فصل: سورة الشعراء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ***


سورة الشعراء

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 6‏]‏

‏{‏طسم ‏(‏1‏)‏ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ‏(‏2‏)‏ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ‏(‏3‏)‏ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ‏(‏4‏)‏ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ‏(‏5‏)‏ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏طسم‏}‏ أقسم الله بطَوله وسنائه وملكه‏.‏

‏{‏تلك‏}‏ هذه ‏{‏آيات الكتاب المبين‏}‏ يعني‏:‏ القرآن‏.‏

‏{‏لعلَّك باخعٌ نفسك‏}‏ قاتلٌ نفسك ‏{‏ألا يكونوا مؤمنين‏}‏ لتركهم الإِيمان، وذلك أنَّه لما كذَّبه أهل مكًّة شقَّ عليه ذلك، فأعلمه الله سبحانه أنَّه لو شاء لاضطرهم إلى الإِيمان، فقال‏:‏

‏{‏إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين‏}‏ يذلُّون بها، فلا يلوي أحدٌ منهم عنقه إلى معصية الله تعالى‏.‏

‏{‏وما يأتيهم من ذكرٍ‏}‏ من وعظٍ ‏{‏من الرحمن محدث‏}‏ في الوحي والتَّنزيل‏.‏

‏{‏فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون‏}‏ فسيعلمون نبأ ذلك، وهو وعيدٌ لهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏7- 8‏]‏

‏{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ‏(‏7‏)‏ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏كم أنبتنا فيها من كلِّ زوج كريم‏}‏ من كلِّ نوع محمودٍ ممَّا يحتاج إليه النَّاس‏.‏

‏{‏إنَّ في ذلك لآية‏}‏ لدلالةً على توحيد الله سبحانه وقدرته ‏{‏وما كان أكثرهم مؤمنين‏}‏ لما سبق في علمي وقضائي فيهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 11‏]‏

‏{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏10‏)‏ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏و‏}‏ اذكر يا محمَّدُ ‏{‏إذ نادى ربك موسى‏}‏ ليلة رأى الشَّجرة والنَّار ‏{‏أن ائت القوم الظالمين‏}‏ لأنفسهم بالكفر‏.‏

‏{‏قوم فرعون ألا يتقون‏}‏ ألا يخافون الله سبحانه فيؤمنوا به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏13- 17‏]‏

‏{‏وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ‏(‏13‏)‏ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ‏(‏14‏)‏ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ‏(‏15‏)‏ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏16‏)‏ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏ويضيق صدري‏}‏ من تكذيبهم إيَّاي ‏{‏ولا ينطلق لساني‏}‏ بأداء الرِّسالة للعقدة التي في فيه ‏{‏فأرسل إلى هارون‏}‏ ليظاهرني على التَّبليغ‏.‏

‏{‏ولهم عليَّ ذنب‏}‏ بقتل القبطيِّ‏.‏

‏{‏قال كلا‏}‏ لا يقتلونك ‏{‏إنَّا معكم‏}‏ بالنُّصرة ‏{‏مستمعون‏}‏ نسمع ما تقول ويقال لك‏.‏

‏{‏فأتيا فرعون فقولا إنا رسول‏}‏ ذوا رسالة ‏{‏ربّ العالمين‏}‏‏.‏

‏{‏أن أرسل معنا بني إسرائيل‏}‏ مفسَّرٌ في سورة طه، فلمَّا أتاه بالرِّسالة عرفه فرعون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 20‏]‏

‏{‏قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ‏(‏18‏)‏ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ‏(‏19‏)‏ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏ألم نُربِّك فينا وليداً‏}‏ صبيّاً ‏{‏ولبثت فينا من عمرك سنين‏}‏ ثلاثين سنةً‏.‏

‏{‏وفعلت فعلتك التي فعلت‏}‏ يعني‏:‏ قتل القبطيِّ ‏{‏وأنت من الكافرين‏}‏ الجاحدين لنعمتي عليك‏.‏

‏{‏قال‏}‏ موسى‏:‏ ‏{‏فعلتها إذاً وأنا من الضالين‏}‏ الجاهلين، لم يأتني من الله شيءٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏22- 29‏]‏

‏{‏وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏22‏)‏ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ‏(‏23‏)‏ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ‏(‏24‏)‏ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ‏(‏25‏)‏ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏26‏)‏ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ‏(‏27‏)‏ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ‏(‏28‏)‏ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏وتلك نعمة تمنُّها عليَّ‏}‏ أقرَّ بإنعامه عليه، فقال‏:‏ هي نعمةٌ إذ ربَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل‏.‏ و‏{‏عبَّدت‏}‏ معناه‏:‏ اتَّخذت عبيداً‏.‏

‏{‏قال فرعون وما ربُّ العالمين‏}‏ أَيُّ شيءٍ ربُّ العالمين الذي تزعم أنَّك رسوله‏؟‏

‏{‏قال ربُّ السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين‏}‏ أنَّه خالقهما‏.‏

‏{‏قال‏}‏ فرعون ‏{‏لمن حوله‏}‏ من أشراف قومه مُعجبِّاً لهم‏:‏ ‏{‏ألا تستمعون‏}‏ إلى ما يقوله‏:‏ موسى‏؟‏‏!‏ فقال موسى‏:‏

‏{‏ربكم وربُّ آبائكم الأولين‏}‏‏.‏

‏{‏قال‏}‏ فرعون‏:‏ ‏{‏إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون‏}‏ يتكلَّم بكلام لا تعرف صحَّته‏.‏

‏{‏قال‏}‏ موسى‏:‏ ‏{‏ربُّ المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون‏}‏ فقال فرعون حين لزمته الحجَّة‏:‏

‏{‏لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين‏}‏ من المحبوسين في السِّجن‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏30- 52‏]‏

‏{‏قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ‏(‏30‏)‏ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏31‏)‏ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ‏(‏32‏)‏ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ‏(‏33‏)‏ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ‏(‏34‏)‏ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ‏(‏35‏)‏ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ‏(‏36‏)‏ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ‏(‏37‏)‏ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ‏(‏38‏)‏ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ‏(‏39‏)‏ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ‏(‏40‏)‏ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ‏(‏41‏)‏ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ‏(‏42‏)‏ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ‏(‏43‏)‏ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ‏(‏44‏)‏ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ‏(‏45‏)‏ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ‏(‏46‏)‏ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏47‏)‏ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ‏(‏48‏)‏ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏49‏)‏ قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ‏(‏50‏)‏ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏51‏)‏ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏قال‏}‏ موسى‏:‏ ‏{‏أَوَلَوْ جِئِتُكَ بشيء مبين‏}‏ يعني‏:‏ أَوَ تَفْعَلُ ذلك وإن أتيتُك على ما أقول بحجَّةٍ بيِّنةٍ‏؟‏

‏{‏قال فأت به‏}‏ مفسَّر أكثره إلى قوله تعالى‏:‏

‏{‏قالوا لا ضير‏}‏ لا ضرر ‏{‏إنا إلى ربنا منقلبون‏}‏ راجعون إلى ثوابٍ‏.‏

‏{‏إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أنْ كنا‏}‏ لأن كنَّا ‏{‏أول المؤمنين‏}‏ من هذه الأُمَّة‏.‏

‏{‏وأوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي إنكم متبعون‏}‏ يتَّبعكم فرعون وقومه‏.‏

‏{‏قال‏}‏ موسى‏:‏ ‏{‏أَوَلَوْ جِئِتُكَ بشيء مبين‏}‏ يعني‏:‏ أَوَ تَفْعَلُ ذلك وإن أتيتُك على ما أقول بحجَّةٍ بيِّنةٍ‏؟‏

‏{‏قال فأت به‏}‏ مفسَّر أكثره إلى قوله تعالى‏:‏

‏{‏قالوا لا ضير‏}‏ لا ضرر ‏{‏إنا إلى ربنا منقلبون‏}‏ راجعون إلى ثوابٍ‏.‏

‏{‏إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أنْ كنا‏}‏ لأن كنَّا ‏{‏أول المؤمنين‏}‏ من هذه الأُمَّة‏.‏

‏{‏وأوحينا إلى موسى أن أسرِ بعبادي إنكم متبعون‏}‏ يتَّبعكم فرعون وقومه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏53- 64‏]‏

‏{‏فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ‏(‏53‏)‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ‏(‏54‏)‏ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ‏(‏55‏)‏ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ‏(‏56‏)‏ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ‏(‏57‏)‏ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ‏(‏58‏)‏ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏59‏)‏ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ ‏(‏60‏)‏ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ‏(‏61‏)‏ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ‏(‏62‏)‏ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ‏(‏63‏)‏ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏فأرسل فرعون في المدائن حاشرين‏}‏ يعني‏:‏ الشُّرَط ليجمعوا له الجيش، وقال لهم‏:‏

