فصل: تفسير الآيات (8- 10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (8- 10):

{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
{للفقراء المهاجرين} يعني: خمس الفيء للذين هاجروا إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم حُبَّاً لله ولرسوله، ونصرةً لدينه، وهو قوله: {وينصرون الله} أي: دينه {ورسوله أولئك هم الصادقون} في إيمانهم.
{والذين تبوَّؤا الدار والإِيمان} نزلوا المدينة وقبلوا الإيمان {من قبلهم} من قبل المهاجرين وهم الأنصار {يحبون من هاجر إليهم} من المسلمين {ولا يجدون في صدورهم حاجة} غيظاً وحسداً {مما أوتوا} ممَّا أُوتي المهاجرون من الفيء، وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النَّضير بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلاَّ ثلاثة نفرٍ، كانت بهم حاجة فطابت أنفس الأنصار بذلك، فذلك قوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم {ولو كانت بهم خصاصة} حاجةٌ وفاقةٌ إلى المال {ومَنْ يوق شح نفسه} مَنْ حُفظ من الحرص المهلك على المال، وهو حرصٌ يحمله على إمساك المال عن الحقوق والحسد {فأولئك هم المفلحون}.
{والذين جاؤوا من بعدهم} أي: والذين يَجئيون من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة {يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواتنا الذين سبقونا بالإيمان} أي: المهاجرين والأنصار {ولا تجعل في قلوبنا غلاً} حقداً {للذين آمنوا...} الآية. فمن ترحَّم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم فهو من أهل هذه الآية، ومَنْ يشتم واحداً منهم ولم يترحَّم عليه لم يكن له حظٌّ في الفيء، وكان خارجاً من جملة أقسام المؤمنين، وهم ثلاثةٌ: المهاجرون والأنصار، والذين جاؤوا من بعدهم بهذه الصِّفة التي ذكرها الله تعالى.

.تفسير الآيات (11- 14):

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)}
{ألم تر إلى الذين نافقوا...} الآية. وذلك أنَّ المنافقين ذهبوا إلى بني النَّضير لمَّا حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: لا تخرجوا من دياركم، فإن قاتلكم محمدٌ كنَّا معكم، وإن أخرجكم خرجنا معكم، وذلك قوله: {لئن أخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً} سألنا خذلانكم {أبداً} فكذَّبهم الله تعالى فيما قالوا بقوله: {والله يشهد إنهم لكاذبون} والآية الثَّانية، وذكر أنَّهم إن نصروهم انهزموا ولم ينتصروا، وهو قوله: {ولئن نصروهم ليولنَّ الأدبار ثمَّ لا ينصرون}.
{لأنتم} أيُّها المؤمنون {أشد رهبة في صدروهم} صدور المنافقين من الله، يقول: أنتم أهيبُ في صدورهم من الله تعالى؛ لأنَّهم يُخفون منك موافقة اليهود خوفاً منكم، ولا يخافون الله فيتركون ذلك.
{لا يقاتلونكم جميعاً} أي: اليهود {إلاَّ في قرىً محصنة أو من وراء جدر} أي: لِمَا ألقى الله في قلوبهم من الرعب لا يقاتلونكم إلاَّ مُتحصِّنين بالقرى والجدران، ولا يبرزون لقتالكم. {بأسهم بينهم شديد} خلافهم بينهم عظيم {تحسبهم جميعاً} مُجتمعين مُتَّفقين {وقلوبهم شتى} مُختلفةٌ مُتفرِّقةٌ، و{ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} عن الله أمره.

.تفسير الآيات (15- 19):

{كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)}
{كمثل الذين من قبلهم} أي: المشركين، يقول: هم في تركهم الإيمان وغفلتهم عن عذاب الله كالذين من قبلهم {قريباً ذاقوا وبال أمرهم} يعني: أهل بدرٍ ذاقوا العذاب بمدَّةٍ قليلةٍ من قبل ما حلَّ بالنَّضير من الجلاء والنَّفي، وكان ذلك بعد مرجعه من أُحدٍ، وقوله: {كمثل الشيطان} يعني: إنَّ المنافقين في نصرتهم لليهود كمثل الشَّيطان {إذ قال للإِنسان اكفر} يعني: عابداً في بني إسرائيل فتنه الشَّيطان حتى كفر، ثمَّ خذله، كذلك المنافقون منَّوا بني النَّضير نصرتهم ثمَّ خذلوهم وتبرَّؤوا منهم.
{فكان عاقبتهما} عاقبة الشَّيطان والكافر {أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} بأداء فرائضه واجتناب معاصيه {ولتنظر نفسٌ ما قدَّمت لغد} يوم القيامة من طاعةٍ وعملٍ صالحٍ.
{ولا تكونوا كالذين نسوا الله} تركوا طاعة اللَّه وأمره {فأنساهم أنفسهم} حظَّ أنفسهم أن يُقدِّموا لها خيراً.

