فصل: تفسير الآيات (163- 165):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (163- 165):

{لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}
{وبذلك أمرت} بذلك أوحي إليَّ {وأنا أول المسلمين} من هذه الأمَّة.
{قل أغير الله أبغي رباً} سيِّداً وإلهاً {وهو ربُّ كلِّ شيء} مالكه وسيِّده {ولا تكسب كلُّ نفس إلاَّ عليها} لا تجني نفسٌ ذنباً إلاَّ أُخذت به {ولا تزر وازرة وزر أخرى} يعني: الوليد بن المغيرة، كان يقول: اتَّبعوا سبيلي أحمل أوزاركم. فأنزل الله: {ولا تزر وازرةٌ وِزرَ أُخرى} لا يحمل أحدٌ جناية غيره حتى لا يُؤَاخذ بها الجاني.
{وهو الذي جعلكم} يا أُمَّةَ محمَّدٍ {خلائف} الأمم الماضية في {الأرض} بأنْ أهلكهم وأورثكم الأرض بعدهم {ورفع بعضكم فوق بعض درجات} بالغنى والرِّزق {ليبلوكم فيما آتاكم} ليختبركم فيما رزقكم {إنَّ ربك سريع العقاب} لأعدائه {وإنه لغفور} لأوليائه {رحيم} بهم.

.سورة الأعراف:

.تفسير الآيات (1- 4):

{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}
{المص} أنا الله أعلم وأُفصِّل.
{كتاب} أَيْ: هذا كتابٌ {أنزل إليك} من ربَّك {فلا يكن في صدرك حرج منه} فلا يضيقنَّ صدرك بإبلاغ ما أرسلت به {لتنذر به} أَيْ: أُنزل لتنذر به النَّاس {وذكرى للمؤمنين} مواعظ للمصدِّقين.
{اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} يعني: القرآن {ولا تتبعوا من دونه أولياء} لا تتخذوا غير الله أولياء {قليلاً ما تذكرون} قليلاً يا معشر المشركين اتَّعاظكم.
{وكم من قرية أهلكناها} يعني: أهلها {فجاءها بأسنا} عذابنا {بياتاً} ليلاً {أو هم قائلون} نائمون نهاراً. يعني: جاءهم بأسنا وهم غير متوقِّعين له.

.تفسير الآيات (5- 11):

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
{فما كان دعواهم} دعاؤهم وتضرُّعهم {إذ جاءهم بأسنا إلاَّ أن} أقرُّوا على أنفسهم بالشِّرك و{قالوا إنا كنا ظالمين}.
{فلنسئلنَّ الذين أرسل إليهم} نسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرُّسل، ونسأل الرُّسل هل بلَّغوا ما أُرسلوا به.
{فلنقصنَّ عليهم بعلم} لنخبرنَّهم بما عملوا بعلمٍ منَّا {وما كنا غائبين} عن الرُّسل والأمم ما بلَّغت وما ردَّ عليهم قومهم.
{والوزن يومئذ} يعني: وزن الأعمال يوم السُّؤال الذي ذُكر في قوله: {فلنسألنَّ} {الحق} العدل، وذلك أنَّ أعمال المؤمنين تتصوَّر في صورةٍ حسنةٍ، وأعمال الكافرين في صورةٍ قبيحة، فتوزن تلك الصُّورة، فذلك قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} النَّاجون الفائزون، وهم المؤمنون.
{ومَنْ خفَّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم} صاروا إلى العذاب {بما كانوا بآياتنا يظلمون} يجحدون بما جاء به محمَّد عليه السَّلام.
{ولقد مكنَّاكم في الأرض} ملَّكناكم فيما بين مكَّة إلى اليمن، وإلى الشَّام. يعني: مشركي مكَّة {وجعلنا لكم فيها معايش} ما تعيشون به من الرِّزق والمال والتجارة {قليلاً ما تشكرون} أَيْ: إنَّكم غير شاكرين لما أنعمت عليكم.
{ولقد خلقناكم} يعني: آدم {ثم صوَّرناكم} في ظهره الآية.

.تفسير الآيات (12- 18):