‏{‏إنَّ هؤلاء‏}‏ يعني‏:‏ بني إسرائيل ‏{‏لشرذمة‏}‏ عصبةٌ ‏{‏قليلون‏}‏‏.‏

‏{‏وإنهم لنا لغائظون‏}‏ مُغضبون بمخالفتهم إيَّانا‏.‏

‏{‏وإنا لجميع حاذرون‏}‏ مُستعدّون للحرب بأخذ أداتها و‏{‏حذرون‏}‏ متيقِّظون‏.‏

‏{‏فأخرجناهم من جنات‏}‏ يعني‏:‏ حين خرجوا من مصر ليلحقوا موسى وقومه‏.‏

‏{‏ومقام كريم‏}‏ مجلسٍ حسنٍ‏.‏

‏{‏كذلك‏}‏ كما وصفنا ‏{‏وأورثناها‏}‏ بهلاكهم ‏{‏بني إسرائيل‏}‏‏.‏

‏{‏فأتبعوهم‏}‏ لحقوهم ‏{‏مشرقين‏}‏ في وقت شروق الشَّمس‏.‏

‏{‏فلما تراءى الجمعان‏}‏ رأى كلُّ واحدٍ الآخر ‏{‏قال أصحاب موسى إنا لمدركون‏}‏ أيْ‏:‏ سيدركنا جمع فرعون‏.‏

‏{‏قال‏:‏ كلا‏}‏ لن يدركونا ‏{‏إنًّ معي ربي‏}‏ بالنُّصرة ‏{‏سيهدين‏}‏ طريق النَّجاة‏.‏

‏{‏فكان كلُّ فرق‏}‏ قطعةٍ من الماء ‏{‏كالطود العظيم‏}‏ كالجبل‏.‏

‏{‏وأزلفنا ثمَّ الآخرين‏}‏ قرَّبنا قوم فرعون إلى الهلاك، وقدَّمناهم إلى البحر‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏وما كان أكثرهم مؤمنين‏}‏ لم يؤمن من أهل مصر إلاَّ رجلٌ وامرأتان‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏77- 85‏]‏

‏{‏فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ‏(‏77‏)‏ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ‏(‏78‏)‏ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ‏(‏79‏)‏ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ‏(‏80‏)‏ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ‏(‏81‏)‏ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ‏(‏82‏)‏ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ‏(‏83‏)‏ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏84‏)‏ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏فإنَّهم عدوٌّ لي‏}‏ أَيْ‏:‏ هذه الآلهة التي تعبدونها عدوٌّ لي، أعاديهم أنا ولا أعبدهم ‏{‏إلاَّ ربَّ العالمين‏}‏ لكن ربّ العالمين أعبده‏.‏

‏{‏الذي خلقني‏}‏ ظاهرٌ إلى قوله‏:‏

‏{‏لسان صدقٍ في الآخرين‏}‏ أَيْ‏:‏ ذكراً جميلاً، وثناءً حسناً في الأمم التي تجيء بعدي‏.‏

‏{‏واجعلني‏}‏ ممَّن يرث الجنَّة بفضلك ورحمتك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏89- 91‏]‏

‏{‏إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ‏(‏89‏)‏ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ‏(‏90‏)‏ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ مَنْ أتى الله بقلب سليم‏}‏ سلم من الشِّرك‏.‏

‏{‏وأزلفت الجنة‏}‏ قرِّبت ‏{‏للمتقين‏}‏‏.‏

‏{‏وبرزت‏}‏ وأُظهرت ‏{‏الجحيم للغاوين‏}‏ للكافرين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏94- 103‏]‏

‏{‏فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ‏(‏94‏)‏ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ‏(‏95‏)‏ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ‏(‏96‏)‏ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏97‏)‏ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏98‏)‏ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ‏(‏99‏)‏ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ ‏(‏100‏)‏ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ‏(‏101‏)‏ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏102‏)‏ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏فكبكبوا فيها‏}‏ طُرح بعضهم على بعض في الجحيم ‏{‏هم والغاوون‏}‏ يعني‏:‏ الشَّياطين‏.‏

‏{‏وجنود إبليس‏}‏ أتباعه من الجنِّ والإِنس‏.‏

‏{‏قالوا‏}‏ للشَّياطين والمعبودين‏.‏

‏{‏تالله إن كنا لفي ضلال مبين‏}‏‏.‏

‏{‏إذ نسويكم‏}‏ نَعْدِلُكُمْ ‏{‏بربِّ العالمين‏}‏ في العبادة‏.‏

‏{‏وما أضلّنا‏}‏ وما دعانا إلى الضَّلال ‏{‏إلاَّ المجرمون‏}‏ أوَّلونا الذين اقتدينا بهم‏.‏

‏{‏فما لنا من شافعين‏}‏‏.‏

‏{‏ولا صديق حميم‏}‏ قريبٍ يشفع‏.‏

‏{‏فلو أنَّ لنا كرَّة‏}‏ رجعةً إلى الدُّنيا، تمنَّوا أن يرجعوا إلى الدُّنيا فيؤمنوا‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏إني لكم رسول أمين‏}‏ على الوحي والرِّسالة؛ لأنَّكم عرفتموني قبل هذا بالأمانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏111‏]‏

‏{‏قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ‏(‏111‏)‏‏}‏

‏{‏واتبعك الأرذلون‏}‏ يعني‏:‏ السَّفلة والحاكة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏116‏]‏

‏{‏قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ‏(‏116‏)‏‏}‏

‏{‏من المرجومين‏}‏ أَيْ‏:‏ من المشتومين‏.‏ وقيل‏:‏ من المقتولين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ‏(‏119‏)‏‏}‏

و ‏{‏الفلك المشحون‏}‏ المملوء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏128- 130‏]‏

‏{‏أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ ‏(‏128‏)‏ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ‏(‏129‏)‏ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏أتبنون بكلِّ ريع‏}‏ أَيْ‏:‏ شَرَفٍ ومكانٍ مرتفعٍ ‏{‏آية‏}‏ علماً ‏{‏تعبثون‏}‏ تلعبون‏:‏ يعني‏:‏ أبنية الحمام وبروجها‏.‏

‏{‏وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون‏}‏ أَيْ‏:‏ تتخذون مباني وقصوراً للخلود، لا تُفكِّرون في الموت‏.‏

‏{‏وإذا بطشتم بَطَشْتُمْ جبارين‏}‏ إذا ضربتم بالسَّوط، و‏[‏إذا عاقبتم‏]‏ قتلتم فعل الجبَّارين الذين يقتلون على الغضب بغير حقٍّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏إن هذا‏}‏ ما هذا الذي تدعونا إليه ‏{‏إلا خَلْق الأوَّلين‏}‏ كذبهم وافتراؤهم‏.‏ ومَنْ قرأ ‏{‏خُلق الأولين‏}‏ فمعناه‏:‏ عادة الأوَّلين، أَيْ‏:‏ الذي نحن فيه عادة الأوَّلين يعيشون ما عاشوا، ثمَّ يموتون ولا بعثٌ ولا حسابٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ ‏(‏146‏)‏‏}‏

‏{‏أتتركون في ما هاهنا‏}‏ أَيْ‏:‏ في الدُّنيا ‏{‏آمنين‏}‏ من الموت والعذاب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏148- 149‏]‏

‏{‏وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ ‏(‏148‏)‏ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ‏(‏149‏)‏‏}‏

‏{‏ونخل طلعها‏}‏ أَيْ‏:‏ ثمرها‏.‏ ‏{‏هضيم‏}‏ أَيْ‏:‏ ‏[‏ليِّنٌ‏]‏ نضيجٌ‏.‏

‏{‏وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين‏}‏ حاذقين بنحتها، و‏{‏فرهين‏}‏ أشرين بطرين، وكانوا مُعمَّرين لا يبقى البناء مع عمرهم، فنحتوا في الجبال بيوتاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏إنما أنت من المسحرين‏}‏ أَيْ‏:‏ من الذين سُحروا مرَّةً بعد أخرى‏:‏ وقيل‏:‏ ممَّن له سَحر، وهو الرِّئة، أَيْ‏:‏ إنَّما أنت بشرٌ مثلنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏155- 156‏]‏

‏{‏قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ‏(‏155‏)‏ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ‏(‏156‏)‏‏}‏

‏{‏لها شربٌ‏}‏ أَيْ‏:‏ حظٌّ ونصيبٌ من الماء‏.‏

‏{‏لا تمسوها بسوء‏}‏ بعقرٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏165- 168‏]‏