.تفسير الآيات (21- 23):

{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)}
{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} أخبر الله تعالى أنَّ من شأن القرآن وعظمته أنَّه لو جُعل في الجبل تمييزٌ- كما جعل في الإنسان- وأُنزل عليه القرآن لخشع وتصدَّع، أَيْ: تشقَّق من خشية الله. قوله: {عالم الغيب والشهادة} السِّرِّ والعلانيَة. وقوله: {الملك}: ذو الملك {القدوس} الطَّاهر عمَّا لا يليق به {السلام} ذو السَّلامة من الآفات والنَّقائص {المؤمن} المُصدِّق رسله بخلق المعجزة لهم. وقيل: الذي آمن خلقه من ظلمه {المهيمن} الشَّهيد {العزيز} القويُّ {الجبار} الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره {المتكبر} عمَّا لا يليق به.

.سورة الممتحنة:

.تفسير الآيات (1- 3):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة لمَّا كتب إلى مشركي مكَّة يُنذرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إليهم {تلقون إليهم بالمودة} أَيْ: تُلقون إليهم أخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسرَّه بالمودة التي بينكم وبينهم {وقد كفروا} أَي: وحالهم أنَّهم كافرون {بما جاءكم من الحق} دين الإِسلام والقرآن {يخرجون الرسول وإياكم} أيُّها المؤمنون من مكَّة {أن تؤمنوا} لأن آمنتم {بالله ربكم إن كنتم خرجتم} من مكَّة {جهاداً} للجهاد {في سبيلي وابتغاء مرضاتي} وجواب هذا الشَّرط متقدِّم وهو قوله: {لا تتخذوا عدوي} أي: لا تتَّخذوهم أولياء إن كنتم تبتغون مرضاتي، وقوله: {تسرون إليهم بالمودة} كقوله: {تُلقون إليهم بالمودَّة} {وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم} وذلك أنَّ الله أطلع نبيَّه عليه السَّلام على مكاتبة حاطبٍ للمشركين حتى استردَّ الكتاب ممَّن دفعه إليه ليوصله إليهم {ومن يفعله منكم} أي: الإسرار إليهم {فقد ضلَّ سواء السبيل} أخطأ طريق الدِّين، ثمَّ أعلم أنَّه ليس ينفعهم ذلك عند المشركين، فقال: {إن يثقفوكم} أَيْ: يلقوكم ويظفروا بكم {يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم} بالضَّرب والقتل {وألسنتهم بالسّوء} أي: الشَّتم {وودوا لو تكفرون} فلا تُناصِحوهم، فإنَّهم معكم على هذه الحالة، ثمَّ أخبر أنَّ أهلهم وأولادهم الذين لأجلهم يُناصحون المشركين لا ينفعونهم شيئاً في القيامة، فقال: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم} المشركون {يوم القيامة يفصل بينكم} فيدخل المؤمنون الجنَّة، والكافرون النَّار، ثمَّ أمرَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بأصحاب إبراهيم عليه السَّلام، فقال: {قد كانت لكم أسوة حسنة}.

.تفسير الآيات (4- 8):

