فصل: تفسير الآيات (171- 172):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (171- 172):

{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172)}
{يا أهل الكتاب} يريد: النَّصارى {لا تغلوا} لا تتجاوزوا الحدَّ ولا تتشدَّدوا {في دينكم ولا تقولوا على الله إلاَّ الحق} فليس له ولدٌ، ولا زوجة، ولا شريك، وقوله: {وكلمته ألقاها} يعني: أنَّه قال له: كن فيكون {وروحٌ منه} أَيْ: روحٌ مخلوقٌ من عنده {ولا تقولوا ثلاثة} أَيْ: لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة. يعني قولهم: اللَّهُ، وصاحبته، وابنه تعالى الله عن ذلك. {انتهوا خيراً لكم} أَي: ائتوا بالانتهاء عن هذا خيراً لكم مما أنتم عليه.
{لن يستنكف المسيح} لن يأنف الذي تزعمون أنَّه إِلهٌ {أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون} من كرامة الله تعالى، وهم أكثرُ من البشر.

.تفسير الآيات (174- 176):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)}
{يا أيها الناس قد جاءكم برهانٌ من ربكم} يعني: النبيَّ عليه السَّلام {وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً} وهو القرآن.
{فأمَّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به} أَي: امتنعوا بطاعته من زيغ الشَّيطان {فسيدخلهم في رحمة منه} يعني: الجنَّة {وفضل} يتفضَّل عليهم بما لم يخطر على قلوبهم {ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً} ديناً مستقيماً.
{يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} فيمن مات ولا ولد له، ولا والد {إن امرؤٌ هلك ليس له ولد} أراد: ولا والد، فاكتفى بذكر أحدهما، لأنَّه الكلالة {وله أختٌ} يعني: من أبٍ وأمٍّ، أو أبٍٍ؛ لأنَّ ذكر ولد الأم قد مضى في أوَّل السُّورة {فلها نصف ما ترك وهو يرثها} الأخ يرث الأخت جميع المال {إنْ لم يكن لها ولد فإن كانتا} أَيْ: الأختان، {فلهما الثُّلثان ممَّا ترك وإن كانوا إخوة رجالاً ونساءً} من أب وأمّ أو من أبٍ {فللذكر مثل حظ الأنثيين}. وقوله: {يبيِّن الله لكم أن تضلوا} أي: أن لا تضلوا، أو كراهة أن تضلوا {والله بكل شيء عليم} من قسمة المواريث.

.سورة المائدة:

.تفسير الآيات (1- 2):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}
{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} يعني: بالعهود المؤكَّدة التي عاهدتموها مع الله والنَّاس، ثمَّ ابتدأ كلاماً آخر، فقال: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} قيل: هي الأنعام نفسها، وهي الإِبلُ والبقر والغنم، وقيل: بهيمة الأنعام: وحشِيُّها كالظِّباء، وبقر الوحش، وحمر الوحش {إلا ما يتلى عليها} أي: ما يقرأ عليكم في القرآن يعني: قوله: {حرِّمت عليكم الميتة...} الآية. {غير محلي الصيد} يعني: إلاَّ أن تحلُّوا الصَّيد في حال الإِحرام؛ فإنَّه لا يحلُّ لكم {إنَّ الله يحكم ما يريد} يحلُّ ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء.
{يا أيها الذين آمنوا لا تُحِلُّوا شعائر الله} يعني: الهدايا المُعلَمة للذَّبح بمكة. نزلت هذه الآية في الحُطَم بن ضبيعة أغار على سرح المدينة، فذهب به إلى اليمامة، «فلمَّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام القضية سمع تلبية حجَّاج اليمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الحطم فدونكم، وكان قد قلَّد ما نهب من سرح المدينة، وأهداه إلى الكعبة»، فلمَّا توجَّهوا في طلبه أنزل الله تعالى: {لا تحلوا شعائر الله} يريد: ما أُشعر لله، أَيْ: أُعْلِمَ {ولا الشهر الحرام} بالقتال فيه {ولا الهدي} وهي كلُّ ما أُهدي إلى بيت الله من ناقةٍ، وبقرةٍ وشاةٍ، {ولا القلائد} يعني: الهدايا المقلَّدة من لحاء شجر الحرم {ولا آمِّين البيت الحرام} قاصديه من المشركين. قال المفسرون: كانت الحرب في الجاهليَّة قائمة بين العرب إلاَّ في الأشهر الحرم، فمَن وُجد في غيرها أُصيب منه إلاَّ أنْ يكونَ مُشعراً بدنه، أو سائقاً هدايا، أو مُقلِّداً نفسه أو بعيره من لحاء شجر الحرم، أو مُحرماً، فلا يُتعرَّض لهؤلاء، فأمر الله سبحانه تعالى المُسْلمين بإقرار هذه الأَمنة على ما كانت لضربِ من المصلحة إلى أنْ نسخها بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {يبتغون فضلاً من ربهم} أَيْ: ربحاً بالتِّجارة {ورضواناً} بالحجِّ على زعمهم {وإذا حللتم} من الإحرام {فاصطادوا} أمرُ إباحةٍ {ولا يجرمنَّكم} ولا يحملنَّكم {شنآن قومٍ} بُغض قومٍ، يعني: أهل مكَّة {أن صدوكم عن المسجد الحرام} يعني: عام الحدييبية {أن تعتدوا} على حُجَّاج اليمامة، فتستحلُّوا منهم مُحرَّماً {وتعاونوا} لِيُعِنْ بعضكم بعضاً {على البر} وهو ما أمرتُ به {والتقوى} ترك ما نهيتُ عنه {ولا تعاونوا على الإثم} يعني: معاصي الله {والعدوان} التَّعدي في حدوده، ثمَّ حذَّرهم فقال: {واتقوا الله} فلا تستحلوا محرَّماً {إنَّ الله شديد العقاب} إذا عاقب.

