فصل: تفسير الآيات رقم (74- 83)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏74- 83‏]‏

‏{‏وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ ‏(‏74‏)‏ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ‏(‏75‏)‏ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ‏(‏76‏)‏ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ‏(‏77‏)‏ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ‏(‏78‏)‏ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ‏(‏79‏)‏ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ‏(‏80‏)‏ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ‏(‏81‏)‏ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ‏(‏82‏)‏ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون‏}‏ يُمنعون من عذاب الله تعالى‏.‏

‏{‏لا يستطيعون نصرهم‏}‏ لا تنصرهم آلهتهم ‏{‏وهم لهم جند محضرون‏}‏‏.‏ في النار؛ لأنَّ أوثانهم معهم فيها‏.‏

‏{‏فلا يحزنك قولهم‏}‏ فيك بالسُّوء والقبيح‏.‏ ‏{‏إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون‏}‏ فنجازيهم بذلك‏.‏

‏{‏أَوَلَمْ ير الإِنسان أنا خلقناه من نطفة‏}‏ يعني‏:‏ العاص بن وائل‏.‏ وقيل‏:‏ أُبيّ بن خلف ‏{‏فإذا هو خصيم مبين‏}‏ جَدِلٌ بالباطل، خاصم النبيَّ صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث، وهو قوله‏:‏

‏{‏وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه‏}‏ وهو أنَّه قال‏:‏ متى يُحيي الله العظيم البالي المتفتِّت‏؟‏ ونسي ابتداء خلقه؛ لأنَّه لو علم ذلك ما أنكر الإِعادة، وهذا معنى قوله‏:‏ ‏{‏قال‏:‏ مَنْ يُحْيِ العظام وهي رميم‏}‏ أَيْ‏:‏ باليةٌ‏.‏

‏{‏قل‏:‏ يحييها الذي أنشأها‏}‏ خلقها ‏{‏أول مرة وهو بكلّ خلق‏}‏ من الابتداء والإِعادة ‏{‏عليم‏}‏‏.‏

‏{‏الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً‏}‏ يعني‏:‏ المرخ والعفار، ومنهما زنود الأعراب ‏{‏فإذا أنتم منه توقدون‏}‏ تورون النَّار، ثمَّ احتجَّ عليهم بخلق السَّموات والأرض، فقال‏:‏

‏{‏أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم‏}‏ ثمَّ ذكر كمال قدرته فقال‏:‏

‏{‏إنما أمره إذا أراد شيئاً‏}‏ أَيْ‏:‏ خلق شيءٍ ‏{‏أن يقول له كن فيكون‏}‏ ذلك الشَّئ‏.‏

‏{‏فسبحان‏}‏ تنزيهاً لله سبحانه من أن يُوصف بغير القدرة على الإعادة ‏{‏الذي بيده ملكوت كلِّ شيء‏}‏ أَيْ‏:‏ القدرة على كلِّ شيء ‏{‏وإليه ترجعون‏}‏ تُردُّون في الآخرة‏.‏

سورة الصافات

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 7‏]‏

‏{‏وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ‏(‏1‏)‏ فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ‏(‏2‏)‏ فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ‏(‏3‏)‏ إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ‏(‏4‏)‏ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ‏(‏5‏)‏ إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ‏(‏6‏)‏ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏والصافات صفاً‏}‏ يعني‏:‏ صفوف الملائكة في السَّماء‏.‏

‏{‏فالزاجرات زجراً‏}‏ يعني‏:‏ الملائكة تزجر السَّحاب وتسوقه‏.‏

‏{‏فالتاليات ذكراً‏}‏ جماعة قرَّاء القرآن‏.‏

‏{‏إن إلهكم لواحد‏}‏ أقسم الله سبحانه بهؤلاء أنَّ إلهكم لواحد‏.‏

‏{‏وربّ المشارق‏}‏ مطالع الشمس‏.‏

‏{‏إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب‏}‏ بضوئها، ‏{‏و‏}‏ حفظناها‏.‏

‏{‏حفظاً من كلِّ شيطان مارد‏}‏ متمرِّدٍ خبيثٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 12‏]‏

‏{‏لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ‏(‏8‏)‏ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ‏(‏9‏)‏ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ‏(‏10‏)‏ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ‏(‏11‏)‏ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏لا يَسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى‏}‏ يعني‏:‏ الملائكة‏.‏ ‏{‏ويقذفون من كلّ جانب‏}‏ ويُرمون‏.‏

‏{‏دحوراً‏}‏ يُدحرون دحوراً، أَيْ‏:‏ يُباعدون ‏{‏ولهم عذاب واصب‏}‏ دائم‏.‏

‏{‏إلاَّ من خطف الخطفة‏}‏ سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعةٍ ‏{‏فأتبعه‏}‏ لقحه ‏{‏شهاب ثاقب‏}‏ كوكبٌ مضيءٌ‏.‏

‏{‏فاستفتهم‏}‏ فسلهم‏.‏ يعني‏:‏ أهل مكَّة ‏{‏أهم أشد خلقاً أم من خلقنا‏}‏ من الأمم السَّالفة قبلهم، وغيرهم من السَّموات والأرض ‏{‏إنا خلقناهم من طين لازب‏}‏ لاصقٍ لازمٍ‏.‏

‏{‏بل عجبت‏}‏ يا محمَّد من تكذيبهم إيَّاك ‏{‏و‏}‏ هم ‏{‏يسخرون‏}‏ من تعجُّبك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 15‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ‏(‏14‏)‏ وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏وإذا رأوا آية‏}‏ معجزةً سخروا‏.‏

‏{‏وقالوا إن هذا إلاَّ سحر مبين‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 29‏]‏

‏{‏قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ ‏(‏18‏)‏ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ ‏(‏19‏)‏ وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ ‏(‏20‏)‏ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ‏(‏21‏)‏ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ‏(‏22‏)‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ‏(‏23‏)‏ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ‏(‏24‏)‏ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ‏(‏25‏)‏ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ‏(‏26‏)‏ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏27‏)‏ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ‏(‏28‏)‏ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ‏(‏29‏)‏‏}‏

‏{‏قل‏:‏ نعم‏}‏ تبعثون ‏{‏وأنتم داخرون‏}‏ صاغرون أذلاَّء‏.‏

‏{‏فإنما هي‏}‏ يعني‏:‏ القيامة ‏{‏زجرة‏}‏ صيحةٌ ‏{‏واحدة فإذا هم‏}‏ أحياءٌ ‏{‏ينظرون‏}‏ سوء أعمالهم‏.‏ وقيل‏:‏ ما كذَّبوا به‏.‏

‏{‏وقالوا‏:‏ يا ويلنا هذا يوم الدين‏}‏ يوم نُجازى فيه بما عملنا‏.‏

‏{‏هذا يوم الفصل‏}‏ بين الحقِّ والباطل‏.‏ ‏{‏الذي كنتم به تكذبون‏}‏‏.‏

‏{‏احشروا الذين ظلموا‏}‏ كفروا ‏{‏أزواجهم‏}‏ قرناءهم من الشَّياطين وأوثانهم‏.‏

‏{‏فاهدوهم‏}‏ دلُّوهم إلى النار‏.‏

‏{‏وقفوهم‏}‏ احبسوهم ‏{‏إنهم مسؤولون‏}‏ عن أقوالهم وأفعالهم‏.‏

‏{‏مالكم لا تناصرون‏}‏ لا ينصر بعضكم بعضاً‏.‏

‏{‏بل هم اليوم مستسلمون‏}‏ مُنقادون‏.‏

‏{‏وأقبل بعضهم على بعض‏}‏ يعني‏:‏ الأتباع والرُّؤساء ‏{‏يتساءلون‏}‏ يتخاصمون‏.‏

‏{‏قالوا‏}‏ يعني‏:‏ الأتباع للرُّؤساء ‏{‏إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين‏}‏ تقهروننا بالقوَّة من قبل الدِّين، فتضلُّونا عنه‏.‏

‏{‏قالوا بل لم تكونوا مؤمنين‏}‏ أَيْ‏:‏ إنَّما الكفر من قِبَلِكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

‏{‏فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏فحق علينا‏}‏ جميعاً ‏{‏قول ربنا‏}‏ كلمة العذاب‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏40- 41‏]‏

‏{‏إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏40‏)‏ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ‏(‏41‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ عباد الله المخلصين‏}‏ المؤمنين لكن عباد الله المخلصين‏.‏

‏{‏أولئك لهم رزق معلوم‏}‏ بكرةً وعشياً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏45- 56‏]‏

‏{‏يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ‏(‏45‏)‏ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ‏(‏46‏)‏ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ‏(‏47‏)‏ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ‏(‏48‏)‏ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ‏(‏49‏)‏ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ‏(‏50‏)‏ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ‏(‏51‏)‏ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ‏(‏52‏)‏ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ‏(‏53‏)‏ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ‏(‏54‏)‏ فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ‏(‏55‏)‏ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏بكأس من معين‏}‏ خمرٍ تجري على وجه الأرض‏.‏

‏{‏بيضاء لذة للشَّاربين‏}‏ ذات لذَّةٍ‏.‏

‏{‏لا فيها غولٌ‏}‏ داءٌ ولا وجعٌ ‏{‏ولا هم عنها ينزفون‏}‏ لا تذهب بعقولهم‏.‏

‏{‏وعندهم قاصرات الطرف‏}‏ نساء لا ينظرن إلى غير أزواجهنَّ ‏{‏عين‏}‏ نُجْل العيون‏.‏