{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6) عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)}
{قد كانت لكم أسوة حسنة} ائتمامٌ واقتداءٌ وطريقةٌ حسنةٌ {في إبراهيم والذين معه} من أصحابه إذ تبرَّؤوا من قومهم الكفَّار وعادوهم، وقالوا لهم: {كفرنا بكم} أَيْ: أنكرناكم وقطعنا محبتكم. وقوله: {إلاَّ قول إبراهيم لأبيه} أَيْ: كانت لكم أسوةٌ فيهم ما خلا هذا، فإنَه لا يجوز الاستغفار للمشركين، ثمَّ أخبر أنَّهم قالوا يعني قوم إبراهيم: {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير}.
{ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا} أَيْ: لا تُظهرهم علينا فيظنوا أنَّهم على حقٍّ، فيفتتنوا بذلك.
{لقد كان لكم فيهم} في إبراهيم والذين معه {أسوة حسنة} تقتدون بهم، فتفعلون من البراءة من الكفَّار كما فعلوا، وتقولون كما قالوا ممَّا أخبر عنهم، ثمَّ بيَّن أنَّ هذا الاقتداء بهم {لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} {ومن يتول} عن الحقِّ ووالى الكفَّار {فإنَّ الله هو الغني الحميد}.
{عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم} من مشركي مكَّة {مودَّة} بأن يهديهم للدِّين، فيصيروا لكم أولياء وإخواناً، ثمَّ فعل ذلك بعد فتح مكَّة، فتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبة بنت سفيان، ولان أبو سفيان للمؤمنين وترك ما كان عليه من العداوة، ثمَّ رخص في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفَّار، فقال: {ولا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} أَيْ: لا ينهاكم عن برِّ هؤلاء {وتقسطوا إليهم} أَيْ: تعدلوا فيهم بالإحسان، ثمَّ ذكر أنَّه إنَّما ينهاهم عن أن يتولَّوا مشركي مكَّة الذين قاتلوهم، فقال: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم....}.

.تفسير الآيات (9- 13):

{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)}
{إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم}.
{يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات...} الآية. نزلت بعد صلح الحديبية، وكان الصُّلح قد وقع على أن يردَّ إلى أهل مكَّة مَنْ جاء من المؤمنين منهم، فأنزل الله في النِّساء إذا جئن مهاجراتٍ أَنْ يُمتحنَّ، وهو وقوله: {فامتحنوهن} وهو أنّْ تُستحلف ما خرجت بُغضاً لزوجها، ولا عشقاً لرجلٍ من المسلمين، وما خرجت إلاَّ رغبةً في الإسلام، فإذا حلفت لم تردَّ إلى الكفَّار، وهو قوله: {فإن علمتموهنَّ مؤمنات فلا ترجعوهنَّ إلى الكفار} لأنَّ المسلمةَ لا تحلُّ للكافر، وقوله: {وآتوهم} يعني: أزواجهم الكفَّار ما أنفقوا عليهنَّ من المهر {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا ءاتيتموهنَّ أجورهنَّ} أي: مهورهنَّ وإن كان لهنَّ أزواجٌ كفَّارٌ، في دار الإِسلام، لأنَّ الإِسلام أبطل تلك الزَّوجية، {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} أَيْ: لا تمسكوا بنكاحهنَّ؛ فإنَّ العصمة لا تبقى بين المشركة والمؤمن، والمعنى: إن لحقت بالمشركين واحدةٌ من نسائكم فلا تتمسكوا بنكاحها {واسألوا ما أنفقتم} عليهنَّ من المهر مَنْ يتزوجهنَّ من الكفَّار {وليسألوا} يعني: المشركين {ما أنفقوا} من المهر، فلمَّا نزلت هذه الآية أدَّى المؤمنون ما أُمروا به من نفقات المشركين على نسائهم، وأبى المشركون ذلك، فنزلت: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار} أَيْ: إنْ لحقتْ واحدةٌ من نسائكم مرتدَّةً بالكفَّار {فعاقبتم} فغزوتموهم وكانت العقبى لكم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم} إلى الكفَّار {مثل ما أنفقوا} عليهنَّ من الغنائم، ثمَّ نزل في بيعة النِّساء: {يا أيها النبيُّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنَّ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن} أَيْ: لا يأتين بولدٍ ينسبنه إلى الزَّوج؛ فإن ذلك بهتانٌ وفِريةٌ {ولا يعصينك في معروف} أيْ: فيما وافق طاعة الله تعالى {فبايعهنَّ} أمره أن يُبايعهنَّ على الشَّرائط التي ذكرها في هذه الآية، ثمَّ نهى المؤمنين عن موالاة اليهود، فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة} أن يكون لهم فيها ثوابٌ {كما يئس الكفار} الذين لا يوقنون بالبعث {من أصحاب القبور} أن يُبعثوا. وقيل: كما يئس الكفَّار الذين في القبور مَنْ أَنْ يكون لهم في الآخرة خيرٌ.