فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (3):

{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)}
قوله عز وجل: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ} في الأذان ها هنا ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه القصص، وهذا قول تفرد به سليمان بن موسى النشابي.
والثاني: أنه النداء بالأمر الذي يسمع بالأذن، حكاه علي بن عيسى.
الثالث: أنه الإعلام، وهذا قول الكافة.
وفي {يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه يوم عرفة، قاله عمر بن الخطاب وابن المسيب وعطاء. وروى ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة وقال: «هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ»
والثاني: أنه يوم النحر، قاله عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبه وسعيد بن جبير والشعبي والنخعي.
وروي مرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى عليه وسلم على ناقته الحمراء وقال «أَتَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ».
والثالث: أنها أيام الحج كلها، فعبر عن الأيام باليوم، قاله مجاهد وسفيان، قال سفيان: كما يقال يوم الجمل ويوم صفين، أي أيامه كلها.
أحدها: أنه سمي بذلك لأنه كان في سنة اجتمع فيها حج المسلمين والمشركين، ووافق أيضاً عيد اليهود والنصارى، قاله الحسن.
والثاني: أن الحج الأكبر القِران، والأصغر الإفراد، قاله مجاهد.
والثالث: أن الحج الأكبر هو الحج، والأصغر هو العمرة، قاله عطاء والشعبي.

.تفسير الآيات (4- 5):

{إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
قوله عز وجل: {فَإِذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} الآية. في الأشهر الحرم قولان:
أحدهما: أنها رجب وذو العقدة وذو الحجة والمحرم، ثلاثة سرد وواحد فرد، وهذا رأي الجمهور.
والثاني: أنها الأربعة الأشهر التي جعلها الله تعالى أن يسيحوا فيها آمنين وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع عشر من شهر ربيع الآخر، قاله الحسن.
{فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: في حل أو حرم.
والثاني: في الأشهر الحرم وفي غيرها. والقتل وإن كان بلفظ الأمر فهو على وجه التخيير لوروده بعد حظر اعتباراً بالأصلح.
{وَخُذُوهُم} فيه وجهان:
أحدهما: على التقديم والتأخير، وتقديره فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم.
والثاني: أنه على سياقه من غير تقديم ولا تأخير، وتقديره: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم.
{وَاحْصُرُوهُم} على وجه التخيير في اعتبار الأصلح من الأمرين.
وفي قوله {وَاحْصُرُوهُم} وجهان:
أحدهما: أنه استرقاقهم.
والثاني: أنه الفداء بمال أو شراء.
{وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يطلبوا في كل مكان فيكون القتل إذا وجدوا، والطلب إذا بعدوا.
والثاني: أن يفعل بهم كل ما أرصده الله تعالى لهم فيما حكم به تعالى عليهم من قتل أو استرقاق أو مفاداة أو منٍّ ليعتبر فيها فعل الأَصلح منها.
ثم قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ} أي أسلموا، لأن التوبة من الكفر تكون بالإسلام.
{وَأَقَامُواْ الْصَلاَةَ} فيه وجهان:
أحدهما: أي اعترفوا بإقامتها، وهو مقتضى قول أبي حنيفة، لأنه لا يقتل تارك الصلاة إذا اعترف بها.
الثاني: أنه أراد فعل الصلاة، وهو مقتضى قول مالك والشافعي، لأنهما يقتلان تارك الصلاة وإن اعترف بها.
{وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} يعني اعترفوا بها على الوجهين معاً، لأن تارك الزكاة لا يقتل مع الاعتراف بها وتؤخذ من ماله جبراً، وهذا إجماع.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)}
قوله عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} الآية: وفي كلام الله وجهان أي إن استأمنك فأمِّنه.
أحدهما: أنه عني سورة براءة خاصة ليعلم ما فيها من حكم المقيم على العهد. وحكم الناقض له والسيرة في المشركين والفرق بينهم وبين المنافقين.
الثاني: يعني القرآن كله، ليهتدي به من ضلاله ويرجع به عن كفره.
{ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} يعني إن أقام على الشرك وانقضت مدة الأمان.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: الرشد من الغيّ.
والثاني: استباحة رقابهم عند انقضاء مدة أمانهم.

