فصل: تفسير الآيات (159- 160):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (159- 160):

{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
{ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق} يدعون إلى الحقِّ {وبه يعدلون} وبالحقِّ يحكمون، وهم قوم وراء الصِّين آمنوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يصل إلينا منهم أحد، ولا منَّا إليهم. وقوله: {فانبجست} أَي: انفجرت، وهذه الآية مفسَّرة في سورة البقرة.

.تفسير الآيات (163- 165):

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
{واسألهم} يعني: سؤال توبيخٍ وتقريرٍ {عن القرية} وهي أيلة {التي كانت حاضرة البحر} مُجاورته {إذ يعدون في السبت} يظلمون فيه بصيد السَّمك {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً} ظاهرة على الماء {ويوم لا يسبتون} لا يفعلون ما يفعل في السَّبت. يعني: سائر الأيام {لا تأتيهم} الحيتان {كذلك} مثل هذا الاختبار الشَّديد {نبلوهم} نختبرهم {بما كانوا يفسقون} بعصيانهم الله، أَيْ: شدَّدتُ عليهم المحنة لفسقهم، ولمَّا فعلوا ذلك صار أهل القرية ثلاث فرق: فرقةٌ صادت وأكلت، وفرقةٌ نهت وزجرت، وفرقةٌ أمسكت عن الصَّيد، وهم الذين قال الله تعالى: {وإذ قالت أمة منهم} قالوا للفرقة النَّاهية {لم تعظون قوماً الله ملهلكهم} لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنَّهم غير مُقلعين، فقالت الفرقة النَّاهية للذين لاموهم: {معذرة إلى ربكم} أَي: الأمر بالمعروف واجبٌ علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذراً إلى الله {ولعلهم يتقون} فيتركون الصَّيد في السَّبت.
{فلما نسوا ما ذكروا به} تركوا ما وُعظوا به {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا} اعتدوا في السَّبت {بعذاب بئيس} شديدٍ، وهو المسخ جزاءً لفسقهم وخروجهم عن أمر الله.

.تفسير الآيات (166- 171):

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}
{فلما عتوا} أَيْ: طغوا واستكبروا {عمَّا نهوا عنه} أَيْ: عن ترك ما نُهوا عنه من صيد الحيتان يوم السَّبت {قلنا لهم} الآية مُفسَّرة في سورة البقرة.
{وإذ تأذَّن ربك} قالَ وأعلم ربُّك {ليبعثنَّ} ليرسلنَّ {عليهم} على اليهود {مَنْ يسومهم} أَيْ: يذيقهم {سوء العذاب} إلى يوم القيامة. يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم وأُمَّته يقاتلونهم أو يعطون الجزية {إنَّ ربك لسريع العقاب} لمن استحقَّ تعجيله.
{وقطعناهم في الأرض أمماً} فرَّقناهم في البلاد، فلم يجتمع لهم كلمة {منهم الصالحون} وهم الذين آمنوا {ومنهم دون ذلك} الذين كفروا {وبلوناهم} عاملناهم معاملة المختبر {بالحسنات} بالخِصب والعافية {والسيئات} الجدب والشَّدائد {لعلهم يرجعون} كي يتوبوا.
{فَخَلَفَ من بعدهم خلف} من بعد هؤلاء الذين قطَّعناهم خلفٌ من اليهود. يعني: أولادهم {ورثوا الكتاب} أخذوه عن آبائهم {يأخذون عرض هذا الأدنى} يأخذون ما أشرف لهم من الدُّنيا حلالاً أو حراماً {ويقولون سيغفر لنا} ويتمنَّون على الله المغفرة {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} وإن أصابوا عرضاً، أيْ: متاعاً من الدُّنيا مثل رشوتهم تلك التي أصابوا بالأمس قبلوه. وهذا إخبارٌ عن حرصهم على الدُّنيا {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلاَّ الحق} وأكَّد الله عليهم في التوراة ألا يقولوا على الله إلاَّ الحق فقالوا الباطل، وهو قولهم: {سيغفر لنا} وليس في التَّوراة ميعاد المغفرة مع الإِصرار {ودرسوا ما فيه} أَيْ: فهم ذاكرون لما أخذ عليهم الميثاق؛ لأنَّهم قرؤوه.
{والذين يمسكون بالكتاب} يؤمنون به ويحكمون بما فيه. يعني: مؤمني أهل الكتاب {وأقاموا الصلاة} التي شرعها محمد صلى الله عليه وسلم {إنا لا نضيع أجر المصلحين} منهم.
{وإذ نتقنا الجبل فوقهم} رفعناه باقتلاع له من أصله. يعني: ما ذكرنا عند قوله: {ورفعنا فوقكم الطور...} الآية. {وظنوا} وأيقنوا {أنَّه واقع بهم} إن خالفوا، وباقي الآية مضى فيما سبق.