{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
{قال ما منعك ألا تسجد} لا زائدة. معناها: ما منعك أن تسجد؟! وهو سؤالُ التَّوبيخ والتَّعنيف {قال أنا خير منه...} الآية. معناه: منعني من السُّجود له أنِّي خيرٌ منه إذ كنتُ ناريَّاً، وكان طينيَّاً، فترك الأمر وقاس، فعصى.
{قال فاهبط منها} فانزل من الجنَّة. وقيل: من السَّماء {فما يكون لك أن تتكبر فيها} عن أمري وتعصيني {فأخرج إنك من الصاغرين} الأذلاء بترك الطَّاعة.
{قال انظرني} أمهلني {إلى يوم يبعثون} يريد: النَّفخة الثَّانية.
{قال إنك من المنظرين}.
{قال فبما أغويتني} يريد: فبما أضللتني، أيْ: بإغوائك إيَّاي {لأقعدَّن لهم صراطك المستقيم} على الطَريق المستقيم الذي يسلكونه إلى الجنَّة، بأن أُزيِّن لهم الباطل.
{ثم لآتينَّهم من بين أيديهم} يعني: آخرتهم التي يردون عليها، فَأُشكِّكهم فيها {ومن خلفهم} دنياهم التي يُخَلِّفونها، فأُرغِّبهم فيها {وعن أيمانهم} أُشبِّه عليهم أمر دينهم {وعن شمائلهم} أُشهِّي لهم المعاصي.
{قال اخرج منها} من الجنَّة {مذؤوماً} مذموماً بأبلغ الذَّمِّ {مدحوراً} مطروداً ملعوناً {لمن تبعك منهم} من أولاد آدم {لأَمْلأَنَّ جهنم منكم} يعني: من الكافرين وقرنائهم من الشَّياطين.

.تفسير الآيات (19- 24):

{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}
{ويا آدم اسكن} سبق تفسيره في سورة البقرة.
{فوسوس لهما الشيطان} أَيْ: حدَّث لهما في أنفسهما {ليبدي لهما} هذه اللام لام العاقبة، وذلك أنَّ عاقبة تلك الوسوسة أدَّت إلى أن بدت لهما سوآتهما، يعني: فروجهما بتهافت اللَّباس عنهما، وهو قوله: {ما ووري} أَيْ: سُتر {عنهما من سوآتهما} {وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة} أَيْ: عن أكلها {إلاَّ أن تكونا} لا ها هنا مضمرة، أَيْ: إلاَّ أن لا تكونا {ملكين} يبقيان ولا يموتان، كما لا تموت الملائكة. يدلُّ على هذا المعنى قوله: {أو تكونا من الخالدين}.
{وقاسمهما} حلف لهما {إني لكما لمن الناصحين}.
{فدلاهما بغرور} غرَّهما باليمين، ومعنى دلاَّهما: جَرَّأَهُما على أكل الشَّجرة بما غرَّهما به من يمينه {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما} تهافت لباسهما عنهما، فأبصر كلُّ واحدٍ منهما عورة صاحبه، فاستحييا {وطفقا يخصفان} أقبلا وجعلا يُرقِّعان الورق كهيئة الثَّوب ليستترا به {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنَّ الشيطان لكما عدو مبين}.
{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين}.
{قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر} موضع قرار.

.تفسير الآيات (25- 27):

{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
{فيها تحيون} الآية. ولمَّا ذكر عُريَّ آدم وحواء منَّ علينا بما خلق لنا من اللِّباس، فقال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم} أَيْ: خلقنا لكم {لباساً يواري سوآتكم} يستر عوراتكم {وريشاً} أَيْ: مالاً، وما تتجمَّلون به من الثِّياب الحسنة {ولباس التقوى} أَيْ: ستر العورة لمَنْ يتَّقي الله فيواري عورته {ذلك خيرٌ} لصاحبه إذا أخذ به، أو خيرٌ من التَّعري، وذلك أنَّ جماعةً من المشركين كانوا يتعبَّدون بالتَّعريِّ وخلع الثَّياب في الطَّواف بالبيت. {وذلك من آيات الله} أَيْ: من فرائضه التي أوجبها بآياته. يعني: ستر العورة {لعلهم يذكرون} لكي يتَّعظوا.
{يا بني آدم لا يفتننَّكم الشيطان} لا يخدعنَّكم ولا يُضلنَّكم {كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما} أضاف النَّزع إليه- وإن لم يتولَّ ذلك-؛ لأنَّه كان بسببٍ منه {إنَّه يراكم هو وقبيله} يعني: ومَنْ كان من نسله {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} سلَّطناهم عليهم ليزيدوا في غيِّهم، كما قال: {إنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين...} الآية.

.تفسير الآيات (28- 31):