.تفسير الآية رقم (7):

{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)}
قوله عز وجل: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِيْنَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ} الآية. يحتمل وجهين:
أحدهما: إذا لم يعطوا أماناً.
الثاني: إذا غدروا وقاتلوا.
وفي قوله {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم قوم من بني بكر بن كنانة، قاله ابن إٍسحاق.
والثاني: أنهم قريش، وهو قول ابن عباس.
والثالث: خزاعة، قاله مجاهد.
والرابع: بنو ضمرة، قاله الكلبي.
{فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ} يعني فما أقاموا على الوفاء بالعهد فأقيموا عليه، فدل على أنهم إذا نقضوا العهد سقط أمانهم وحلّت دماؤهم.

.تفسير الآية رقم (8):

{كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}
قوله عز وجل: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} يعني يقووا حتى يقدروا على الظفر بكم. وفي الكلام محذوف وتقديره: كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم.
{لاَ يرْقُبُوْ فِيكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: لا يخافوا: قاله السدي.
الثاني: لا يراعوا.
{إِلأَ وَلاَ ذِمَّةً} وفي الإلّ سبعة تأويلات.
أحدها: أنه العهد، وهوقول ابن زيد.
والثاني: أنه اسم الله تعالى، قاله مجاهد، ويكون معناه لا يرقبون الله فيكم.
والثالث: أنه الحلف، وهو قول قتادة.
والرابع: أن الإل اليمين، والذمة العهد، قاله أبو عبيدة، ومنه قول ابن مقبل:
أفسد الناس خلوف خلفوا ** قطعوا الإلَّ وأعراق الرَّحِم

والخامس: أنه الجوار، قاله الحسن.
والسادس: أنه القرابة، قاله ابن عباس والسدي، ومنه قول حسان:
وأُقسم إن إلَّك من قريش ** كإل السّقْبِ من رَأل النعام

والسابع: أن الإل العهد والعقد والميثاق واليمين، وأن الذمة في هذا الموضع التذمم ممن لا عهد له، قاله بعض البصريين.
{وَلاَ ذِمَّةً} فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: الجوار، قاله ابن بحر.
الثاني: أنه التذمم ممن لا عهد له، قاله بعض البصريين.
والثالث: أنه العهد وهو قول أبي عبيدة.
{يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: يرضونك بأفواههم في الوفاء وتأبى قلوبهم إلا الغدر.
والثاني: يرضونكم بأفواههم في الطاعة وتأبى قلوبهم إلا المعصية.
والثالث: يرضونكم بأفواهم في الوعد بالإيمان وتأبى قلوبهم إلا الشرك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضيه من المشركين إلا بالإيمان.
{وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: في نقض العهد وإن كان جميعهم بالشرك فاسقاً.
والثاني: وأكثرهم فاسق في دينه وإن كان كل دينهم فسقاً.

.تفسير الآيات (9- 11):

{اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}
قوله عز وجل: {اشْتَرَواْ بَئَايَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} في آيات الله تعالى ها هنا وجهان:
أحدهما: حججه ودلائله.
والثاني: آيات الله التوراة التي فيها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثمن القليل: ما جعلوه من ذلك بدلاً. وفي صفته بالقليل وجهان:
أحدهما: لأنه حرام، والحرام قليل.
والثاني: لأنها من عروض الدنيا التي بقاؤها قليل.
وفيمن أريد بهذه الآية قولان:
أحدهما: أنهم الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه، وهذا قول مجاهد ومن زعم أن الآيات حجج الله تعالى.
والثاني: أنهم قوم من اليهود دخلوا في العهد ثم رجعوا عنه وهذا قول من زعم أنها آيات التوراة.
{فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: عن دين الله تعالى في المنع منه.
والثاني: عن طاعة الله في الوفاء بالعهد.
والثالث: عن قصد بيت الله حين أحصر بالحديبيّة.

.تفسير الآية رقم (12):

{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
قوله عز وجل: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} أي نقضوا عهدهم الذي عقدوه بأيمانهم.
{وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} يحتمل وجهين:
أحدهما: إظهار الذم له.
والثاني: إظهار الفساد فيه.
{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} فيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم رؤساء المشركين.
والثاني: أنهم زعماء قريش، قاله ابن عباس.
والثالث: أنهم الذين كانوا قد هموا بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة.
{إِنَّهُم لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} قراءة الجمهور بفتح الألف، من اليمين لنقضهم إياها. وقرأ ابن عامر: {إِنَّهُم لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} بكسر الألف، وهي قراءة الحسن. وفيها إذا كسرت وجهان:
أحدهما: أنهم كفرة لا إيمان لهم.
والثاني: أنهم لا يعطون أماناً.