.تفسير الآيات (3- 5):

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)}
{حرِّمت عليكم الميتة} سبق تفسير هذه الاية في سورة البقرة، إلى قوله: {والمنخنقة} وهي التي تختنق فتموت بأيِّ وجهٍ كان {والموقوذة} المقتولة ضرباً {والمتردية} التي تقع من أعلى إلى أسفل فتموت {والنطيحة} التي قُتلت نطحاً {ما أكل} منه {السبع} فالباقي منه حرامٌ، ثمَّ استثنى ما يُدرك ذكاته من جميع هذه المحرَّمات فقال: {إلا ما ذكيتم} أَيْ: إلاَّ ما ذبحتم {وما ذبح على النصب} أَيْ: على اسم الأصنام فهو حرام {وأن تستقسموا بالأزلام} تطلبوا على ما قُسم لكم من الخير والشَّرِّ من الأزلام: القداح التي كان أهل الجاهليَّة يُجيلونها إذا أرادوا أمراً {ذلكم} أَيْ: الاستقسامُ من الأزلام {فسق} خروجٌ عن الحلال إلى الحرام {اليوم} يعني: يوم عرفة عام حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، {يئس الذين كفروا} أن ترتدُّوا راجعين إلى دينهم {فلا تخشوهم} في مظاهرة محمد، واتِّباع دينه {واخشون} في عبادة الأوثان {اليوم} يعني: يوم عرفة {أكملتُ لكم دينكم} أحكام دينكم، فلم ينزل بعد هذه الآية حلالٌ ولا حرامٌ {وأتممت عليكم نعمتي} يعني: بدخول مكَّة آمنين كما وعدتكم {فمن اضطر} إلى ما حُرِّم ممَّا ذُكر في هذه الآية {في مخمصة} مجاعةٍ {غير متجانفٍ لإِثم} غير متعرِّضٍ لمعصيةٍ، وهو أن يأكل فوق الشِّبع، أو يكون عاصياً بسفره {فإنَّ الله غفورٌ} له ما أكل ممَّا حرَّم عليه {رحيم} بأوليائه حيث رخَّص لهم.
{يسألونك ماذا أحلَّ لهم} سأل عديُّ بن حاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّا نصيد بالكلاب والبُزاة، وقد حرَّم الله الميتة، فماذا يحلُّ لنا منها؟ فنزلت هذه الآية. {قل أحلَّ لكم الطيبات} يعين: ما تستطيبه العرب، وهذا هو الأصل في التَّحليل، فكلُّ حيوانٍ استطابته العرب، كالضِّباب، واليرابيع، والأرانب فهو حلال، وما استخبثته العرب فهو حرام {وما علَّمتم} يعني: وصيد ما علَّمتم {من الجوارح} وهي الكواسب من الطَّير والكلاب والسِّباع {مكلِّبين} مُعلِّمين إيَّاها الصَّيد {تعلمونهن مما علمكم الله} تؤدبوهنَّ لطلب الصَّيد {فكلوا ممَّا أمسكن عليكم} هذه الجوارح وإنْ قتلن إذا لم يأكلن منه، فإذا أكلن فالظَّاهر أنَّه حرام {واذكروا اسم الله عليه} عند إرسال الجوارح.
{اليوم أحلَّ لكم الطيبات} التي سألتم عنها {وطعام الذين أوتوا الكتاب} وهو اسمٌ لجميع ما يؤكل {حلٌّ لكم وطعامكم حل لهم} أَيْ: حلٌّ لكم أن تطعموهم {والمحصنات} العفائف {من المؤمنات والمحصنات} الحرائر {من الذين أوتوا الكتاب} من أهل الكتاب {إذا آتيتموهنَّ أجورهنَّ} يعني: مهورهنَّ {محصنين} مُتزوِّجين {غير مسافحين} معالنين بالزِّنا {ولا متخذي أخذان} مُسرّين بالزِّنا بهنَّ {ومَنْ يكفر بالإِيمان} بالله الذي يجب الإِيمان به {فقد حبط عمله} إذا مات على ذلك {وهو في الآخرة من الخاسرين} ممَّنْ خسر الثَّواب.

