فصل: تفسير الآيات (49- 50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (49- 50):

{تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)}
{تلك} القصَّة التي أخبرتك بها {من أنباء الغيب} أخبار ما غاب عنك وعن قومك {فاصبر} كما صبر نوح على أذى قومه {إنَّ العاقبة للمتقين} آخر الأمر بالظَّفر لك ولقومك، كما كان لمؤمني قوم نوحٍ، وقوله: {إن أنتم إلاَّ مفترون} ما أنتم إلاَّ كاذبون في إشراككم الأوثان.

.تفسير الآيات (52- 55):

{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)}
{يرسل السماء عليكم مدراراً} كثير الدَّرِّ. يعني: المطر {ويزدكم قوة إلى قوتكم} يعني: المال والولد، وكان الله سبحانه قد حبس عنهم المطر ثلاث سنين، وأعقم أرحام نسائهم، فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله سبحانه بلادكم، ورزقكم المال والولد.
{قالوا} مُنكرين لنبوَّته: {يا هود ما جئتنا ببينة} بحجَّةٍ واضحةٍ، وقوله: {اعتراك} أصابك ومسَّك {بعض آلهتنا بسوء} بجنونٍ فأفسد عقلك، فالذي يظهر مِنْ عيبها لما لحق عقلك من التَّغيير {قال} نبيُّ الله عليه السَّلام عند ذلك: {إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون} أَيْ: إن كانت عندكم الأصنام أنَّها عاقبتني لطعني عليها، فإني أزيد الآن في الطَّعن عليها، وقوله: {فيكدوني جميعاً} احتالوا أنتم وأوثانكم في عداوتي {ثم لا تنظرون} لا تُؤجِّلون.

.تفسير الآيات (56- 63):

{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}
{ما من دابة إلاَّ هو آخذٌ بناصيتها} أَيْ: هي في قبضته، وتنالها بما شاء قدرته {إنَّ ربي على صراط مستقيم} أَيْ: إنَّ الذي بعثني الله به دينٌ مستقيمٌ.
{فإن تولوا} تتولَّوا، بمعنى: تُعرضوا عمَّا دعوتكم إليه من الإِيمان {فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} فقد ثبتت الحُجَّة عليكم بإبلاغي {ويستخلف ربي قوماً غيركم} أَيْ: ويخلف بعدكم مَنْ هو أطوعُ له منكم {ولا تضرونه} بإعراضكم {شيئاً} إنَّما تضرُّون أنفسكم {إنَّ ربي على كل شيء} من أعمال العباد {حفيظ} حتى يجازيهم عليها.
{ولما جاء أمرنا} بهلاك عادٍ {نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا} حيث هديناهم إلى الإِيمان، وعصمناهم من الكفر {ونجيناهم من عذاب غليظ} يعني: ما عُذِّب به الذين كفروا.
{وتلك عاد} يعني: القبيلة {جحدوا بآيات ربهم} كذَّبوها فلم يُقِرّوا بها {وعصوا رسله} يعني: هوداً عليه السَّلام؛ لأنَّ مَنْ كذَّب رسولاً واحداً فقد كفر بجميع الرُّسل {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} واتَّبع السَّفلةُ الرُّؤساءَ. والعنيد: المعارضُ لك بالخلاف.
{وأُتْبِِعُوا في هذه الدنيا لعنةً} أُردفوا لعنةً تلحقهم وتنصرف معهم {ويوم القيامة} أَيْ: وفي يوم القيامة، كما قال: {لعنوا في الدنيا والآخرة} {ألاَ إنَّ عاداً كفروا ربهم} قيل: بربِّهم. وقيل: كفروا نعمة ربِّهم {ألا بعداً لعاد} يريد: بعدوا من رحمة الله تعالى، وقوله: {وهو أنشأكم} أَيْ: خلقكم {من الأرض} من آدم، وآدم خُلق من تراب الأرض {واستعمركم فيها} جعلكم عمَّاراً لها.
{قالوا يا صالح قد كنتَ فينا مَرْجُوّاً قبل هذا} وذلك أنَّ صالحاً عليه السَّلام كان يعدل عن دينهم، ويشنأ أصنامهم، وكانوا يرجون رجوعه إلى دين عشيرته، فلمَّا أظهر دعاءهم إلى الله تعالى زعموا أنَّ رجاءهم انقطع منه، وقوله {مريب} موقعٍ في الرِّيبة.
{قال يا قوم أرأيتم...} الآية. يقول: أعلمتم مَنْ ينصرني من الله، أَيْ: مَنْ يمنعني من عذاب الله إن عصيته بعد بيِّنةٍ من ربِّي ونعمةٍ {فما تزيدونني غير تخسير} أَيْ: ما تزيدونني باحتجاجكم بعبادة آبائكم الأصنام، وقولكم: {أتنهانا أن نعبدَ ما يعبدُ آباؤُنا} إلاَّ بنسبتي إيَّاكم إلى الخسارة، أَيْ: كلَّما اعتذرتم بشيءٍ زادكم تخسيراً. وقيل: معنى الآية: ما تزيدونني غير تخسيرٍ لي إن كنتم أنصاري، ومعنى التَّخسير: التَّضليل والإِبعاد من الخير.