‏{‏كأنهن بيض‏}‏ في صفاء لونها ‏{‏مكنون‏}‏ يستره ريش النَّعام‏.‏

‏{‏فأقبل بعضهم‏}‏ يعني‏:‏ أهل الجنَّة ‏{‏على بعض يتساءلون‏}‏ عمَّا مرَّ بهم‏.‏

‏{‏قال قائل منهم إني كان لي قرين‏}‏ يعني‏:‏ الذين قصَّ الله خبرهما في سورة الكهف، كان يقول له قرينه‏:‏

‏{‏أَإِنّك لمن المصدقين‏}‏ ممَّن يصدِّق بالبعث والجزاء‏؟‏ وقوله‏:‏

‏{‏أإنَّا لمدينون‏}‏ أَيْ‏:‏ مجزيون‏.‏

‏{‏قال‏}‏ الله سبحانه لأهل الجنَّة‏:‏ ‏{‏هل أنتم مطلعون‏}‏ إلى النَّار‏.‏

‏{‏فاطلع‏}‏ المسلم فرأى قرينه الكافر ‏{‏في سواء الجحيم‏}‏ وسطه، فقال له‏:‏

‏{‏تالله إن كدت لَتُرِديْنَ‏}‏ تهلكني وتضلُّني‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏57- 65‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ‏(‏57‏)‏ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ‏(‏58‏)‏ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ‏(‏59‏)‏ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏60‏)‏ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ‏(‏61‏)‏ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ ‏(‏62‏)‏ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ ‏(‏63‏)‏ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ‏(‏64‏)‏ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ‏(‏65‏)‏‏}‏

‏{‏ولولا نعمة ربي‏}‏ عصمته ورحمته ‏{‏لكنت من المحضرين‏}‏ في النَّار‏.‏

‏{‏أفما نحن بميتين‏}‏‏.‏ ‏{‏إلاَّ موتتنا الأولى‏}‏ يقوله أهل الجنَّة للملائكة حين يُذبح الموت، فتقول الملائكة‏:‏ لا، فيقولون‏:‏ ‏{‏إنَّ هذا لهو الفوز العظيم‏}‏‏.‏ ‏{‏لمثل هذا فليعمل العاملون‏}‏‏.‏

‏{‏أذلك‏}‏ الذي ذكرتُ من نعيم أهل الجنَّة ‏{‏خيرٌ نُزُلاً أم شجرة الزقوم‏}‏‏.‏

‏{‏إنا جعلناها فتنة للظالمين‏}‏ افتتنوا بها، وكذَّبوا بكونها فصارت فتنةً لهم، وذلك أنَّهم أنكروا أن يكون في النَّار شجرة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏

‏{‏إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم‏}‏ أصلها في قعر جهنَّم‏.‏

‏{‏طلعها‏}‏ ثمرها ‏{‏كأنَّه رؤوس الشياطين‏}‏ في القبح وكراهية المنظر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏67- 68‏]‏

‏{‏ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ‏(‏67‏)‏ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ‏(‏68‏)‏‏}‏

‏{‏ثمَّ إنَّ لهم عليها‏}‏ على شجرة الزَّقوم ‏{‏لشوباً‏}‏ خلطاً ومزاجاً ‏{‏من حميم‏}‏ ماءٍ حارٍ‏.‏

‏{‏ثم إنَّ مرجعهم‏}‏ مرجع الكفَّار ‏{‏لإِلى الجحيم‏}‏ الذي يجمع هذه الأشياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏70‏]‏

‏{‏فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ‏(‏70‏)‏‏}‏

‏{‏يهرعون‏}‏ أَيْ‏:‏ يزعجون إلى أتباعهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏75- 79‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ‏(‏75‏)‏ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ‏(‏76‏)‏ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ‏(‏77‏)‏ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ‏(‏78‏)‏ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد نادانا نوح‏}‏ يعني‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏إنِّي مغلوبٌ فانتصر‏}‏ ‏{‏فلنعم المجيبون‏}‏ نحن‏.‏

‏{‏ونجيناه وأهله من الكرب العظيم‏}‏ يعني‏:‏ الغرق‏.‏

‏{‏وجعلنا ذريته هم الباقين‏}‏ لأنَّ الخلق كلَّهم أُهلكوا إلاَّ مَنْ كان معه في سفينته، وكانوا من ذرِّيَّته‏.‏

‏{‏وتركنا عليه في الآخرين‏}‏ فيمن يأتي بعده ثناءً حسناً، وهو أن يُصلَّى عليه ويُسلَّم، وهو معنى قوله‏:‏ ‏{‏سلام على نوح في العالمين‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏83- 84‏]‏

‏{‏وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ ‏(‏83‏)‏ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏وإن من شيعته‏}‏ أهل دينه وملَّته ‏{‏لإِبراهيم‏}‏‏.‏

‏{‏إذ جاء ربه بقلب سليم‏}‏ من الشِّرك‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏87- 91‏]‏

‏{‏فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏87‏)‏ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ‏(‏88‏)‏ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ‏(‏89‏)‏ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ ‏(‏90‏)‏ فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏فما ظنكم برب العالمين‏}‏ قال إبراهيم عليه السَّلام لقومه وهم يعبدون الأصنام‏:‏ أَيُّ شيءٍ ظنُّكم بربِّ العالمين وأنتم تعبدون غيره‏؟‏

‏{‏فنظر نظرة في النجوم‏}‏ وذلك أنَّه كان لقومه من الغد عيدٌ يخرجون إليه، ويضعون أطعمتهم بين يدي أصنامهم لتبرِّك عليها زعموا، فقالوا لإِبراهيم‏:‏ ألا تخرج معنا إلى عيدنا‏؟‏ فنظر إلى نجم وقال‏:‏

‏{‏إني سقيم‏}‏ وكانوا يتعاطون علم النُّجوم، فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه، واعتلَّ في التَّخلُّف من عيدهم بأنَّه يعتلُّ، وتأوَّل في قوله‏:‏ ‏{‏سقيم‏}‏ سأسقم‏.‏

‏{‏فتولوا عنه مدبرين‏}‏ أدبروا عنه إلى عيدهم وتركوه‏.‏

‏{‏فراغ‏}‏ فمال ‏{‏إلى آلهتهم فقال‏}‏ إظهاراً لضعفها وعجزها ‏{‏ألا تأكلون‏}‏ من هذه الأطعمة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏93- 107‏]‏

‏{‏فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ ‏(‏93‏)‏ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ‏(‏94‏)‏ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ‏(‏95‏)‏ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏96‏)‏ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ‏(‏97‏)‏ فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ ‏(‏98‏)‏ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ‏(‏99‏)‏ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏100‏)‏ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ‏(‏101‏)‏ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ‏(‏102‏)‏ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ‏(‏103‏)‏ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ‏(‏104‏)‏ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ‏(‏105‏)‏ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ‏(‏106‏)‏ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ‏(‏107‏)‏‏}‏

‏{‏فراغ‏}‏ فمال ‏{‏عليهم‏}‏ يضربهم ‏{‏ضرباً باليمين‏}‏ بيده اليمنى‏.‏

‏{‏فأقبلوا إليه‏}‏ من عيدهم ‏{‏يزفون‏}‏ يسرعون‏.‏ فقال لهم إبراهيم محتجاً‏.‏

‏{‏أتعبدون ما تنحتون‏}‏‏.‏ ‏{‏والله خلقكم وما تعملون‏}‏ من نحتكم وجميع أعمالكم‏.‏

‏{‏قالوا ابنوا له بنياناً‏}‏ حظيرة واملؤوه ناراً، وألقوا إبراهيم في تلك النَّار‏.‏

‏{‏فأرادوا به كيداً‏}‏ حين قصدوا إحراقه بالنَّار ‏{‏فجعلناهم الأسفلين‏}‏ المقهورين، لأنَّه علاهم بالحجَّة والنُّصرة‏.‏

‏{‏وقال إني ذاهب إلى ربي‏}‏ إلى المكان الذي أمرني بالهجرة إليه ‏{‏سيهدين‏}‏ يثبتني على الهدى‏.‏

‏{‏رب هب لي‏}‏ ولداً ‏{‏من الصالحين‏}‏‏.‏

‏{‏فبشرناه بغلام حليم‏}‏ سيِّدٍ يُوصف بالحلم‏.‏

‏{‏فلما بلغ‏}‏ ذلك الغلام ‏{‏معه السعي‏}‏ أَيْ‏:‏ أدرك معه العمل ‏{‏قال‏:‏ يا بنيَّ إني أرى في المنام أني أذبحك‏}‏ وذلك أنَّه أُمر في المنام بذبح ولده ‏{‏فانظر ماذا ترى‏}‏ ما الذي تراه فيما أقول لك، هل تستسلم له‏؟‏ فاستسلم الغلام و‏{‏قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين‏}‏‏.‏

‏{‏فلما أسلما‏}‏ انقادا لأمر الله ‏{‏وتلَّه للجبين‏}‏ صرعه على أحد جنبيه‏.‏

‏{‏وناديناه أن يا إبراهيم‏}‏‏.‏ ‏{‏قد صدَّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين‏}‏‏.‏

‏{‏إنّ هذا لهو البلاء المبين‏}‏ الاختيار الظاهر‏.‏ يعني‏:‏ حين اختبره بذبح ولده، فانقاد وأطاع‏.‏

‏{‏وفديناه بذبحٍ‏}‏ بكبشٍ ‏{‏عظيم‏}‏ لأنَّه رعى في الجنَّة أربعين خريفاً، وكان الكبش الذي تُقبِّل من ابن آدم عليه السَّلام‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏114- 115‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ‏(‏114‏)‏ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ‏(‏115‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد مننا على موسى وهارون‏}‏ بالنُّبوَّة‏.‏

