إله إلا الله، وهو قول عكرمة.
والثاني: أن (حِطَّة) المغفرة، فكأنه أمر بالاستغفار، وهو رواية سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ.
والثالث: هو قولهم: هذا الأمر حق كما قيل لكم، وهو رواية الضحاك، عن ابن عباسٍ.
والرابع: معناه: حُطَّ عنا خطايانا، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن زيدٍ، وهو أشبهُ بظاهر اللفظ.
قوله عز وجل: {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} أي نرحمْكم، ونسترها عليكم، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها.
والخطأ: العدولُ عن القصد، يقال خَطِئ الشيءَ خَطَأً، إذا أصابه ولم يُرِدْهُ، وأَخْطَأَ يُخْطِئُ، إذا أراده ولم يُصِبْهُ، فالأول خاطئ والثاني مُخطِئ.
وأصل المغفرة: التغطية والستر؛ ولذلك قيل للبيضة من الحديد: مِغْفَرٌ، لأنها تُغَطِّي الرأسَ وتُغَطِّي الرأسَ وتُجِنُّهُ، ومنه قول أوسِ بنِ حجر:
وَلاَ أَعْتِبُ ابْنَ الْعَمِّ إِنْ كَانَ مُخْطِئاً ** وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إِنْ كَانَ جَاهِلاً

قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} يعني أنهم بَدَّلوا ما أمِروا به من قول وفعل، فأُمِرُوا أن يدخُلُوا الباب سُجَّداً، فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم، وأن يقولوا: حِطَّةٌ، فقالوا: حنطة في شعير، مستهزئين بذلك.
{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً من السَّمَاءِ}:
وفي الرجز ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه العذاب، وهو قول ابن عباس وقتادة.
والثاني: أنه الغضب، وهو قول أبي العالية.
والثالث: أنه الطاعون، بعثه الله عليهم فأهلكهم، وبقي الأبناء، وهو قول ابن زيد.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}
قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ} تقديره: وإذ استسقانا موسى لقومه، والاستسقاء: طلب السَّقْيِ، والعربُ تقول: سَقَيْتُهُ، وأسقيتُه، فقيل: إنهما لغتان ومعناهما واحد، وقيل بل سقيته من سَقْيِ الشَّفةِ، وأسْقَيْتُهُ: دللته على الماء.
{فَقُلْنَا اضْرِب بعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنَا}:
وفي الكلام محذوف، وتقديره: فضرب فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
والانفجارُ: الانشقاق، والأنبجاسُ أضيق منه، لأنه يكون انبجاساً ثم يصير انفجاراً.
والعين من الأسماء المشتركة: فالعين من الماء مُشَبَّهَةٌ بالعين من الحيوان، لخروج الماء منها، كخروج الدمع من عين الحيوان.
فأمر موسى عند استسقائه، أن يضرب بعصاه حجراً مُرَبَّعاً طُورِيّاً (من الطور)، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، من كل جانب ثلاثةُ أعينٍ.
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} يعني أن لكلِّ سبطٍ منهم عيناً، قد عرفها لا يشرب من غيرها، فإذا ارتحلوا انقطع ماؤه، وحُمِلَ في الجوالق، وكان بقدر الرأس.
{وَلاَ تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ} فيه تأويلان:
أحدهما: معناه لا تطغوا، وهذا قول ابن زيد.
والثاني: معناه لا تسعوا في الأرض مفسدين، وهو قول ابن عباس، وأبي العالية الرياحي.
والعيثُ: شدة الفساد، ومنه قول رؤبة:
وَعَاثَ فِينَا مُسْتَحِلٌّ عَائِثُ ** مُصَدِّقٌ أو فَاجِرٌ مُناكِثُ

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}
قوله تعالى: {وَفُومِهَا} فيه ثلاثةُ تأويلاتٍ:
أحدها: أنه الحنطة، وهو قول ابن عباسٍ، وقتادة، والسدي، وأنشد ابن عباسٍ مَنْ سأله عن الفوم، وأنه الحُنْطة قَوْلَ أُحيحة بن الجُلاح:
قَدْ كُنْتُ أَغْنَىَ النَّاسِ شَخْصاً وَاحِداً ** وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومٍ

والثاني: أنَّه الخُبز، وهو قول مجاهد، وابن زيد، وعطاء.
والثالث: أنه الثومُ بالثاء، وذلك صريح في قراءة ابن مسعود، وهو قول الربيع بن أنس والكسائي.
قوله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْراً}: قرأ عامةُ القُرّاءِ بالتنوين، وقرأ بعضهم بغير تنوين، وهي كذلك، وقراءة ابن مسعود بغير ألف.
وفي المصر الذي عناه قولان:
أحدهما: أنه أراد أيَّ مِصْرٍ، أرادوا من غير تعيين؛ لأنَّ ما سألوا من البقل والقثَّاء والفوم، لا يكون إلا في الأمصار، وهذا قول قتادة، والسدي ومجاهد، وابن زيد.
والثاني: أنه أراد مصر فرعون، الذي خرجوا منه، وهذا قول الحسن، وأبي العالية والربيع.
واختلف في اشتقاق المِصْرِ، فمنهم من قال: إنه مشتق من القطع، لانقطاعه بالعمارة، ومنهم من قال: إنه مشتق من الفصل بينه وبين غيره، قال عدي بن زيد:
وَجَاعِلُ الشَّمْسِ مِصْراً لاَ خَفَاءَ بِهِ ** بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْلِ قَدْ فَصَلاَ

وفي قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ} تأويلان:
أحدهما: أنَّه من الذِّلَّة والصغار.
والثاني: أنَّه فَرَضَ الجِزْيَةَ عليهم، وهذا قول الحسن وقتادة.
وفي (المسكنة) تأويلان:
أحدهما: أنها الفاقة، وهو قول أبي العالية.
والثاني: أنه الفقر، وهو قول السدي.
وفي قوله تعالى: {وَباءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ} ثلاثة تأويلات:
أحدها: وهو قول أبي العباس المَبِّرد: أن أصل ذلك: المنزلة، ومعناه أنهم نزلوا بمنزلة غضب الله، ورُوي: أن رجلاً جاء برجلٍ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا قاتل أخي، قال «فَهُوَ بَوَاءٌ بِهِ» أي أنه مقتول، فيصير في منزلته، وتقول ليلى الأخيليَّةُ:
فَإِنْ يَكُنِ الْقَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ ** فَتىً مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ

والثاني: وهو قول أبي إسحاق الزجّاج: أن أصل ذلك التسوية، ومعناه: أنهم تساووا بغضب من الله، ومنه ما يروى عن عبادة بن الصامت قال: «جعل الله الأنفال إلى نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم على بَوَاءٍ»، أي على سواء بينهم في القسم.
والثالث: وهو قول الكسائي، أن معناه أنهم رجعوا بغضب من الله، قال: البواء: الرجوع، إلا أنه لا يكون رجوعاً إلا بشيء: إمَّا بشرٍّ، وإِمَّا بخيرٍ.
وفي قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قولان:
أحدهما: أن الله عز وجل؛ إنما جاز أن يُخَلِّيَ بين الكُفَّار وقتلِ الأنبياء، لينالوا من رفيع المنازل ما لا ينالونه بغيره، وليس ذلك بخذلان لهم، كما يفعل بالمؤمنين من أهل طاعته.
والثاني: وهو قول الحسن، أن الله عز وجل، ما أمر نبيّاً بالحرب إلا نَصَرَهُ فلم يُقتَلْ، وإنما خلَّى بين الكفار وبين قتل مَنْ لم يؤمر بالقتال مِنَ الأنبياء.
و(الأنبياء) جمعُ (نبيٍّ) وقد جاء في جمع (نبيٍّ): (نُبَّاء)، قال العباس ابن مرداس السُّلمي، يمدح النبيَّ صلى الله عليه وسلم:
يَا خَاتَمَ النُّبِّاءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ ** بِالْحَقِّ حَيْثُ هُدَى آلإْلهِ هَدَاكَا

وهو غير مهموز في قراءة الجمهور إلا نافعاً، فإنه قرأ الأنبياء، والنبيئين بالهمز.
وفيما أُخذ منه اسمُ النبيِّ، ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مأخوذ من النبأ، وهو الخبر، لأنه يُنْبِئُ عن الله، أي يُخْبِرُ، ومنه قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا في صُحُفِ مُوسَى} [النجم: 36].
والثاني: أن أصل النبيِّ هو الطريق، قال القطامي:
لَمَّا وَرَدْنَا نبِيَاً وَاسْتَتَبَّ لَنَا ** مُسْتَحْفَرٌ بِخُطُوطِ النَّسْجِ مُنْسَجِلُ

فَسُمِّيَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم نبيّاً، لأنه الطريق إليه.
والثالث: أنه مأخوذ من النُّبُوَّةِ؛ لأن منزلة الأنبياء رفيعة.