‏{‏أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ‏(‏165‏)‏ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ‏(‏166‏)‏ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ‏(‏167‏)‏ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏أتأتون الذكران من العالمين‏}‏ يريد‏:‏ ما كان من فعل قوم لوطٍ مِنْ إتيان الرِّجال في أدبارهم‏.‏

‏{‏وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم‏}‏ وتدَعون أن تأتوا نسائكم ‏{‏بل أنتم قوم عادون‏}‏ ظالمون غاية الظُّلم‏.‏

‏{‏قالوا‏:‏ لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين‏}‏ عن بلدنا‏.‏

‏{‏قال‏:‏ إني لعملكم‏}‏ يعني‏:‏ اللِّواط ‏{‏من القالين‏}‏ من المُبْغِضين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏171- 172‏]‏

‏{‏إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ‏(‏171‏)‏ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآَخَرِينَ ‏(‏172‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ عجوزاً‏}‏ يعني‏:‏ امرأته ‏{‏في الغابرين‏}‏ في الباقين في العذاب‏.‏

‏{‏ثمَّ دمرنا‏}‏ أهلكنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏176- 176‏]‏

‏{‏كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏176‏)‏‏}‏

‏{‏كذَّب أصحاب الأيكة‏}‏ وهي الغيضة، وهم قوم شعيب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏181- 181‏]‏

‏{‏أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ ‏(‏181‏)‏‏}‏

‏{‏أوفوا الكيل‏}‏ أتمُّوه ‏{‏ولا تكونوا من المخسرين‏}‏ النَّاقصين للكيل والوزن‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏184- 184‏]‏

‏{‏وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ‏(‏184‏)‏‏}‏

‏{‏والجبلَّة الأولين‏}‏ أَيْ‏:‏ الخليقة السَّابقين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏187- 189‏]‏

‏{‏فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ‏(‏187‏)‏ قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏188‏)‏ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ‏(‏189‏)‏‏}‏

‏{‏فأسقط علينا كسفاً من السماء‏}‏ أَيْ‏:‏ قطعةً‏.‏

‏{‏قال ربي أعلم بما تعملون‏}‏ فيجازيكم به، وما عليَّ إلاَّ الدَّعوة‏.‏

‏{‏فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة‏}‏ وذلك أنَّ الحرَّ اخذهم، فلم ينفعهم ماءٌ ولا كَنٌّ، فخرجوا إلى البرِّيَّة، وأظلَّتهم سحابةٌ وجدوا لها برداً، واجتمعوا تحتها، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏192- 194‏]‏

‏{‏وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏192‏)‏ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ‏(‏193‏)‏ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ‏(‏194‏)‏‏}‏

‏{‏وإنه‏}‏ يعني‏:‏ القرآن ‏{‏لتنزيل رب العالمين‏}‏‏.‏

‏{‏نزل به الروح الأمين‏}‏ جبريل عليه السَّلام‏.‏

‏{‏على قلبك‏}‏ حتى وعيته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏196- 197‏]‏

‏{‏وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ‏(‏196‏)‏ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آَيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ‏(‏197‏)‏‏}‏

‏{‏وإنه‏}‏ وإنَّ ذكر محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ‏{‏لفي زبر الأولين‏}‏ لفي كتب الأوَّلين‏.‏

‏{‏أو لم تكن لهم‏}‏ للمشركين ‏{‏آية‏}‏ دلالةً على صدقه ‏{‏أن يعلمه علماء بني إسرائيل‏}‏ يعلمون محمداً صلى الله عليه وسلم بالنُّبوَّة والرِّسالة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏198- 206‏]‏

‏{‏وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ‏(‏198‏)‏ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ‏(‏199‏)‏ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ‏(‏200‏)‏ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ‏(‏201‏)‏ فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏202‏)‏ فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ ‏(‏203‏)‏ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏204‏)‏ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ‏(‏205‏)‏ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ‏(‏206‏)‏‏}‏

‏{‏ولو نزلناه‏}‏ يعني‏:‏ القرآن ‏{‏على بعض الأعجمين‏}‏ جمع الأعجم، وهو الذي لا يحسن العربيَّة‏.‏

‏{‏فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين‏}‏ أنفةً من اتَّباعه‏.‏

‏{‏كذلك سلكناه‏}‏ أدخلنا التَّكذيب ‏{‏في قلوب المجرمين‏}‏ فذلك الذي منعهم عن الإِيمان‏.‏

‏{‏لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم‏}‏‏.‏

‏{‏فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون‏}‏‏.‏

‏{‏فيقولوا هل نحن منظرون‏}‏ فلمَّا نزلت هذه الآيات قالوا‏:‏ إلى متى توعدنا بالعذاب‏؟‏ فأنزل الله سبحانه‏:‏

‏{‏أفبعذابنا يستعجلون‏}‏‏.‏

‏{‏أفرأيت إن متعناهم‏}‏ بالدُّنيا وأبقيناهم فيها ‏{‏سنين‏}‏‏.‏

‏{‏ثمَّ جاءهم‏}‏ العذاب لم ينفعهم إمتاعهم بالدُّنيا فيما قبل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏208- 212‏]‏

‏{‏وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ‏(‏208‏)‏ ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ ‏(‏209‏)‏ وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ‏(‏210‏)‏ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ‏(‏211‏)‏ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ‏(‏212‏)‏‏}‏

‏{‏وما أهلكنا من قرية إلاَّ لها منذرون‏}‏ رسلٌ ينذرونهم‏.‏

‏{‏ذكرى‏}‏ إنذاراً للموعظة ‏{‏وما كنا ظالمين‏}‏ في إهلاكهم بعد قيام الحُجَّة عليهم‏.‏

‏{‏وما تَنَزَّلَتْ به‏}‏ بالقرآن ‏{‏الشياطين‏}‏‏.‏

‏{‏وما ينبغي لهم‏}‏ ذلك ‏{‏وما يستطيعون‏}‏ ذلك‏.‏

‏{‏إنَّهم‏}‏ عن استراق السَّمع من السَّماء ‏{‏لمعزولون‏}‏ بالشُّهب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏214- 215‏]‏

‏{‏وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ‏(‏214‏)‏ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏215‏)‏‏}‏

‏{‏وأنذر‏}‏ خوِّف ‏{‏عشيرتك الأقربين‏}‏ أدنى أهلك وأقاربك‏.‏

‏{‏واخفض جناحك‏}‏ ليِّن جانبك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏218- 219‏]‏

‏{‏الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ‏(‏218‏)‏ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ‏(‏219‏)‏‏}‏

‏{‏الذي يراك حين تقوم‏}‏ أَيْ‏:‏ إلى صلاتك‏.‏

‏{‏وتقلبك‏}‏ تصرُّفك في أركان الصَّلاة قائماً وقاعداً، وراكعاَ، وساجداً ‏{‏في الساجدين‏}‏ في المُصلِّين‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏221- 227‏]‏

‏{‏هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ‏(‏221‏)‏ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ‏(‏222‏)‏ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ‏(‏223‏)‏ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ‏(‏224‏)‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ‏(‏225‏)‏ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ‏(‏226‏)‏ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ‏(‏227‏)‏‏}‏

‏{‏هل أنبئكم‏}‏ أخبركم ‏{‏على مَنْ تنزل الشياطين‏}‏‏.‏

‏{‏تنزَّل على كلِّ أفاك‏}‏ كذَّاب ‏{‏أثيم‏}‏ فاجرٍ، مثل مسيلمة وغيره من الكهنة‏.‏

‏{‏يلقون‏}‏ إليهم ما سمعوا ويخلطوا بذلك كذباً كثيراً، وهذا كان قبل أن حجبوا عن السَّماء‏.‏

‏{‏والشعراء يتبعهم الغاوون‏}‏ يعني‏:‏ شعراء الكفَّار، كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتَّبعهم الكفَّار‏.‏

‏{‏ألم ترَ أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون‏}‏ في كلِّ لغوٍ يخوضون، يمدحون بباطلٍ، ويشتمون بباطلٍ، ثمَّ استثنى شعراء المؤمنين فقال‏:‏

‏{‏إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا‏}‏ ردُّوا على مَنْ هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ‏{‏وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ منقلب ينقلبون‏}‏ أَيَّ مرجعٍ يرجعون إليه بعد مماتهم‏.‏

سورة النمل

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 2‏]‏

‏{‏طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ ‏(‏1‏)‏ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏طس تلك آيات القرآن‏}‏ هذه الآيات التي وُعدتم بها، وذلك أنَّهم وُعدوا بالقرآن في كتبهم ‏{‏وكتاب‏}‏ أَيْ‏:‏ وآياتِ كتابٍ ‏{‏مبين‏}‏‏.‏