‏{‏ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم‏}‏ يعني‏:‏ الغرق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏أتدعون بعلاً‏}‏ يعني‏:‏ صنماً كان لهم‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏127- 128‏]‏

‏{‏فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ‏(‏127‏)‏ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏فكذبوه فإنهم لمحضرون‏}‏ في النَّار‏.‏

‏{‏إلاَّ عباد الله المخلصين‏}‏ من قومه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏سلام على إِلْ ياسين‏}‏ يعني‏:‏ إلياس عليه السَّلام‏.‏ وقيل‏:‏ يعني قومه ممَّن ينتسب إلى اتَّباعه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏140- 150‏]‏

‏{‏إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ‏(‏140‏)‏ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ‏(‏141‏)‏ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ‏(‏142‏)‏ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ‏(‏143‏)‏ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ‏(‏144‏)‏ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ‏(‏145‏)‏ وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ‏(‏146‏)‏ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ‏(‏147‏)‏ فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ‏(‏148‏)‏ فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ ‏(‏149‏)‏ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ ‏(‏150‏)‏‏}‏

‏{‏إذ أبق‏}‏ هرب ‏{‏إلى الفلك المشحون‏}‏ السَّفينة المملوءة حين ذهب مُغاضباً، فوقفت السَّفينة ولم تجرِ، فقارعه أهل السَّفينة فخرجت القرعة عليه، فخرج منها وألقى نفسه في البحر، فذلك قوله‏:‏

‏{‏فساهم‏}‏ فقارع ‏{‏فكان من المدحضين‏}‏ المغلوبين بالقرعة‏.‏

‏{‏فالتقمه‏}‏ فابتلعه ‏{‏الحوت وهم مليم‏}‏ أتى بما يُلام عليه‏.‏

‏{‏فلولا أنَّه كان من المسبحين‏}‏ من المُصلِّين قبل ذلك‏.‏

‏{‏للبث في بطنه‏}‏ في بطن الحوت إلى يوم القيامة‏.‏

‏{‏فنبذناه‏}‏ طرحناه ‏{‏بالعراء‏}‏ وجه الأرض ‏{‏وهو سقيم‏}‏ عليلٌ كالفرخ الممعَّط‏.‏

‏{‏وأنبتنا عليه‏}‏ عنده ‏{‏شجرة من يقطين‏}‏ وهو القرع ليستظلَّ بها‏.‏

‏{‏وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون‏}‏ بل يزيدون‏.‏

‏{‏فآمنوا فمتعناهم إلى حين‏}‏ إلى انقضاء آجالهم‏.‏

‏{‏فاستفتهم‏}‏ فسل يا محمَّد أهلَ مكَّة ‏{‏ألربك البنات ولهم البنون‏}‏ وذلك أنَّهم كانوا يزعمون أنَّ الملائكة بنات الله‏.‏

‏{‏أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون‏}‏ حاضرون خلقنا إيَّاهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏أَصطفى البنات على البنين‏}‏ أتَّخذ البنات دون البنين فاصطفاها، وجعل لكم البنين‏؟‏ كقوله‏:‏ ‏{‏أفأصفاكم ربُّكم بالبنين واتَّخذَ من الملائكة إِناثاً‏.‏‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏156- 158‏]‏

‏{‏أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ ‏(‏156‏)‏ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏157‏)‏ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ‏(‏158‏)‏‏}‏

‏{‏أم لكم سلطان‏}‏ برهانٌ ‏{‏مبين‏}‏ على أنَّ لله ولداً‏.‏

‏{‏فأتوا بكتابكم‏}‏ الذي فيه حُجَّتكم ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏‏.‏

‏{‏وجعلوا بينه وبين الجنة‏}‏ يعني‏:‏ الملائكة ‏{‏نسباً‏}‏ حين قالوا‏:‏ إنَّهم بنات الله‏.‏ ‏{‏ولقد علمت الجنة‏}‏ الملائكة ‏{‏إنهم لمحضرون‏}‏ أنَّ الذين قالوا هذا القول محضرون في النَّار‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏160- 167‏]‏

‏{‏إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ‏(‏160‏)‏ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ‏(‏161‏)‏ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ‏(‏162‏)‏ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ‏(‏163‏)‏ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ‏(‏164‏)‏ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ‏(‏165‏)‏ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ‏(‏166‏)‏ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏إلاَّ عباد الله المخلصين‏}‏ فإنهم ناجون من النَّار‏.‏

‏{‏فإنكم وما تعبدون‏}‏ من الأصنام‏.‏

‏{‏وما أنتم عليه بفاتنين‏}‏ لا تفتنون أحداً على ما يعبدون ولا تضلونه‏.‏

‏{‏إلاَّ مَنْ هو صال الجحيم‏}‏ أَيْ‏:‏ إلا مَنْ هو في معلوم الله أنَّه يدخل النَّار‏.‏

‏{‏وما منا إلاَّ له‏}‏ هذا من قول الملائكة، والمعنى‏:‏ ما منَّا مَلَكٌ إلاَّ له ‏{‏مقام معلوم‏}‏ من السَّماء يعبد الله سبحانه هناك‏.‏

‏{‏وإنا لنحن الصافون‏}‏ في الصَّلاة‏.‏

‏{‏وإنا لنحن المسبحون‏}‏ المُصلُّون‏.‏

‏{‏وإن كانوا ليقولون‏}‏ كان كفار مكَّة يقولون‏:‏ لو جاءنا كتابٌ كما جاء غيرنا من الأوَّلين لأخلصنا عبادة الله سبحانه، فلمَّا جاءهم كفروا به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏170- 177‏]‏

‏{‏فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ‏(‏170‏)‏ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ‏(‏171‏)‏ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ‏(‏172‏)‏ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ‏(‏173‏)‏ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ ‏(‏174‏)‏ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ‏(‏175‏)‏ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ‏(‏176‏)‏ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ‏(‏177‏)‏‏}‏

‏{‏فسوف يعلمون‏}‏ عاقبة كفرهم‏.‏

‏{‏ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين‏}‏‏.‏

‏{‏إنهم لهم المنصورون‏}‏‏.‏

‏{‏وإن جندنا لهم الغالبون‏}‏ أَيْ‏:‏ تقدَّم الوعد بنصرتهم، وهو قوله‏:‏ ‏{‏كَتَبَ اللَّهُ لأغلبنَّ أنا ورسلي‏}‏ ‏{‏فَتَوَلَّ عنهم حتى حين‏}‏ حتى تنقضي المدة التي أمهلوا فيها‏.‏

‏{‏وأَبْصرْهم‏}‏ انظر إليهم إذا عذِّبوا ‏{‏فسوف يبصرون‏}‏ ما أنكروا‏.‏

‏{‏أفبعذابنا يستعجلون‏}‏ وذلك أنَّهم كانوا يقولون‏:‏ متى هذا الوعد‏؟‏

‏{‏فإذا نزل‏}‏ العذاب ‏{‏بساحتهم‏}‏ بِفِنائهم ‏{‏فَسَاءَ صباح المنذرين‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏179- 179‏]‏

‏{‏وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ‏(‏179‏)‏‏}‏

‏{‏وأبصر‏}‏ انظر فبئس ما يصبحون عند ذلك‏.‏

سورة ص

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 9‏]‏

‏{‏ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ ‏(‏1‏)‏ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ‏(‏2‏)‏ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ‏(‏3‏)‏ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ‏(‏4‏)‏ أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ‏(‏5‏)‏ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ‏(‏6‏)‏ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ ‏(‏7‏)‏ أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ‏(‏8‏)‏ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏ص‏}‏ صدق الله ‏{‏والقرآن ذي الذكر‏}‏ ذي الشَّرف‏.‏

‏{‏بل الذين كفروا في عزَّة‏}‏ امتناعٍ من الدِّين ‏{‏وشقاق‏}‏ خلافٍ وعداوةٍ‏.‏

‏{‏كم أهلكنا‏}‏ هذا جواب القسم، اعترض بينهما قوله‏:‏ ‏{‏بل الذين كفروا‏}‏‏.‏

‏{‏فنادوا‏}‏ بالاستغاثة عند الهلاك ‏{‏ولات حين مناص‏}‏ وليس حين منجىً وفوت‏.‏

‏{‏وعجبوا‏}‏ يعني‏:‏ أهل مكَّة ‏{‏أن جاءهم منذر منهم‏}‏ محمَّد صلى الله عليه وسلم‏.‏

‏{‏أجعل الآلهة إلهاً واحداً‏}‏ وذلك أنَّهم اجتمعوا عند أبي طالب يشكون إليه النبيَّ صلى الله عيله وسلم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إني أدعوكم إلى كلمة التَّوحيد لا إله إلاَّ الله، فقالوا‏:‏ كيف يسع الخلق كلَّهم إلهٌ واحد‏؟‏ ‏{‏إنَّ هذا‏}‏ الذي يقوله ‏{‏لشيء عجاب‏}‏ عجيب‏.‏

‏{‏وانطلق الملأ منهم‏}‏ نهضوا من مجلسهم ذلك، يقول بعضهم لبعض‏:‏ ‏{‏امشوا واصبروا على آلهتكم إنَّ هذا‏}‏ الذي يقوله محمَّد ‏{‏لشيءٌ يراد‏}‏ أَيْ‏:‏ لأَمرٌ يُراد‏.‏ بنا، ومكرٌ يمكر علينا‏.‏