.تفسير الآيات (65- 67):

{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)}
{تمتعوا في داركم} أَيْ: عيشوا في بلادكم {ثلاثة أيام ذلك وعدٌ} للعذاب {غير مكذوب} غير كذبٍ، وقوله: {ومن خزي يومئذٍ} أَيْ: نجَّيناهم من العذاب الذي أهلك قومه، ومن الخزي الذي لزمهم، وبقي العارُ فيهم مأثوراً عنهم، فالواوُ في {ومِنْ} نسقٌ على محذوف، وهو العذاب.
{وأخذ الذين ظلموا الصيحة} لمَّا أصبحوا اليوم الرَّابع أتتهم صيحةٌ من السَّماء فيها صوت كلِّ صاعقةٍ، وصوت كلِّ شيء في الأرض، فتقطَّعت قلوبهم في صدورهم.

.تفسير الآيات (69- 70):

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)}
{ولقد جاءت رسلنا} يعني: الملائكة الذين أتوا {إبراهيم} عليه السَّلام على صورة الأضياف {بالبشرى} بالبشارة بالولد {قالوا سلاماً} أَيْ: سلِّموا سلاماً {قال سلامٌ} أَيْ: عليكم سلامٌ {فما لبث أن جاء بعجل حنيذٍ} مشويٍّ.
{فلما رأى أيديهم لا تصل إليه} إلى العجل {نكرهم} أنكرهم {وأوجس منهم خيفة} أضمر منهم خوفاً، ولم يأمن أن يكونوا جاؤوا لبلاءٍ لمَّا لم يتحرَّموا بطعامه، فلمَّا رأوا علامة الخوف في وجهه {قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط} بالعذاب.

.تفسير الآيات (71- 74):