‏{‏هدىً‏}‏ أَيْ‏:‏ هو هدىً ‏{‏وبشرى للمؤمنين‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏4- 8‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ‏(‏4‏)‏ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ‏(‏5‏)‏ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآَنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ‏(‏6‏)‏ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ‏(‏7‏)‏ فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏إنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم‏}‏ جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زيَّنا لهم أعمالهم القبيحة حتى رأوها حسنةً ‏{‏فهم يعمهون‏}‏ يتحيَّرون‏.‏

‏{‏أولئك الذين لهم سوء العذاب‏}‏ في الدُّنيا القتل ببدرٍ، ‏{‏وهم في الآخرة هم الأخسرون‏}‏ بحرمان النَّجاة، والمنع من الجنان‏.‏

‏{‏وإنك لتلقى القرآن‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ أَيْ‏:‏ يلقى إليك القرآن وحياً من الله سبحانه‏.‏

‏{‏إذ قال موسى‏}‏ اذكر يا محمَّد قصَّة موسى حين قال ‏{‏لأهله‏}‏ في مسيرة من مدين إلى مصر، وقد ضلَّ الطَّريق، وأصلد زنده‏:‏ ‏{‏إني آنست ناراً‏}‏ أبصرتها من بعيد ‏{‏سآتيكم منها بخير‏}‏ عن الطَّريق أين هو ‏{‏أو آتيكم بشهاب قبسٍ‏}‏ شعلة نار أقتبسها لكم ‏{‏لعلكم تصطلون‏}‏ تستدفئون من البرد‏.‏

‏{‏فلمَّا جاءها نودي أن بورك مَنْ في النار‏}‏ أَيْ‏:‏ مَنْ في طلب النَّار وقصدها، والمعنى‏:‏ بورك فيك يا موسى‏.‏ يقال‏:‏ بورك فلانٌ، وبورك له، وبورك فيه ‏{‏ومَنْ حولها‏}‏ وفيمن حولها من الملائكة، وهذا تحيَّةٌ من الله سبحانه لموسى وتكرمةٌ له ‏{‏وسبحان الله ربِّ العالمين‏}‏ تنزيهاً لله من السُّوء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 14‏]‏

‏{‏وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ‏(‏10‏)‏ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏11‏)‏ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ‏(‏12‏)‏ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏13‏)‏ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏تهتزُّ‏}‏ أَيْ‏:‏ تتحرَّك ‏{‏كأنَّها جانّ‏}‏ حيَّةٌ خفيفةٌ ‏{‏ولى مدبراً ولم يعقب‏}‏ ولم يرجع ولم يلتفت قلنا‏:‏ ‏{‏يا موسى لا تخف‏}‏‏.‏

‏{‏إلاَّ مَنْ ظلم‏}‏ لكن مَنْ ظلم نفسه ‏{‏ثمَّ بدَّل حسناً بعد سوء‏}‏ أَيْ‏:‏ تاب ‏{‏فإني غفورٌ رحيم‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏في تسع آيات‏}‏ أَيْ‏:‏ من تسع آيات أنت مرسلٌ بها‏.‏ ‏{‏إلى فرعون وقومه‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏مبصرة‏}‏ أَيْ‏:‏ مضيئةً واضحةً‏.‏

‏{‏وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ معناها‏:‏ وجحدوا بها ظلماً وترفُّعاً عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنَّها من عند الله عزَّ وجلَّ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏16- 23‏]‏

‏{‏وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ‏(‏16‏)‏ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ‏(‏17‏)‏ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏18‏)‏ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ‏(‏19‏)‏ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ‏(‏20‏)‏ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏21‏)‏ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ‏(‏22‏)‏ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏وورث سليمان داود‏}‏ نبوَّته وعلمه دون سائر أولاده ‏{‏وقال‏:‏ يا أيُّها الناس علِّمنا منطق الطير‏}‏ فهمنا ما يقوله الطَّير‏.‏

‏{‏وحشر‏}‏ وجُمع ‏{‏لسليمان جنوده‏}‏ في مسيرٍ له ‏{‏فهم يوزعون‏}‏ يُحبس أوَّلهم على آخرهم حتى يجتمعوا‏.‏

‏{‏حتى إذا أتوا على وادي النمل‏}‏ كان هذا الوادي بالشَّام، وكانت نملة كأمثال الذُّباب ‏{‏لا يحطمنَّكم سليمان وجنوده‏}‏ لا يكسرنَّكم بأن يطؤوكم‏.‏

‏{‏فتبسَّم‏}‏ سليمان عليه السلام لمَّا سمع قولها، وتذكَّر ما أنعم الله به عليه فقال‏:‏ ‏{‏ربِّ أوزعني‏}‏ ألهمني ‏{‏أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن عمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين‏}‏‏.‏

‏{‏وتفقد الطير‏}‏ طلبها وبحث عنها ‏{‏فقال‏:‏ ما لي لا أرى الهدهد أم كان‏}‏ بل أَكان ‏{‏من الغائبين‏}‏ لذلك لم يره‏.‏

‏{‏لأعذبنه عذاباً شديداً‏}‏ لأنتفنَّ ريشه وألقينَّه في الشَّمس ‏{‏أو ليأتيني بسلطان مبين‏}‏ حجَّةٍ واضحةٍ في غيبته‏.‏

‏{‏فمكث غير بعيدٍ‏}‏ لم يطل الوقت حتى جاء الهدهد، وقال لسليمان‏:‏ ‏{‏أحطتُ بما لم تحط به‏}‏ علمتُ ما لم تعلمه ‏{‏وجئتك من سبأ‏}‏ وهي مدينةٌ باليمن ‏{‏بنبأ يقين‏}‏ بخبرٍ لا شكَّ فيه‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وأوتيت من كلِّ شيء‏}‏ أَيْ‏:‏ ممَّا يُعطى الملوك ‏{‏ولها عرش‏}‏ سريرٌ ‏{‏عظيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏25‏]‏

‏{‏أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏ألا يسجدوا‏}‏ أَيْ‏:‏ لأنْ لا يسجدوا لله ‏{‏الذي يخرج الخبء في السموات والأرض‏}‏ القطر من السَّماء، والنَّبات من الأرض‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 38‏]‏

‏{‏اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ‏(‏28‏)‏ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ‏(‏29‏)‏ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏(‏30‏)‏ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ‏(‏31‏)‏ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ‏(‏32‏)‏ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ‏(‏33‏)‏ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ‏(‏34‏)‏ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ‏(‏35‏)‏ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ‏(‏36‏)‏ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ‏(‏37‏)‏ قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏ثمَّ تولَّ عنهم‏}‏ أَيْ‏:‏ استأخر غير بعيدٍ ‏{‏فانظر ماذا يرجعون‏}‏ ما يردُّون من الجواب، فمضى الهدهد، وألقى إليها الكتاب، ف

‏{‏قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليَّ كتاب كريم‏}‏ حسنٌ ما فيه، ثمَّ بيَّنت ما فيه فقالت‏:‏

‏{‏إنَّه من سليمان وإنَّه بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏‏.‏

‏{‏ألا تعلوعليَّ‏}‏ أَيْ‏:‏ لا تترفَّعوا عليَّ وإن كنتم ملوكاً ‏{‏وأتوني مسلمين‏}‏ طائعين مُنقادين‏.‏

‏{‏قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري‏}‏ بيِّنوا لي ما أعمل ‏{‏ما كنت قاطعة‏}‏ قاضيةً وفاصلةً ‏{‏أمر حتى تشهدون‏}‏ حتى تحضرون، أَيْ‏:‏ لا أقطع أمراً دونكم‏.‏

‏{‏قالوا‏}‏ مُجيبين لها‏:‏ ‏{‏نحن أولو قوَّة‏}‏ في القتال ‏{‏وأولو بأس شديد‏}‏ عند الحرب ‏{‏والأمر إليك‏}‏ أيَّتها الملكة ‏{‏فانظري ماذا تأمرين‏}‏ نُطِعْك‏.‏

‏{‏قالت‏:‏ إنَّ الملوك إذا دخلوا قرية‏}‏ عنوةً وغلبةً ‏{‏أفسدوها‏}‏ خرَّبوها ‏{‏وجعلوا أعزَّة أهلها أذلة‏}‏ أهانوا أشرافها بها؛ ليستقيم لهم الأمر، أشارت إلى أنَّها لو جاءت سليمان محاربةً احتاجت إلى التَّخريب والإِفساد، وصدَّقها الله سبحانه في قولها فقال‏:‏ ‏{‏وكذلك يفعلون‏}‏‏.‏