‏{‏ما سمعنا بهذا‏}‏ الذي يقوله ‏{‏في الملَّة الآخرة‏}‏ فيما أدركنا عليه آباءنا ‏{‏إن هذا إلاَّ اختلاق‏}‏ زورٌ وكذب‏.‏

‏{‏أَأنزل عليه الذكر من بيننا‏}‏ كيف خُصَّ بالوحي من جملتنا‏؟‏ قالوا هذا حسداً له على النُّبوَّة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏بل هم في شك من ذكري‏}‏ أَيْ‏:‏ وَحْيِي ‏[‏أَيْ‏:‏ حين قالوا‏:‏ اختلاق‏]‏ ‏{‏بل لما يذوقوا عذاب‏}‏ ولو ذاقوه لأيقنوا وصدَّقوا‏.‏

‏{‏أم عندهم خزائن رحمة ربك‏}‏ أَيْ‏:‏ مفاتيح النُّبوَّة حتى يعطوا النُّبوَّة مَن اختاروا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 12‏]‏

‏{‏أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ ‏(‏10‏)‏ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ ‏(‏11‏)‏ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما‏}‏ يعني‏:‏ إنَّ ذلك لله عزَّ وجلَّ فيصطفي مَنْ يشاء ‏{‏فليرتقوا في الأسباب‏}‏ أَيْ‏:‏ إن ادَّعوا شيئاً من ذلك فليصعدوا فيما يوصلهم إلى السَّماء، وليأتوا منها بالوحي إلى مَنْ يختارون، ثمَّ وعد نبيَّه النَّصر فقال‏:‏

‏{‏جند ما هنالك‏}‏ أَيْ‏:‏ هم جندٌ هنالك ‏{‏مهزوم‏}‏ مغلوبٌ ‏{‏من الأحزاب‏}‏ كالقرون الماضية الذين قُهروا وأُهلكوا، وهذا إخبارٌ عن هزيمتهم ببدرٍ، ثمَّ عزَّى نبيَّه عليه السَّلام فقال‏:‏

‏{‏كذبت قبلهم قوم نوح وعادٌ وفرعون ذو الأوتاد‏}‏ ذو الملك الشَّديد‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 23‏]‏

‏{‏إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ‏(‏14‏)‏ وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ‏(‏15‏)‏ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ‏(‏16‏)‏ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ‏(‏17‏)‏ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ‏(‏18‏)‏ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ‏(‏19‏)‏ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ‏(‏20‏)‏ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ‏(‏21‏)‏ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ‏(‏22‏)‏ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏إنْ كلٌّ‏}‏ ما كلٌّ من هؤلاء ‏{‏إلاَّ كذَّب الرسل فحقَّ‏}‏ فوجب ‏{‏عقاب‏}‏‏.‏

‏{‏وما ينظر هؤلاء‏}‏ أَيْ‏:‏ ما ينتظر هؤلاء كفار مكَّة ‏{‏إلاَّ صيحة واحدة‏}‏ وهي نفخة القيامة ‏{‏ما لها من فواق‏}‏ رجوعٌ ومردٌّ‏.‏

‏{‏وقالوا ربنا عجِّلْ لنا قطنا‏}‏ كتابنا وصحيفة أعمالنا ‏{‏قبل يوم الحساب‏}‏ وذلك لمَّا نزل قوله‏:‏ ‏{‏فأمَّا مَنْ أوتي كتابه بيمينه‏}‏ ‏{‏وأمَّا مَنْ أوتي كتابه بشماله‏}‏ سألوا ذلك، فنزلت هذه الآية‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏داود ذا الأيد‏}‏ أي‏:‏ ذا القوَّة في العباد ‏{‏إنَّه أوَّابٌ‏}‏ رجَّاع إلى الله سبحانه‏.‏

‏{‏إنا سخرنا الجبال معه يسبحن‏}‏ يجاوبنه بالتَّسبيح ‏{‏بالعشي والإِشراق‏}‏ يعني‏:‏ الضُّحى‏.‏

‏{‏والطير‏}‏ أَيْ‏:‏ وسخَّرنا الطَّير ‏{‏محشورة‏}‏ مجموعةً ‏{‏كلٌّ له‏}‏ لداود ‏{‏أواب‏}‏ مطيعٌ يأتيه ويسبِّح معه‏.‏

‏{‏وشددنا ملكه‏}‏ بالحرس، وكانوا ثلاثةً وثلاثين ألف رجلٍ يحرسون كلَّ ليلةٍ محرابه‏.‏ ‏{‏وآتيناه الحكمة‏}‏ الإِصابة في الأمور ‏{‏وفصل الخطاب‏}‏ بيان الكلام، والبصر في القضاء، وهو الفصل بين الحقِّ والباطل‏.‏

‏{‏وهل أتاك نبأ الخصم‏}‏ يعني‏:‏ الملكين اللذين تصوَّرا في صورة خصمين من بني آدم ‏{‏إذ تسوروا المحراب‏}‏ علوا غرفة داود عليه السَّلام‏.‏

‏{‏إذ دخلوا على داود ففزع منهم‏}‏ لأنَّهما دخلا بغير إذنٍ في غير وقت دخول الخصوم ‏{‏قالوا لا تخف خصمان‏}‏ أَيْ‏:‏ نحن خصمان ‏{‏بغى بعضنا على بعض‏}‏ أَيْ‏:‏ ظلم بعضنا بعضاً ‏{‏فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط‏}‏ ولا تَجُرْ ‏{‏واهدنا إلى سواء الصراط‏}‏ إلى طريق الحقِّ‏.‏

‏{‏إنَّ هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة‏}‏ يعني‏:‏ امرأة ‏{‏ولي نعجة واحدة‏}‏ أَي‏:‏ امرآةٌ ‏{‏فقال‏:‏ أكفلنيها‏}‏ أَي‏:‏ انزل عنها واجعلني أنا أكفلها ‏{‏وعزَّني في الخطاب‏}‏ غلبني في الاحتجاج لأنَّه أقوى مني‏.‏ وأقدر على النُّطق، وهذا القول من الملكين على التّمثيل لا على التَّحقيق، كأنَّ القائل منهما قال‏:‏ نحن كخصمين هذه حالهما، فلمَّا قال هذا أحد الخصمين اعترف له الآخر‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏24- 27‏]‏

‏{‏قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ‏(‏24‏)‏ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ ‏(‏25‏)‏ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ‏(‏26‏)‏ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ‏(‏27‏)‏‏}‏

‏{‏قال‏}‏ داود عليه السَّلام‏:‏ ‏{‏لقد ظلمك بسؤال نعجتك‏}‏ أَيْ‏:‏ بسؤاله إيَّاك نعجتك‏:‏ امرأتك أن يضمَّها ‏{‏إلى نعاجه، وإن كثيراً من الخلطاء‏}‏ الشُّركاء ‏{‏ليبغي بعضهم على بعض إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليلٌ ما هم‏}‏ ‏[‏وقليلٌ هم‏]‏ ‏{‏وظنَّ داود‏}‏ علم عند ذلك ‏{‏إنّما فتناه‏}‏ ابتليناه بتلك المرأة التي أحبَّ أن يتزوَّجها، ثمَّ تزوَّجها بعد قتل زوجها ‏{‏فاستغفر ربه‏}‏ ممَّا فعل، وهو محبَّته يتزوَّج امرأةَ مَنْ له امرأةٌ واحدةٌ، وله تسع وتسعون امرأةً ‏{‏وخرَّ راكعاً‏}‏ سقط للسُّجود بعد ما كان راكعاً ‏{‏وأناب‏}‏ رجع إلى الله سبحانه بالتَّوبة‏.‏

‏{‏فغفرنا له ذلك وإنَّ له عندنا‏}‏ بعد المغفرة ‏{‏لزلفى‏}‏ قربةً ‏{‏وحسن مآب‏}‏ مرجع‏.‏

‏{‏يا داود إنَّا جعلناك خليفة في الأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ عَنْ مَنْ قبلك من الأنبياء، وقوله‏:‏ ‏{‏بما نسوا يوم الحساب‏}‏ أَيْ‏:‏ تركوا الإِيمان به والعمل له‏.‏

‏{‏وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً‏}‏ إلاَّ لأمرٍ صحيحٍ، وهو الدَّلالة على قدرة خالقهما وتوحيده وعبادته‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏31- 39‏]‏

‏{‏إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ‏(‏31‏)‏ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ‏(‏32‏)‏ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ‏(‏33‏)‏ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ‏(‏34‏)‏ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ‏(‏35‏)‏ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ‏(‏36‏)‏ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ‏(‏37‏)‏ وَآَخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ‏(‏38‏)‏ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏39‏)‏‏}‏

‏{‏الصافناتُ الجياد‏}‏ أي‏:‏ الخيل القائمة‏.‏

‏{‏فقال‏:‏ إني أحببت حبَّ الخير عن ذكر ربي‏}‏ آثرت حبَّ الخير، أي‏:‏ الخيل، على ذكر الله حتى فاتني في وقته ‏{‏حتى توارت‏}‏ الشَّمس ‏{‏بالحجاب‏}‏ أَيْ‏:‏ غربت، وقوله‏:‏

‏{‏فطفق مسحاً بالسوق والأعناق‏}‏ أَيْ‏:‏ أقبل يقطع سوقها وأعناقها، ولم يفعل ذلك إلاَّ لإِباحة الله عزَّ وجلَّ له ذلك، وقوله‏:‏