{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}
{وامرأته} سارة {قائمة} وراء السِّتر تتسمَّع إلى الرُّسل {فضحكت} سروراً بالأمن حيث قالوا: {إنا أُرسلنا إلى قوم لوط}، وذلك أنَّها خافت كما خاف إبراهيم عليه السَّلام، فقيل لها: يا أيتها الضَّاحكة ستلدين غلاماً، فذلك قوله: {فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحق} أَيْ: بعده {يعقوب} عليهما السَّلام. وذلك أنَّهم بشَّروها بأنَّها تعيش إلى أن ترى ولد ولدها.
{قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز} وكانت بنت تسع وتسعين سنةً {وهذا بعلي شيخاً} وكان ابن مائة سنة واثنتي عشرة سنة {إنَّ هذا} الذي تذكرون من ولادتي على كبر سنِّي وسنِّ بعلي {لشيء عجيب} معجب.
{قالوا أتعجبين من أمر الله} قضاء الله وقدره {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} يعني: بيت إبراهيم عليه السَّلام، فكان من تلك البركات أنَّ الأسباط، وجميع الأنبياء كانوا من إبراهيم وسارة، وكان هذا دعاءً من الملائكة لهم، وقوله: {إنّه حميدٌ} أَيْ: محمودٌ في أفعاله {مجيد} كريمٌ.
{فلما ذهب عن إبراهيم الروع} الفزع {وجاءته البشرى} بالولد {يجادلنا} أَيْ: أقبل وأخذ يجادل رسلنا {في قوم لوط} وذلك أنَّهم لما قالوا لإِبراهيم عليه السَّلام: {إنَّا مهلكو أهلِ هذه القرية} قال لهم: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. قال: فأربعون؟ قالوا: لا، فما زال ينقص حتى قال: فواحدٌ؟ قالوا: لا، فاحتجَّ عليهم بلوط، و{قال إنَّ فيها لوطاً قالوا نحن أعلم..} الآية. فهذا معنى جداله، وعند ذلك قالت الملائكة: {يا إبراهيم أعرض عن هذا} الجدال، وخرجوا من عنده فأتوا قرية قوم لوطٍ.

.تفسير الآيات (76- 83):

{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
{يا إبراهيم أعرض عن هذا} الجدال، وخرجوا من عنده فأتوا قرية قوم لوطٍ، وذلك قوله: {ولما جاءت رسلنا لوطاً سِيءَ بهم} حزن بمجيئهم؛ لأنَّه رآهم في أحسن صورةٍ، فخاف عليهم قومه، وعلم أنَّه يحتاج إلى المدافعة عنهم، وكانوا قد أتوه في صورة الأضياف {وضاق بهم ذرعاً} أَيْ: صدراً {وقال هذا يوم عصيب} شديدٌ. ولمَّا علم قومه بمجيء قومٍ حسانِ الوجوه أضيافاً للوط قصدوا داره، وذلك، قوله: {وجاء قومه يهرعون إليه} أَيْ: يُسرعون إليه {ومن قبل} أَيْ: ومِنْ قبل مجيئهم إلى لوطٍ {كانوا يعملون السيئات} يعني: فعلهم المنكر {قال يا قومِ هؤلاء بناتي} أُزوِّجكموهنَّ ف {هنَّ أَطْهَرُ لكم} من نكاح الرِّجال. أراد أن يقي أضيافه ببناته {فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} لا تفضحوني فيهم؛ لأنَّهم إذا هجموا إلى أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحة {أليس منكم رجل رشيد} يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
{قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق} لَسْنَ لنا بأزواجٍ فنستحقهنَّ {وإنك لتعلم ما نريد} أَيْ: إنَّا نريد الرِّجال لا النِّساء.
{قال لو أنَّ لي بكم قوَّة} لو أنَّ معي جماعةً أقوى بها عليكم {أو آوي} أنضمُّ {إلى ركن شديد} عشيرةٍ تمنعني وتنصرني لَحُلْتُ بينكم وبين المعصية، فلمَّا رأت الملائكة ذلك،
{قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} بسوءٍ فإنَّا نحولُ بينهم وبين ذلك {فأسرِ بأهلك بقطع الليل} في ظلمة اللَّيل {ولا يلتفت منكم أحد} لا ينظر أحدٌ إلى ورائه إذا خرج من قريته {إلاَّ امرأتك} فلا تسرِ بها، وخلِّفها مع قومها؛ فإنَّ هواها إليهم و{إنَّه مصيبها ما أصابهم} من العذاب {إنَّ موعدهم الصبح} للعذاب، فقال لوط: أريد أعجلَ من ذلك، بل السَّاعةَ يا جبريل، فقالوا له: {أليس الصبح بقريب}.
{فلما جاء أمرنا} عذابنا {جعلنا عاليها سافلها} وذلك أنَّ جبريل عليه السَّلام أدخل جناحه تحتها حتى قلعها، وصعد بها إلى السَّماء، ثمَّ قلبها إلى الأرض {وأمطرنا عليها حجارة} قبلَ قلبها إلى الأرض {من سجيل} من طينٍ مطبوخٍ، طُبخ حتى صار كالآجر، فهو سنك كل بالفارسية، فَعُرِّب، {منضود} يتلو بعضه بعضاً.
{مسوَّمة} مُعلَّمةً بعلامةٍ تُعرف بها أنَّها ليست من حجارة أهل الدُّنيا {عند ربك} في خزائنه التي لا يُتصرَّف في شيءٍ منها إلاَّ بإرادته {وما هي من الظالمين ببعيد} يعني: كفَّار قريش، يُرهبهم بها.