.تفسير الآيات (172- 175):

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}
{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} أخرج الله تعالى ذريَّة آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء، وجميعُ ذلك أخرجه من صلب آدم مثل الذَّرِّ، وأخذ عليهم الميثاق أنَّه خالقهم، وأنَّهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا ذلك بعد أن ركَّب فيهم عقولاً، وذلك قوله: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم} أي: قال: ألستُ بربكم {قالوا بلى} فأقرُّوا له بالربوبيَّة، فقالت الملائكة عند ذلك {شهدنا} أَيْ: على إقراركم {أن} لا {تقولوا} لئلا تقولوا، أي: لئلا يقول الكفار {يوم القيامة إنا كنا عن هذا} الميثاق {غافلين} لم نحفظه ولم نذكره، ويذكرون الميثاق ذلك اليوم فلا يمكنهم الإنكار مع شهادة الملائكة، وهذه الآية تذكيرٌ لجميع المكلَّفين ذلك الميثاق؛ لأنَّها وردت على لسان صاحب المعجزة، فقامت في النُّفوس مقام ما هو على ذكرٍ منها.
{أو تقولوا} أَيُّها الذُّريَّة محتجِّين يوم القيامة: {إنما أشرك آباؤنا من قبل} أَيْ: قبلنا، ونقضوا العهد {وكنا ذرية من بعدهم} صغاراً فاقتدينا بهم {أفتهلكنا بما فعل المبطلون} أَفَتُعَذَّبنا بما فعل المشركون المكذِّبون بالتَّوحيد، وإَّنما اقتدينا بهم، وكنا في غفلةٍ عن الميثاق، وهذه الآية قطعٌ لمعذرتهم، فلا يمكنهم الاحتجاج بكون الآباء على الشِّرك بعد تذكير الله بأخذ الميثاق بالتَّوحيد على كلِّ واحدٍ من الذُّريَّة.
{وكذلك} وكما بيَّنا في أمر الميثاق {نفصل الآيات} نبيِّنها ليتدبَّرها العباد {ولعلهم يرجعون} ولكي يرجعوا عمَّا هم عليه من الكفر.
{واتل عليهم} واقرأ واقصص يا محمَّد على قومك {نبأ} خبر {الذي آتيناه آياتنا} علَّمناه حجج التَّوحيد {فانسلخ} خرج {منها فأتبعه الشيطان} أدركه {فكأن من الغاوين} الضَّالين. يعني: بلعم من باعوراء. أعان أعداء الله على أوليائه بدعائه، فَنُزِعَ عنه الإِيمان.