.تفسير الآيات (6- 8):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}
{يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} أَيْ: إذا أردتم القيام إليها {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} يعني: مع المرفقين {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} وهما النَّاشزان من جانبي القدم {وإن كنتم جنباً فاطَّهَروا} فاغتسلوا {وإن كنتم مرضى} مفسَّرٌ في سورة النِّساء غلى قوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} من ضيقٍ في الدِّين، ولكنْ جعله واسعاً بالرُّخصة في التَّيمُّم {ولكن يريد ليطهركم} من الأحداث والجنابات والذُّنوب؛ لأنَّ الوضوء يكفِّر الذُّنوب {وليتم نعمته عليكم} ببيان الشَّرائع و{لعلكم تشكرون} نعمتي فتطيعوا أمري.
{واذكروا نعمة الله عليكم} بالإِسلام {وميثاقه الذي واثقكم به} يعني: حين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع والطَّاعة في كلِّ ما أمر ونهى، وهو قوله: {إذ قلتم} حين قلتم {سمعنا وأطعنا واتقوا الله إنَّ الله عليم بذات الصدور} بخفيَّات القلوب.
{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين لله} تقومون لله بكلِّ حقٍّ يلزمكم القيام به {شهداء بالقسط} تشهدون بالعدل {ولا يجرمنكم شنآن قوم} لا يحملنَّكم بغض قوم على ترك العدل {اعدلوا} في الوليِّ والعدوِّ {هو} أَيْ: العدل {أقرب للتقوى} أَيْ: لاتِّقاء النَّار.

.تفسير الآية رقم (11):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم...} الآية. يعني: ما أنعم الله على نبيِّه حين أتى اليهودَ هو وجماعة من أصحابه يستعينون بهم في دية، فتآمروا بينهم أن يطرحوا عليهم رحىً، فأعلمهم الله بذلك على لسان جبرائيل حتى خرجوا، ثمَّ أخبر عن نقض بني إسرائيل عهد الله، كما نقضت هذه الطَّبقة العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله حين همُّوا بالاغتيال به.

.تفسير الآيات (12- 14):

{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13) وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}
{ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} على أن يعملوا بما في التَّوراة {وبعثنا} وأقمنا بذلك {منهم اثني عشر نقيباً} كفيلاً وضميناً ضمنوا عن قومهم الوفاء بالعهد {وقال الله} لهم: {إني معكم} بالعون والنُّصرة {لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم} أَيْ: وقَّرتموهم {وأقرضتم الله قرضاً حسناً} يريد: الصَّدقات للفقراء والمساكين {فمن كفر بعد ذلك} أَيْ: بعد هذا العهد والميثاق {فقد ضلَّ سواء السبيل} أخطأ قصد الطَّريق.
{فبما نقضهم} فبنقضهم {ميثاقهم} وهو أنَّهم كذَّبوا الرُّسل بعد موسى فقتلوا الأنبياء، وضيَّعوا كتاب الله {لعنَّاهم} أخرجناهم من رحمتنا {وجعلنا قلوبهم قاسية} يابسة عن الإِيمان {يحرفون الكلم} يغيِّرون كلام الله {عن مواضعه} من صفة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في كتابهم وآية الرَّجم {ونسوا حظاً مما ذكروا به} وتركوا نصيباً ممَّا أمروا به في كتابهم من اتِّبَاع محمَّدٍ {ولا تزال} يا محمد {تطلع على خائنة} خيانة {منهم} مثل ما خانوك حين همُّوا بقتلك {إلاَّ قليلاً منهم} يعني: مَنْ أسلم {فاعفُ عنهم واصفح} منسوخٌ بآية السَّيف {إنَّ الله يحب المحسنين} المتجاوزين.
{ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} كما أخذنا ميثاق اليهود {فنسوا حظاً ممَّا ذكروا به} فتركوا ما أُمروا به من الإِيمان بمحمَّد صلى الله عليه وسلم {فأغرينا بينهم} فألقينا بين اليهود والنصارى {العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون} وعيدٌ لهم، ثمَّ دعاهم إلى الإِيمان بمحمَّدٍ عليه السَّلام.