{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}
{وإذا فعلوا فاحشة} يعني: طوافهم بالبيت عارين.
{قل أمر ربي بالقسط} ردٌّ لقولهم: {والله أمرنا بها} والقسط: العدل {وأقيموا وجوهكم عند كلِّ مسجد} وجِّهوا وجوهكم حيث ما كنتم في الصَّلاة إلى الكعبة {وادعوه مخلصين له الدين} وحِّدوه ولا تشركوا به شيئاًَ. {كما بدأكم} في الخلق شيقيَّاً وسعيداً، فكذلك، {تعودون} سعداء وأشقياء، يدلُّ على صحَّة هذا المعنى قوله: {فريقاً هدى} أرشد إلى دينه، وهم أولياؤه {وفريقاً حقََّ عليهم الضلالة} أَضَلَّهُمْ، وهم أولياء الشَّياطين {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} ثمَّ أمرهم أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرَّوا، فقال: {يا بني آدم خذوا زينتكم} يعني: ما وارى العورة {عند كلِّ مسجد} لصلاةٍ أو طواف {وكلوا واشربوا} كان أهل الجاهليَّة لا يأكلون أيَّام حجِّهم إلاَّ قوتاً، ولا يأكلون دسماً. يُعظِّمون بذلك حجِّهم، فقال المسلمون: نحن أحقُّ أن نفعل، فأنزل الله تعالى: {وكلوا} يعني: اللَّحم والدَّسم {واشربوا} اللَّبن والماء وما أحلَّ لكم {ولا تسرفوا} بحظركم على أنفسكم ما قد أحللته لكم من اللَّحم والدَّسم {إنَّه لا يحب} مَنْ فعل ذلك، أَيْ: لا يُثيبه ولا يدخله الجنَّة.

.تفسير الآيات (32- 35):

{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
{قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده} مَنْ حرَّم أن تلبسوا في طوافكم ما يستركم {والطيبات من الرزق} يعني: ما حرَّموه على أنفسهم أيَّام حجِّهم {قل هي} أَي: الطَّيِّبات من الرِّزق {للذين آمنوا في الحياة الدنيا} مباحةٌ لهم مع اشتراك الكافرين معهم فيها في الدُّنيا، ثمَّ هي تخلص للمؤمنين يوم القيامة، وليس للكافرين فيها شيء، وهو معنى قوله: {خالصة يوم القيامة} {كذلك نفصل الآيات} نُفسِّر ما أحللت وما حرَّمت {لقومٍ يعلمون} أنِّي أنا الله لا شريك لي.
{قل إنما حرَّم ربي الفواحش} الكبائر والقبائح {ما ظهر منها وما بطن} سرَّها وعلانيتها {والإِثم} يعني: المعصية التي توجب الإِثم {والبغي} ظلم النَّاس، وهو أن يطلب ما ليس له {وأن تشركوا بالله} تعدلوا به في العبادة {ما لم ينزل به سلطاناً} لم ينزل كتاباً فيه حجَّةٌ {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} من أنَّه حرَّم الحرث والأنعام، وأنَّ الملائكة بنات الله.
{ولكلِّ أمة أجل} وقتٌ مضروبٌ لعذابهم وهلاكهم {فإذا جاء أجلهم} بالعذاب {لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} لا يتأخَّرون ولا يتقدَّمون حتى يُعذَّبوا.
{يا بني آدم إمَّا يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} فرائضي وأحكامي {فمن اتقى} اتَّقاني وخافني {وأصلح} ما بيني وبينه {فلا خوف عليهم} إذا خاف الخلق في القيامة {ولا هم يحزنون} إذا حزنوا.

.تفسير الآيات (37- 39):

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}
{فمن أظلم ممَّن افترى على الله كذباً} فجعل له ولداًَ أو شريكاً {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} ما كُتب لهم من العذاب، وهو سواد الوجه، وزرقة العيون {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} يريد: الملائكة يقبضون أرواحهم {قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله}؟ سؤال توبيخ وتبكيت وتقريع {قالوا ضلوا عنا} بطلوا وذهبوا {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} اعترفوا عند مُعاينة الموت، وأقروا على أنفسهم بالكفر.
{قال ادخلوا} أَيْ: قال الله تعالى لهم: ادخلوا النَّار {في أمم} أَيْ: مع {أمم قد خلت من قبلكم}. {كلما دخلت أمة} النَّار {لعنت أختها} يعني: الأمم التي سبقتها إلى النَّار؛ لأنَّهم ضلوا باتِّباعهم {حتى إذا ادَّاركوا فيها} أَيْ: تداركوا، وتلاحقوا، واجتمعوا جميعاً في النَّار {قالت أخراهم} أَيْ: أُخراهم دخولاً إلى النَّار {لأولاهم} دخولاً. يعني: قالت الأتباع للقادة: {ربنا هؤلاء أضلونا} لأَنَّهم شرعوا لنا أن نتَّخذ من دونك إلهاً {فآتهم عذاباً ضعفاً} أَضْعِفْ عليهم العذاب بأشدَّ ممَّا تعذِّبنا به {قال} الله تعالى: {لكلٍّ ضعف} للتَّابع والمتبوع عذابٌ مضاعفٌ {ولكن لا تعلمون} يا أهل الكتاب في الدًّنيا مقدار ذلك، وقوله: {فما كان لكم علينا من فضل} لأنَّكم كفرتم كما كفرنا، فنحن وأنتم في الكفر سواءٌ.