‏{‏وإني مرسلة إليهم بهدية‏}‏ أُصانعه بها وأختبره أملكٌ هو أم نبيٌّ‏؟‏ فإن كان ملكاً قبلها، وإن كان نبيّاً لم يقبلها ‏{‏فناظرة بِمَ‏}‏ بأيِّ شيءٍ ‏{‏يرجع المرسلون‏}‏ من عنده‏.‏

‏{‏فلما جاء‏}‏ البريد أو الرَّسول ‏{‏سليمان قال أتمدونني بمالٍ فما آتاني الله‏}‏ من الدِّين والنُّبوَّة والحكمة ‏{‏خيرٌ مما آتاكم‏}‏ من الدُّنيا ‏{‏بل أنتم بهديتكم تفرحون‏}‏ لأنَّهم أهل مكاثرة بالدُّنيا، ثمَّ قال للرَّسول‏:‏

‏{‏ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم‏}‏ لا طاقة لهم ‏{‏بها ولنخرجنَّهم منها‏}‏ من أرضهم ‏{‏أذلة‏}‏، فجاءها الرَّسول وأخبرها بما رأى وشاهد، فتجهَّزت للمسير إلى سليمان، فلمَّا علم سليمان عليه السَّلام بمسيرها إليه‏.‏

‏{‏قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها‏}‏ سريرها ‏{‏قبل أن يأتوني مسلمين‏}‏ لأنَّه حينئذٍ لا يحلُّ أخذ ما في أيديهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏39- 42‏]‏

‏{‏قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ‏(‏39‏)‏ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ‏(‏40‏)‏ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ‏(‏41‏)‏ فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها‏}‏ سريرها ‏{‏قبل أن يأتوني مسلمين‏}‏ لأنَّه حينئذٍ لا يحلُّ أخذ ما في أيديهم‏.‏

‏{‏قال عفريت من الجن‏}‏ وهو المارد القويُّ‏:‏ ‏{‏أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك‏}‏ من مجلسك الذي جلستَ فيه للحكم ‏{‏وإني عليه‏}‏ على حمله ‏{‏لقويٌّ أمين‏}‏ على ما فيه من الجواهر، فقال سليمان عليه السَّلام‏:‏ أريد أسرع من هذا، ف

‏{‏قال الذي عنده علم من الكتاب‏}‏ وهو آصف بن برخيا، وكان قد قرأ كتب الله سبحانك ‏{‏أنا آتيك به قبل أن يرتدَّ إليك طرفك‏}‏ قبل أن يرجع إليك الشَّخَص من منتهى طرفك ‏{‏فلما رآه‏}‏ رأى سليمان عليه السَّلام العرش ‏{‏مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر‏}‏ نعمته ‏{‏أم أكفر‏}‏ ها ‏{‏ومَنْ شكر فإنما يشكر لنفسه‏}‏ لأَنَّ نفع ذلك يعود إليه، حيث يستوجب المزيد ‏{‏ومَنْ كفر فإنَّ ربي غنيٌّ‏}‏ عن شكره ‏{‏كريم‏}‏ بالإٍفضال على مَنْ يكفر النِّعمة‏.‏

‏{‏قال نكروا‏}‏ غيِّروا لها ‏{‏عرشها‏}‏ بتغيير صورته ‏{‏ننظر أتهتدي‏}‏ أتعلم أنَّه عرشها فتعرفه‏.‏

‏{‏فلما جاءت قيل‏:‏ أهكذا عرشك قالت كأنّه هو‏}‏ شبَّهته به؛ لأنَّه كان مُغيَّراً، وأراد سليمان أن يختبر عقلها؛ لأنَّه قيل له‏:‏ إنَّ في عقلها شيئاً، ثمَّ قالت‏:‏ ‏{‏وأوتينا العلم‏}‏ بصحَّة نبوَّة سليمان ‏{‏من قبلها‏}‏ من قبل هذه الآية التي رأيتُها في إحضار العرش ‏{‏وكنا مسلمين‏}‏ منقادين له قبل مجيئنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏43- 46‏]‏

‏{‏وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ ‏(‏43‏)‏ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏44‏)‏ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ‏(‏45‏)‏ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏وصدَّها‏}‏ ومنها ‏[‏عن‏]‏ الإيمان ‏{‏ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين‏}‏ فنشأت فيهم، ولم تعرف إلاَّ قوماً يعبدون الشَّمس‏.‏

‏{‏قيل لها ادخلي الصرح‏}‏ وذلك أنَّه قيل لسليمان عليه السَّلام‏:‏ إنَّ قدميها كحافر الحمار، فأراد سليمان أن يرى قدميها، فاتَّخذ له ساحةً من زجاجٍ تحته الماء والسَّمك، وجلس سليمان في صدر الصَّرح، وقيل لها‏:‏ ادخلي الصَّرح ‏{‏فلما رأته حسبته لجة‏}‏ ماءً، وهي معظمه ‏{‏وكشفت عن ساقيها‏}‏ لدخول الماء، فرأى سليمان قدمها وإذا هي أحسن النَّاس ساقاً وقدماً، و‏{‏قال‏}‏ لها‏:‏ ‏{‏إنَّه صرح ممرَّد‏}‏ أملس ‏{‏من قوارير‏}‏، ثمَّ إنَّ سليمان عليه السَّلام دعاها إلى الإِسلام فأجابت و‏{‏قالت‏:‏ رب إني ظلمت نفسي‏}‏ بالكفر ‏{‏وأسلمت مع سليمان لله ربّ العالمين‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏فإذا هم فريقان‏}‏ فإذا قوم صالحٍ فريقان مؤمنٌ وكافرٌ ‏{‏يختصمون‏}‏ يقول كلُّ فريقٍ‏:‏ الحقُّ معي، وطلبت الفرقة الكافرة على تصديق صالح عليه السَّلام العذاب، فقال‏:‏

‏{‏يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة‏}‏ أَي‏:‏ لمَ قلتم‏:‏ إنْ كان ما أتيت به حقاً فأْتنا بالعذاب ‏{‏لولا‏}‏ هلاَّ ‏{‏تستغفرون الله‏}‏ بالتَّوبة من الكفر ‏{‏لعلكم ترحمون‏}‏ لكي ترحموا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏47- 52‏]‏

‏{‏قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ‏(‏47‏)‏ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ‏(‏48‏)‏ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ‏(‏49‏)‏ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏50‏)‏ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏51‏)‏ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏قالوا اطيرنا بك‏}‏ تشاءمنا بك ‏{‏وبمن معك‏}‏ وذلك إنَّهم قُحطوا بتكذيبهم، فقالوا‏:‏ أصابنا القحط بشؤمك وشؤم أصحابك، فقال صالح عليه السَّلام‏:‏ ‏{‏طائركم عند الله‏}‏ أَيْ‏:‏ ما أصابكم من خيرٍ وشرٍّ فمن الله ‏{‏بل أنتم قوم تفتنون‏}‏ تختبرون بالخير والشرِّ‏.‏

‏{‏وكان في المدينة‏}‏ مدينة ثمود ‏{‏تسعة رهط‏}‏ كانو عتاةَ قومِ صالحٍ‏.‏

‏{‏قالوا‏:‏ تقاسموا‏}‏ احلفوا ‏{‏بالله لنبيتنَّه وأهله‏}‏ لنأتينَّ صالحاً ليلاً، ولنقتلنَّه وأهله ‏{‏ثم لنقولنَّ‏}‏ لوليِّ دمه‏:‏ ‏{‏ما شهدنا مهلك أهله‏}‏ ما حضرنا إهلاكهم ‏{‏وإنا لصادقون‏}‏ في قولنا‏.‏

‏{‏ومكروا مكراً‏}‏ لتبييت صالحٍ ‏{‏ومكرنا مكراً‏}‏ جازيناهم على ذلك‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏إنَّا دمرناهم‏}‏ وذلك أنَّهم لمَّا خرجوا ليلاً لإِهلاك صالحٍ دَمَغتهم الملائكة بالحجارة من حيث لا يرونهم فقتلوهم، وقوله‏:‏ ‏{‏وقومهم أجميعن‏}‏ إهلاك قوم ثمود بالصَّيحة‏.‏

‏{‏فتلك بيوتهم‏}‏ مساكنهم ‏{‏خاوية‏}‏ ساقطةً خاليةً ‏{‏بما ظلموا‏}‏ بكفرهم بالله سبحانه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ‏(‏54‏)‏‏}‏

‏{‏أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون‏}‏ تعلمون أنَّها فاحشة، فهو أعظم لذنوبكم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏56- 62‏]‏