‏{‏ولقد فتنا سليمان‏}‏ ابتليناه ‏{‏وألقينا على كرسيِّه جسداً‏}‏ شيطاناً تصوَّر في صورته، وذلك أنَّه تزوَّج امرأة وهويها، وعبدت الصَّنم في داره بغير علمه، فنزع الله ملكه أيَّاماً، وسلَّط شيطاناً على مملكته، ثمَّ تاب سليمان وأعاد الله عليه ملكه، فسأل الله أن يهب له ملكاً يدلُّ على أنَّه غفر له، وردَّ عليه ما نزع منه، وهو قوله‏:‏

‏{‏وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏رخاءً‏}‏ أي‏:‏ ليِّنةً مُطيعةً سريعةً ‏{‏حيث أصاب‏}‏ أراد وقصد سليمان عليه السَّلام‏.‏

‏{‏والشياطين‏}‏ أَيْ‏:‏ وسخَّرنا له ‏{‏كلَّ بناء‏}‏ من الشَّياطين مَنْ يبنون له ‏{‏وغوَّاص‏}‏ يغوصون في البحر، فيستخرجون ما يريد‏.‏

‏{‏وآخرين مقرنين في الأصفاد‏}‏ وسخَّرنا له مردة الشَّياطين حتى قرنهم في السَّلاسل من الحديد، وقلنا له‏:‏

‏{‏هذا‏}‏ الذي أعطيناك ‏{‏عطاؤنا فامنن‏}‏ أَيْ‏:‏ أعطِ ‏{‏أو أمسك بغير حساب‏}‏ عليك في إعطائه ولا إمساكه، وهذا مما خصَّ به‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏41- 46‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ‏(‏41‏)‏ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ‏(‏42‏)‏ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏43‏)‏ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ‏(‏44‏)‏ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ‏(‏45‏)‏ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ‏(‏46‏)‏‏}‏

‏{‏بنصب‏}‏ أَيْ‏:‏ بتعبٍ ومشقَّةٍ في بدني ‏{‏وعذاب‏}‏ في أهلي ومالي، فقلنا له‏:‏

‏{‏اركض برجلك‏}‏ أَيْ‏:‏ دُسْ وحرِّك برجلك في الأرض، فداس فنبعت عين ماءٍ، فاغتسل به حتى ذهب الدّاء من ظاهره، ثمَّ شرب منه فذهب الدَّاء من باطنه‏.‏

‏{‏ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب‏}‏ مُفسَّرةٌ في سورة الأنبياء عليهم السَّلام‏.‏

‏{‏وخذ بيدك ضغثاً‏}‏ حزمةً من الحشيش ‏{‏فاضرب به‏}‏ امرأتك ‏{‏ولا تحنث‏}‏ في يمينك‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏أولي الأيدي‏}‏ أَيْ‏:‏ ذوي القوَّة في العبادة ‏{‏والأبصار‏}‏ البصائر في الدِّين‏.‏

‏{‏إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار‏}‏ أَيْ‏:‏ جعلناهم يُكثرون ذكر الدَّار الآخرة والرُّجوع إلى الله تعالى‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏48- 50‏]‏

‏{‏وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ‏(‏48‏)‏ هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ ‏(‏49‏)‏ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏من الأخيار‏}‏ جمع خيِّر‏.‏

‏{‏هذا ذكر‏}‏ شرفٌ وذكرٌ جميلٌ يُذكرون به أبداً ‏{‏وإنَّ للمتقين‏}‏ مع ذلك ‏{‏لحسن مآب‏}‏ مرجعٍ في الآخرة، ثمَّ بيَّن ذلك المرجع فقال‏:‏

‏{‏جنات عدن‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏52‏]‏

‏{‏وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ‏(‏52‏)‏‏}‏

‏{‏أتراب‏}‏ ‏[‏أقرانٌ وأمثالٌ‏]‏ أسنانهنَّ واحدةٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏55‏]‏

‏{‏هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ ‏(‏55‏)‏‏}‏

‏{‏هذا وإنَّ للطاغين‏}‏ أي‏:‏ الأمر هذا الذي ذكرت‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏57- 64‏]‏

‏{‏هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ‏(‏57‏)‏ وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ‏(‏58‏)‏ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ‏(‏59‏)‏ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ‏(‏60‏)‏ قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ‏(‏61‏)‏ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ ‏(‏62‏)‏ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ‏(‏63‏)‏ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏هذا فليذوقوه حميمٌ وغساق‏}‏ أَيْ‏:‏ هذا حميمٌ وغسَّاقٌ فليذوقوه، والغسَّاق‏:‏ ما سال من جلود أهل النَّار‏.‏

‏{‏وآخر‏}‏ أَيْ‏:‏ وعذابٌ آخر ‏{‏من شكله‏}‏ من مثل ذلك الأوَّل ‏{‏أزواج‏}‏ أنواع فإذا دخلت الرُّؤساء النَّار، ثمَّ دخل بعدهم الأتباع قالت الملائكة‏:‏

‏{‏هذا فوج‏}‏ جماعةٌ ‏{‏مقتحمٌ معكم‏}‏ داخلوا النَّار، فقال الرُّؤساء‏:‏ ‏{‏لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار‏}‏ كما صليناها، فقال الأتباع‏:‏

‏{‏بل أنتم لا مرحباً بكم أنتم قدَّمتموه لنا‏}‏ شرعتم وسنتتم الكفر لنا ‏{‏فبئس القرار‏}‏ قرارانا وقراراكم‏.‏

‏{‏قالوا‏}‏ أي‏:‏ الأتباع ‏{‏ربنا مَنْ قدَّم لنا هذا‏}‏ شرعه وسنَّه ‏{‏فزده عذاباً ضعفاً في النار‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏ربنا آتهم ضعفين من العذاب‏}‏ ‏{‏وقالوا‏}‏ يعني‏:‏ صناديد قريش‏:‏ ‏{‏ما لنا لا نرى رجالاَ كنَّا نعدُّهم من الأشرار‏}‏ أي‏:‏ فقراء المسلمين‏.‏

‏{‏أتخذناهم سخرياً‏}‏ كنَّا نسخر بهم في الدَّنيا، أَمفقودون هم‏؟‏ ‏{‏أم زاغت عنهم الأبصار‏}‏ فلا نراهم ها هنا‏.‏

‏{‏إن ذلك‏}‏ الذي ذكرنا عن أهل النَّار ‏{‏لحق‏}‏ ثمَّ بيَّن ما هو فقال‏:‏ ‏{‏تخاصم أهل النار‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏67‏]‏

‏{‏قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ‏(‏67‏)‏‏}‏

‏{‏قل هو نبأٌ عظيم‏}‏ أَي‏:‏ القرآن الذي أنبأكم به وجئتكم فيه بما لا يُعلم إلاَّ بوحي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏69‏]‏

‏{‏مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏ما كان لي من علم بالملأ الأعلى‏}‏ وهم الملائكة ‏{‏إذ يختصمون‏}‏ في شأن آدم عليه السَّلام‏.‏ يعني‏:‏ قولهم‏:‏ ‏{‏أتجعل فيها مَنْ يفسد فيها‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏لما خلقت بيدي‏}‏ أَيْ‏:‏ تولَّيت خلقه، وهذا اللَّفظ ذُكر تخصيصاً وتشريفاً لآدم عليه السَّلام، وإن كان كلُّ شيءٍ يتولَّى الله خلقه دون غيره‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏84- 88‏]‏

‏{‏قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ‏(‏84‏)‏ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ‏(‏85‏)‏ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ‏(‏86‏)‏ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ‏(‏87‏)‏ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ‏(‏88‏)‏‏}‏

‏{‏قال فالحقُّ والحقَّ أقول‏}‏ أَيْ‏:‏ فبالحقِّ أقول، وأقول الحقَّ ‏[‏قَسمٌ جوابه‏]‏‏:‏ ‏{‏لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين‏}‏‏.‏

‏{‏قل ما اسألكم عليه‏}‏ على تبليغ الرِّسالة ‏{‏من أجر وما أنا من المتكلفين‏}‏ المُتقوِّلين للقرآن من تلقاء نفسي‏.‏

‏{‏إن هو‏}‏ ليس القرآن ‏{‏إلاَّ ذكر‏}‏ عظةٌ ‏{‏للعالمين‏}‏‏.‏

‏{‏ولتعلمنَّ‏}‏ أنتم أيُّها المشركون ‏{‏نبأه‏}‏ ما أخبرتكم فيه من البعث والقيامة ‏{‏بعد حين‏}‏ بعد الموت‏.‏

سورة الزمر

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 7‏]‏

‏{‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ‏(‏1‏)‏ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ‏(‏2‏)‏ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ‏(‏3‏)‏ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ‏(‏4‏)‏ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ‏(‏5‏)‏ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ‏(‏6‏)‏ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏تنزيل الكتاب‏}‏ ابتداءٌ، وخبرُه قوله‏:‏ ‏{‏من الله العزيز الحكيم‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏مخلصاَ له الدين‏}‏ أَيْ‏:‏ الطَّاعة، والمعنى‏:‏ اعبده مُوحِّداً لا إله إلاَّ هو‏.‏

‏{‏ألا لله الدين الخالص‏}‏ أَيْ‏:‏ الطَّاعة لا يستحقُّها إلاَّ الله تعالى، ثمَّ ذكر الذين يعبدون غيره فقال‏:‏ ‏{‏والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم‏}‏ أَيْ‏:‏ ويقولون‏:‏ ‏{‏ما نعبدهم إلاَّ ليُقَرِّبونا إلى الله زلفى‏}‏ أَيْ‏:‏ قربى ‏{‏إنَّ الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون‏}‏ من أمر الدِّين، ثمَّ ذكر أنَّه لا يهدي هؤلاء، فقال‏:‏ ‏{‏إنَّ الله لا يهدي مَنْ هو كاذب‏}‏ في إضافة الولد إلى الله تعالى ‏{‏كفار‏}‏ يكفر نعمته بعبادة غيره، ثمَّ ذكر براءته عن الولد فقال‏:‏