.تفسير الآيات (176- 177):

{وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}
{ولو شئنا لرفعناه بها} بالعمل بها. يعني: وفَّقناه للعمل بالآيات، وكنَّا نرفع بذلك منزلته {ولكنه أخلد إلى الأرض} مال إلى الدُّنيا وسكن إليها، وذلك أنَّ قومه أهدوا له رسوةً ليدعوَ على قوم موسى، فأخذها {واتبع هواه} انقاذ لما دعاه إليه الهوى {فمثله كمثل الكلب} أراد أنَّ هذا الكافر إن زجرته لم ينزجر، وإن تركته لم يهتدِ، فالحالتان عنده سواءٌ، كحالتي الكلب اللاهث، فإنَّه إنْ حُمل عليه بالطَّرد كان لاهثاً، وإن تُرك وربض كان أيضاً لاهثاً كهذا الكافر في الحالتين ضالٌّ، وذلك أنَّه زُجر في المنام عن الدُّعاء على موسى فلم ينزجر، وتُرك عن الزَّجر فلم يهتد، فضرب الله له أخسَّ شيءٍ في أخسّ أحواله، وهو حال اللَّهث مثلاً، وهو إدلاع اللِّسان من الإِعياء والعطش، والكلب يفعل ذلك في حال الكلال وحال الرَّاحة، ثمَّ عمَّ بهذا التَّمثيل جميع المكذِّبين بآيات الله فقال: {ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا} يعني: أهل مكَّة. كانوا يتمنَّون هادياً يهديهم، فلما جاءهم مَنْ لا يشكُّون في صدقه كذَّبوه، فلم يهتدوا لمَّا تُركوا، ولم يهتدوا أيضاً لمَّا دُعوا بالرَّسول، فكانوا ضالِّين عن الرُّشد في الحالتين {فاقصص القصص} يعني: قصص الذين كذَّبوا بآياتنا {لعلهم يتفكرون} فيتَّعظون، ثمَّ ذمَّ مَثلَهم، فقال: {ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا} أَيْ: بئس مثل القوم كذَّبوا بآياتنا {وأنفسهم كانوا يظلمون} بذلك التَّكذيب. يعني: إنَّما يخسرون حظَّهم.

.تفسير الآيات (179- 183):

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
{ولقد ذَرَأْنا} خلقنا {لجهنم كثيراً من الجن والإِنس} وهم الذين حقَّت عليهم الشَّقاوة {لهم قلوب لا يفقهون بها} لا يعقلون بها الخير والهدى {ولهم أعين لا يبصرون بها} سبل الهدى {ولهم آذان لا يسمعون بها} مواعظ القرآن {أولئك كالأنعام} يأكلون ويشربون ولا يلتفتون إلى الآخرة {بل هم أضلُّ} لأنَّ الأنعام مطيعةٌ لله، والكافر غير مطيع {أولئك هم الغافلون} عمَّا في الآخرة من العذاب.
{ولله الأسماء الحسنى} يعني: التِّسعة والتِّسعين {فادعوه بها} كقولك: يا اللَّهُ، يا قديرُ، يا عليمُ {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يميلون عن القصد، وهم المشركون عدلوا بأسماء الله عمّا هي عليه، فسمُّوا بها أوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا، واشتقوا اللاَّت من الله، والعُزَّى من العزيز، ومناة من المنَّان {سيجزون ما كانوا يعملون} جزاء ما كانوا يعملون في الآخرة.
{وممن خلقنا أمة...} الآية. يعني: أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال في قوم موسى عليه السلام: {ومن قوم موسى أمةٌ...} الآية.
{والذين كذبوا بآياتنا} محمدٍ والقرآن. يعني: أهل مكَّة {سنستدرجهم} سنمكر بهم {من حيث لا يعلمون} كلما جدَّدوا لنا معصية جدَّّدنا لهم نعمةً.
{وأملي لهم} أُطيل لهم مدَّة عمرهم ليتمادوا في المعاصي {إنَّ كيدي متين} مكري شديد. نزلت في المستهزئين من قريش، قتلهم الله في ليلةٍ واحدةٍ بعد أن أمهلهم طويلاً.