‏{‏فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ‏(‏56‏)‏ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ‏(‏57‏)‏ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ‏(‏58‏)‏ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏59‏)‏ أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ‏(‏60‏)‏ أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏61‏)‏ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ‏(‏62‏)‏‏}‏

‏{‏إنَّهم أناس يتطهرون‏}‏ يتنزَّهون عن أدبار الرِّجال، يقولونه استهزاءً‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏قدرناها من الغابرين‏}‏ أَيْ‏:‏ قضينا عليها أنَّها من الباقين في العذاب‏.‏

‏{‏وأمطرنا عليهم‏}‏ على شُذَّاذهم ومَنْ كان منهم في الأسفار ‏{‏مطراً‏}‏ وهو الحجارة‏.‏

‏{‏قل‏}‏ لهم يا محمد‏:‏ ‏{‏الحمد لله‏}‏ أَيْ‏:‏ على إهلاك الكفَّار من الأمم الخالية ‏{‏وسلامٌ على عباده الذين اصطفى‏}‏ اصطفاهم لرسالته ‏{‏آلله خير أم ما يشركون‏}‏ به من الأصنام، وقوله‏:‏

‏{‏حدائق ذات بهجة‏}‏ أَيْ‏:‏ بساتين ذات حسنٍ ‏{‏ما كان لكم أن تنبتوا شجرها‏}‏ أَيْ‏:‏ ما قدرتم عليه ‏{‏بل هم قومٌ يعدلون‏}‏ يشركون‏.‏

‏{‏أم من جعل الأرض قراراً‏}‏ لا تتحرَّك ‏{‏وجعل خلالها أنهاراً‏}‏ وسطها أنهاراً جاريةً ‏{‏وجعل لها رواسي‏}‏ جبالاً ثوابت ‏{‏وجعل بين البحرين‏}‏ العذب والمالح ‏{‏حاجزاً‏}‏ مانعاً من قدرته حتى لا يختلطا‏.‏

‏{‏أم من يجيب المضطر‏}‏ المجهود ذا الضرورة ‏{‏ويكشف السوء‏}‏ الضُّرَّ ‏{‏ويجعلكم خلفاء الأرض‏}‏ سكَّانها بإهلاك مَنْ قبلكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏64‏]‏

‏{‏أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏ومن يرزقكم من السماء‏}‏ المطر ‏{‏و‏}‏ من ‏{‏الأرض‏}‏ النَّبات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏66‏]‏

‏{‏بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ ‏(‏66‏)‏‏}‏

‏{‏بل أدرك علمهم في الآخرة‏}‏ أَيْ‏:‏ لحقهم علمهم بأنَّ السَّاعة والبعث حقٌّ في الآخرة حين لا ينفعهم ذلك، ومَنْ قرأ‏:‏ ‏{‏ادَّارك‏}‏ فمعناه‏:‏ تدارك، أَيْ‏:‏ تكامل علمهم يوم القيامة؛ لأنَّهم يبعثون ويشاهدون ما وعدوا‏.‏ ‏{‏بل هم في شك منها‏}‏ في الدُّنيا ‏{‏بل هم منها‏}‏ من علمها ‏{‏عمون‏}‏ جاهلون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏70- 72‏]‏

‏{‏وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ‏(‏70‏)‏ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏71‏)‏ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏72‏)‏‏}‏

‏{‏ولا تحزن عليهم‏}‏ أَيْ‏:‏ على تكذيبهم وإعراضهم عنك ‏{‏ولا تكن في ضيق مما يمكرون‏}‏ ولا تضيّق قلبك بمكرهم‏.‏

‏{‏ويقولون متى هذا الوعد‏}‏ أَيْ‏:‏ وعد العذاب ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أنَّ العذاب نازلٌ بالمكذِّب‏.‏

‏{‏قل عسى أن يكون ردف لكم‏}‏ أَي‏:‏ ردفكم، والمعنى‏:‏ تبعكم ودنا منكم ‏{‏بعض الذي تستعجلون‏}‏ من العذاب، وكان ذلك يوم بدرٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏75- 76‏]‏

‏{‏وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ‏(‏75‏)‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏وما من غائبة‏}‏ أَيْ‏:‏ جملةٍ غائبةٍ عن الخلق ‏{‏إلاَّ في كتاب مبين‏}‏ وهو اللَّوح المحفوظ‏.‏

‏{‏إنَّ هذا القرآن يقصُّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون‏}‏ وذلك أنَّ بني إسرائيل اختلفوا حتى لعن بعضهم بعضاً، فقال الله سبحانه‏:‏ إنَّ هذا القرآن ليقصُّ عليهم الهدى ممَّا اختلفوا فيه لو أخذوا به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏إنَّ ربك يقضي بينهم‏}‏ بين المختلفين في الدِّين ‏{‏بحكمه‏}‏ يوم القيامة ‏{‏وهو العزيز‏}‏ القويُّ فلا يردُّ له أمرٌ ‏{‏العليم‏}‏ بأحوالهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏80- 86‏]‏

‏{‏إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ‏(‏80‏)‏ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ‏(‏81‏)‏ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ‏(‏82‏)‏ وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ‏(‏83‏)‏ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏84‏)‏ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ ‏(‏85‏)‏ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏إنك لا تسمع الموتى‏}‏ الكفَّار ‏{‏ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين‏}‏ يعني‏:‏ الكفَّار الذين هم بمنزلة الصُّمِّ لا يسمعون النِّداء إذا أعرضوا‏.‏

‏{‏وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم‏}‏ يريد‏:‏ إنَّه أعماهم حتى لا يهتدوا، فكيف يهدي النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ضلالتهم قوماً عمياً‏.‏ ‏{‏إن تُسمع‏}‏ ما تُسمع سماع إفهام ‏{‏إلاَّ مَنْ يؤمن بآياتنا‏}‏ بأدلَّتنا ‏{‏فهم مسلمون‏}‏ في علم الله سبحانه‏.‏

‏{‏وإذا وقع القول عليهم‏}‏ وجب العذاب والسُّخط عليهم، وذلك حين لا يقبل الله سبحانه من كافرٍ وإيمانه، ولم يبق إلاَّ مَنْ يموت كافراً في علم الله سبحانه ‏{‏أخرجنا لهم دابة من الأرض‏}‏ وخروجها من أوَّل أشراط القيامة ‏{‏تكلمهم‏}‏ تُحدِّثهم بما يسوءهم ‏{‏أنَّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون‏}‏ تخبر الدَّابَّة مَنْ رآها أنَّ أهل مكَّة كانوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن لا يوقنون، ومَنْ كسر ‏{‏إنَّ النَّاس‏}‏ كان المعنى‏:‏ تقول لهم‏:‏ إنَّ الناس‏.‏

‏{‏ويوم نحشر‏}‏ نجمع ‏{‏من كلِّ أمة فوجاً‏}‏ جماعةً ‏{‏ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون‏}‏ يحبس أوَّلهم على آخرهم ليجتمعوا‏.‏

‏{‏حتى إذا جاؤوا قال‏}‏ الله تعالى لهم‏:‏ ‏{‏أكذَّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً‏}‏ ولم تعرفوها حقَّ معرفتها، وهذا توبيخٌ لهم ‏{‏أم ماذا كنتم تعملون‏}‏ حين لم تتفكَّروا فيها‏.‏

‏{‏ووقع القول‏}‏ وجبت الحُجَّة ‏{‏عليهم بما ظلموا‏}‏ بإشراكهم ‏{‏فهم لا ينطقون‏}‏ بحجَّةٍ وعذرٍ، ثمَّ ذكر الدَّليل على قدرته وإلهيتَّه سبحانه وتعالى، فقال‏:‏

‏{‏ألم يروا أنا جعلنا اليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً إنَّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏87- 93‏]‏

‏{‏وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ‏(‏87‏)‏ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ‏(‏88‏)‏ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ ‏(‏89‏)‏ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏90‏)‏ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏91‏)‏ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ‏(‏92‏)‏ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ مَنْ شاء الله‏}‏ يعني‏:‏ الشّهداء ‏{‏وكلٌّ أتوه‏}‏ يأتون الله سبحانه ‏{‏داخرين‏}‏ صاغرين‏.‏

‏{‏وترى الجبال تحسبها جامدة‏}‏ واقفةً مُستقرَّةً ‏{‏وهي تمرُّ مرَّ السحاب‏}‏ وذلك أنَّ كلَّ شيءٍ عظيمٌ، وكلَّ جمع كثيرٌ يقصر عنه الطَّرف لكثرته فهو في حسبان النَّاظر واقفٌ وهو يسير ‏{‏صنع الله‏}‏ أَيْ‏:‏ صنع الله ذلك صنعه ‏{‏الذي أتقن‏}‏ أحكم ‏{‏كلَّ شيء‏}‏‏.‏