‏{‏لو أراد الله أن يتخذ ولداً‏}‏ كما يزعم هؤلاء ‏{‏لاصطفى‏}‏ لاختار ‏{‏ممَّا يخلق ما يشاء، سبحانه‏}‏ تنزيهاً له عن الولد‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏يكور الليل على النهار‏}‏ أَيْ‏:‏ يدخل أحدهما على الآخر‏.‏

‏{‏خلقكم من نفس واحدة‏}‏ يعني‏:‏ آدم عليه السَّلام ‏{‏ثمَّ جعل منها زوجها‏}‏ حوَّاء ‏{‏وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج‏}‏ مشروحٌ في سورة الأنعام، وقوله‏:‏ ‏{‏خلقاً من بعد خلق‏}‏ أَيْ‏:‏ نطفةً، ثمَّ علقةً، ثمَّ مضغةً ‏{‏في ظلمات ثلاث‏}‏ ظلمة البطن، وظلمة الرَّحم، وظلمة المشيمة ‏{‏فأنى تُصرفون‏}‏ عن عبادته إلى عبادة غيره بعد هذا اليبان‏!‏ وقوله‏:‏

‏{‏ولا يرضى لعباده الكفر‏}‏ أَيْ‏:‏ المؤمنين المخلصين منهم، كقوله‏:‏ ‏{‏عيناً يشرب بها عباد الله‏}‏‏.‏ ‏{‏وإن تشكروا‏}‏ أَيْ‏:‏ إن تطيعوا ربَّكم ‏{‏يرضه لكم‏}‏ يرض الشُّكر لكم ويُثبكم عليه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏8- 12‏]‏

‏{‏وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ‏(‏8‏)‏ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏9‏)‏ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ‏(‏10‏)‏ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ‏(‏11‏)‏ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وإذا مسَّ الإنسان‏}‏ يعني‏:‏ الكافر ‏{‏ضرٌّ دعا ربَّه منيباً إليه‏}‏ راجعاً ‏{‏ثمَّ إذا خَوَّلَهُ‏}‏ أعطاه ‏{‏نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل‏}‏ نسي الله الذي كان يتضرَّع إليه من قبل النِّعمة، وترك عبادته ‏{‏قل‏}‏ يا محمَّد عليه السَّلام لمن يفعل ذلك‏:‏ ‏{‏تمتع بكفرك قليلاًَ إنك من أصحاب النار‏}‏‏.‏ وهذا تهديدٌ‏.‏

‏{‏أم مَنْ هو قانت‏}‏ قائمٌ مطيعٌ لله ‏{‏آناء الليل‏}‏ أوقاته ‏{‏يحذر‏}‏ عذاب ‏{‏الآخرة‏}‏ كمَنْ هو عاص‏؟‏ ثمَّ ضرب لهما مثلاً فقال‏:‏ ‏{‏هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏}‏ أَيْ‏:‏ هل يستوي العالم والجاهل‏؟‏ كذلك لا يستوي المطيع والعاصي‏.‏ ‏{‏إنما يتذكر أولوا الألباب‏}‏ إنَّما يتَّعظ بوعظ الله ذوو العقول‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏للذين أحسنوا في هذه الدنيا‏}‏ وحَّدوا الله تعالى وعملوا بطاعته ‏{‏حسنة‏}‏ وهي الجنَّة ‏{‏وأرض الله واسعة‏}‏ فهاجروا فيها، واخرجوا من بين الكفَّار ‏{‏إنما يوفى الصابرون‏}‏ على طاعة الله تعالى وما يبتليهم به ‏{‏أَجْرَهُمْ بغير حساب‏}‏ بغير مكيالٍ ولا ميزان‏.‏

‏{‏قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين‏}‏ أَيْ‏:‏ مُوحِّداً‏.‏

‏{‏وأمرت لأن أكون أول المسلمين‏}‏ من هذه الأُمَّة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏15- 24‏]‏

‏{‏فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ‏(‏15‏)‏ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ‏(‏16‏)‏ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ‏(‏17‏)‏ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ‏(‏18‏)‏ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ‏(‏19‏)‏ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ‏(‏20‏)‏ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ‏(‏21‏)‏ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏22‏)‏ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ‏(‏23‏)‏ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم‏}‏ بالتَّخليد في النَّار ‏{‏وأهليهم‏}‏ لأنَّهم لم يدخلوا مدخلِ المؤمنين الذين لهم أهل في الجنَّة‏.‏

‏{‏لهم من فوقهم ظللٌ‏}‏ هذا كقوله ‏{‏يوم يغشاهم العذاب من فوقهم‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية، وكقوله‏:‏ ‏{‏لهم من جهنَّم مهادٌ ومن فوقهم غواشٍ‏}‏ ‏{‏ذلك‏}‏ الذي وصفت من العذاب ‏{‏يخوِّف الله به عباده‏}‏‏.‏

‏{‏والذين اجتنبوا الطاغوت‏}‏ أَيْ‏:‏ الأوثان ‏{‏أن يعبدوها وأنابوا إلى الله‏}‏ رجعوا إليه بالَّطاعة ‏{‏لهم البشرى‏}‏ بالجنَّة ‏{‏فبشر عباد‏}‏‏.‏

‏{‏الذين يستمعون القول‏}‏ القرآن وغيره ‏{‏فيتبعون أحسنة‏}‏ وهو القرآن‏.‏

‏{‏أفمن حقَّ عليه كلمةُ العذاب أفأنت‏}‏ يا محمَّدُ ‏{‏تنقذ‏}‏ ه، أَيْ‏:‏ تُخرجه من النَّار، أيْ‏:‏ إنَّه لا يقدر إلى هدايته، وقوله‏:‏

‏{‏لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنية‏}‏ أَيْ‏:‏ لهم منازل في الجنَّة رفيعةٌ، وفوقها منازل أرفع منها‏.‏

‏{‏ألم تر أنَّ الله أنزل من السماء ماءً فسلكه‏}‏ أدخل ذلك الماء ‏{‏ينابيع في الأرض‏}‏ وهي المواضع التي ينبع منها الماء، وكلُّ ماءٍ في الأرض فمن السَّماء نزل‏.‏ ‏{‏ثم يخرج به‏}‏ بذلك الماء ‏{‏زرعاً مختلفاً ألوانه‏}‏ خضرةً، وحمرةً، وصفرةً ‏{‏ثمَّ يهيج‏}‏ ييبس ‏{‏فتراه مصفراً ثم يجعله حطاماً‏}‏ دُقاقاً فتاتاً ‏{‏إنَّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب‏}‏ يذكرون ما لهم من الدَّلالة في هذا على توحيد الله تعالى وقدرته‏.‏

‏{‏أفمن شرح الله صدره‏}‏ وسَّعه ‏{‏للإِسلام فهو على نور من ربه‏}‏ أَيْ‏:‏ فاهتدى إلى دين الإِسلام، كمَنْ طبع على قلبه، ويدل على هذا المحذوف قوله‏:‏ ‏{‏فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله‏}‏‏.‏

‏{‏والله نزل أحسن الحديث‏}‏ أي‏:‏ القرآن ‏{‏كتاباً متشابهاً‏}‏ يشبه بعضه بعضاً من غير اختلافٍ ولا تناقضٍ ‏{‏مثاني‏}‏ يثني فيه الأخبار والقصص، وذكر الثَّواب والعقاب ‏{‏تقشعر‏}‏ تضطرب وتتحرَّك بالخوف ‏{‏منه جلود الذين يخشون ربهم‏}‏ يعني‏:‏ عند ذكر آية العذاب ‏{‏ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله‏}‏ أَيْ‏:‏ من آية الرَّحمة ‏{‏ذلك هدى الله‏}‏ أَيْ‏:‏ ذلك الخشية من العذبا ورجاء الرَّحمة هدى الله‏.‏

‏{‏أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب‏}‏ وهو الكافر يُلقي في النَّار مغلولاً، فلا يتهيَّأ له أن يتَّقي النَّار إلاَّ بوجهه، ومعنى الآية‏:‏ أَفَمن هذه حاله كمَن يدخل الجنَّة‏؟‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏28- 33‏]‏

‏{‏قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ‏(‏28‏)‏ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏29‏)‏ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ‏(‏30‏)‏ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ‏(‏31‏)‏ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ‏(‏32‏)‏ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ‏(‏33‏)‏‏}‏

‏{‏غير ذي عوج‏}‏ أَيْ‏:‏ ليس فيه اختلافٌ وتضادٌّ، ثمَّ ضرب مثلاً للموحِّد والمشرك فقال‏:‏

‏{‏ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون‏}‏ متنازعون سيِّئةٌ أخلاقهم، وكلُّ واحدٍ يستخدمه بقدر نصيبه، وهذا مَثَلُ المشرك الذي يعبد آلهةً شتى ‏{‏ورجلاً سالماً‏}‏ خالصاً لرجل وهو الذي يعبد الله وحده ‏{‏هل يستويان مثلاً‏}‏ أَيْ‏:‏ هل يستوي مَثَل الموحِّد ومَثَل المشرك‏؟‏ ‏{‏الحمد لله‏}‏ وحده دون غيره من المعبودين ‏{‏بل أكثرهم لا يعلمون‏}‏ مفسَّر في سورة النَّحل‏.‏ ثمَّ ذكر أنهم يموتون ويرجعون إلى الله فيختصمون عنده، فقال‏:‏

‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏}‏ ‏{‏ثمَّ إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون‏}‏ يعني‏:‏ المؤمن والكافر، والمظلوم والظَّالم‏.‏

‏{‏فمن أظلم ممن كذب على الله‏}‏ وزعم أنَّ له ولداً وشريكاً ‏{‏وكذَّب بالصدق‏}‏ بالقرآن ‏{‏إذ جاءه‏}‏ على لسان الرَّسول‏.‏ ‏{‏أليس في جهنَّم مثوى‏}‏ مقامٌ ومنزلٌ لهؤلاء‏.‏

‏{‏والذي جاء بالصدق‏}‏ يعني‏:‏ محمداً صلى الله عليه وسلم جاء بالقرآن ‏{‏وصدَّق‏}‏ أبو بكر رضي الله عنه ثمَّ المؤمنون بعده‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

‏{‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ‏(‏36‏)‏‏}‏

‏{‏أليس الله بكافٍ عبده‏}‏ يعني‏:‏ محمداً صلوات الله عليه، ينصره ويكفيه أمر مَنْ يُعاديه ‏{‏ويخوفونك بالذين من دونه‏}‏ أَيْ‏:‏ يُخوِّفونك بأوثانهم، يقولون‏:‏ إنَّك لتعيبها، وإنَّها لتصيبنَّك بسوء، ثمَّ بيَّن أنَّهم مع عبادتهم الأوثان يُقرُّون بأنَّ الخالق هو الله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏38‏]‏

‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ‏(‏38‏)‏‏}‏

‏{‏ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنَّ الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله‏}‏ الأوثان‏.‏ ‏{‏إن أرادني بضرٍّ‏}‏ بلاءٍ وشدَّةٍ‏.‏ هل يكشفنَ ذلك عني ‏{‏أو أرادني برحمة‏}‏ نعمةٍ‏.‏ هل يمسكن ذلك عني‏؟‏ وهذا بيان أنَّها لا تنفع ولا تدفع‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏42- 45‏]‏

‏{‏اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏42‏)‏ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ‏(‏43‏)‏ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ‏(‏44‏)‏ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ‏(‏45‏)‏‏}‏

‏{‏الله يتوفى الأنفس‏}‏ يقبض الأرواح ‏{‏حين‏}‏ عند ‏{‏موتها والتي لم تمت‏}‏ أَيْ‏:‏ ويقبض روح التي لم تمت ‏{‏في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت‏}‏ أَيْ‏:‏ يمسك أنفس الأموات عنده، ‏{‏ويرسل الأخرى‏}‏ أنفس الأحياء ‏[‏إذا أنتبهوا من منامهم يردُّ عليهم أرواحهم‏]‏ ‏{‏إلى أجل مسمى‏}‏ وهو أجل الموت‏.‏

‏{‏أم اتخذوا من دون الله شفعاء‏}‏ أَيْ‏:‏ الأوثان التي عبدوها لتشفع لهم‏.‏ ‏{‏قل أَوَلَوْ كانوا لا يملكون شيئاً‏}‏ من الشَّفاعة ‏{‏ولا يعقلون‏}‏ أنَّهم يعبدونهم لا يتركون عبادتهم‏.‏

‏{‏قل لله الشفاعة جميعاً‏}‏ فليس يشفع أحدٌ إلاَّ بإذنه‏.‏

‏{‏وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة‏}‏ كان المشركون إذا سمعوا قول لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له نفروا من ذلك، وإذا ذكر الأوثان فرحوا، و‏{‏اشمأزَّت‏}‏‏:‏ نفرت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏47‏]‏

‏{‏وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ‏(‏47‏)‏‏}‏

‏{‏وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون‏}‏ في الدُّنيا أنَّه نازلٌ بهم في الآخرة‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏49- 50‏]‏

‏{‏فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏49‏)‏ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏(‏50‏)‏‏}‏

‏{‏إنما أوتيته على علمٍ‏}‏ أُعطيته على شرفٍ وفضلٍ، وكنت علمتُ أنِّي سأُعطى هذا باستحقاقي ‏{‏بل هي فتنة‏}‏ أَيْ‏:‏ تلك العطيَّة فتنةٌ من الله تعالى يبتلي به العبد ليشكر أو يكفر‏.‏

‏{‏قد قالها الذين من قبلهم‏}‏ يعني‏:‏ قارون حين قال‏:‏ ‏{‏إنَّما أُوتيته على علمٍ عندي‏.‏‏}‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏53- 56‏]‏

‏{‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ‏(‏53‏)‏ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ‏(‏54‏)‏ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ‏(‏55‏)‏ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ‏(‏56‏)‏‏}‏

‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏}‏ بارتكاب الكبائر والفواحش، نزلت في قومٍ من أهل مكَّة همُّوا بالإسلام، ثمَّ قالوا‏:‏ إنَّ محمداً يقول‏:‏ إنَّ مَنْ عبد الأوثان، واتَّخذ مع الله آلهةً، وقتل النَّفس لا يُغفر له، وقد فعلنا كلَّ هذا، فأعلم الله تعالى أنَّ مَنْ تاب وآمن غفر الله له كلَّ ذنب، فقال‏:‏ ‏{‏لا تقنطوا من رحمة الله‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏وأنيبوا إلى ربكم‏}‏ أَيْ‏:‏ ارجعوا إليه الطَّاعة ‏{‏وأسلموا‏}‏ وأطيعوا ‏{‏له‏}‏‏.‏

‏{‏واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم‏}‏ أَيْ‏:‏ القرآن، كقوله‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نزَّل أَحسنَ الحَديثِ‏}‏ وقوله‏:‏

‏{‏أن تقول نفس يا حسرتى‏}‏ أَيْ‏:‏ افعلوا ما أمرتكم به من الإنابة واتِّباع القرآن خوفَ أن تصيروا إلى حالةٍ تقولون فيها هذا القول‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏على ما فرطت في جنب الله‏}‏ أَيْ‏:‏ قصَّرت في طاعة الله، وسلوك طريقة ‏{‏وإن كنت لمن الساخرين‏}‏ أَيْ‏:‏ ما كنت إلاَّ من المستهزئين بدين الله تعالى وكتابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏61‏]‏

‏{‏وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ‏(‏61‏)‏‏}‏

‏{‏وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم‏}‏ بمنجاتهم من العذاب، والمفازة ها هنا بمعنى الفوز‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏63- 64‏]‏

‏{‏لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏63‏)‏ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ‏(‏64‏)‏‏}‏

‏{‏له مقاليد السموات والأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ مفاتيح خزائنها، فكلُّ شيء في السموات والأرض؛ واللَّهُ فاتحُ بابه‏.‏

‏{‏قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون‏}‏ هذا جواب الذين دعوه إلى دين آبائه‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏67- 69‏]‏

‏{‏وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏67‏)‏ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ‏(‏68‏)‏ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‏(‏69‏)‏‏}‏

‏{‏والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة‏}‏ أَيْ‏:‏ ملكه من غير منازعٍ، كما يقال‏:‏ هو في قبضة فلان‏:‏ إذا ملك التَّصرُّف فيه وإن لم يقبض عليه بيده، ‏{‏والسموات مطويات‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏يوم نطوي السَّماء‏}‏ ‏{‏بيمينه‏}‏ أَيْ‏:‏ بقوَّته‏.‏ وقيل‏:‏ بقسمه؛ لأنَّه حلف أنَّه يطويها‏.‏

‏{‏ونفخ في الصور فصعق‏}‏ أَيْ‏:‏ مات ‏{‏مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض إلاَّ من شاء الله‏}‏ قيل‏:‏ هم الشُّهداء، وهم أحياءٌ عند ربِّهم‏.‏ وقيل‏:‏ جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش عليهم السَّلام‏.‏ ‏{‏ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون‏}‏ ينتظرون أمر الله فيهم‏.‏

‏{‏وأشرقت الأرض‏}‏ أُلبست الإِشراق عَرَصَاتُ القيامة ‏{‏بنور ربها‏}‏ وهو نورٌ يخلقه الله في القيامة يلبسه وجه الأرض ‏{‏ووضع الكتاب‏}‏ أَيْ‏:‏ الكتب التي فيها أعمال بني آدم ‏{‏وجيء بالنبيين والشهداء‏}‏ الذين يشهدون للرُّسل بالتَّبليغ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏71‏]‏

‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ‏(‏71‏)‏‏}‏

‏{‏وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً‏}‏ جماعاتٍ وأفواجاً‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏73- 75‏]‏

‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ‏(‏73‏)‏ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ‏(‏74‏)‏ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏طبتم‏}‏ أَيْ‏:‏ كنتم طيِّبين في الدُّنيا‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏وأورثنا الأرض‏}‏ أَيْ‏:‏ أرض الجنَّةَ ‏{‏نتبوَّأ من الجنة‏}‏ نتَّخذ منها منازل ‏{‏حيث نشاء فنعم أجر العاملين‏}‏ ثواب المطيعين‏.‏

‏{‏وترى الملائكة حافين من حول العرش‏}‏ محيطين به ‏{‏وقضي بينهم‏}‏ أيْ‏:‏ حُكم بين أهل الجنَّة والنَّار‏.‏ ‏{‏وقيل الحمد لله رب العالمين‏}‏‏.‏