.تفسير الآيات (184- 187):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
{أَوَلَم يتفكروا} فيعلموا {ما بصاحبهم} محمَّدٍ {من جنة} من جنونٍ.
{أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض} ليستدلُّوا بها على توحيد الله، وفسَّرنا ملكوت السَّموات والأرضِ في سورة الأنعام {وما خلق الله من شيء} وفيما خلق الله من الأشياء كلها {وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} وفي أنْ لعلَّ آجالهم قريبة، فيهلكوا على الكفر، ويصيروا إلى النَّار {فبأيِّ حديث بعده يؤمنون} فبأيِّ قرآنٍ غير ما جاء به محمَّد يُصدِّقون؟ يعني: إنَّه خاتم الرُّسل، ولا وحي بعده، ثمَّ ذكر علَّة إعراضهم عن الإِيمان، فقال: {ومَنْ يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون}.
{يسألونك عن الساعة} أَي: السَّاعة التي يموت فيها الخلق. يعني: القيامة نزلت في قريش قالت لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: أسرَّ إلينا متى السَّاعة {إيَّان مرساها} متى وقوها وثبوتها؟ {قل إنما علمها} العلم بوقتها ووقوعها {عند ربي لا يجليها لوقتها إلاَّ هو} لا يظهرها في وقتها إلاَّ هو {ثقلت في السموات والأرض} ثقل وقوعها وكَبًُر على أهل السَّموات والأرض لما فيها من الأهوال {لا تأتيكم إلاَّ بغتة} فجأة {يسألونك كأنك حَفِيٌّ عنها} عالمٌ بها مسؤول عنها {قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أنَّ علمها عند الله حين سألوا محمداً عن ذلك.

.تفسير الآيات (188- 189):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
{قل لا أملك لنفسي...} الآية. إنَّ أهل مكة قالوا: يا محمَّد، ألا يخبرك ربُّك بالسِّعر الرَّخيص، قبل أن يغلو، فنشتري من الرَّخيص لنربح عليه؟ وبالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل عنها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية، ومعنى قوله: {لا أملك لنفسي نفعاً} أي: اجتلاب نفع بأن أربح، {ولا ضرَّاً} دفع ضرٍّ بأن أرتحل من الأرض التي تريد أن تجدب {إلاَّ ما شاء الله} أن أملكه بتمليكه {ولو كنت أعلم الغيب} ما يكون قبل أن يكون {لاستكثرت من الخير} لادَّخرت في زمانِ الخِصْبِ لزمن الجدب {وما مسني السوء} وما أصابني الضرُّ والفقر {إن أنا إلاَّ نذير} لمَنْ يصدِّق ما جئت به {وبشير} لمن اتَّبعني وآمن بي.
{هو الذي خلقكم من نفس واحدة} يعني: آدم {وجعل منها زوجها} حوَّاء خلقها من ضلعه {ليسكن إليها} ليأنس بها، فيأوي إليها {فلما تغشاها} جامعها {حملت حملاً خفيفاً} يعني: النُّطفة والمنيِّ {فمرَّت به} استمرَّت بذلك الحمل الخفيف، وقامت وقعدت، ولم يُثْقِلها {فلما أثقلت} صار إلى حال الثِّقل ودنت ولادتها، {دعوا الله ربهما} آدم وحواء {لئن آتيتنا صالحاً} بشراً سويَّاً مثلنا {لنكوننَّ من الشاكرين} وذلك أنَّ إبليس أتاها في غير صورته التي عرفته، وقال لها: ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري. قال: إنِّي أخاف أن يكون بهيمةً، أو كلباً أو خنزيراً، وذكرت ذلك لآدم، فلم يزالا في همٍّ من ذلك، ثمَّ أتاها وقال: إن سألتُ الله أن يجعله خلقاً سويَّاً مثلك أَتُسمِّينه عبد الحارث؟ وكان إبليس في الملائكة الحارث، ولم يزل بها حتى غرَّها، فلمَّا ولدت ولداً سويَّ الخلق سمَّته عبد الحارث، فرضي آدم.