‏{‏من جاء بالحسنة‏}‏ وهي كلمة لا إله إلاَّ الله ‏{‏فله خيرٌ منها‏}‏ فمنها يصل إليه الخير ‏{‏ومَنْ جاء بالسيئة‏}‏ الشِّرك ‏{‏فَكُبَّت‏}‏ أُلقيت وطُرحت ‏{‏وجوههم في النار‏}‏ وقيل لهم‏:‏ ‏{‏هل تجزون إلاَّ ما كنتم‏}‏ بما كنتم ‏{‏تعملون‏}‏‏.‏

قل يا محمَّد‏:‏ ‏{‏إنما أمرت أن أعبد ربَّ هذه البلدة‏}‏ يعني‏:‏ مكَّة ‏{‏الذي حرَّمها‏}‏ جعلها حرماً آمناً ‏{‏وله كلُّ شيء‏}‏ مِلكاً وخلقاً‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏ومن ضلَّ فقل إنما أنا من المنذرين‏}‏ أَيْ‏:‏ ليس عليَّ إلاَّ البلاغ‏.‏

‏{‏وقل الحمد لله سيريكم آياته‏}‏ أيُّها المشركون‏.‏ يعني‏:‏ يوم بدر ‏{‏فتعرفونها وما ربك بغافل بما تعملون‏}‏‏.‏

سورة القصص

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 10‏]‏

‏{‏طسم ‏(‏1‏)‏ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ‏(‏2‏)‏ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ‏(‏3‏)‏ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ‏(‏4‏)‏ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ‏(‏5‏)‏ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ‏(‏6‏)‏ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ‏(‏7‏)‏ فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ‏(‏8‏)‏ وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏9‏)‏ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏طسم‏}‏‏.‏

‏{‏تلك آيات الكتاب المبين‏}‏ يعني‏:‏ القرآن، وهو مبينٌ للأحكام‏.‏

‏{‏تتلو‏}‏ نقصُّ ‏{‏عليك من نبأ موسى‏}‏ خبر موسى ‏{‏وفرعون بالحق‏}‏ بالصِّدق الذي لا شكَّ فيه ‏{‏لقوم يؤمنون‏}‏ يُصدِّقون أنَّ ما يأتيهم به صدقٌ‏.‏

‏{‏إنَّ فرعون علا‏}‏ استكبر وتعظَّم ‏{‏في الأرض‏}‏ أرض مصر ‏{‏وجعل أهلها شيعاً‏}‏ فرقاً تتبع بعض تلك الفرق بعضاً في خدمته ‏{‏يستضعف طائفة منهم‏}‏ وهم بنو إسرائيل‏.‏

‏{‏ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض‏}‏ ننعم على بني إسرائيل ‏{‏ونجعلهم أئمّة‏}‏ قادةً في الخير ‏{‏ونجعلهم الوارثين‏}‏ يرثون ملك فرعون وقومه‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏ونمكن لهم في الأرض‏}‏ أرض مصر والشَّام حتى يغلبوا عليها من غير مُنازعٍ ‏{‏ونُرِيَ فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون‏}‏ وذلك أنَّهم كانوا قد أُخبروا أنَّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل، فكانوا على وجلٍ منهم‏.‏

‏{‏وأوحينا إلى أم موسى‏}‏ قيل‏:‏ إنَّه وحي إلهام‏.‏ وقيل‏:‏ وحي إعلام‏.‏

‏{‏فالتقطه‏}‏ أخذه ‏{‏آل فرعون‏}‏ عن الماء ‏{‏ليكون لهم عدواً وحزناً‏}‏ أَيْ‏:‏ ليصير الأمر إلى ذلك ‏{‏إنَّ فروعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين‏}‏ أَيْ‏:‏ عاصين آثمين‏.‏

‏{‏وقالت امرأة فرعون قرة عين‏}‏ أَيْ‏:‏ هو قرَّة عين لي ‏{‏ولك لا تقتلوه‏}‏ فإنَّه أتانا به الماء من أرضٍ أخرى، وليس هو من بني إسرائيل ‏{‏وهم لا يشعرون‏}‏ بما هو كائنٌ من أمرهم وأمره‏.‏

‏{‏وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً‏}‏ خالياً عن كلِّ شيء إلاَّ عن ذكر موسى وهمِّه ‏{‏إن كادت لتبدي به‏}‏ بأنَّه ابنها ‏{‏لولا أن ربطنا على قلبها‏}‏ قوَّينا قلبها وألهمناها الصَّبر ‏{‏لتكون من المؤمنين‏}‏ المُصدِّقين بوعد الله سبحانه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 16‏]‏

‏{‏وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ‏(‏11‏)‏ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ‏(‏12‏)‏ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏13‏)‏ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏14‏)‏ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ‏(‏15‏)‏ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏وقالت لأخته‏}‏ لأخت موسى ‏{‏قصته‏}‏ اتَّبعي أثره، فاتَّبعته ‏{‏فبصرت به عن جنب‏}‏ أبصرته من بعيدٍ ‏{‏وهم لا يشعرون‏}‏ أنَّها أخته‏.‏

‏{‏وحرَّمنا عليه المراضع‏}‏ منعنا موسى أن يقبل ثدي مرضعةٍ ‏{‏من قبل‏}‏ أن نردَّه على أُمَّه ‏{‏فقالت‏}‏ أخته حين تعذَّر عليهم رضاعة‏:‏ ‏{‏هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم‏}‏ يضمُّونه إليهم ‏{‏وهم له ناصحون‏}‏ مخلصون شفقته‏.‏

‏{‏فرددناه إلى أمه‏}‏ وذلك أنَّها دلَّتهم على أمِّ موسى، فَدُفِعَ إليها تُربِّيه لهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}‏ آل فرعون كانوا لا يعلمون أنَّ الله وعدها ردَّه عليها‏.‏

‏{‏ولما بلغ أشدَّه‏}‏ منتهى قوَّته، وهو ما فوق الثَّلاثين ‏{‏واستوى‏}‏ وبلغ أربعين سنةً ‏{‏آتيناه حكماً‏}‏ عقلاً وفهماً ‏{‏وعلماً‏}‏ قبل النُّبوَّة‏.‏

‏{‏ودخل المدينة‏}‏ يعني‏:‏ مدينةً بأرض مصر ‏{‏على حين غفلة من أهلها‏}‏ فيما بين المغرب والعشاء ‏{‏فوجد فيها رجلين يقتتلان‏}‏ أحدهما إسرائيليٌّ، وهو الذي من شيعته، والآخر قبطيٌّ، وهو الذي من عدوه ‏{‏فاستغاثه‏}‏ الإِسرائيلي على الفرعونيِّ ‏{‏فوكزه موسى‏}‏ ضربه بجميع كفِّه ‏{‏فقضى عليه‏}‏ فقتله ولم يتعمَّد قتله، فندم على ذلك لأنَّه لم يُؤمر بقتله ف ‏{‏قال هذا من عمل الشيطان إنَّه عدوٌّ مضلٌّ مبين‏}‏ ثمَّ استغفر فقال‏:‏

‏{‏ربِّ إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏17- 21‏]‏

‏{‏قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ‏(‏17‏)‏ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ‏(‏18‏)‏ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ‏(‏19‏)‏ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ‏(‏20‏)‏ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏قال رب بما أنعمت عليَّ‏}‏ بالمغفرة ‏{‏فلن أكون ظهيراً للمجرمين‏}‏ لن أُعين بعدها على خطيئة‏.‏

‏{‏فأصبح في‏}‏ تلك ‏{‏المدينة خائفاً‏}‏ من قتله القبطيَّ ‏{‏يترقب‏}‏ ينتظر الأخبار ‏{‏فإذا‏}‏ الإسرائيليُّ ‏{‏الذي استنصره بالأمس يستصرخه‏}‏ يستغيثه‏.‏ ‏{‏قال له موسى‏:‏ إنك لغويٌّ مبين‏}‏ ظاهر الغواية، قد قتلتُ بك بالأمس رجلاً، وتدعوني إلى آخر، وأقبل إليهما، ‏[‏‏{‏فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدوٌّ لهما‏}‏ أَيْ‏:‏ بالقبطِيِّ‏]‏، فظنَّ الذي من شيعته أنَّه يريده، فقال‏:‏