سورة غافر

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 7‏]‏

‏{‏حم ‏(‏1‏)‏ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ‏(‏2‏)‏ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‏(‏3‏)‏ مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ‏(‏4‏)‏ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ‏(‏5‏)‏ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ‏(‏6‏)‏ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏حم‏}‏ قُضي ما هو كائن‏.‏

‏{‏تنزيل الكتاب‏}‏ ابتداءٌ، وخبره‏:‏ ‏{‏من الله العزيز العليم‏}‏‏.‏

‏{‏غافر الذنب‏}‏ لمن قال لا إله إلاَّ الله ‏{‏وقابل التوب‏}‏ ممن قال‏:‏ لا إله إلاَّ الله ‏{‏شديد العقاب‏}‏ لمَنْ لم يقل لا إله إلاَّ الله‏.‏ ‏{‏ذي الطول‏}‏ الغنى والسَّعة‏.‏

‏{‏ما يجادل في آيات الله‏}‏ أَيْ‏:‏ في دفعها وإبطالها‏.‏ ‏{‏فلا يغررك تقلبهم‏}‏ تصرُّفهم ‏{‏في البلاد‏}‏ للتِّجارت، أَيْ‏:‏ سلامتهم بعد كفرهم حتى إنَّهم يتصرَّفون حيث شاؤوا؛ فإنَّ عاقبتهم كعاقبة مَنْ قبلهم من الكفَّار، وهو قوله‏:‏

‏{‏كذبت قبلهم قوم نوحٍ والأحزاب من بعدهم‏}‏ أي‏:‏ الذين تحزَّبوا على انبيائهم بالمخالفة والعداوة كعادٍ وثمود ‏{‏وهمَّت كلُّ أمة برسولهم ليأخذوه‏}‏ أَيْ‏:‏ قصدت كلُّ أمة رسولها ليتمكَّنوا منه فيقتلوه ‏{‏وجادلوا‏}‏ بباطلهم ‏{‏ليدحضوا‏}‏ ليدفعوا ‏{‏به الحق فأخذتهم‏}‏ فعاقبتهم ‏{‏فكيف كان عقاب‏}‏ استفهام تقرير‏.‏

‏{‏وكذلك‏}‏ ومثل ما ذكرنا ‏{‏حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار‏}‏ يعني‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏لأملأنَّ جهنم منك وممن تبعك‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ ثمَّ أخبر بفضل المؤمنين وأنَّ الملائكة يستغفرون لهم فقال‏:‏

‏{‏الذين يحملون العرش ومَنْ حوله‏}‏ من الملائكة، وقوله‏:‏ ‏{‏ربنا وسعت كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً‏}‏ أَيْ‏:‏ وسعت رحمتك كلَّ شيء، وعلمتَ كلَّ شيء‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 16‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ ‏(‏10‏)‏ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ‏(‏11‏)‏ ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ‏(‏12‏)‏ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ‏(‏13‏)‏ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏(‏14‏)‏ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ‏(‏15‏)‏ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏إن الذين كفروا ينادون‏}‏ وهم في النَّار وقد مقتوا أنفسهم حين وقعوا في العذاب‏.‏ ‏{‏لمقت الله‏}‏ إيَّاكم في الدُّنيا إذ تُدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبرُ من مقتكم أنفسكم‏.‏

‏{‏قالوا ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين‏}‏ وذلك أنَّهم كانوا أمواتاً نُطفاً، فأُحيوا ثمَّ أُميتوا في الدُّنيا، ثمَّ أُحيوا للبعث ‏{‏فاعترفنا بذنوبنا‏}‏ أي‏:‏ أريتنا من الآيات ما أوجب علينا الإقرار بذنوبنا ‏{‏فهل إلى خروج‏}‏ من الدُّنيا ‏{‏من سبيل‏}‏‏؟‏ فقيل لهم‏:‏

‏{‏ذلكم‏}‏ العذاب ‏{‏بأنَّه إذا دعي الله وحده كفرتم‏}‏ ‏[‏نكرتم وحدانيته‏]‏ ‏{‏وإن يشرك به تؤمنوا‏}‏ تُصدِّقوا ذلك الشِّرك ‏{‏فالحكم لله‏}‏ في إنزال العذاب بكم لا يمنعه عن ذلك مانع‏.‏

‏{‏هو الذين يريكم آياته‏}‏ دلائل توحيده ‏{‏وينزل لكم من السماء رزقاً‏}‏ بالمطر ‏{‏وما يتذكر‏}‏ وما يتَّعظ بآيات الله ‏{‏إلاَّ مَنْ ينيب‏}‏ يرجع إلى الله بالإيمان‏.‏

‏{‏فادعوا الله مخلصين له الدين‏}‏ الطَّاعة‏.‏

‏{‏رفيع الدرجات‏}‏ رافعها لأهل الثَّواب في الجنَّة ‏{‏ذو العرش‏}‏ مالكه وخالقه ‏{‏يلقي الروح‏}‏ الوحي الذي تحيا به القلوب من موت الكفر ‏{‏من أمره‏}‏ من قوله ‏{‏على مَنْ يشاء من عباده‏}‏ على مَنْ يختصه بالرِّسالة ‏{‏لينذر يوم التلاق‏}‏ ليخوِّف الخلق يوم يلتقي أهل الأرض وأهل السَّماء، أَيْ‏:‏ يوم القيامة‏.‏

‏{‏يوم هم بارزون‏}‏ خارجون من قبورهم ‏{‏لا يخفى على الله‏}‏ من أعمالهم وأموالهم ‏{‏شيء‏}‏ يقول الله في ذلك اليوم‏:‏ ‏{‏لمن الملك اليوم‏}‏ ثمَّ يجيب نفسه ‏{‏لله الواحد القهار‏}‏‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏18- 19‏]‏

‏{‏وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ‏(‏18‏)‏ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏وأنذرهم يوم الآزفة‏}‏ خوّفهم بيوم القيامة، والآزقة، القريبة ‏{‏إذ القلوب لدى الحناجر‏}‏ وذلك أنَّ القلوب ترتفع من الفزع إلى الحناجر ‏{‏كاظمين‏}‏ ممتلئين غمّاً وخوفاً وحزناً ‏{‏ما للظالمين‏}‏ أي‏:‏ الكافرين ‏{‏من حميم‏}‏ قريبٍ ‏{‏ولا شفيع يطاع‏}‏ فيشفع فيهم‏.‏

‏{‏يعلم خائنة الأعين‏}‏ خيانة الأعين، وهي مسارقتها النَّظر إلى ما لا يحلُّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏ولقد أرسلنا موسى بآياتنا‏}‏ بعلاماتنا التي تدلُّ على صحة نبوّته ‏{‏وسلطان مبين‏}‏ أيْ‏:‏ حجَّةٍ ظاهرةٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 31‏]‏

‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ‏(‏25‏)‏ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ‏(‏26‏)‏ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ‏(‏27‏)‏ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ‏(‏28‏)‏ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ‏(‏29‏)‏ وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ‏(‏30‏)‏ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ‏(‏31‏)‏‏}‏

‏{‏فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه‏}‏ وذلك أَنَّ فرعون أمر بإعادة القتل على الذُّكور من أولاد بني إسرائيل لمَّا أتاه موسى عليه السَّلام؛ ليصدَّهم بذلك عن متابعة موسى‏.‏ ‏{‏وما كيد الكافرين‏}‏ مكر فرعون وسوء صنيعه ‏{‏إلاَّ في ضلال‏}‏ زوالٍ وبطلانٍ وذهابٍ‏.‏

‏{‏وقال فرعون‏}‏ لملَئهِ‏:‏ ‏{‏ذروني أقتل موسى وليدع ربه‏}‏ الذي أرسله إلينا، فيمنعه ‏{‏إني أخاف أن يبدل دينكم‏}‏ الذين أنتم عليه يبطله ‏{‏أو أن يظهر في الأرض الفساد‏}‏ أو يفسد عليكم دينكم إن لم يبطله، فلمَّا توعَّده بالقتل قال موسى‏:‏

‏{‏إني عذت بربي وربكم من كلِّ متكبر لا يؤمن بيوم الحساب‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏

‏{‏يصبكم بعض الذي يعدكم‏}‏ قيل‏:‏ كلُّ الذي يعدكم‏.‏

‏{‏يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض‏}‏ هذا من قول مؤمن آل فرعون؛ أعلمهم أنَّ لهم الملك ظاهرين عالين على بني إسرائيل في أرض مصر، ثمَّ أعلمهم أنَّ عذاب الله لا يدفعه دافع فقال‏:‏ ‏{‏فمن ينصرنا من بأس الله‏}‏ أَيْ‏:‏ مَنْ يمنعنا من عذابه ‏{‏إن جاءنا‏}‏‏؟‏ ف ‏{‏قال فرعون‏}‏ حين منع من قتله‏:‏ ‏{‏ما أُريكُمْ‏}‏ من الرَّأي والنَّصيحة ‏{‏إلاَّ ما أرى‏}‏ لنفسي‏.‏

‏{‏وقال الذين آمن‏}‏ يعني‏:‏ مؤمن آل فرعون‏:‏ ‏{‏يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب‏}‏ ثمَّ فسَّر ذلك فقال‏:‏

‏{‏مثل دأب قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم‏}‏ خوَّفهم إن أقاموا على كفرهم مثل حال هؤلاء حين عذِّبوا، ثمَّ خوَّفهم بيوم القيامة‏.‏ وهو قوله‏:‏