.تفسير الآيات (84- 90):

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}
{وإلى مدين} ذكرنا تفسير هذه الآية في سورة الأعراف، وقوله: {إني أراكم بخير} يعني: النِّعمة والخصب، يقول: أيُّ حاجةٍ بكم إلى التَّطفيف مع ما أنعم الله سبحانه به عليكم من المال ورخص السِّعر {وإني أخاف عليكم عذاب يومٍ محيط} يُوعدهم بعذابٍ يُحيط بهم فلا يفلت منهم أحدٌ.
{ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط} أَتِمّوهما بالعدل.
{بقية الله} أَيْ: ما أبقى الله لكم بعد إيفاء الكيل والوزن {خير لكم} من البخس، يعني: من تعجيل النَّفع به {إن كنتم مؤمنين} مُصدِّقين في نعمه.
شَرَطَ الإِيمانَ لأنَّهم إنَّما يعرفون صحَّة ما يقول إذا كانوا مؤمنين {وما أنا عليكم بحفيظ} أَيْ: لم أُؤمر بقتالكم وإكراهكم على الإِيمان.
{قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} يريدون: دينُك يأمرك، أَيْ: أفي دينك الأمر بذا؟ {أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} من البخس والظُّلم، ونقص المكيال والميزان {إنك لأنت الحليم الرشيد} أيْ: السَّفيه الجاهل، وقالوا: الحليم الرَّشيد على طريق الاستهزاء.
{قال يا قوم أرأيتم} أعلمتم {إن كنت على بينة من ربي} بيانٍ وحجَّةٍ من ربي {ورزقني منه رزقاً حسناً} حلالاً، وذلك أنَّه كان كثير المال، وجواب {إنْ} محذوف على معنى: إنْ كنت على بيِّنةٍ من ربي ورزقني المال الحلال أتَّبع الضَّلال فأبخس وأُطفف؟ يريد: إنَّ الله تعالى قد أغناه بالمال الحلال، {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أَيْ: لست أنهاكم عن شيءٍ وأدخل فيه، وإنَّما أختار لكم ما أختار لنفسي {إن أريد} ما أريد {إلاَّ الإصلاح} فيما بيني وبينكم بأن تعبدوا الله وحده، وأَنْ تفعلوا ما يفعل مَنْ يخاف الله {ما استطعت} أَيْ: بقدر طاقتي، وطاقة الإِبلاغ والإِنذار، ثمَّ أخبر أنَّه لا يقدر هو ولا غيره على الطَّاعة إلاَّ بتوفيق الله سبحانه، فقال: {وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلت وإليه أنيب} أرجع في المعاد.
{ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي} لا يكسبنَّكم خلافي وعداوتي {أن يصيبكم} عذاب العاجلة {مثل ما أصاب قوم نوحٍ} من الغرق {أو قوم هود} من الرِّيح العقيم {أو قوم صالح} من الرَّجفة والصِّيحة {وما قوم لوط منكم ببعيد} في الزَّمان الذي بينكم وبينهم وكان إهلاكهم أقربَ الإِهلاكات التي عرفوها.
{واستغفروا ربكم} اطلبوا منه المغفرة {ثمَّ توبوا إليه} توصَّلوا إليه بالتَّوبة {إنَّ ربي رحيم} بأوليائه {ودودٌ} محبٌّ لهم.