‏{‏أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريدإلا أن تكون جباراً في الأرض‏}‏ تقتل ظلماً، فلمَّا قال الإِسرائيلي هذا علم القبطيُّ أنَّه قاتل القبطيِّ بالأمس، فأتى فرعون فأخبره بذلك، فأمر فرعون بقتل موسى، فأتاه رجلٌ فأخبره بذلك، وهو قوله‏:‏

‏{‏وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى‏}‏ وهو مؤمن آل فرعون ‏{‏قال يا موسى إنَّ الملأ يأتمرون بك‏}‏ يأمر بعضهم بعضاً يتشاورون ‏{‏ليقتلوك فاخرج‏}‏ من هذه المدينة ‏{‏إني لك من الناصحين‏}‏‏.‏

‏{‏فخرج منها خائفاً يترقب‏}‏ ينتظر الطَّلب ‏{‏قال‏:‏ ربّ نجني من القوم الظالمين‏}‏ قوم فرعون‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏22- 25‏]‏

‏{‏وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ‏(‏22‏)‏ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ‏(‏23‏)‏ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ‏(‏24‏)‏ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ‏(‏25‏)‏‏}‏

‏{‏ولما توجَّه‏}‏ قصد بوجهه ‏{‏تلقاء مدين‏}‏ نحوها ‏{‏قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل‏}‏ قصد الطَّريق، وذلك أنَّه لم يكن يعرف الطَّريق‏.‏

‏{‏ولما ورد ماء مدين‏}‏ وهو بئرٌ لهم ‏{‏وجد عليه أمة‏}‏ جماعةً ‏{‏من الناس يسقون‏}‏ مواشيهم ‏{‏ووجد من دُونِهمُ امرأتين تذودان‏}‏ تحسبان غنمهما عن الماء حتى يصدر مواشي النَّاس ‏{‏قال‏}‏ موسى لهما‏:‏ ‏{‏ما خطبكما‏}‏‏؟‏ ما شأنكما لا تسقيان مع النَّاس‏؟‏ ‏{‏قالتا لا نسقي‏}‏ مواشينا ‏{‏حتى يصدر الرعاء‏}‏ عن الماء، لأنا لا نطيق أن نستقي وأن نُزاحم الرِّجال، فإذا صدروا سقينا من فضل مواشيهم ‏{‏وأبونا شيخ كبير‏}‏ لا يمكنه أن يرد وأن يستقي‏.‏

‏{‏فسقى لهما‏}‏ أغنامهما من بئرٍ أخرى رفع عنها حجراً كان لا يرفعه إلاَّ عشرة أنفس ‏{‏ثمَّ تولى إلى الظلّ‏}‏ أَيْ‏:‏ إلى ظلِّ شجرةٍ ‏{‏فقال ربِّ إني لما أنزلت إليَّ من خير‏}‏ طعامٍ ‏{‏فقير‏}‏ محتاجٌ، وكان قد جاع فسأل الله تعالى ما يأكل، فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بما فعل موسى، فقال لإحداهما‏:‏ اذهبي فادعيه، فذلك قوله‏:‏

‏{‏فجاءته إحداهما‏}‏ أخذت ‏{‏تمشي على استحياء‏}‏ مُستترةً بكُمِّ درعها ‏{‏قالت‏:‏ إنَّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقصَّ عليه القصص‏}‏ أخبره بأمره والسَّبب الذي أخرجه من أرضه ‏{‏قال‏:‏ لا تخف نجوت من القوم الظالمين‏}‏ يعني‏:‏ من فرعون وقومه؛ فإنَّه لا سلطان له بأرضنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏26- 28‏]‏

‏{‏قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ‏(‏26‏)‏ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏27‏)‏ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ‏(‏28‏)‏‏}‏

‏{‏قالت إحداهما يا أبت استأجره‏}‏ ليرعى أغنامنا ‏{‏إنَّ خير من استأجرت القويُّ الأمين‏}‏ وإنَّما قالت ذلك لأنَّها عرفت قوَّته برفع الحجر من رأس البئر، وأمانته بأنَّ موسى قال لها لمَّا دعته إلى أبيها‏:‏ امشي خلفي، فإنَّا بني يعقوب لا ننظر إلى أعجاز النِّساء‏.‏

‏{‏قال‏}‏ عند ذلك الشِّيخ لموسى‏:‏ ‏{‏إني أريد أن أنكحك‏}‏ أزوِّجك ‏{‏إحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجرني‏}‏ تكون أجيراً لي ‏{‏ثماني حجج‏}‏ سنين ‏{‏فإن أتممت عشراً فمن عندك‏}‏ وليس بواجبٍ عليك ‏{‏وما أريد أن أشقَّ عليك‏}‏ بأن اشترط العشر ‏{‏ستجدني إن شاء الله من الصالحين‏}‏ الوافين بالعهد‏.‏

‏{‏قال‏}‏ موسى‏:‏ ‏{‏ذلك‏}‏ الذي وصفت ‏{‏بيني وبينك‏}‏ أَيْ‏:‏ لك ما شرطتَ عليَّ ولي ما شرطتُ من تزويج إحداهما‏.‏ ‏{‏أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليَّ‏}‏ لا ظلم عليَّ بأن أُطالب بأكثر منه ‏{‏والله على ما نقول وكيل‏}‏ والله شاهدنا على ما عقدنا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏29- 30‏]‏

‏{‏فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ‏(‏29‏)‏ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ‏(‏30‏)‏‏}‏

‏{‏فلما قضى موسى الأجل‏}‏ مفسَّر فيما مضى إلى قوله‏:‏ ‏{‏أو جذوة من النار‏}‏ قطعةٍ وشعلةٍ من النَّار‏.‏

‏{‏فلما أتاها نودي من شاطئ‏}‏ جانب ‏{‏الوادي الأيمن‏}‏ من يمين موسى ‏{‏في البقعة‏}‏ في القطعة من الأرض ‏{‏المباركة‏}‏ بتكليم الله سبحانه فيها موسى عليه السَّلام، وإتيانه النُّبوَّة ‏{‏من الشجرة‏}‏ من جانب الشَّجرة ‏{‏أن يا موسى إني أنا الله ربُّ العالمين‏}‏ والباقي مفسَّرٌ فيما سبق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

‏{‏اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ‏(‏32‏)‏‏}‏

‏{‏واضمم إليك جناحك‏}‏ أَيْ‏:‏ يدك ‏{‏من الرهب‏}‏ من الخوف، والمعنى‏:‏ سكِّن روعك واخفض عليك جنبيك، وذلك أنه كان يرتعد خوفاً ‏{‏فذانك‏}‏ اليد والعصا ‏{‏برهانان من ربك‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏34- 35‏]‏

‏{‏وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ‏(‏34‏)‏ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ‏(‏35‏)‏‏}‏

‏{‏ردءاً‏}‏ أَيْ‏:‏ مُعيناً‏.‏

‏{‏قال‏:‏ سنشدُّ عضدك‏}‏ أَيْ‏:‏ نُقوِّيك ‏{‏بأخيك ونجعل لكما سلطاناً‏}‏ حُجَّةً بيِّنة ‏{‏فلا يصلون إليكما‏}‏ بسوءٍ، ‏{‏بآياتنا‏}‏ العصا واليد، وسائر ما أُعطيا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏37- 38‏]‏

‏{‏وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ‏(‏37‏)‏ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏وقال موسى‏}‏ لمَّا كُذِّب ونُسب إلى السِّحر‏:‏ ‏{‏ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده‏}‏ يعني‏:‏ نفسه، أَيْ‏:‏ ربِّي أعلم بي أنَّ الذي جئتُ به من عنده ‏{‏ومن تكون له عاقبة الدار‏}‏ أَيْ‏:‏ العقبى المحمودة في الدَّار الآخرة، وقوله‏:‏

‏{‏فأوقد لي يا هامان على الطين‏}‏ أَيْ‏:‏ اطبخ لي الآجر ‏{‏فاجعل لي صرحاً‏}‏ بناء طويلاً مشرفاً ‏{‏لعلي أطلع إلى إله موسى‏}‏ أنظر إليه وأقف عليه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41- 42‏]‏

‏{‏وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ‏(‏41‏)‏ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ‏(‏42‏)‏‏}‏

‏{‏وجعلناهم أئمة‏}‏ قادةً ورؤساء ‏{‏يدعون إلى النار‏}‏ أَيْ‏:‏ إلى الضَّلالة التي عاقبتها النَّار‏.‏

‏{‏وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً‏}‏ وذلك أنَّهم لمَّا هلكوا لُعنوا، فهم يُعرضون على النار غدوةً وعشيةً إلى يوم القيامة ‏{‏ويوم القيامة هم من المقبوحين‏}‏ الممقوتين المهلكين‏.‏